إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الأولى (1157 ـ 1233هـ) (1744 ـ 1818م)






مناطق ضرما والوشم والسر
منطقة الوشم
منطقة الأفلاج والدواسر والسليل
منطقة الحوطة
منطقة الخرج
منطقتا سدير و(الغاط والزلفي)
وادي حنيفة وروافده
الرياض وفروع وادي حنيفة
الشعيب والمحمل
حملة إبراهيم باشا
عالية نجد



المدخل

المدخل

شبه الجزيرة العربية وأحوالها، في منتصف القرن الثاني عشر الهجري

لمحة، جغرافية وتاريخية

تتكون شبه الجزيرة العربية من عدة أقاليم متميزة، جغرافياً ومناخياً. أهمها: الحجاز، وعسير وتهامة، واليمن، وحضرموت، وعُمان، والأحساء، والبحرين، ونجد.

وتشغل المملكة العربية السعودية، اليوم، معظم شبه الجزيرة العربية. ويشترك معها في حدود سياسية، كل من الجمهورية اليمنية، وسلطنة عُمان، ودولة الإمارات العربية، وقطر، والبحرين، والكويت.

وأهل شبه الجزيرة العربية ينقسمون إلى: حضر، يسكنون المدن والقرى. وبدو، ينزلون في الصحراء، حيث تتوافر موارد للماء. ولكل من القسمين أنماط معيشة وعادات مختلفة، وإن جمعت بينهما الصفات العربية الكريمة.

1. إقليم الحجاز

يمتد إقليم الحجاز من العقبة شمالاً، إلى تهامة عسير جنوباً، شرق البحر الأحمر. وتقطن فيه قبائل عربية كثيرة، منها: حرب، وجهينة، وبلي، والحويطات، وبني عطية، وبني سُليم، وهذيل، وثقيف، والأشراف من قريش، والبقوم، وبعض عتيبة، وغيرهم.

وتتبع هذا الإقليم مدن وقرى كثيرة، منها مكة، وجدة، والمدينة، والطائف، والقنفذة، والليث، ورابغ، وينبع، والوجه، والمويلح، وضبا، ورنية، وتربة، وغيرها.

وفي أواخر العصر المملوكي، في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، كان الحكم الفعلي، في إقليم الحجاز، للأشراف في مكة المكرمة. ولما فتح السلطان سليم الأول مصر، عام 923هـ/1517م، أوفد شريف مكة، آنذاك، بركات الثاني، ابنه، أبا نُمي، إلى مصر، حيث قابل السلطان، وقدم له مفاتيح الكعبة، إعلاناً لولائه، ودخول الحجاز تحت الحكم العثماني.

واهتمت الدولة العثمانية بالحجاز، لأنه مصدر لسيادتها الدينية في العالم الإسلامي، بصفتها حامية للحرمَين الشريفَين. وأولته جل عنايتها، بتعيين الولاة العثمانيين، الذين تولوا أمور الحماية العسكرية، وجمع الضرائب، وتأمين طرق قوافل الحج. وكان لشريف مكة مسؤولية تسيير أمور الحج، في الأماكن المقدسة، وتأمين طرق الحجيج. وكان هناك قائمقام عثماني، مقره جدة. أمّا والي الحجاز العثماني، فمقره في مكة، شتاء، وفي الطائف، صيفاً. ويوجد محافظ عثماني للمدينة المنورة. وكان نفوذ أشراف الحجاز ممتداً من معان، على أطراف الشام شمالاً، إلى القنفذة، على ساحل البحر الأحمر جنوباً. وكان يمتد إلى الشرق، فيشمل بعض نواحي إقليم نجد.

وكان النزاع لا ينتهي، بين أشراف مكة، في المناصب والموارد المالية. وكثيراً ما تدخل فيه الولاة العثمانيون في مصلحة أحد الطرفين، مما اضطربت معه أحوال الإقليم، وعانى الحجاج والأهالي كثيراً من المحن، بسبب هذا الصراع المرير.

وكان الحج مورداً من موارد الرزق، لكثير من أهالي مكة المكرمة والمدينة المنورة، الذين عملوا في خدمة الحجيج، وتبادل التجارة معهم.

وكان سكان الحجاز من البادية، يتعرضون لقوافل الحجيج، وينهبون المحامل، ويسفكون دماء الحجاج الآمنين. وكانت القبائل تفرض الإتاوات على القوافل، لكي تمر بسلام عبر منازلها. وإذا لم يُدفع لها، فإن مصير القافلة القتل والنهب والتشتت.

ولم تشعر هذه القبائل بقوة سلطة الدولة العثمانية. ولم تردعها الحملات التأديبية، التي كان يقوم بها شريف مكة، بين حين وآخر.

وكان لوجود الحرمَين الشريفَين أثر في الحياة العلمية في الحجاز. فقد كان يفد بعض العلماء، من مختلف بقاع العالم الإسلامي، للمجاورة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويقومون بالتدريس والتأليف. وانتشرت المدارس والمكتبات، التي أنشأتها الدولة العثمانية، أو الموسرون من أهالي الحجاز. وأسست الأوقاف، للإنفاق عليها، فازدهر النشاط العلمي.

وكان الحجاز، مثل بقية بقاع العالم الإسلامي، في العهد العثماني، تنتشر فيه الطرق الصوفية. ويعمل أتباعها على نشر معتقداتهم، من خلال الزوايا والتكايا والمدارس. فنتج منه كثير من أمور البدع والخرافات، التي تعد خروجاً عن أوامر الشريعة الإسلامية، مثل التوسل بالأولياء والموتى والنذور، وإقامة الموالد.

وكان الجهل بالدين سمة أهل البادية، في الحجاز وغيره من مناطق شبه الجزيرة العربية. فقد ترك الناس إقامة العبادات، ومارسوا من الأعمال ما ينافي الدين. ولم تكن هناك مساجد في البادية، يجتمع فيها الناس للصلاة ولتلقي الوعظ والإرشاد. فابتعد الناس عن الدين، وانحطت الأخلاق، وفشا فيهم الجهل.

2. إقليم عسير والمخلاف السليماني ونجران

يضم هذا الإقليم منطقة عسير (السراوات وتهامة) وجازان ونجران.

أطلق على منطقة جازان اسم المخلاف السليماني؛ والمخلاف يعني المنطقة، والسليماني نسبة إلى سليمان بن طرف الحكمي، الذي وحد تلك المنطقة تحت إمرته، عام 373هـ/983م.

وأهم مدن عسير: أبها وخميس مشيط والباحة وأحد رفيدة.

وأهم مدن المخلاف السليماني: جيزان (جازان) وصبيا وأبو عريش.

وأهم مدن نجران، هي نجران.

وأهم القبائل في هذا الإقليم الجنوبي: قحطان، وشهران، وشمران، وغامد، وزهران، وبنو شهر، ويام وغيرها. ويعمل أهالي عسير في الزراعة والرعي. وأهل السواحل يعملون في الصيد.

وكان نفوذ أشراف مكة المكرمة، ممتداً إلى القنفذة، على البحر الأحمر. وكان الزعماء المحليون، من شيوخ القبائل، هم أصحاب الكلمة في هذا الإقليم. وكانت السلطة العثمانية، ممثلة في متصرفية عسير، غير متمكنة من السيطرة الكاملة عليه، بل امتلأ تاريخ تلك الفترة بالثورات وأعمال العصيان، التي استنزفت القوة العسكرية العثمانية في شبه جزيرة العرب.

وعلى الرغم من حياة الاستقرار، التي غلبت على أهل عسير، فإن الحياة العلمية، لم تكن مزدهرة ازدهارها في الحجاز. ولم تتهيأ الظروف لظهور علماء بارزين في المنطقة. وكانت الحياة الدينية مرتبطة بالواقع العلمي للإقليم.

وكانت إمارات متعددة، في المخلاف السليماني، تتولى قيادتها زعامات من الأشراف، الذين يدينون بالولاء لحكام صنعاء. وظل الوضع السياسي للمخلاف على هذا الحال، حتى نجح الشريف أحمد بن محمد بن خيرات، في كسب ولاء الزعماء المحليين، ثم استطاع ابنه، محمد، توحيد البلاد تحت قيادته.

ويعتمد سكان المخلاف السليماني، في حياتهم، على الثروة، السمكية والحيوانية، والزراعة. كما كانت التجارة ناشطة، عبر موانئ جازان، مع البلاد المجاورة.

وكان أغلب سكان الإقليم، يعتنقون المذهب الزيدي، المنتشر في اليمن. وبعض منهم على المذهب السُّني، خاصة الشافعي. ولم يكن هذا الإقليم ليسلم مما انتشر في بقية البلاد، من الطرق الصوفية، وشيوع البدع والخرافات.

وفي منطقة نجران، كان السكان من قبائل يام، ومنهم المكارمة، الذين يعتنقون المذهب الإسماعيلي الشيعي. واشتهرت قبائل يام بالنشاط العسكري، الذي كان مصدراً لدخلها. فحاربت في صفوف زعماء المخلاف السليماني، ومع خصوم الدولة السعودية. ولم تكن الحياة الدينية عندهم مختلفة عن بقية القبائل الأخرى.

3. إقليم الأحساء

ويشمل الأحساء وميناء القطيف، وبلدان الهفوف والمبرز وعنك وسيهات والجشة، وغيرها. وتسكنه قبائل العجمان، والهواجر،ومطير والدواسر، وبني خالد، وبعض بني مرة.

ويعتمد سكان الأحساء والقطيف على الزراعة. فالمنطقة عبارة عن واحات، تشتهر بغزارة المياه، التي تنبع من عيون الأحساء، فتكثر فيهما بساتين النخيل، ومزارع الأرز. ويعمل السكان، أيضاً، في صيد الأسماك، والغوص بحثاً عن اللؤلؤ. وكانت موانئها تستفيد من التجارة الداخلية، مع منطقة نجد. ولهذا، تهيأت الظروف لهذا الإقليم، لأن يفرض سلطته على منطقة نجد، في بعض الفترات.

وكان إقليم الأحساء تحت حكم أسرة زامل الجبري، من بني عامر، منذ عام 820هـ/1416م. وتطلع العثمانيون إلى السيطرة على هذا الإقليم، لدفع أخطار البرتغاليين، عن الأماكن المقدسة. فاستولوا عليه، عام 957هـ/1548م . وفي ذلك الوقت، كانت قبيلة بني خالد، تزداد قوة، في منطقة الأحساء والخليج العربي. واضطرت الدولة العثمانية إلى استرضاء زعمائها، بالمال أو بالمناصب والرتب. ولكن زعيم بني خالد، برَّاك بن غُرير آل حُميد، تمكن من الاستيلاء على الأمور في الأحساء، بين سنتَي 1074هـ/1663م و 1076هـ/1665م . فقضى على سلطة العثمانيين على الأحساء، حتى دخلت تحت حكم الدولة السعودية الأولى، في أوائل القرن الثالث عشر الهجري.

وينتشر المذهب الشيعي في المنطقة إلى جانب المذهب السُّني. وحققت الحياة، العلمية والدينية، تقدماً ملحوظاً. فظهر، في الأحساء علماء، من السُّنة والشيعة، اشتهروا بنشاطهم، العلمي والديني. ووفد إليها طلاب العلم من المناطق الأخرى، بمن فيهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي عرج على الأحساء، في طريق عودته من البصرة، فأخذ العلم عن بعض علمائها.

أما القبائل في البادية، فلم تكن تختلف عن غيرها، من انتشار الجهل فيها، والبعد عن الدين، وامتهان قطع طرق الحجاج، القادمين من البصرة وإيران، والفتك بهم ونهبهم.

4. إقليم نجد

نجد تعني الأرض المرتفعة. وهي وسط شبه الجزيرة العربية. وتنقسم إلى عدة أقاليم، أهمها وادي الدواسر، والفُرَع ـ حوطة بني تميم، والحريق ـ والأفلاج، والخرج (أو الأسياح)، والعارض، والمحمل، وسدير، والوشم، والقصيم، وجبل شمر. (انظر الخرائط المرفقة مع البحث)

ويمتهن أغلب أهلها الزراعة في الواحات، حيث توجد المياه الجوفية، خاصة زراعة النخيل، التي تحتل المرتبة الأولى، ويمارس بعضهم التجارة. وتخرج قوافلهم إلى بلاد الشام والعراق ومصر والبحرين، بل إلى الهند. وأما البدو، فعماد حياتهم الإبل والأغنام.

وأهم القبائل: تميم، والدواسر، وشمر، وعنزة، وعتيبة، ومطير، وسبيع، والفضول، والظفير، وقحطان، والسهول، وبعض حرب، وغيرها.

وقبيل قيام الدولة السعودية الأولى، كانت نجد مقسمة بين زعامات محلية متنازعة. وكانت الحروب الداخلية قائمة بين بلدان نجد، بسبب السيطرة والنفوذ، والصراع حاداً بين القبائل، بسبب المخاصمات القبلية، والثأر، والنزاع في موارد الماء والكلأ.

ولما استولى العثمانيون على الأحساء، رُبطت بها نجد. وأسس فيها سنجق(وحدة إدارية)، كان مرتبطاً بولاية البصرة. وفي السنوات الأخيرة من العهد العثماني، تحولت نجد إلى ولاية، تشمل الأحساء.

وقد تعرضت نجد لغزوات، من الأشراف في الحجاز، في الغرب، ومن قبل زعماء بني خالد، حكام الأحساء، في الشرق. وذلك إما لتأديب بعض القبائل، التي كانت تعترض طريق قوافل الحجاج، أو لفرض النفوذ أو الإتاوات والحصول على غنائم.

فقد غزا الأشراف نجداً، بقيادة الشريف حسن بن أبي نمي، عام 986هـ/ 1578م. وهاجموا بلدة معكال، التي أصبحت جزءاً من مدينة الرياض الحالية. واستمرت غزوات أشراف الحجاز الأراضي النجدية، على فترات متباعدة زمانياً، خلال القرن الحادي عشر الهجري، حتى ضعفت قوتهم في الحجاز.

وأما بنو خالد، فقد فرضوا نفوذهم على نجد، من مركزهم في الأحساء. وغزا زعيمهم، برّاك بن غرير، أراضي نجد، أول مرة، في عام 1081هـ/1671م. واستمرت الحملات عليها لفترة من الوقت، أدت إلى تقوية نفوذ بني خالد في نجد.

ولم يكن للدولة العثمانية وجود قوي في نجد. ومن ثمّ، لم تكن لها سيطرة على قلب الجزيرة العربية، خاصة بعد أن تركت الأحساء، أمام ثورات بني خالد.

ومنطقة العارض من نجد، حيث ظهرت الدولة السعودية، تضم بلدات الدرعية، والعيينة، وحريملاء والجبيلة، وعرقة، ومنفوحة، وحاير سبيع. ويربطها وادي حنيفة. وتأسست فيها إمارات محلية، أهمها:

أ. إمارة العيينة: شمال غرب مدينة الرياض الحالية. وكانت أقوى إمارات نجد. وأمراؤها من آل معمر، وأشهرهم عبدالله بن معمر، الذي حكمها أكثر من أربعين سنة (1096هـ ـ 1138هـ/1684م ـ 1725م). وقال ابن بشر، في تاريخه، "عنوان المجد": "إنه لم يذكر مثله في زمانه، ولا قبل زمنه، في نجد، في الرئاسة وقوة الملك والعدد والعدة والعقارات والأثاث". وكانت خاضعة، في عهد عثمان بن معمر، لنفوذ زعماء بني خالد، في الأحساء.

ب. إمارة الدرعية: قاعدة آل سعود.

ج. إمارة منفوحة: وأميرها علي بن مزروع.

د. إمارة الرياض: في وسط العارض. تحيط بها بساتين النخيل. وتطل على وادي حنيفة. وكان أميرها دهام بن دواس .

هـ. إمارة الخَرْج: في الجنوب الشرقي من العارض، ويطلق عليها أيضاً السيح، وهي أغنى مناطق نجد بالمياه، وأرضها خصبة، فهي منطقة زراعية. وقاعدتها الدِلَم، وكان يتولاها الأمير زيد بن زامل الديلمي.

ولا بدّ من الإشارة إلى الحياة، العلمية والدينية، في نجد، على وجه الخصوص؛ إذ إنها هيأت الأسباب، ومهدت لظهور الدعوة الإصلاحية، للشيخ محمد بن عبدالوهاب، في القرن الثاني عشر الهجري.

لم يكن التعليم منتشراً في مناطق نجد، خاصة بين أهل البادية. وكان مقتصراً، في المدن، على حفظ القرآن الكريم، ومبادىء القراءة والكتابة، وشيء من الفقه الحنبلي.

وعلى الرغم من وجود عدد من العلماء في نجد، الذين تفقهوا في أمور الدين، وتولوا مناصب القضاء، وقاموا بالتدريس، إلا أن عددهم، لم يكن كافياً لإحداث نهضة علمية مؤثرة.

وكان المذهب الحنبلي، قد وجد طريقه إلى نجد، منذ القرن التاسع الهجري. وازداد رسوخه، بعد نشاط دعاة الدعوة الإصلاحية، في القرن الثاني عشر الهجري.

ولكن الجهل، كان سائداً في البادية والحاضرة، بصفة عامة، نظراً إلى عدم وجود دولة، ترعى العلم. فالدولة العثمانية، لم تكن تعنيها منطقة نجد، من قريب أو من بعيد، بل ركزت أعمالها في الحجاز. ولم تكن الحالة المادية للسكان، تسمح لهم بإنشاء دُور العلم، أو تأسيس الأوقاف، للإنفاق على طلاب العلم.

وكان الجهل المقيت بأمور الدين، هو الطامة الكبرى؛ إذ أسقط العامة فروض العبادة، وتركوا أركان الدين، من صلاة وزكاة وصوم، وانتشرت البدع والخرافات، والتوسل بالقبور والأضرحة، وطلب الشفاعة والمدد من الموتى، والتبرك بالأشجار والأحجار، والاستعانة بها على دفع الضر وجلب النفع. وكل ذلك مما يخالف العقيدة الإسلامية السمحة، التي لم تجعل بين العبد وربه واسطة، بل وأمر القرآن الكريم بطلب العون والمدد من الله وحده، وإفراده بالعبادة والدعاء.

وفي وصف هذه الحالة، يقول المؤرخ النجدي، حسين بن غنام: "كان أكثر المسلمين، في مطلع القرن الثاني الهجري، قد ارتكسوا في الشرك، وارتدّوا إلى الجاهلية. وانطفأ في نفوسهم نور الهدى، لغلبة الجهل عليهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال. فنبذوا كتاب الله ـ تعالى ـ وراء ظهورهم. واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم، من الضلالة؛ وقد ظنوا أن آباءهم أدرى بالحق، وأعلم بالصواب". ثم يقول: "وعكف أكثر الناس على دعوة الأولياء والصالحين، أمواتهم وأحيائهم، وفُتنوا بالاعتقاد بقدرتهم على تقديم النفع، وصرف السوء، من دون الله ... ولقد انتشر هذا الضلال، حتى عم ديار المسلمين كافة. فقد كان في بلدان نجد، من ذلك، أمر عظيم وهول مقيم. كان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب، في الجبيلة، يدعونه لتفريج الكرب، وكشف النوب وقضاء الحاجات. وكانوا يزعمون أن في قريوة، في الدرعية، قبور بعض الصحابة. فعكفوا على عبادتها، وصار أهلها أعظم، في صدورهم، من الله، خوفاً ورهبة ...".

ولذلك، برزت الحاجة إلى حركة دينية إصلاحية، واعية. توضح للناس ما تركوه من أمور دينهم وأحكامه، وتُعِيدهم إلى جادة الدين الصحيح، وتأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم، وبكل معروف، وتنهاهم عن كل منكر، وتقضي على كل أعمال الشرك والبدع.

وسهل من نجاح هذه الدعوة، في نجد، خلوها من الطرق الصوفية وبدعها، وعدم وجود أي مذهب آخر غير السُّنة ولهذا، لم تجد مقاومة من أي نحلة دينية أخرى.

أما بالنسبة إلى الوضع الأمني، في شبه الجزيرة العربية عامة، فلا توجد فيها منطقة، تمتعت بوضع أمني أفضل من غيرها. فقد كانت شبه الجزيرة العربية، في غياب السلطة العثمانية، في حاجة إلى حركة سياسية قوية، توحد الإمارات المتنازعة، وتجمع شتات القبائل المتناحرة، وتنشر الأمن والاستقرار، اللذَين افتقدتهما هذه البقعة، قروناً طويلة.

فكانت القبائل البدوية تغِير على قوافل الحجاج، فتسلبهم أموالهم ومؤنهم، وتقتل من تشاء منهم. وتفرض إتاوات (أو الخاوة) على رؤساء تلك القوافل. وكانت الدولة العثمانية، تفرض لها، مع رؤساء المحمَلين، المصري والشامي، نصيباً من المال، نظير مرور الحجاج، سالمين، عبر ديار تلك القبائل.

5. العلاقة بين نجد والحجاز قبل الدولة السعودية الأولى

كانت نجد عرضة لغزوات أشراف الحجاز. فقد غزوها، عام 986هـ/ 1578م، بقيادة الشريف حسن بن أبي نمي، صاحب مكة، وهاجموا بلدة معكال، ومعه خمسون ألفاً من الجنود. وقتل في هذه الغزوة رجالاً ونهب أموالاً وأخذ أسرى من أهلها. كما سار الشريف حسن نفسه، بعد ثلاثة أعوام (989هـ) إلى نجد، وفتح بلدان البديع والخرج، والسلمية، واليمامة. واستولى على حصونها، وعين لها رؤساء من قبله. ثم تقابل مع جيش من بني خالد. وانهزم الخالديون. وغنم منهم الشريف غنائم كثيرة.

واستمر أشراف الحجاز يغزون الأراضي النجدية، على فترات متباعدة، خلال القرن الحادي عشر الهجري، حتى ضعفت قوة الأشراف في الحجاز.

ففي عام 1011هـ/ 1602م، غزا الشريف أبو طالب بن حسن بن أبي نمي، مناطق نجد. كذلك، غزا الشريف محسن بن حسين بن حسن، منطقة القصيب، وقتل أهلها، في عام 1015هـ/ 1606م. كما غزا هذا الشريف، في عام 1032هـ/1622م، نجداً، وسار حتى الأحساء.

وفي عام 1057هـ/ 1647م، سار الشريف زيد بن محسن، أمير مكة، غازياً نجداً. ونزل روضة سدير، وقتل رئيسها، محمد بن ماضي. وولى عليها رميزان بن غشام، من آل بوسعيد. وفي السنة عينها، نزل بنبان، في العارض، شمالي الرياض الحالية، وغنم من أهل العيينة.

وفي عام 1105هـ/1693م، سار الشريف سعد بن زيد، صاحب مكة، إلى نجد. ووصل منطقة الحمادة، ثم رجع. ثم غزاها، مرة أخرى، في رمضان عام 1107هـ/1696م، ونزل في بلدة أُشيقر، وحاصر أهلها.

هكذا، اقتصرت العلاقات بين نجد والحجاز، على غزوات، تشن في فترات متقطعة، وما يعقبها من معارك وقتل، وغنائم، تؤخذ من أهل نجد.