إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / إعداد الدولة للدفاع (الأُسُس والمفاهيم)





التنسيق بين الوزارات
التعبئة والحشد والانتشار




إعداد الدولة للدفاع

المبحث الخامس

إعداد الاقتصاد الوطني للدفاع

الاقتصاد هو القاعدة الأساسية لبناء الدفاع والإعداد للحرب. فهو الممول لكل عمليات الإعداد وخططها المركزية والتفصيلية، والمؤثر الرئيسي على قدرة الدولة على التصدي للعدوان. لذلك، فإن إعداد اقتصاد الدولة للتحول، من اقتصاد السلم إلى اقتصاد الحرب، من البديهيات التي تضعها القيادة السياسية في أولوياتها، عند إعداد الدولة للدفاع.

يقوم الإعداد الاقتصادي على حسابات دقيقة، وإحصائيات علمية، وتنبؤات مدروسة، لاحتمالات واقعية. ويتعلق الإعداد الاقتصادي بكل قطاعات الدولة، وفئات الشعب، وقواته المسلحة، مما يضفي أهمية متزايدة على تأثيره.

أولاً: أهمية الإعداد الاقتصادي للدولة للدفاع

الإعداد الاقتصادي للدولة من الشؤون المعقدة، خاصة عند العمل في وقت السلم، لإعداد الدولة لوقت الحرب، فتكثر الأطراف المشتركة في الإعداد، لتنوع تخصصاته، ومجالاته، وتعدد مستوياته. ويقوم العمل لإعداد اقتصاد الدولة للحرب، على إدراك متطلبات القوات المسلحة والعمل على تلبيتها، من دون أن تتأثر حاجات الشعب. لذا، تعمل كافة الأجهزة الاقتصادية ـ كل في تخصصه ـ في تعاون وثيق، مع أجهزة الدولة الأخرى، والتنظيمات شبة الرسمية والشعبية، للوصول إلى أنسب استهلاك للموارد لصالح الفئتين (القوات المسلحة والشعب).

وتغطي الحرب الحديثة مساحة واسعة، تتعدى مسارح العمليات، لتصل إلى كل أراضي الدولة. لذا فإن الإعداد الاقتصادي، يجب أن يشمل في تخطيطه كافة المناطق بالدولة. كما يشمل كافة التخصصات، زراعية، وصناعية، وتجارية، وفنية، وهندسية، وكل ما يتعلق بالاقتصاد الوطني. وعليه أن يضمن استمرار الإنتاج، وسيطرة مستقرة على العمل في وحدات الإنتاج ووحدات الخدمات، لصالح المجهود الحربي، والمجتمع، من دون تأثر كبير بالصراع ونتائجه.

ثانياً: التخطيط الاقتصادي للإعداد للدفاع عن الدولة

تختلف ظروف الدول وقدراتها الاقتصادية، التي تؤثر بشكل مباشر على خطوات الإعداد الاقتصادي. إلاّ أن الشكل السياسي لنظام الحكم، يصبح العامل الرئيسي في تحديد نوع النظام الاقتصادي للدولة، الذي تكون له اليد الطولي في مدى تدخل الدولة، في دورة الاقتصاد الوطني للإعداد للدفاع.

وطبقاً للنظام السياسي للدولة، توجد ثلاثة توجهات اقتصادية رئيسية، (رأسمالي، وشمولي، وإسلامي) لكل منها أثر مهم في شكل الإعداد الاقتصادي للدولة:

1. النظام الرأسمالي: يتجه هذا النظام نحو الحرية الاقتصادية، وهو يُعني بالتخطيط الخاص طبقاً لحدود الملكية، وتبقى الدولة بعيدة عن التدخل في الأوضاع الخاصة بالإنتاج، والمملوك في معظمه للأفراد والهيئات. إلاّ أن إعداد الدولة للدفاع، يحتم تدخل الدولة جزئيا لفترة زمنية محدودة (وقت الحرب). كما أن الدولة تضع تصوراً للتخطيط الاقتصادي شاملاً ومتكاملاً، حتى لا تُفاجأ أثناء الحرب، بعدم قدرة اقتصادها على تلبية مطالب القوات المسلحة والشعب. كذلك، فإن أصحاب أدوات الإنتاج، يعنيهم تلبية تلك المطالب ـ مع أخذ أرباحهم في الاعتبار ـ حتى لا ينهار الاقتصاد الوطني وأدواته، من جراء الحرب.

2. النظام الشمولي (الاشتراكي ـ الشيوعي): يسعى هذا النظام لسيطرة الدولة، بشكل رئيسي، (وقد يكون كاملاً) على أدوات الإنتاج، والمؤسسات المالية. لذلك، فإن التخطيط الاقتصادي يتخذ شكل التدخل الكامل، والمباشر، للدولة. ويتمشى مع أهدافها (نظام موجه من أعلى)، مما يجعله اقتصاداً مقيداً، وهو يلبي احتياجات الإعداد للدفاع، إلاّ أنه يتقاعس عن تلبية احتياجات الأفراد، بالقدر من الاهتمام نفسه، وهي السمة الرئيسية للنظم الشمولية، التي ضعفت وانكمشت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، في عام 1990.

3. النظام الإسلامي (النظم الوسيطة): يأخذ هذا النظام بأوسط الأمور، لتحقيق هدفه الأساسي، وهو "تحقيق مصلحة المسلمين، مع احترام حقوق أهل الذمة في دار السلام"، وضمان الخير للدولة أفراداً وجماعة. ويتطلب ذلك استغلال جميع الموارد المتاحة في الإنتاج، الاستغلال الأمثل والأكمل[1]. لذلك، فإن النظام الاقتصادي الإسلامي الحق، يوازن بين مصلحة الفرد، ومصلحة المجموع، ويحرص على تعاون المجتمعات الإسلامية، حفاظاً على مصلحة الجماعة الإسلامية (مبدأ وحدة مصلحة المسلمين). وعلى هذا، فإن التخطيط الاقتصادي في هذا النظام، يأخذ بمبدأ حرية الفرد في الإنتاج، والتدخل لاستكمال احتياجات الجماعة، وهو ما تمثله مطالب القوات المسلحة والشعب للإعداد للدفاع. ويكون التدخل جزئي، لتغطية ما نقص من الاستغلال عن الاكتمال والمثالية.

4. تأخذ النظم الاقتصادية الثلاث، بمبدأ التخطيط الوطني (والقومي) في حالة إعداد الاقتصاد للدفاع، ليصبح اقتصاداً موجهاً (نسبياً) لموائمة المطالب مع الموارد والإنتاج. وتزداد نسبة تدخل الدولة في الاقتصاد، كلما اشتدت الحاجة إلى تطابق نظم الإنتاج (العرض)، مع متطلبات الصراع والإعداد له (الطلب). وهو ما يقترب من النظام الشمولي[2].

يأخذ التخطيط الاقتصادي دوراً أساسياً في إنجاح التخطيط العسكري، بتنبؤه الصحيح والدقيق لمتطلبات الحرب، واحتياجات الدولة خلالها، وتوفيقه بين مطالب الشعب، في حياته اليومية، والمطالب العسكرية للصراع.

ثالثاً: تحول الدولة إلى اقتصاد الحرب

تهدف خطة الإعداد الاقتصادي، تحويل اقتصاد الدولة من وضع السلم، إلى وضع الحرب. ويتم ذلك بحصر كافة إمكانيات الدولة الاقتصادية، ومواردها الطبيعية والصناعية، وقدراتها الإنتاجية والمالية، ووضع خطة شاملة ودقيقة لتعبئة تلك الإمكانيات والموارد والقدرات، وجعلها تحت تصرف المجهود الحربي.

وتشمل خطة التعبئة كافة الأنشطة الاقتصادية، من زراعة، وصناعة، وتجارة، ومواصلات، ومؤسسات مالية، ومنشآت اقتصادية مختلفة. ويوضع في الاعتبار معدل الاستهلاك العالي المتوقع، الذي أصبح من سمات الصراع في العصر الحديث، نتيجة لتطور الأسلحة، والمعدات، في بُعد المدى والقوة التدميرية، ودقة إصابة الأهداف.

1. إعداد قطاع الزراعة في الدولة

يهدف إعداد قطاع الزراعة، إلى تأمين إمداد الشعب والقوات المسلحة باحتياجاتهما الضرورية من المنتجات الزراعية، سواء للإعاشة أو ما يدخل منها في التصنيع. وكذلك، المحافظة على أسواق التصدير التقليدية لمنتجات الدولة الزراعية. وتهدف خطة إعداد القطاع الزراعي، إلى الوصول لمستوى الاكتفاء الذاتي (مع التصدير للخارج، للحصول على التمويل أيضاً).

ولتنفيذ خطة الإعداد للقطاع الزراعي، يجب تنظيم الإنتاج في هذا القطاع، على أساس اقتصاديات الحرب، الذي يحتم وجود احتياطي من المواد الغذائية، مخزنة بعيداً عن المناطق المعرضة للتدمير. ثم التركيز على الاستثمارات سريعة العائد، التي تُسهم في زيادة الإنتاج، وزيادة التصدير (المواد الأكثر استهلاكاً، والأفضل تصديراً)، والتخطيط للتوسع الرأسي، في الزراعة (زيادة إنتاجية الأرض).

كما ينبغي، أيضاً، العناية باستخدام المعدات والآلات الزراعية ـ في وقت السلم ـ ليُمكن استخدامها بسهولة وقت الحرب (جرارات ـ شاحنات ـ صهاريج ـ أدوات تسوية تربة وحصاد، ذات إنتاجية عالية)، لتغطية ندرة العمالة في مثل هذا الوقت.

كما تُنسق خطط الإنتاج الزراعي، ، بالتركيز على المنتجات الضرورية، خاصة، ما تحتاجه القوات المسلحة، مع التوسع في استخدام المواد المخصبة من البيئة الطبيعية (الأسمدة العضوية). وتستطيع الدولة التغلب على مشاكل نقص الأغذية والمحاصيل، بإقامة علاقات طيبة، واتفاقيات، ومعاهدات، مع الدول المجاورة، والتجمعات الإقليمية المنضمة لها (التكامل الاقتصادي مع دول أخرى مجاورة، أو صديقة، يسهّل الاستيراد منها زمن الحرب).

2. إعداد قطاع الصناعة في الدولة

يُعد أهم القطاعات الاقتصادية في زمن الحرب، لتنوع أنشطته، وتعدد مطالب القوات المسلحة والدولة من المنتجات المصّنعة، بصفة دائمة، خاصة المعدات، والذخائر، والأسلحة، اللازمة للتشكيلات المقاتلة.

وتخطط الدولة، لإعداد الصناعة، في وقت السلم، ليكون لديها قاعدة صناعية، ترتكز عليها، وقت الحرب. وتهدف سياسة التصنيع، إلى تنمية قاعدة الإنتاج، باستغلال ما يتوفر لديها من موارد محلية ومستوردة، من الدول الصديقة (التي يُعتمد على استمرار تدفقها في وقت الحرب).

ويشمل التخطيط لإعداد الصناعة، كافة أوجه النشاط الصناعي، مع التركيز على الصناعات الحربية، والصناعات المتصلة بمطالب المجهود الحربي، واستغلال الاستثمارات الوطنية. وتوضع أولويات للصناعات، إنشاءً وتطويراً، طبقاً لحيويتها (الصناعات الثقيلة والوسيطة والدقيقة)، والتقنية المتقدمة، والمتاحة، والكوادر الفنية، المتوفرة محلياً، أو بالعمالة الوافدة (مع الوضع في الاعتبار خطورة زيادة نسبة العمالة الوافدة، بصفة عامة، ومن دولة بعينها، بصفة خاصة).

تتطلب إقامة صناعة وطنية ـ بجـانب الاستثمارات المالية، والكوادر الفنية والتقنية المالية الحديثة ـ توافر طبقة من العلماء الوطنيين، والباحثين، في مختلف العلوم، ممن لهم دور مهم في بناء الصناعة الحديثة، وتطويرها. وهذا يعنى ضرورة ارتباط خطط إعداد القوى البشرية، بخطط التصنيع، في الميادين المختلفة.

ويهدف إعداد الصناعة، في زمن الحرب، إلى تحقيق الكفاية الذاتية من المنتجات المصنعة، طبقاً لمطالب القوات المسلحة، والشعب. وتحقيق مستوى عالٍ، وفائض، يمكنه المنافسة في الأسواق العالمية، للحصول على عائد مجز يغطي، نفقات الإعداد للدفاع بصفة عامة، ويُسهم في استيراد الأسلحة والمعدات والمنتجات، غير المصنعة محلياً.

ويراعى في خطط الإعداد للصناعة، عدة أسس مهمة، حتى تحقق هدفها في زمن الحرب، منها:

أ. إمكان تحويل الصناعات المدنية إلى صناعة حربية، في زمن قصير، وبأقل مجهود وتكلفة، ومن دون تغير حاد في الإنتاج (مرونة الإنتاج).

ب. توحيد نوعيات الأجهزة، والمعدات، والتجهيزات، المستخدمة في القوات المسلحة، والقطاع المدني، حتى يمكن الاستعانة بها في المجهود الحربي.

ج. إيجاد قاعدة موحدة تحدد المواصفات القياسية للمنتجات، التي يتطلبها المجهود الحربي، ويستخدمها القطاع المدني كذلك، ممّا يسهل أعمال الصيانة، والإصلاح، وإعداد الكوادر الفنية.

د. انتشار المنشآت الصناعية خارج التجمعات السكنية، وبالقرب من المحاور، التي يسهل منها نقل المنتجات، مع عدم الإخلال بمتطلبات التأمين من تحصين المنشأة والدفاع عنها، ضد الغارات الجوية والتخريب والاقتحام.

هـ. توفر احتياطي مناسب من الخامات، والآلات، والأجهزة، لضمان إزالة آثار التدمير بسرعة، واستعادة كفاءة الإنتاج.

و. التخطيط لازدواج التصنيع، بأن تحل بعض القطاعات في المنشآت الصناعية محل تلك المدمرة في منشآت أخرى لحين استعادة كفاءتها، لضمان استمرار الإنتاج.

3. إعداد قطاع المواصلات في الدولة

يؤدي النقل دوراً مهماً خلال السلم والحرب. ويُعد النقل في العصر الحديث، عصب المدنية، والدليل على حيوية الأمة. وهو من جانب النمو الاقتصادي، ذو أهمية بالغة، لارتباطه بسياسة الاستيراد والتصدير، وهو ما يؤثر، أيضاً، في إعداد الاقتصاد للدفاع، بتأثيره في توفير الاحتياجات في الزمان والمكان المناسبين، وقدرته على تكوين الاحتياطيات المطلوبة للصمود في الصراع المنتظر، إضافة إلى تأثيره في تكلفة السلع وأسعارها.

وتنعكس معرفة الدولة بأهمية هذا القطاع، في اهتمامها بإنشاء الشركات الوطنية، في كافة طرق النقل، وتوفير الوسائل اللازمة له[3]. إذ لا يمكن لوسيلة واحدة، تغطية كافة المطالب من النقل.

وتربط المواصلات بين مراكز الإنتاج، والتسويق، والتصدير. كما تنقل الاحتياجات المستوردة، والمنتجة محلياً، إلى مناطق توزيعها، أو الحاجة إليها، أو مناطق تخزينها. كما يلبي النقل، كذلك، مطالب القوات المسلحة ـ التي قد تلجأ إلى تعبئة وسائل النقل المدنية على الرغم من امتلاكها لوسائلها الخاصة ـ عندما تُقَّصِر وسائل النقل العسكري، عن استيعاب التحركات العسكرية، على كافة الاتجاهات، التي تتميز بالضخامة، وضيق الوقت، واتساع جبهة العمل، وتعدد المحاور والطرق المستخدمة، واختلاف الاتجاهات.

وينسق قطاع المواصلات ـ عادة ـ خططه للإعداد للدفاع، مع الخطط الاقتصادية الأخرى، التي تُبنى أصلاً على كفاءة النقل، وكذلك مع مطالب واحتياجات القوات المسلحة. لذلك، تشمل خططه إعداد الطرق والوسائل معاً فتتضمن الطرق التجهيزات والمحاور، ومنشآت الصيانة والدفاع، وغيرها من المتطلبات، بينما تشمل الوسائل المركبات، والسفن، والطائرات، وأجهزة الاتصال، والأنابيب، وقاطرات وعربات السكك الحديدية. ويجري تخطيط شبكة المواصلات، وتنفيذها، ضمن خطة إعداد وتجهيز مسرح العمليات، لتشمل المواصلات الداخلية، والخارجية، بما يخدم التصور للصراع المنتظر.

رابعاً: متطلبات الإعداد الاقتصادي للحرب

يتطلب الإعداد الاقتصادي لخوض حرب (ضمن خطة إعداد الدولة للدفاع)، تحقيق مطالب خطط الإعداد الاقتصادي، التي يتم إعدادها من خلال تحديد المطالب الاقتصادية للإعداد للدفاع، وتحديد إمكانيات وقدرات الدولة، والأسلوب الأمثل لاستخدامها، وتحديد المطالب الخارجة عن طاقة وقدرات موارد الدولة وإمكانياتها، وكيفية تدبيرها.

يلي مرحلة تحديد المطالب، مرحلتا التخطيط والتنفيذ. فتتولى الأجهزة المعنية وضع الخطة وتحديد تنفيذها في مراحل زمنية محددة، مع الأخذ في الاعتبار، عدم الإخلال بالمطالب الأساسية للاقتصاد في الدولة.

وتشتمل مطالب إعداد اقتصاد الدولة لخوض الحرب، على ثلاث مجموعات رئيسية، تلبىّ كل منها مطالب قطاع رئيس. فالأولى تحدد مطالب إعداد القوات المسلحة، والثانية تحدد مطالب تجهيز مسرح العمليات، والأخيرة تحدد مطالب إعداد مرافق الدولة وأجهزتها.

وتكون أجهزة الدولة الاقتصادية والخدمية، مسؤولة عن تجهيز مرافقها لخدمة مطالب القوات المسلحة. فتُعد شبكات المياه والكهرباء، والمواصلات بأنواعها المختلفة، والمستشفيات ومصانع الأدوية، والمستودعات والمخازن، والمنشآت العامة الأخرى. ويوضع في الاعتبار زيادة كثافة العمل والاستخدام والاستهلاك في وقت الحرب، عنه في وقت السلم. إضافة إلى النسبة المتوقعة من الخسائر في الأجهزة والمرافق[4].

يتطلب الإعداد الاقتصادي لخوض الحرب، الأساسيات التالية:

1. القدرة على التخطيط الإستراتيجي العام والتفصيلي (الشامل)، وتحديد السياسات والأهداف، ووسائل وأجهزة التنفيذ ومراحلها، وأجهزة الرقابة. وذلك من خلال جهاز تخطيطي، على أعلى مستوى في الدولة.

2. سرعة التحول من حالة السلم إلى حالة الحرب، بواسطة أجهزة التخطيط الفرعية المعدة للقيام بذلك.

3. التخطيط التفصيلي لكل جهاز، طبقاً لما هو محدد له لصالح المجهود الحربي، واحتياجات المجتمع وقت الحرب.

4. إنشاء غرف عمليات للأجهزة والمجموعات الاقتصادية، تمكِّنها من تنفيذ مهامها، ومتابعة الأداء لوحداتها.

5. تجهيز خطط تبادلية، للمناورة ، لمواجهة التطورات المفاجئة للصراع، مما يمكِّن الأجهزة الاقتصادية من مواجهة مثل هذه المواقف، والتغلب عليها.

خامساً: العوامل المؤثرة على الإعداد الاقتصادي

تتأثر إجراءات وخطة الإعداد الاقتصادي للدفاع عن الدولة، بعوامل مختلفة، يرجع التقدير فيها (في الكم والنوع) إلى القيادة السياسية ـ العسكرية، بينما تمثل الأجهزة الاقتصادية للدولة جهة التنفيذ، حيث تضعها القيادة في الحسبان، عند تخطيطها للإعداد للدفاع. وتتمثل أهم هذه العوامل في:

1. هدف الدولة الإستراتيجي (الغاية المرجوة من الإعداد للحرب المنتظرة).

2. العدو المتوقع الدخول في صراع معه (قدراته، وإمكانياته الاقتصادية والقتالية، ومدى أسلحته).

3. طبيعة أعمال القتال المتوقعة (هجوم ـ دفاع ـ تأمين حدود ـ تحرير أرض).

4. خطة استخدام القوات المسلحة المنتظرة (تعبئة شاملة أو جزئية ـ تحركات ـ أعمال قتال على اتجاه إستراتيجي واحد أو عدة اتجاهات ـ مدى تعاون الاتجاهات مع بعضها، أو انفصالها عن بعضها).

5. خطة إعداد مسرح العمليات وتجهيزه (اتساعه، ما يتوفر فيه، ما ينقصه).

6. حجم القوات المطلوب الاحتفاظ به أثناء السلم، والحجم الذي يجب إضافته قبل دخول الحرب.

7. نظام التعبئة عند توقع الخطر (التوتر).

8. خطط التدريب لمختلف الجهات والمستويات (مدنية وعسكرية).

9. التأمين الشامل، لكافة احتياجات الشعب والقوات المسلحة.

10. طلب سرعة إنجاز الانتشار الإستراتيجي للقوات المسلحة، وبناء تجميعاتها الإستراتيجية في مسرح العمليات، على الاتجاهات الإستراتيجية المطلوبة.

ويُعد تقدير القوات المسلحة لمطالبها، أهم العوامل التي ينبغي أن يرتبط بها التخطيط للإعداد الاقتصادي للدفاع. وبقدر دقة تلك التقديرات، تكون درجة تلبية الاقتصاد، لمطالب القوات المسلحة، قبل، وخلال إدارة الصراع. ويستدعى التحسّب، للتطورات الحادة في مواقف الصراع المنتظر، إنشاء احتياطي إستراتيجي اقتصادي للدولة، لإمداد القوات المسلحة والشعب بما يلزمهما من احتياجات، يوزع على ثلاثة مستويات، إضافة إلى مستوى خاص، يمكن الاستفادة منه:

1. احتياطي دولة: وهو ما يعد لمواجهة مطالب القوات المسلحة والشعب، في حالة حدوث استهلاك غير منتظر في بعض الأصناف، أو تدمير بعض مصادر الإنتاج، مما يُحدث نقصاً حاداً فيها. ويتم السحب من هذا المستوى حسب الحاجة، لحين إعادة كفاءة مصادر الإنتاج المتوقفة، أو استعواض المستهلك من المستويات الأدنى.

2. احتياطي إستراتيجي: وهو جزء من مخزون الدولة واحتياطيها، يُجعل تحت تصرف القوات المسلحة مباشرة، لمواجهة أي طارئ، أو ظروف غير متوقعه.

3. احتياطي طوارئ: وهو المخزون في مستودعات القوات المسلحة الرئيسية والفرعية، وفي مخازن التشكيلات والوحدات المقاتلة، لصالح العمليات الرئيسية، طبقاً لتقدير جهات القوات المسلحة المختصة.

4. احتياطي خاص: هو المخزون في كل جهة إنتاج أو مؤسسة، من المواد الخام، و المنتجات الجاهزة، أو النصف مصنعة، وقطع الغيار اللازمة لاستمرار العمل. ويُستخدم الاحتياطي الخاص، بمعرفة الجهة المخزّن فيها طبقاً للموقف، الذي تواجهه، لحين قيام الدولة بتوفير احتياجاتها.

سادساً: انعكاسات الإعداد الاقتصادي للدفاع، على الدولة

1. الانعكاسات العامة على الاقتصاد

تسعى الدولة ـ في خطتها للإعداد للدفاع ـ إلى توفير متطلبات القوات المسلحة، وتدبير مخزون احتياطي، لمتطلبات الشعب، والقوات المسلحة، طوال فترة الصراع المرتقبة. ويتطلب ذلك تخصيص حجم من العمالة المتخصصة وغيرها، وكذلك جزء من الثروة الوطنية، للوفاء بتلك المطالب. ويعني ذلك حرمان القطاعات الأخرى ـ خاصة في الدول النامية ـ من تلك العمالة وتلك الثروات. وتختلف نتائج هذا الوضع، حسب قدرة الدولة:

أ. الدول الصناعية

(1) تنشيط صناعة التعدين، وتصنيع الآلات الدقيقة والكيماويات والإلكترونيات ووسائل النقل، على حساب الصناعات الأخرى.

(2) يكثر إقامة الإنشاءات الخرسانية وشبكات المواصلات الإستراتيجية، على حساب المنشآت السكنية والاقتصادية الأخرى.

(3) تزيد فرص العمل، ويقل معدل البطالة، مع ارتفاع في الأجور، وكثرة المبتكرات والمخترعات (خاصة ما يخدم الجانب العسكري)، مما يخلق حالة من الازدهار اقتصادياً.

ب. الدول غير الصناعية، والدول النامية

تستورد هذه المجموعة من الدول معظم متطلباتها، من الأسلحة والمعدات والمواد الغذائية ومطالب التخزين. وينعكس ذلك على تضخم الإنفاق، الذي ينعكس، بدوره، سلباً على الإنفاق في خطط التنمية المختلفة. ويؤدى ذلك إلى:

(1) توقف العمل في مشروعات التنمية الاقتصادية المختلفة، أو بطء العمل فيها.

(2) ضعف وندرة فرص العمل، مع تصاعد في نسب البطالة، وزيادة الديون الخارجية للدولة بسبب اختلال ميزان المدفوعات.

(3) انخفاض مستوى الإنفاق على الخدمات، وتدني موقفها(المواصلات العامة – الكهرباء ـ مياه الشرب النقية ـ شبكات الصرف ـ شبكة الاتصالات ـ المنشآت العامة).

(4) الوصول إلى حالة من الركود الاقتصادي، لعدم قدرة منتجات الدولة على المنافسة في الأسواق الخارجية، بسبب ضعف مستوى الجودة، وعدم القدرة على تغطية طلبات السوق المحلى.

(5) تتغلب بعض الدول على مشاكل التمويل، التي تقتطع جزءاً مهماً وضخماً من الدخل القومي لمواجهة نفقات الدفاع ومتطلباته، بالاعتماد على المساعدات والهبات المالية من الدول المانحة الغنية. وقد يكون ذلك على حساب قرارها السياسي الخاص، فتصبح دولة تابعة. أو قد تستثمر موقفاً دولياً أو إقليمياً خاصاً (إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ـ الوضع التركي بعد حرب الخليج الثانية ـ موقف الدول العربية في مساندة دول المواجهة مع إسرائيل بعد حرب يونيو 67 وحتى أكتوبر 73).

(6) تواجه دول أخرى الخلل، بين العرض والطلب، في السوق المحلي، بوضع قيود على السلع الإستراتيجية (الوقود بأنواعه ـ الحبوب ـ السكر ـ الزيت)، وتنظيم الصرف للأفراد بموجب حصص وبطاقات، مما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للمواطنين .

2. الانعكاسات العامة على المجتمع

أ. تؤدي زيادة الإنفاق للإعداد للدفاع، إلى زيادة العبء الضريبي على المواطنين، والمنشآت الاقتصادية. وتقلل فرص التوسع، والتطور بها، مع ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع في نسبة التضخم النقدي.

ب. ندرة العمالة الماهرة، وزيادة نسبة العمال غير المؤهلين التأهيل الكافي، مما يزيد تكلفة الإنتاج ويقلل الجودة، مع ارتفاع في الأجور بصفة عامة. وكل ذلك يزيد من نسبة التضخم النقدي، ويوجد خللاً مرة أخرى في مستويات الأجور، بسبب ارتفاع أجور الحرفيين، عن وظائف الإدارة.

ج. زيادة تدخل الدولة في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة، وفرضها قيوداً لمنع حدوث خلل، في توفر المواد الهامة والإستراتيجية اللازمة، في زمن الحرب (الوقود ـ المواد الغذائية ـ الملابس بصفة عامة).

د. عقد صفقات شراء وتصنيع للأسلحة والمعدات، المستهلكة أو المدمرة، وقطع الغيار البديلة، في إطار صفقات سياسية، قد تضع قيوداً على سيادة الدولة وحرية تحركها السياسي.

هـ. تناقص المنتجات الاستهلاكية في الأسواق المحلية، مع ارتفاع في الأسعار.

و. اللجوء إلى عمل النساء والشباب، من هم دون سن التجنيد ، مما يؤثر على نظام المجتمع، ويفرض نمطاً مختلفاً عن تقاليده وأعرافه المتوارثة.

ز. نشوء ظاهرة السوق السوداء، واتساع عدد السلع المتداولة فيها.

ح. تردي حالة الصناعة والزراعة والتجارة بشكل عام، إلى مستوى قد يصل إلى توقف كثير من المنشآت عن العمل. وقد تتعرض المناطق المتأثرة، إلى المجاعات، وانتشار الأوبئة.

ط. تضخم جهاز الدولة الإداري بسبب التوسع في أجهزة الرقابة، على أعمال الإعداد للدفاع، وحركة التصنيع والاستيراد والتوزيع. وكذلك، أجهزة التأمين للمنشآت والمصانع والأمن الداخلي. ويُحّمل الاقتصاد الوطني (القومي) المنهك أعباء ذلك كله.

ي. تزيد الخسائر الاقتصادية الناتجة عن أعمال القتال، من مصاعب الاقتصاد الوطني (القومي) وكفاءته، إضافة إلى العمل بأسلوب اللامركزية في الإنتاج، نتيجة إلى انتشار مؤسساته، تحسباً لأعمال التدمير والتخريب.



[1] إعمالا لمبدأ إعمار الأرض والذي يعنى أن الملكية والإنتاج والاستهلاك ليست حقوقاً مطلقة، بل هي نسبية مقيدة بمصلحة المسلمين، تطبيقاً للحديث الشريف "من أحيا أرضاً مَيِّتَةً فهي له".

[2] تأخر اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، التي بدأت في سبتمبر 1939، إلى عام 1941، حتى يمكن للإدارة الأمريكية زيادة الإنتاج إلى المستوى المطلوب للمجهود الحربي، من خلال تدخلها في دورة الاقتصاد الوطني، بالتخطيط والتوجيه والرقابة.

[3] تنفق الدول النامية 35% من رؤوس الأموال، التي تحصل عليها من الاستثمارات الخارجية، على قطاع النقل.

[4] تتداخل خطط إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات الحربية (والسابق إيضاحها) مع خطط الإعداد الاقتصادي للحرب.