إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوة الرابعة، من وجهة نظر العقيدتين العسكريتين: الشرقية والغربية





شبكة مراكز العمليات
منظومة الدفاع الجوي
حالات وأوضاع الاستعداد
تنظيم التعاون بالارتفاعات والقطاعات
تنظيم التعاون بالأهداف
فكرة عمل الرادار




الاستعداد القتالي وطائرة الكرملين

ثالثاً: طبيعة معركة الدفاع الجوي

تنفرد معركة الدفاع الجوي بمجموعة من السمات، تشمل الأتي:

1. تتميز بأنها معركة خاطفة وسريعة الإيقاع، ومشحونة بكمِّ هائل من المواقف المتغيرة. تتواجد فيها الطائرات المعادية في مجال الأسلحة الدفاعية لدقائق أو ثوان. وخلالها تتم مراحل المعركة بكل دقائقها، في تلاحق وتزامن مذهل. ولا يفصل بين المعركة والأخرى سوى دقائق معدودة، لأن الهجمات الجوية في الحرب الحديثة، لا تتوقف ليلاً أو نهاراً.

2. يشترك في القتال أعداد كبيرة ومتنوعة من الأسلحة والمعدات الهجومية والدفاعية، إضافة إلى معدات الحرب الإلكترونية. وجميعها يتمتع بمستو عال من التقدم التقني، وكثير منها يدخل في فئة الأسلحة الذكية Smart Weapons، مثل الصواريخ الطوافة Cruise. وقد يتوقف على كسب هذه المعركة أو خسارتها مصير الحرب.

3. يتسع مسرح العمليات ليشرح المجال الجوي، أفقياً ورأسياً. وهذا يعني أنه يغطي مساحة الدولة بالكامل، بل ويتعداها إلى أقصى مدى يستطيع أن يصل إليه شعاع الرادار، المتمركز على الأرض، أو المحمول جواً  . لأن معركة الدفاع الجوي تبدأ من اللحظة الأولى لاكتشاف الطائرة المعادية. هذا عن المستوى الأفقي. أما المستوى الرأسي فيبدأ من قمم الأشجار، ويرتفع إلى حيث تستطيع الطائرة أن تُحلق (حوالي 30 كم).

4. تُعد تشكيلات الدفاع الجوي من أهداف الأسبقية الأولى في أي خطة هجومية. وعادة ما تبدأ الحرب بقصف هذه التشكيلات، تمهيداً لطريقٍ آمن أمام باقي الطائرات لقصف أهدافها بُحرِّية.

وحتى عهد قريب، كانت القوات الجوية الأمريكية تُخصِّص سربين (48 طائرة) من طائرات الفانتوم F – 4 Phantom لمهمة واحدة فقط، هي إخماد الدفاع الجوي SEAD Suppression of Enemy Air Defense. وكانت تُطلِق على هذه الأسراب اسم ابن عرس المتوحش Wild Weasel. وسُلِّحت هذه الطائرات بأحدث الصواريخ المضادة للرادار، وهو الصاروخ HARM High Speed Anti - Radiation Missile. وتُطلق هذه الصواريخ صوب أي جهاز يشع طاقة كهرومغناطيسية، وتظل راكبة شعاعه، إلى أن تصل إليه وتُدمِّره، هذا إذا استمر في الإشعاع، إما إذا توقف عن البث، فإنه لن يكتشف الطائرات المعادية.

والنتيجة واحدة في الحالتين.

وبعد أن تقادمت هذه الطائرات تبنَّت القوات الجوية الأمريكية برنامجاً جديداً لتسليح الطائرات F - 16، وغيرها بهذا الصاروخ.

أما بريطانيا، فتستخدم الصاروخ ALARM. ويتميز بأنه يُصر على تدمير جهاز الرادار، حتى لو توقف عن البث، إذ أنه عند ذلك يصعد إلى أعلى، ويفتح مظلة خاصة، ويحوم فوق المنظمة، مراقباً لها، إلى أن يبدأ أحد الرادارات في الإشعاع فينقض عليه. وقد استخدمه الطائرات Tornado البريطانية، لأول مرة في حرب تحرير الكويت. ويصل مدى الصاروخ إلى 90 كم. أي أن الطائرة تطلقه من خارج مدى جميع الأسلحة أرض/ جو.  

5. يواجه الدفاع الجوي حالياً نوعاً جديداً من التهديدات، وهي القنابل والصواريخ جو/ أرض التي تطلقها الطائرات من خارج مدى الأسلحة أرض/ جو. وتسمى Stand – off مثل الصاروخ Popeye (مدى 80 ـ 100 كم، وجاري تطويره ليصبح مداه 200 كم). والقنبلة AGM – 130 (مدى حوالي 200 كم).

وسوف تكون هذه الأسلحة من أصعب التحديات التي سيواجهها الدفاع الجوي في القرن القادم.

والحل الأمثل لمواجهة هذا التحدي، هو اعتراض هذه الطائرات، على مسافات بعيدة، بواسطة مقاتلات مسلحة بصواريخ ذات مدى مناسب، مثل الصاروخ AMRAAM Advanced Medium Range Air to Air Missile.

6. تُعاني أنظمة الدفاع الجوي مشكلة عدم الاكتشاف المبكر للطائرات المعادية. لأن الطائرة هدف صغير، ومساحة سطحها العاكس للرادار (المقطع الراداري Radar Crosection Area) صغيرة جداً. ويمكن للطائرة الاقتراب من أي اتجاه، وعلى أي ارتفاع، بسرعات تفوق سرعة الصوت. ويجيد الطيار استخدام الهيئات الأرضية للاقتراب المخفي، وتسانده مجموعة متنوعة من معدات الحرب الإلكترونية.

7. يواجه الدفاع الجوي حالياً، ومنذ عام 1983، مشكلة أكثر تعقيداً، وهي الطائرات الخفية، والتي يكاد يتعذر اكتشافها رادارياً أو بأجهزة الاستشعار التي تعمل بالأشعة دون الحمراء، وتُعرف هذه الطائرات باسم Stealth أي المتسلسلة، أو المباغتة.وقد أُنتج منها حتى الآن طرازان: الأول هو القاذفة الخفيفة F – 117A، التي استخدمت في حرب تحرير الكويت. والثاني هو القاذفة الإستراتيجية B – 2[1].  واشتراك كلاهما في عمليات حلف الناتو NATO ضد يوغسلافيا.

وتراوح مساحة السطح العاكس لأي من الطائرتين بين 0.001 ـ 0.1 م2، علماً بأن مساحة السطح العاكس للقاذفة الإستراتيجية B - 52 تبلغ 100م2 (مائة متراً مربعاً). والاتجاه السائد حالياً، هو تعميم فكرة الإخفاء هذه في جميع طائرات القتال الجاري إنتاجها، إضافة إلى الصواريخ الطوافة Cruise.

8. تُجهز الطائرات الهجومية، منذ أواخر الستينات، بأجهزة إنذار عن الدفاع الجوي المعادي. ويتكون الجهاز من مُستقبِل راداري Receiver، وحاسب إلكتروني، يعمل وفقاً لبرنامج خاص. وعندما يدخل الطيار في مجال الكشف الراداري المعادي، يستقبل الجهاز الطاقة الكهرومغناطيسية، وينذر الطيار بذلك. وعندما يُطلق الدفاع الجوي صاروخاً صوب الطائرة، فإن جهاز الإنذار يستقبل النبضات التي تحمل أوامر التوجيه للصاروخ، ويحوِّلها إلى الحاسب، وفي نفس الوقت يُبلِّغ الطيار بأن صاروخاً قد أُطلق نحوه، ويجري الحاسب مجموعة من العمليات، تشمل سرعة واتجاه الصاروخ والطائرة،  والخواص الإيروديناميكية لكل منهما. وفي اللحظة المناسبة يُصدر أزيزاً معيناً، وتظهر على شاشة الطيار مجموعة من البيانات، يجري الطيار على أساسها مناورة حادة يتخلص بها من الصاروخ المضاد. وعلى الرغم من أن الدفاع الجوي المصري استطاع تضليل هذه الأجهزة في أواخر حرب الاستنزاف، وأثناء حرب أكتوبر، فإن هذه المُعدات تتطور باستمرار، وتساهم بسقط كبير في تعقيد وصعوبة الاشتباك بالطائرات المعادية، وتُقلِّل من احتمالات تدميرها.

9. يجب على الدفاع الجوي أن يكون جاهزاً باستمرار للاشتباك الفوري، بأي طائرة معادية.

ويذكر التاريخ بعض الكوارث التي كان سببها عدم جاهزية الدفاع الجوي. ففي صباح يوم 7 ديسمبر 1941، هاجمت 360 طائرة يابانية الأسطول الأمريكي في قاعدة بيرل هاربور Pearl Harbor، وأحدثت به خسائر فادحة، بلغت 2433 قتيلاً، 1187 جريحاً، وتدمير 182 طائرة، وكان بالقاعدة 94 بارجة، غرقت منها أربع بوارج هي أريزونا Arizona، وأوكلاهوما Oklahoma، وكاليفورنيا California، ووست فرجينيا West Virginia وأصيبت كل البوارج الأخرى بأضرار، ما عدا البارجة بنسلفانيا Pennsylvania. علماً بأن القاعدة كان بها 1017 مدفع مضاد للطائرات و 152 مقاتلة اعتراضية. (لم تكن الصواريخ قد أُنتجت).

كما يذكر التاريخ حادثاً طريفاً، رغم خطورته، وهو هبوط فتى ألماني وصديقته بطائرة رياضية في الميدان الأحمر، بجوار سور الكرملين، في موسكو، يوم 29 مايو 1987، وكان قادماً من هلسنكي، وطار ألف كم فوق الأراضي السوفيتية، دون أن يقول له الدفاع الجوي السوفيتي قف من أنت؟

وهذا يؤكد أنه ما دام هناك احتمال ـ مهما ضعف ـ اختراق للمجال الجوي، فلا بد أن يكون الدفاع الجوي جاهزاً لمواجهته.

ونظراً لأن المبادأة، أو المفاجأة تكون في يد العدو المهاجم، فإن الاستعداد الفوري يستلزم تشغيل أجهزة الرادار، ومعدات الصواريخ والمدفعية، وتشغيل مراكز العمليات، واستعداد طياري المقاتلات الاعتراضية للإقلاع بعد لحظات من صدور الأمر. وهذا كله انتظاراً لطائرة، لا أحد يعلم متى تأتي، ومن أين؟ وقد لا تأتي.

ولكن التشغيل المستمر للمعدات، والتحفز الدائم للأطقم، أمر بالغ الصعوبة، ويؤدي إلى استنزاف متواصل لطاقات الضباط والجنود، واستهلاك مستمر للأسلحة والمعدات، وخاصة الإلكترونية، ومن ثم تكثر أعطالها، وتنتهي أعمارها في زمن قصير. وعلى الدفاع الجوي أن يجد حلاً لهذه المعادلة الصعبة، التي يُمثِّل الاستعداد الفوري للاشتباك أحد طرفيها، بينما يأتي على طرفها الآخر، المحافظة على صلاحية المعدات، وطاقات الضباط والجنود.

ولحل هذه المعادلة، تجري قيادة الدفاع الجوي دراسات متعمقة، لمجموعة من العوامل، تشمل الآتي:

1. الموقف السياسي والعسكري.

2. العدو، ونواياه، وإمكانياته، وقواعده الجوية، ودرجات استعداده، واتجاهات الاقتراب المحتملة، وخبرات طياريه، والإعاقة الإلكترونية، وكل التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع.

3. الزمن اللازم لأسلحة الدفاع الجوي للتحول من حالة ما، إلى وضع الاستعداد الفوري للاشتباك.

4. قدرات شبكة القيادة والسيطرة والاتصالات على اكتشاف الطائرات المعادية، والإنذار عنها، في جميع الحالات.

وغالباً ما تُنظَّم حالات الاستعداد (التأهب)، وفق الأسلوب الأول من المفهوم الثاني في ثلاث حالات هي القصوى، والزائدة، واليومية. ويُحدَّد داخل كل حالة نِسَبْ، أو أعداد الأسلحة والمعدات التي تكون جاهزة فوراً، وتلك التي يُسمح لها بفترة زمنية محددة، تكون بعدها جاهزة للاشتباك. (اُنظر شكل حالات وأوضاع الاستعداد)



[1] دخلت الطائرة F-117A خدمة العمليات يوم 26/10/1983، ضمن المجموعة رقم 445، التي أصبحت فيما بعد لواء المقاتلات التكتيكية رقم 37. أما القاذفة B-2 فقد أعلن عنها في 22/11/1988.