إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الأولى (1157 ـ 1233هـ) (1744 ـ 1818م)






مناطق ضرما والوشم والسر
منطقة الوشم
منطقة الأفلاج والدواسر والسليل
منطقة الحوطة
منطقة الخرج
منطقتا سدير و(الغاط والزلفي)
وادي حنيفة وروافده
الرياض وفروع وادي حنيفة
الشعيب والمحمل
حملة إبراهيم باشا
عالية نجد



الفصل الثاني

الفصل الثاني

توسع الدولة السعودية في أرجاء نجد، وانتشار الدعوة الإصلاحية

 

قضت الدولة السعودية الأولى قرابة أربعين عاماً، تعمل من أجل نشر الدعوة الإصلاحية، وتوحيد نجد. وخاضت في هذا السبيل، حروباً طويلة، مع القوى السياسية المحلية، المجاورة للدرعية، في نجد. وهي القوى التي رفضت مبادئ الدعوة الإصلاحية، وقاومت الدخول في طاعة إمارة الدرعية. وقد أعلن معظم البلدان، في إقليم العارض، طاعتها، لما علمت بأن الجهاد، هو السبيل إلى إرغام من صد عن الدين. ومنها العيينة ومنفوحة، وضرما، وحريملاء، والعمارية، والقويعية، والحوطة، والجنوبية، والمحمل، وثادق، والقصب، والفرعة.

ولكن هذه البلدان، كانت دائمة التردد في ولائها للدرعية ومعاداتها. وبعضها كان في حالة مناهضة دائمة للنفوذ السعودي. فما تكاد الجيوش السعودية تغادر تلك البلدة، حتى تفاجأ بارتدادها. وكانت الغزوات السعودية مستمرة ضد جهات متعددة، في آن واحد. فهي اليوم ضد الرياض، وبعده ضد الخرج، وفي وقت ثالث، ضد القصيم أو الأحساء. ونرى حملات سعودية، تشن على العراق، في أقصى الشمال الشرقي. وفي السنة نفسها، تعد حملات، للتوجه نحو الحجاز، في الغرب. ولذلك، من الصعب ترتيب هذه الغزوات، في مراحل. ولكن يمكن القول، إن الدولة السعودية، بدأت بضم مناطق إقليم نجد، وسطه وشماليه وجنوبيه، ثم الأحساء، ثم الحجاز والجنوب، إلى حدود اليمن.

ولم تكن القوى المعادية للدرعية مؤتلفة؛ إنما كان يفرقها تقاسم المصالح، وبروز النزاعات بينها، بين حين وآخر.

1. ضم الرياض

كان دهام بن دواس بن عبدالله الشعلان[1]، هو أكبر خصم للدعوة الإصلاحية، وللنفوذ السعودي. فلما استولى على إمارة الرياض، بحجة النيابة عن ابن أخته الصغير، ابن الأمير السابق، زيد بن موسى أبا زرعة، وأجلاه عن البلدة ـ ثار عليه أهل الرياض، فطلب النجدة من الأمير محمد بن سعود، الذي أنجده بجند، بقيادة أخيه، مشاري بن سعود. فتمكن من تثبيت حكمه. ومكث مشاري بن سعود بجانبه عدة أشهر. ولم يتركه، حتى استتب الأمر لدهام، في الرياض.

إلا أن دهام بن دواس، لم يعتنق مبادئ الدعوة السلفية، بل استنكرها. وخاضت الدرعية سبع عشرة موقعة، مع الرياض، على مدى سبعة وعشرين عاماً. وكان دهام، يلجأ في الحرب إلى سلاح الدسائس والفتن، حيناً، والمصالحة أحياناً. فعاهد إمارة الدرعية أربع مرات، ولكنه نكث عهده فيها جميعاً.

لقد كانت بداية الصراع العسكري، بين الدرعية والرياض، بعد انضمام منفوحة إلى الدعوة، عام 1159هـ/1746م. إذ قام دهام بن دواس بالهجوم عليها، وضمها إلى الرياض، وربما كان دافعه، أنه كان، هو وإخوته، في منفوحة، وأُجلوا عنها، وأنه شعر بقوة مركزه في الرياض مما يتيح له استردادها وضمها إلى حكمه. لكنه فشل بسبب المقاومة العنيدة من أمير منفوحة، علي بن مزروع، ومن سكانها. وأصيب دهام بجرحَين، أثناء الاشتباكات بينه وبين أهاليها.

وعلى أثر هذه الحادثة، جهز الإمام محمد بن سعود حملة صغيرة على دهام، استطاعت الوصول داخل الرياض، ومهاجمة قصره فيها، وعادت إلى الدرعية.

وهاجم دهام العمارية، وقتل أميرها، عبدالله بن علي، وعقر إبله. فلما بلغ ذلك الإمام محمد بن سعود، جمع أهل الدرعية وعرقة، وأراد أن يرصد عودة جيش دهام من العمارية، ويكمن له. وكان دهام بن دواس قد كمن في الموضع نفسه. فالتقى الفريقان، واقتتلوا قتالاً شديداً، انهزم فيه دهام، وأهل الدرعية في أثره. ولكنهم فوجئوا بخروج فرقة لابن دواس، من جهة العمارية، فوقع القتل، وانكسر جيش آل سعود.

وأخذت الدرعية بثأرها، حينما قام الإمام محمد بن سعود بحملة على دهام، وجرت موقعة في مكان، يقال له الوشام. انهزمت فيها قوات الرياض. ودعيت بوقعة "الشياب"؛ لأنه قتل فيها شايبان من آل شمس، من أهل الرياض.

أراد الإمام محمد بن سعود، أن يلاحق دهاماً، ويلحق به هزيمة منكرة. فقام بحملة أخرى على الرياض. كانت نتيجتها هزيمة دهام، مرة أخرى، وسميت هذه الوقعة "وقعة العبيد"؛ لأن معظم من قتل من رجال دهام، كانوا من العبيد.

جهز دهام جيشاً، وهاجم الدرعية. ولما اندفعت نحوه قواتها، تظاهر بالتقهقر. فظن جيش الدرعية، أن جيش دهام قد انهزم. إلا أن جيش الرياض كان قد نصب كميناً لجيش الدرعية. فكانت الهزيمة لجيش الدرعية. وقتل فيها الأميران فيصل وسعود، ابنا الإمام محمد بن سعود. وكل هذه الحروب، كانت في عام 1159هـ/1746م.

ورداً على هذه الأحداث، جهزت الدرعية جيشاً قوياً، للهجوم على الرياض. إلا أن أحد أهالي بلدة حريملاء، من آل داود، يدعى أبو شيبة، كان قد أفشى للرياض سر المعلومات، التي هيأتها الدرعية لمهاجمة الرياض. فكانت النتيجة متكافئة بين الجيشَين. وعرفت هذه الوقعة باسم "وقعة الشراك"، وكانت في عام 1160هـ/1747م.

وفي عام 1161هـ/1748م، حدثت معركة أخرى، تدعى بوقعة "البنية". قاد فيها جيش الدرعية، عثمان بن معمر، أمير العيينة، الذي عاهد الأمير محمد بن سعود، على الحرب معه. وانهزمت فيها قوات الدرعية، بعد قتال شديد، قتل فيه أناس كثيرون.

ثم حدثت وقعة أخرى، سار فيها عبدالعزيز بن محمد بن سعود، بأهل الدرعية وضرما. وتولى عثمان بن معمر قيادة قوات العيينة وحريملاء. كما أنه كان الأمير عليهم جميعاً. واشتبك مع جيش الرياض في مكان، يدعى "الخريزة"، قرب الرياض. وكانت النتيجة متكافئة. وتلت ذلك معارك كثيرة، بين الدرعية والرياض، كان أسلوب الكر والفر، ونصب الكمائن، هو الفن القتالي فيها، مثل وقعة الحبونية، عام 1162هـ/1749م، ووقعة البطحاء، عام 1163هـ/ 1749م.

وفي عام 1167هـ/1754م، اجتمع، في الدرعية، الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود، إلى كبار أنصار الدعوة، الذين قدموا من مختلف البلدان، للتباحث في شؤون الدعوة، والمواقف اللازم اتخاذها ضد أعدائها. وكان دهام بن دواس، قد تضجر من الحرب مع آل سعود. فلما سمع بهذا التجمع، مال إلى المهادنة. وطلب من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والإمام محمد بن سعود، عقد صلح بينه وبين الدرعية. وتعهد باعتناق مبادئ الدعوة السلفية. إلا أنه نكث هذا العهد، في العام التالي، سنة 1168هـ/1755م، وسانده على ذلك محمد بن فارس، رئيس منفوحة.

وهكذا، تجددت الاشتباكات بين الدرعية والرياض. ولم تخل سنة من غزوة بينهما. وأخيراً، طلب دهـام الصلح من الشيخ، والإمـام محمد بن سعود، عام 1177هـ/1763م. ومع علمهما بأنه لا يفي بوعده، فقد وافقت الدرعية، بشروط، منها:

أ. أن يقبل دهام بعودة أنصار الدعوة إلى الرياض، بعد أن كان قد اضطرهم إلى الهجرة منها.

ب. أن يرد دهام إلى المهاجرين، الأموال التي صادرها منهم، في الرياض، حين هاجروا منها.

ج. أن يسوق إلى الدرعية ألفَي (ريال) أحمر معجلة.

والتزم دهام بهذا الصلح، إلى وفاة الإمام محمد بن سعود، عام 1179هـ/1765م. وحضر مع الإمام عبدالعزيز بن محمد، الحرب التي شنتها الدرعية ضد عشائر الظفير، في وقعة "جراب"، بالقرب من سدير. وكانت هذه أول غزوة، ينضم فيها دهام إلى لواء الدرعية.

واستغل دهام فرصة وفاة الإمام محمد بن سعود، ليجرب سياسة الأحلاف، ضد الدرعية. فعقد حلفاً مع زيد بن زامل، حاكم الدِلَم والخرج. فسارع الإمام عبدالعزيز بن محمد إلى مهاجمة الرياض. وغزا أخوه، الأمير عبدالله بن محمد، قبيلة سبيع، المتحالفة مع دهام. إلا أن هذا العمل، لم يضعف جانب أمير الرياض.

وبادرت حكومة الدرعية إلى تقوية وضعها العسكري، فأقام الإمام عبدالعزيز بن محمد حصناً، يدعى حصن "الغذوانة"، في وادي حنيفة، غربي الرياض، عام 1171هـ/1757م. ورابطت فيه حامية سعودية قوية، ليكون نقطة انطلاق ضد الرياض. وكثفت الدرعية من غزواتها ضد دهام بن دواس، بخاصة في الفترة الواقعة ما بين عامَي 1181هـ ـ 1187هـ/1767م ـ 1773م، مما تسبب بإضعاف قواته.

ففي عام 1185هـ/1771م، قاد الإمام عبدالعزيز بن محمد الجيوش بنفسه، نحو الرياض. وإذا لم يحقق مراده منها، قفل راجعاً بجيشه. فلما بلغوا بلدة "عرقة"، أسفل الدرعية، فوجئوا بأن دهاماً، قد سار إليها، غازياً، من دون علمهم، ومهدداً عاصمة آل سعود. إلا أن القوات السعودية، استطاعت أن تحول الموقف في مصلحتها، فطاردت قوات دهام، واشتبكت معها في قتال، سقط فيه دواس وسعدون، ابنا دهام، صريعَين.

وفي سنة 1186هـ/ 1772م، واصل الإمام عبدالعزيز هجماته الشديدة، ضد دهام. وغزا الرياض مرتَين.

واستطاع الإمام عبدالعزيز، في صفر 1187هـ/1773م، أن يستولي على بعض بروج بلدة الرياض، فهدمها وهدم برج المرقب الشامخ فيها[2].

وما أن حل شهر ربيع الآخر عام 1187هـ/1773م، حتى كان دهام قد ضج من القتال، وعزم على الفرار من الرياض، مع أتباعه، إلى الخرج. وفي منتصف الشهر، غزا الإمام عبدالعزيز، بجيشه، يريد حرب الرياض وتدميرها. فلما وصلوا قرب عرقة، جاءهم البشير بانهزام دهام وهربه إلى الدلم. واستسلمت الرياض، ودخلها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود. وانتهى القتال الذي استمر سبعاً وعشرين سنة، بينها وبين الدرعية. وقدرت خسائر الجانبَين بأربعة آلاف قتيل. كانت خسائر دهام ألفَين وثلاثمائة، من أهل الرياض. وخسائر الجانب السعودي ألفاً وسبعمائة. وبهذا، انتشرت مبادئ الدعوة الإصلاحية في الرياض، وتخلصت الدولة من أكبر مناهض، كان يقف في وجه توسعها في نجد.

2. ضم العيينة

رحب أمير العيينة، عثمان بن حمد بن معمر، بالشيخ محمد بن عبدالوهاب، واعتنق دعوته، في بدايتها. وشارك في هدم كثير من القباب، وقطع الأشجار، التي كان الناس يتبركون بها. ومن العيينة أذيعت، أول مرة، مبادئ الدعوة السلفية. لكنه بضغط من حاكم الأحساء، سليمان بن محمد، زعيم بني خالد، أخرج الشيخَ من بلدته. وبعد خروج الشيخ محمد من العيينة، إلى الدرعية، ندم عثمان على فعلته، حينما رأى ما اكتسبته الدرعية من عزة وسمعة، بعد انتقال الشيخ إليها، واتفاقه مع أميرها على نشر الدعوة، ذهب عثمان بن معمر إلى الدرعية، وحاول إقناع الشيخ بالعودة إلى العيينة. لكن الشيخ رفض مطلبه. ولم يجد ابن معمر بداً، في بداية الأمر، من إعلان خضوعه للدرعية. وعلى الرغم من أنه شارك في حروب الدولة، ضد دهام بن دواس، حاكم الرياض، وتولى قيادة الجيش السعودي غير مرة ـ إلا أن أحداثاً بدرت منه، أثبتت أنه لم يكن صادقاً، ولا مخلصاً في ولائه للدعوة والدولة. ومن ذلك تقاعسه عن المشاركة في غزوة "دلقة"، عام 1160هـ/1747م، ضد دهام بن دواس. فجعل يكيد لها، ثم رأى أن هذه المحاولة، لم تفلح. فعاد نادماً، وطلب الصفح من الشيخ، والإمام محمد بن سعود. فصفحا عنه، واستجابا إلى طلبه. ومع ذلك، استمر عثمان بن معمر في عدائه للدولة، لأنه شعر بفقد مركزه وسلطته. فعقد اتفاقاً سرياً مع أمير ثرمداء، وأمير الرياض، دهام بن دواس، ضد الدولة. ولما تزايد مكر عثمان، وتأكد ذلك، بالقرائن، قام بعض المؤيدين للدعوة، من أهل العيينة، بقتله، في رجب عام 1163هـ/يونيه 1750م، بعد خروجه من صلاة الجمعة.

وبعدها، توجه الشيخ محمد بن عبدالوهاب بنفسه إلى العيينة. وعيّن مشاري بن معمر أميراً عليها. وبعد عشر سنوات من حكم مشاري للعيينة، عزل عنها بسبب عدم ولائه، وعُيّن بدلاً منه سلطان بن محيسن المعمري. وهكذا، استطاعت الدولة أن تنجح في القضاء على مقاومة أمير العيينة، التي انضمت، بعد ذلك، إلى الدعوة، وأصبحت ضمن سيادة الدولة. ففقدت أسرة آل معمر الزعامة السياسية في العيينة، واختفى دورها السياسي في نجد.

3. ضم حريملاء

أما حريملاء، الواقعة إلى الشمال من العيينة، فقد أعلنت خضوعها للدولة السعودية، في أول الأمر. ولكن، في عام 1165هـ/1751م، قام بعض أهلها، بتحريض من قاضيها، سليمان بن عبدالوهاب، شقيق الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي كان معارضاً لآراء أخيه ـ بنقض عهدهم للدعوة والدولة. وأخرجوا من البلدة من لم يستجب دعواهم، ومن بينهم الأمير محمد بن عبدالله، وأخوه، عثمان. فقصد هؤلاء المطرودون بلدة الدرعية، ونزلوا ضيوفاً على أميرها. ولما خشي المتمردون من رد الدرعية عليهم، أرسلوا وفداً، لاسترضاء المطرودين وإرجاعهم إلى بلدتهم. ولما عادوا إليها، إذا بقبيلة آل راشد، من أهل حريملاء، تهجم على هؤلاء العائدين، وتفتك ببعضهم. فقتل الأمير محمد بن عبدالله، وثمانية من أتباعه. وكان من الناجين مبارك بن عدوان، الذي فر، وطلب النجدة من الدرعية. فسيّر الإمام محمد بن سعود جيشاً، بقيادة ابنه، الأمير عبدالعزيز، تمكن من الاستيلاء على حريملاء، وأعلن الأمان لسكانها. وعين مبارك بن عدوان أميراً عليها، من قبل آل سعود. وبذلك، توسعت حدود الدولة السعودية، إلى حريملاء.

وحينما أراد أمير الرياض، دهام بن دواس، وحلفاؤه، الهجوم على حريملاء، بادرت جيوش آل سعود إلى انقاذ البلدة، وهزيمة الحلف، في موقعة "الدار"، في ذي القعدة عام 1168هـ/ أغسطس 1755م.

ولكن الأمر، لم يستتب للدولة السعودية في حريملاء. إذ سرعان ما تنكر أميرها، مبارك بن عدوان، لأمير الدرعية، ونسي ما قدم إليه من عون ونصرة. وقام بمناصبة الدولة العداء. فأمر الإمام محمد بن سعود بعزله، وعين بدلاً منه أحمد بن ناصر بن عدوان. وحاول مبارك أن يستعيد إمارته على حريملاء مستنجداً بأهل المجمعة، وأهل سدير والوشم وثرمداء، فجمع منهم جيشاً كبيراً. إلا أن قوات الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود، تصدت لهم، وأفسدت عليهم تحالفهم، وشتتهم. وظل مبارك بن عدوان طريداً، حتى توفي، مفلوجاً (أي مشلولاً)، في المجمعة، عام 1174هـ/ 1760م. وهكذا تخلصت الدولة من كل مناهض، وقف في وجه الدعوة والدولة، في إقليم العارض.

4. ضم منطقة الوشم

قررت الدولة نشر مبادئ الدعوة، في منطقة الوشم. فكانت بلدة شقراء من أولى المدن والبلدات، التي دخلت في الدعوة، وانضمت إلى الدرعية. أمّا بلدة القويعية، فقد انضمت إلى الدعوة والدولة، في عام 1169هـ/1755م، بعد أن أعلن أهلها الطاعة، وبايعوا الشيخ، والإمام محمد بن سعود.

وأرسلت إمارة الدرعية عدة غزوات، بقيادة الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود، إلى بلاد المنطقة. ومنها غزوة عام 1161هـ/1748م، بقيادة عثمان بن معمر، والأمير عبدالعزيز بن محمد، إلى ثرمداء، لنشر الدعوة، وإخضاع البلدة للدولة السعودية الناشئة. ومع أن الجيش السعودي، انتصر على جيش ثرمداء، إلا أنه لم يستول عليها. وفي عام 1163هـ/1750م، حاولت الدولة إقناع أهالي ثرمداء بالدخول في الدعوة، والانضمام إليها، إلا أنهم رفضوا ذلك. وظلت الغزوات مستمرة بين الدرعية وثرمداء، إلى ما بعد عام 1173هـ/1759م، حين انضمت ثرمداء إلى الدولة، بعد أن قاد الأمير عبدالعزيز بن محمد، عدة حملات عسكرية ضدها.

أما بلدة أُشيقر، فقد انضمت إلى الدعوة والدولة، بعد حملات عسكرية ضدها، بين عامَي 1170هـ ـ 1182هـ / 1756 ـ 1768م.

وكذلك، بلدة القصب. فقد بايعت الشيخ، والإمام محمد بن سعود، بعد غزوة قام بها الأمير عبدالعزيز ضدها، عام 1172هـ/1758م. وبعدها انضمت بلدة مراة (وتنطق مرات)، وبلدة الفرعة، إلى الدعوة والدولة، بعد قيام الأمير عبدالعزيز بغزوات ضدهما، في عام 1175هـ/1761م.

5. ضم منطقة سدير

قامت الدولة بعدة غزوات، ضد بلدان منطقة سدير، التي رفضت الدعوة، ورفضت الانضواء تحت لواء الدولة السعودية الناشئة. وقد بدأت الدولة غزواتها للمنطقة، ابتداء من عام 1164هـ/1751م، واستمرت حتى عام 1177هـ/1764م. وفي هذه الفترة استطاعت الدولة نشر مبادئ الدعوة، في كل من الزلفي وجلاجل والحوطة والجنوبية والروضة والتويم والغاط والداخلة والعودة وحرمة، وغيرها من المدن والبلدان، في هذه المنطقة.

وفي عام 1196هـ/1782م، رأى أهل الروضة، من أعمال سدير، حاكم الأحساء، سعدون بن عريعر، عائداً، بجيشه، من القصيم؛ وقد فشل في حصاره لبريدة، فأعلنوا خروجهم على نفوذ آل سعود. وانضم إليهم زعماء سدير، المنفيون إلى الزبير. كذلك، انضم أمير الخرج، زيد بن زامل، الذي كان، في ذلك الوقت، مناهضاً للحكم السعودي، إلى قوات سعدون. وتحصنت القوات السعودية الموجودة فيها بالقلعة. وقرر هذا التحالف الهجوم على بلدة الروضة، فاستولوا عليها ومعهم آل ماضي، زعماء المقاومة في الروضة. واستسلمت القوات السعودية.

وكان الجيش، الذي أعدته الدرعية، للقضاء على عصيان أهل القصيم، معسكراً في بلدة ثادق، يرقب الأحداث عن كثب. ولما واتت الأوضاع ذلك الجيش، تقدم نحو الروضة، واشتبك مع قوات آل ماضي، التي بقيت، بعد ارتحال جيش سعدون بن عريعر. وفي تلك الأثناء، وصل الأمير سعود بن عبدالعزيز، بجيشه، من الدرعية. فاشتد القتال. واستسلمت القوات المقاومة، بشروط، منها دفع مبالغ مالية، تعويضاً عن الضرر الذي أصاب البلدة، وطرد آل ماضي من الروضة، ومؤيديهم وأتباعهم. وأمّر عليها عبدالله بن عمر.

6. ضم منطقة الخرج

قادت الدولة عدة غزوات، ضد منطقة الخرج، التي كانت شديدة المقاومة للنفوذ السعودي، بزعامة أميرها، زيد بن زامل الديلمي. وكان يتولى قيادة الجيوش السعودية، الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود. ففي عام 1165هـ/1752م، أرسلت الدولة غزوة، بقيادة مشاري بن معمر إلى الدلم. وفي عام 1173هـ/1759م، أرسلت غزوة أخرى، بقيادة الأمير عبدالعزيز بن محمد. وظل الأمر كذلك، حتى بعد دخول السعوديين الرياض. بعدها، انقادت الدلم للدعوة والدولة. وفي عام 1175هـ/1761م، دخلت نعجان ضمن نطاق الدولة السعودية.

لقد ظل هذا الولاء في عهد الإمام محمد بن سعود. ولكن، بعد وفاته، نقض زيد بن زامل، أمير الدلم، العهد، وعقد الأحلاف ضد الدرعية. فتحالف مع حويل الوداعين الدوسري. زعيم وادي الدواسر، ومع آخرين، من زعماء جنوبي نجد. وطلب المتحالفون العون من أهل نجران وقبائلها، نظير مبلغ من المال، قدم لزعماء نجران. وحشد زيد بن زامل جيشاً كبيراً، سار به نحو العارض، للقضاء على الدرعية وتقليص نفوذها. واشتبكت القوات المتحالفة، وهي في طريقها، مع أهالي بلدة الحائر، ثم أهالي بلدة ضرما. ولما اشتبكت مع القوات السعودية، منيت بخسائر فادحة؛ لأن القتال دار بين النخيل، مما جعل الزعماء النجرانيين يعودون إلى بلادهم. وبهذا الأسلوب، انفض عقد الحلف. ونتيجة لهذا كله، أدرك زيد بن زامل عدم جدوى مواصلة القتال ضد السعوديين. فاضطر إلىعقد صلح مع الدرعية، عام 1189هـ/1775م، أعلن فيه خضوعه لها. إلا أن هذا الصلح لم يدم أمده طويلاً؛ لأن زيداً، خرج على شروط الصلح، في العام التالي. فأصدر الإمام عبدالعزيز بن محمد، حاكم الدولة، آنذاك، أمره بتنحية زيد عن إمارة الدلم، وعين بدلاً منه سليمان بن إبراهيم بن عفيصان، أميراً من قبل آل سعود.

وظل زيد بن زامل يعقد التحالفات، مع زعماء اليمامة، ضد الدولة، ويؤلب أهالي الجنوب عليها. وتمكن من إجبار سليمان بن عفيصان، والحامية السعودية، على الانسحاب من الدلم. فقادت الدولة ضده، وضد حلفائه عدة حملات تأديبية. وعبأت الدرعية قواتها، بقيادة الإمام عبدالعزيز بن محمد، وابنه، الأمير سعود بن عبدالعزيز. وأمرت ببناء "حصن البدع"، الواقع إلى الشرق من الدلم، والقريب من بلدة السلمية. وقد وضعت في هذا الحصن حامية سعودية، ظلت تراقب الوضع العسكري في الجنوب. فأدرك أهل الدلم خطر هذا الحصن، فاستنجدوا بسعدون بن عريعر، زعيم بني خالد، في الأحساء، وقاموا بهجومَين على الحصن، من دون جدوى.

وفي عام 1198هـ/1784م، تمكنت فرقة دورية سعودية، من قتل زيد بن زامل، أثناء عودته من غزو قبيلة سبيع. وخلفه ابنه، براك بن زيد، في قيادة أهل الخرج.

وأرسلت الدرعية، في سنة 1199هـ/1785م، حملة، بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز، إلى الخرج. وسلبت قافلة، كانت متجهة إلى الحوطة. وقتلت زامل بن زيد، الابن الثاني لزيد بن زامل.

وحدث حادث أفاد الدولة السعودية، هو قيام نزاع أسري بين أفراد الأسرة الحاكمة في الخرج، حين قُتل براك بن زيد بن زامل، حاكم الخرج، على يد أبناء عمه، الذين لجأوا إلى الدرعية. فواصل الأمير سعود بن عبدالعزيز حملاته على الخرج.

وفي عام 1200هـ/1785م، شنت القوات السعودية هجوماً كاسحاً على الدلم. واستولت عليها، وأخضعتها للدولة السعودية. وأعلنت بلدان الخرج الانضمام إلى الدولة ومبايعتها للدعوة. وامتدت حدود الدولة السعودية إلى الجنوب والشرق.

ومع أن معظم البلدان، نقضت عهدها مع الدولة، بعد وفاة الإمام محمد بن سعود، عام 1179هـ/ 1765م، إلا أن الإمام عبدالعزيز، استطاع أن يعيد هذه البلدان إلى سلطة الدولة السعودية، بعد أن عاهدت وبايعت، من جديد.

7. ضم منطقة القصيم

تطلعت إمارة الدرعية إلى بسط سلطانها على شمالي نجد، بعد أن تمكنت من قرى وبلدان نجد، الوسطى والجنوبية والشرقية.

وكانت بريدة أعلنت ولاءها للدعوة وللدولة، عام 1182هـ/1768م، حين دعمت حكومة الدرعية أمير بريدة، حمود الدريبي، ضد أمير عنيزة، عبدالله بن أحمد بن زامل، بقوات، قادها الأمير سعود بن عبدالعزيز.

إلا أن راشد الدريبي، الذي تولى إمارة بريدة، بعد حمود الدريبي، بدعم من حاكم الأحساء، تنكر للدرعية، وغيّر موقفه منها. فثار أبناء عمومته عليه، وأخرجوه من بريدة. وأعلنوا انضمامهم إلى الدرعية. ومع هذا، عادت بريدة فانتفضت ضد الدرعية، التي أرسلت قوات سعودية، بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز. فحاصرها حتى استسلمت، عام 1189هـ/1775م. وفي عام 1190هـ/1776م، أسندت الدرعيةُ إمارةَ بريدة، إلى حجيلان بن حمد العُليان.

وفي عام 1196هـ/1782م، أجمع أهل القصيم على نقض عهدهم للدرعية. وأعلنوا الحرب ضدها. ولكن أهل بريدة والرس والتنومة، رفضوا الاشتراك في هذا العصيان . وقتل المناهضون الدعاة، الذين كلفتهم الدولة بنشر الدعوة بينهم. وأرسل أهل القصيم إلى حاكم الأحساء، سعدون بن عريعر، يطلبون منه النجدة. فأجابهم، وسار بقواته، ومن حالفها من قبائل الظفير وبادية شمر وعنزة، إلى القصيم.

حاصرت قوات سعدون بن عريعر وحلفائه مدينة بريدة، مركز الثقل للنفوذ السعودي، وعلى رأسها حجيلان بن حمد آل عليان. وظلت بريدة محاصرة لعدة أشهر، حتى إن سليمان الحجيلاني، قريب الأمير، وابن حصين، أخذا يتعاونان مع سعدون، ويفاوضانه، سراً. إلا أن حجيلان بن حمد قتلهما. وثبتت المدينة في صمودها أمام حصار سعدون. ودام الحصار أربعة أشهر، جرى خلاله قتال ومعارك، لاقتحام أسوارها. ولما اقتنع سعدون بعدم جدوى الحصار، ارتحل عن بريدة، وسار بقواته إلى المبيض، لينظم جيشه، واتجه نحو الروضة، في منطقة سدير، واستولى عليها.

أما مدينة عنيزة، فقد أعلنت ولاءها للدولة، بعد أن قاد الأمير سعود بن عبدالعزيز حملات عسكرية ضدها، واستطاع قتل أميرها، عبدالله بن أحمد بن زامل، عام 1182هـ/1768م.

وفي عام 1196هـ/1782م، تزعمت عنيزة عصياناً كبيراً على الدرعية. وقتلت الدعاة والمعلمين، الذين أوفدتهم الدولة للإرشاد. وأمدها صاحب الأحساء، سعدون بن عريعر، بنجدة منه. ولكن الثورة فشلت، واضطرت عنيزة أن تعلن ولاءها للدولة.

وفي عام 1202هـ/1788م، قاد الإمام سعود بن عبدالعزيز، جيشاً من الدرعية، واتجه به إلى عنيزة. ودار قتال مع أهلها، دخلت فيه قواته البلدة، وخضعت له. وأبعد رؤساءها من آل رشيد، وأسند إمارتها إلى عبدالله بن يحيى.

8. ضم منطقة جبل شمر

أدرك الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، الذي نجحت جيوشه في القضاء على ثورات الخرج والقصيم، أهمية منطقة جبل شمر، لتأمين حدود دولته، من الشمال. وأدرك، أيضاً، أهميتها الاقتصادية، حيث تزدهر فيها الزراعة، وعلاقتها التجارية بالعراق والبلاد المجاورة. ولذا، عزم على إخضاع أمرائها، آل علي، للنفوذ السعودي. وأمر حجيلان بن حمد، أمير بريدة بالسير، بحملة إلى منطقة جبل شمر، في عام 1200هـ/1785م. ولكن حملة حجيلان تلك، صادفت قافلة تجارية، قادمة من العراق إلى حائل. فسلبوها وقتلوا بعض رجالها. وعادوا مسرعين، من دون تحقيق هدف الدرعية من الحملة. ونتيجة لذلك، قرر زعيم المنتفق، ثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب، في محرم عام 1201هـ/نوفمبر 1786م، الانتقام من حجيلان، لنهبه القافلة العراقية. فسار بجيشه، ومعه جموع من قبائل أخرى، من الزبير، نحو بريدة. وبعد عدة عمليات عسكرية، اضطر ثويني للانسحاب، راجعاً إلى المنتفق، بسبب قيام اضطرابات فيها. ولم تتمكن النجدة، التي أرسلها له حاكم الأحساء، عبد المحسن بن سرداح، زعيم بني خالد، من الوصول إلى القصيم، بسبب سماعها بانسحاب ثويني، فعادت أدراجها. وانتهز حجيلان هذه الفرصة، فجدد هجومه على منطقة جبل شمر، بأمر من الإمام عبدالعزيز. ونجح، بعد قتال مع أهلها، أن يخضعها للنفوذ السعودي، في عام 1201هـ.

ولم تستقر الأمور للدولة السعودية، في منطقة جبل شمر، بسبب معارضة بعض قبائل شمر لها، خاصة بعد تحالفها مع قبائل مطير وحرب. وبعد العمليات العسكرية، التي استمرت حتى عام 1207هـ / 1792م، خضعت المنطقة للدولة السعودية.

وبعد دخول جبل شمر ضمن النفوذ السعودي، بدأت أنشطة آل سعود، نحو شمالي شبه الجزيرة العربية. فشن أمير جبل شمر، محمد بن عبد المحسن بن علي، غارة على فئات من قبيلة الشرارات، حول دومة الجندل، أي منطقة الجوف. وفي عام 1208هـ، اتجهت قوات سعودية نحو تلك المنطقة. وبعد قتال عنيف، أخضعتها للدولة السعودية وأصبحت الجيوش السعودية قادرة على الوصول إلى أطراف الشام.

وبذلك، تمكنت الدولة السعودية من بسط سلطانها على منطقة نجد، في الفترة الواقعة بين عامَي 1158 ـ 1207/ 1745 ـ 1792م. واستطاعت أن تنشر مبادئ الدعوة الإصلاحية فيها. وأصبح هدف الدولة، في المرحلة التالية، أن تعمل على نشر الدعوة، في خارج حدود نجد، في مناطق شبه الجزيرة العربية الأخرى، كالأحساء والحجاز وعسير واليمن وعُمان، ما أدى بها إلى خوض العديد من الغزوات مع حكام الأحساء، من بني خالد، ومع الأشراف في الحجاز، وغيرهم.

وكان على الدولة أن تعد نفسها لعمل أكبر؛ لأنها سوف تواجه، في المرحلة اللاحقة، قوى سياسية أكبر من القوى السياسية، التي عادتها في نجد. وستخوض حروباً أكثر ضراوة، وأشد بأساً، مما واجهته في البلدان النجدية. وستواجهها أوضاع، تكاد تكون مختلفة عن الأوضاع التي واجهتها في إقليم نجد. يضاف إلى ذلك، أنها ستلقى، في بعض المناطق، مواجهة مذهبية، كانت تزيد من شدة الموقف وضراوته، ومن ثمّ، تقوي حدّة الصراعات والحروب.

 



[1] هو دهام بن دواس بن عبدالله من الجلاليل ويظن أنه من مطير،كان والده رئيساً لمنفوحة ولما مات تولى إمارة منفوحة بعد ابنه محمد بن دواس فقام ابن عمه زامل بن فارس ومعه أهل منفوحة بقتله. وأجلوا اخوته ومن بينهم دهام عن بلدتهم فهاجروا إلى الرياض، التي كان يحكمها زيد بن موسى أبا زرعة. وقد قتله أحد أبناء عمه، وكان معتوهاً، فاستولى على حكم الرياض أحد مواليه اسمه خميس بعد أن تمكن خميس هذا من قتل القاتل. وظل خميس يحكم الرياض مدة ثلاث سنوات، هرب بعدها من الرياض إلى منفوحة وهناك لقى حتفه. وبعد ذلك تولى حكم الرياض دهام بن دواس الذي أدعى أنه خال لأولاد زيد بن موسى أبا زرعة.

[2] المرقب: هو الحصن الذي يراقب منه جيش العدو.