إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الأولى (1157 ـ 1233هـ) (1744 ـ 1818م)






مناطق ضرما والوشم والسر
منطقة الوشم
منطقة الأفلاج والدواسر والسليل
منطقة الحوطة
منطقة الخرج
منطقتا سدير و(الغاط والزلفي)
وادي حنيفة وروافده
الرياض وفروع وادي حنيفة
الشعيب والمحمل
حملة إبراهيم باشا
عالية نجد



الفصل الرابع

الفصل الرابع

العلاقات السعودية بالقوى، الإقليمية والأجنبية

 

أولاً: العلاقات السعودية ـ الإقليمية، في الجزيرة العربية

بعد أن أخضعت الدولة السعودية الأحساء، أصبحت تشرف على مياه الخليج العربي. ومنها انطلقت لكي تنشر مبادئ الدعوة الإصلاحية في المناطق الواقعة على الخليج، والاستفادة من الإمكانات التجارية الواسعة، التي تموج بها. وأصبحت الدولة السعودية، بعد دخولها الأحساء، قوة وطنية محلية، تصارع القوى السياسية الأخرى في المنطقة. وقد اتجهت أنظار الدولة، أولاً، نحو قطر، بإيعاز من القائد السعودي، إبراهيم بن عفيصان.

1. العلاقات السعودية بقطر

يسكن قطر ثلاث قبائل عربية، هي آل مسلم، ويسكنون في قرى فريحة والقويرط؛ وآل أبي حسن، ويقيمون باليوسفية؛ والمعاضيد، ويسكنون في الرويضة والطبيخ. ثم استقر المقام بآل خليفة، من العتوب[1]، في الزبارة، على الساحل، تجاه البحرين، بعد أن انفصلوا عن التحالف، الذي كان قائماً بينهم وبين آل صباح والجلاهمة، عام 1128هـ/1716م.

وكان إبراهيم بن عفيصان، هو القائد السعودي الأول، الذي غزا قطر، في أواخر عام 1207هـ/1793م. واستطاع إخضاع معظم قراها: فريحة والحويلة واليوسفية والرويضة، وغيرها. وكتب إلى الدرعية، يطلب السماح له بمهاجمة الزبارة، فجاءته الموافقة من الإمام عبدالعزيز بن محمد. وحاصر إبراهيم بن عفيصان فيها العتوب (آل خليفة وجماعتهم). وشدد هجماته عليها، حتى استولى على قلعتها. فاضطر العتوب إلى الرحيل، وساروا إلى البحرين، بوساطة البحر، مقتنعين بأن رحيلهم هذا، ما هو إلا رحيل مؤقت، يدوم لفترة قصيرة، هي فترة بقاء القوات السعودية في قطر، ظناً منهم، أن الحكم السعودي فيها لم يتعد كونه حملة عابرة، بعدها، تنسحب القوات السعودية، وعندها، يعود العتوب إليها، ثانية. وهكذا، دخل السعوديون قطر، التي أصبحت جزءاً من الدولة السعودية الأولى، التي أخذت تنشر فيها مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

2. العلاقات السعودية بالبحرين

كانت جزيرة البحرين تحت سيادة آل خليفة، الذين كانوا يقيمون بالزبارة، في قطر. ومنها كانوا يديرون شؤون الجزيرة، منذ عام 1196هـ/1782م. وقد تركوا الزبارة، على أثر دخول القائد السعودي، إبراهيم بن عفيصان إليها، وتوجهوا إلى البحرين. وسكن سليمان آل خليفة وأسرته، في قرية جوا، في البحرين، عام 1212هـ /1797م. ولم تدم إقامتهم بها؛ لأن البحرين، خضعت لحكم السيد سلطان بن أحمد، حاكم مسقط، عام 1215 هـ/1800م. وعين أخاه، سعيداً، حاكماً عليها من قبله. واضطر آل خليفة إلى العودة إلى بلدتهم القديمة، "الزبارة"، بعد أن أعطاهم آل سعود الأمان.

وقد طلب آل خليفة من الإمام سعود بن عبدالعزيز، مساعدتهم على استرجاع البحرين من حاكم مسقط. فسارع إلى إرسال جيش، بقيادة القائد إبراهيم بن عفيصان، استولى على البحرين، وطرد قوات حاكم مسقط منها، عام 1224هـ/1809م. لكن إبراهيم بن عفيصان، لم يسلم زمام الأمور فيها لآل خليفة، بل أعلن ضمها إلى آل سعود. وحينما حاول آل خليفة إجلاء القوات السعودية عن البحرين، ردت هذه القوات بمهاجمة الزبارة، وساقت رؤساء آل خليفة، كرهاً، إلى الدرعية. وعُين فهد بن سليمان بن عفيصان، قائداً للحامية السعودية في البحرين، وعُين إبراهيم بن عفيصان أميراً عليها.

ولم يستسلم آل خليفة، وطلبوا المساعدة من سعيد، حاكم مسقط، ومن الفرس، وأقاربهم من العتوب. وهاجموا الحامية السعودية في البحرين، وطردوا أميرها، إبراهيم بن عفيصان ورجاله. واعتقلوا قائد الحامية، فهد بن سليمان بن عفيصان، ومعه ستة عشر رجلاً من السعوديين، واتخذوهم رهينة حتى تطلق الدرعية آل خليفة المعتقلين فيها.

وقد حاول إبراهيم بن عفيصان، بمساعدة رحمة بن جابر الجلاهمة (من العتوب)، استرداد البحرين. إلا أنه فشل في ذلك، وحلت الهزيمة بقواته، في واقعة خكيكيرة، عام 1225هـ/1810م. واضطر الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى إطلاق زعماء آل خليفة، وعادوا إلى البحرين. ولم يعاود السعوديون محاولاتهم غزو البحرين، لانشغالهم بالحروب، ضد قوات محمد علي باشا، في الحجاز.

ولهذا، فإن الحكم السعودي في البحرين، لم يكن حكماً مستقراً. كما أن قبضة الدولة السعودية على البحرين، لم تكن كقبضتها على قطر. وهذا له من الأسباب ما يبرره. منها صعوبة المواصلات البحرية، وقتذاك، وبخاصة أن الدولة السعودية، لم يكن لديها أسطول بحري عسكري؛ وإنما كانت تستخدم مراكب الغوص، إذا دعت الضرورة إليها. أما قطر، فهي امتداد طبيعي للأحساء. ولا توجد بينهما حواجز طبيعية، كما هو الحال مع البحرين. إضافة إلى الخلاف المذهبي، بين أتباع الدولة السعودية، وبعض سكان البحرين الشيعة، بعكس قطر، التي يعتنق سكانها المذهب الحنبلي، السائد في الدولة السعودية. هذا إلى جانب أهمية موقع البحرين، ومدى التنافس، الدولي والمحلي، فيه.

3. العلاقات السعودية بالكويت

تتمتع الكويت[2] بأهمية تجارية ممتازة. فهي مفتاح الخليج العربي، في الشمال. تتحول إليها جميع السفن، التي تحمل البضائع، القادمة من الهند إلى بغداد، أو إلى بلاد الشام، أو إلى الأناضول.

وغدت الكويت مركزاً، يقيم به ممثل شركة الهند الشرقية البريطانية، بعد أن نقل مركزه من البصرة. وهي، كذلك، من أكبر مراكز تجمع البضائع، التي ترد إلى نجد ومناطق غربي شبه الجزيرة.

كانت الكويت تتبع حكم بني خالد، وتسمى كوت بني عريعر، قبل قدوم آل صباح، العتوب، إليها. وتختلف المراجع في تحديد عام التأسيس. ومن التواريخ التي تذكرها المصادر، الأعوام التالية: 1701، 1702، 1712، 1713، 1716. وقد ظل العتوب تابعين لبني خالد، حتى ضعفت سيادة بني خالد على الأحساء والمنطقة التابعة لها. وقام الشيخ صباح بسفارة إلى الباشا العثماني، في بغداد، ليوضح له أنهم نزحوا طلباً للرزق، ولا يريدون ضرراً بأحد. وطلب منه إقرارهم على حكم الكويت، مقابل إعلانهم التبعية السياسية للدولة العثمانية، تحت إمرة والي بغداد. وهكذا، نجح جد آل صباح في إقناع والي بغداد، بقبول سيادتهم على الكويت، تحت تبعية الدولة العثمانية.

وكان هناك حلف ثلاثي بين آل صباح وأقاربهم، آل خليفة، والجلاهمة، عام 1159هـ/1746م، أساسه أن يُعهد بشؤون الحكم إلى آل صباح، وشؤون التجارة والمال إلى آل خليفة، وشؤون العمل في البحر إلى الجلاهمة. على أن توزع الأرباح والواردات على المتحالفين، بالتساوي.

وأدركت الدولة السعودية أهمية الكويت، التي تعد ميناء لتموين نجد. فقاد القائد إبراهيم بن عفيصان، في عام 1208 هـ/1793م، حملة عسكرية، يبدو أنها بسبب إيوائها زعماء بني خالد، الفارين من آل سعود. وقد غنم إبراهيم بن عفيصان الغنائم الكثيرة في هذه الحملة. لكنه لم يكن في مقدوره، أن يخضع الكويت للسيادة السعودية. وقد ردت الكويت على الحملة بإرسال سرية، للانتقام من آل سعود، بمهاجمة القبائل النجدية، المتاخمة لحدودها. إلا أن هذه الحملة، لم تعط النتائج، التي أرادتها الكويت، وعادت دون أن تفعل شيئاً. كما تعاون الكويتيون مع حملة رئيس المنتفق، ثويني بن عبدالله، ضد الدولة السعودية، عام 1212هـ/1797م.

وتحت ضغط التهديد السعودي على للكويت، من جهة، وهجوم قبائل المنتفق عليها، من جهة أخرى. اضطر آل صباح إلى أن يحيطوها بسور منيع، حتى تستطيع صد الحملات العسكرية، الموجهة ضدها، وذلك عام 1213هـ/1798م.

وقاد الإمام سعود بن عبدالعزيز حملة عسكرية ضد الكويت، عام 1219 هـ/1804 م. وعسكر بقواته في قرية الجهراء. ولكنه انسحب، قبل أن يشتبك الكويتيين مع أهالي الكويت. وكان الإنجليز يراقبون الموقف عن كثب، فاستغلوا هذه الأحداث، ليعرضوا حمايتهم على حاكم الكويت، الأمير عبدالله الأول آل الصباح، عام 1220هـ/1805م. إلا أن هذا الأمير، رفض العرض الإنجليزي، وآثر الاستقلال، مع الاحتفاظ بالتبعية العثمانية، من طريق ولايتَي بغداد والبصرة.

4. العلاقات السعودية بعُمان

إقليم عُمان، يحتل قسماً كبيراً من شبه جزيرة العرب. يقع بين ساحل خليج عُمان وساحل شبه الجزيرة العربية الشرقي وساحلها الجنوبي، في اتجاه جزيرة مصيرة. وينقسم إلى ثلاث مناطق رئيسية، هي: الظاهرة، وأهم مدنها نزوى وبهلى وبلدان جعلان؛ والحجر، وفيه مدن وقرى كثيرة، مثل رستاق والجبل الأخضر وسمائل وأزكى؛ وما يلي البحر، يسمى الباطنة، وفيه بلدان صحار وشناص ومضلعة، ومسقط، عاصمة أئمة عُمان.

وتقطن في عُمان مجموعة قبائل، هي: بنو ياس،المناصير، العوامر، النعيم، العجمان، بنو كتب، بنو كعب، الدروع، آل وهيب، بنو مهير، المطاريش. وانقسم هؤلاء السكان إلى طائفتَين، هما:

·    القبائل الهناوية، وتنتمي إلى مذهب الإباضية.

·    القبائل الغفارية، وتنتمي إلى أهل السُّنة.

ولما وصل نفوذ الدولة السعودية الأولى منطقة الأحساء، بدأت تتطلع إلى نشر مبادئ دعوتها في عُمان. فأمر الإمام عبدالعزيز بن محمد قائده، مطلق المطيري، بغزو عُمان الصير، حيث تقطن قبيلة بني ياس. إلا أن مطلق المطيري، لم يوفق في الاستيلاء على المنطقة. عندها، رأى الإمام السعودي، أن يكل الأمر إلى قائده، إبراهيم بن عفيصان، الذي قاد معظم الحملات السعودية، في نواحي شرقي شبه الجزيرة. فقاد جيشاً كبيراً إلى منطقة عُمان الصير، ضد بني ياس. وقاتلهم، حتى طلبوا الأمان من الدرعية. ثم تبعتهم قبيلة نعيم، التي تقطن في البريمي.

لقد أرسلت الدرعية إليهم عالماً، ليعلمهم أمر الدين ومبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويدرسهم مؤلفاته، ككتاب التوحيد وغيره.

وكانت هاتان القبيلتان من القبائل الغفارية، السُّنية، التي قد ترى في قوة آل سعود ما يعينها على صراعها ضد القبائل الهناوية الإباضية.

تقدم إبراهيم بن عفيصان إلى واحة البريمي، عام 1210 هـ/1795 م. وبنى فيها قصر الصبارة، في منتصف الطريق، الواصل بين البريمي وحماسا، ليكون قاعدة للقوات السعودية في المنطقة.

وأرسلت سلطات الدرعية القائد سالم بن بلال الحرق، إلى منطقة البريمي، عام 1214هـ/1800م، أميراً عليها، بدلاً من ابن عفيصان. وسيطرعلى واحة البريمي، وبدأ يوسع نفوذ الدولة السعودية في عُمان، بين القبائل القريبة من البريمي، في اتجاه الساحل. ومن ثم، فإن جميع قبائل، النعيم والظواهر وبني قتب، خضعت للدولة السعودية، ودفعت إليها الزكاة. وحذت حذوها قبيلتا بني علي وبني راسب.

هكذا، امتد نفوذ الدولة السعودية الأولى إلى عُمان والساحل، مما أثار القبائل الهناوية ضد القبائل الغفارية، المؤيدة لآل سعود، والمدعومة من قبلهم.

وتحت ضغط العمليات العسكرية السعودية المتواصلة، في عُمان، وبخاصة تلك الحملات، التي وصلت إلى سهل الباطنة ـ اضطر السيد سلطان بن أحمد، حاكم عُمان، إلى أن يطلب الصلح من الإمام عبدالعزيز بن محمد، قبيل اغتياله. وعقدت هدنة، مدتها ثلاث سنوات. وقُدِّرت الإتاوة السنوية، التي سيدفعها السيد سلطان، بخمسة آلاف ريال، سنوياً، وذلك نظير حماية أراضيه.

وتجدر الإشارة إلى أن السيد بدر بن سيف البوسعيد، الذي خلف السيد سلطان، في حكم البلاد، كان قد أيد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، قبل أن يتولى الحكم وبعده. إلا أن هذا الموقف لم يعجب أسرة آل بوسعيد، الذين ثاروا عليه وقتلوه، عام 1221هـ / 1806م. وتولى أمر عُمان، من بعده، السلطان سعيد بن سلطان، الذي حارب القوات السعودية. وكان يساعده على موقفه، ابن عمه، قيس بن أحمد. وكان هم سعيد أن يخرج القوات السعودية من عُمان، وأن لا يدفع الزكاة إلى الدولة السعودية. لكن قوات الأمير مطلق المطيري، ردت الهجوم، وهزمت قوات حاكم عُمان. وقتل قيس بن أحمد، في موقعة خور، على ساحل خليج عُمان. وبعد فشل حاكم مسقط في هذه الموقعة، صارت الطريق مفتوحة أمام القوات السعودية، لدخول جميع عُمان والسيطرة عليها. وقد استفاد مطلق المطيري من هزيمة حاكم مسقط وأتباعه، فتقدم ودخل مطرح، وواصل زحفه، حتى وصل مدينة مسقط نفسها. وأعلن معظم مدن عُمان وقراها وبلدانها، الخضوع للسيادة السعودية.

وقد عاد حاكم عُمان، السلطان سعيد بن سلطان، إلى دفع الإتاوة إلى الدولة السعودية، في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز.

وقد أثارت هذه الأحداث مخاوف بريطانيا على مصالحها في الخليج العربي. فأرسلت قوة بحرية، جاءت من الهند، واستولت على رأس الخيمة، عام 1224هـ/1809م . وتحت إلحاح من حاكم مسقط، قامت هذه القوة البحرية الإنجليزية ببعض أعمال التهديد العسكرية، في ميناء شناص، ثم عادت إلى الهند.

وقد تحدى القائد السعودي، مطلق المطيري، هذه الإجراءات. فهاجم قوات حاكم مسقط، وأنزل بها هزيمة، قرب شناص. ثم قام ببعض الأعمال العسكرية الخاطفة، في سهل الباطنة. وعاد، بعدها، إلى قاعدته، في البريمي.

وتواصلت الأعمال العسكرية السعودية، في إقليم عُمان. ففي عام 1225هـ/1810م، خرج ثلاثة من أبناء الإمام سعود بن عبدالعزيز، تركي وناصر وسعد، إلى عُمان، من دون علم والدهم. وانضموا إلى قوات مطلق المطيري. وتمكنوا، بمساعدة من قبائل الظواهر والجنبة وبني قتب والدروع، من القيام ببعض العمليات الحربية، والاستيلاء على مطرح، قرب الساحل، وعلى خلفان وجعلان وصور وصحار. وكان لهذه الأعمال أثر سيء في نفوس العُمانيين، مما جعل قبيلة بني ياس، تنقض عهدها مع الدرعية، وتثور على الحامية السعودية، وتفتك بها. فأرسل الإمام سعود قائده، مطلق المطيري، مرة أخرى، إلى عُمان، وأنزل الهزيمة بقوات سعيد بن سلطان. واستمر هذا القائد في عملياته الحربية، لإخماد الاضطرابات، إلى أن قتل، في جعلان، عام 1228هـ/1813م. وشغلت الدولة السعودية، عند ذاك، بقدوم قوات محمد علي باشا إلى الحجاز، مما دفع قواتها إلى التمركز في البريمي.

وعلى أي حال، فقد أسفرت هذه الجهود السعودية، عن اعتناق القبائل العُمانية، السُّنية، الدعوة الإصلاحية. وهي قبائل: النعيم وبني ياس وآل علي والعوامر وبني قتب وبني كعب والهشم والجنبة وبني راسب والقواسم. ونالت الدولة مكاسب مادية كبيرة، من الزكاة وغيرها[3]. وأقامت في المنطقة القرى والقصور والمساجد، وغير ذلك من المعالم، التي ما زالت باقية إلى يومنا هذا، في المنطقة.

5. علاقة الدولة السعودية ببقية بلدان ساحل الخليج العربي

إن دخول قبيلة النعيم العُمانية، في طاعة الدولة السعودية، وتطبيقها مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في المنطقة ـ كان قد عزز النفوذ السعودي في ساحل عُمان. وبدأ السعوديون بإقناع القبائل الأخرى في المنطقة بالإنضمام إليهم. ووجهوا نداءهم، إلى القواسم سكان رأس الخيمة، من طريق إقناع رئيسهم، الشيخ صقر بن راشد. إلا أنه رفض هذا النداء. وحينما لجأت الدولة إلى محاربته من طريق قبيلة النعيم، قاومها، وصمد في مقاومته. فأرسلت الدولة السعودية قوات عسكرية، بقيادة مطلق المطيري، حاصرت رأس الخيمة، وقطعت الطريق بين المدينة ومزارع نخيلها، فصار كالحصار الاقتصادي عليها. وظل المطيري يشدد في حصاره، حتى اضطرت المدينة إلى طلب الصلح منه، من طريق رئيس القواسم، الشيخ صقر بن راشد، عام 1212 هـ/1797م. وكان من بين بنود هذا الصلح، أن يقبل القواسم تعاليم الدعوة، وأن يدفعوا الزكاة إلى الدولة السعودية. وأعلن سلطان بن صقر القاسمي خضوعه للدرعية، واعتناق مبادئ الدعوة الإصلاحية، وتعهد بدفع الزكاة المقررة ، ما دامت الحكومة، لا تغير من وضعه، بوصفه زعيماً للقبيلة.

6. العلاقات السعودية بالعراق

اختلفت نظرة الدولة العثمانية إلى الدعوة الإصلاحية، والدولة السعودية الأولى، باختلاف المكان الذي تمتدان إليه. فنظرت الدول العثمانية إلى الدولة السعودية ودعوتها، في نجد، على أنهما انتفاضة بدوية، كعادة القبائل في المنطقة؛ لأن نجداً، في نظر الدولة العثمانية، إقليم بعيد عن مراكزها، الإستراتيجية والاقتصادية والعسكرية، في شبه جزيرة العرب وخارجها. ومع أن الدولة العثمانية، أحست بأن الدعوة والدولة السعودية، تحدٍ، ديني وسياسي، لها، إلا أن موقفها تجاههما كان مختلفاً. فحينما امتدتا إلى جبل شمر والأحساء، رأت الدولة العثمانية الوقوف في وجه هذا التحول، فاتخذت موقفاً معادياً لهما. ورأت أن تستخدم عدة قوى سياسية في ضربهما.

أ. حملة ثويني بن عبدالله

بدأت تتجمع عوامل التصادم بين الدولة العثمانية، في العراق، والدولة السعودية الأولى. لقد أصبح العراق العثماني، وبخاصة جنوبيه، مركزاً لتجمع القوى المعارضة للدولة السعودية ودعوتها الإصلاحية. وبرزت عوامل الاحتكاك بين الطرفَين، بعد حملة قام بها ثويني بن عبدالله، رئيس قبائل المنتفق، على القصيم، عام 1201 هـ/1786م، ومعه حشود كبيرة من قبائل المنتفق وأهل المجرة والزبير وبوادي شمّر وغالب وطيء . وشن هجوماً على بلدة التنومة، واستولى عليها عنوة، وقتل الكثير من أهلها. ثم حاصر بريدة، ولكنه اضطر إلى رفع الحصار عنها، حينما سمع بوقوع الاضطرابات في بلاده، وقفل عائداً إلى وطنه. وقد صعّدت هذه الحملة من حدّة الموقف، وصارت سبباً قوياً من أسباب الاصطدام المباشر، بين الدولة السعودية وقبائل المنتفق والظفير، في جنوبي العراق. وأرسل الإمام عبدالعزيز بن محمد رسالة، إلى سليمان باشا الكبير، والي بغداد، مصحوبة بنسخة من كتاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، "التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، وطلب منه أن يجمع علماء بغداد، للنظر في الكتاب، والإيمان بما جاء فيه. إلا أن الوالي، استخف بهذه الدعوة، وكان رده سلبياً، مقللاً من شأن الدعوة الإصلاحية. وبذلك، عدّت أرض العراق دار حرب، في نظر أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (اُنظر ملحق نماذج من رسائل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود).

وقامت قبائل المنتفق والظفير، وعشائر الخزاعل، الشيعية، في العراق، بدور فاعل في مساندة بني خالد والخارجين على النفوذ السعودي، من المدن النجدية. ولهذا، رأى الإمام عبدالعزيز بن محمد، أن يقوم بأعمال تأديبية ضد هذه العشائر، في جنوبي العراق. فقاد الإمام سعود بن عبدالعزيز، في عام 1203 هـ/1788م، جيشاً فاجأ قبائل المنتفق، في الموضع المعروف بالروضتَين، بين المطلاع وسفوان. فكانت هذه الحملة الاستطلاعية هي أول حملة سعودية تدخل حدود العراق. وظلت عشائر المنتفق تؤوي الهاربين من آل سعود فلجأ إليها عبد المحسن بن سرداح وأتباعه من آل خالد عام 1204هـ/1789م. وبعده لجأ ابنه براك بن عبد المحسن عام 1207هـ/1792م.

وفي عمل عسكري فعال، قاد الإمام سعود عام 1209 هـ/1794م الغزو ضد قبائل الظفير في مقاطعة الحجرة، على الحدود العراقية. وتمكنت الدولة السعودية من نقل ميدان الهجوم، إلى الأراضي العراقية الجنوبية. وأصبحت في مركز قوة، تستطيع منه تحدي ولاة العراق العثمانيين، وبخاصة بعد أن تمكنت من تثبيت حكمها في الأحساء. وكانت فرصة سانحة للدولة السعودية، لأن تؤدب قبائل المنتفق والظفير، والقوى المعارضة، التي هربت إلى هذه المنطقة.

وبعد هذا الغزو المتلاحق لجنوبي العراق، دارت مكاتبات بين السلطان العثماني ووالي بغداد، سليمان باشا الكبير، من أجل تسيير حملات عثمانية قوية، ضد الدرعية. إلا أن سليمان باشا، كان يقدر صعوبة قيام جيشه المنظم بحروب في الصحراء، لم يَعْتَدْ عليها، وليس لديه الخبرة الكافية بطبيعتها. كما قدر ما ستقوم به القبائل، الساكنة في جنوب البصرة، من انتفاضات وقلاقل، ضد الدولة.

رأى والي بغداد، سليمان باشا، أن يعمل على ضرب السعوديين بعرب العراق. فأفرج عن ثويني بن عبدالله، أمير المنتفق السابق، المعتقل، وأعاد إليه إمارة المنتفق، بدلاً من حمود بن ثامر، وعقد له لواء حرب آل سعود. وجدّ ثويني في جمع جيش كبير، يتكون من أهل المنتفق والزبير والبصرة، والعناصر الساخطة من بني خالد.

انطلق ثويني بحملته نحو الأحساء. ولم يتوجه نحو الدرعية مباشرة؛ لأن حملته، أولاً، كانت تضم زعيمَين من بني خالد، هما براك بن عبد المحسن، ومحمد بن عريعر ولهما أتباع في الحملة، مما يسهل فتح الأحساء. ثانياً، لأن الطريق إلى الإحساء أكثر سهولة، خاصة أنه يستطيع استعمال المراكب والسفن في نقل الجنود، ولا سيما الترك منهم، والمؤن والعتاد. وثالثاً، لأن ثويني أدرك أهمية الأحساء كمركز تموين سهل للقوات.

ومع هذا، فإن حملة ثويني، لم يقدر لها أن تحقق هدفها، لأنها كانت، في الواقع، تحوي عناصر متباينة، خاصة رؤساء بني خالد، ولأن ثويني، قائد الحملة، كان قد لقي مصرعه، على يد أحد عبيد بني خالد، قبل أن يقوم بأي عمل ناجح، ضد القوات السعودية، التي سيرتها الدرعية صوب الأحساء. فاضطربت صفوف الحملة العراقية، واضطرت إلى التراجع. فتعقبتها القوات السعودية، وأخذت تطارد فلولها حتى حدود الكويت. واستولت على الكثير من معداتها ومدافعها وعتادها، وغنمت الكثير من الغنائم. وانضم براك بن عبد المحسن إلى القوات السعودية.

وقام الإمام سعود بهجوم على جنوبي العراق، رداً على حملة ثويني. وغزا سوق الشيوخ والسماوة. ووصل قرية أم العباس. وشن، أثناء غارته، هجوماً على قبائل شمر والظفير وغيرهما من العربان، وقتل مطلق الجربا، رئيس بوادي شمر.

وجاءت أوامر مشددة من الباب العالي، إلى سليمان باشا، بأن يعد حملة قوية من الجنود النظاميين، ضد الخطرالسعودي.

ب. حملة الكيخيا[4] علي باشا

بذل والي بغداد، سليمان باشا، ووكيله (أي الكيخيا)، علي بك، جهداً كبيراً في إعداد حملة على الأحساء، ضمت الجند المدربين، وقوة من العشائر، الكردية والعربية، وقبائل الخزاعل، الشيعية، عام 1213هـ/1798م.

انقسمت الحملة، في البصرة، إلى قسمَين: فريق الفرسان، بقيادة علي باشا، الذي سار بهم، براً، نحو الأحساء. وفريق من المشاة والمدفعية، ومعه المعدات الثقيلة، أبحر على السفن، التي استأجرتها الدولة العثمانية، من مناطق الخليج. وساهم العتوب، في الكويت والبحرين، في إعداد هذه الحملة.

وصلت الحملة إلى المبرز والهفوف، وحاصرت الحصنَين السعوديَّين فيهما. وكان على رأس حامية حصن المبرز، سليمان بن محمد بن ماجد. وكان على رأس حامية حصن الهفوف، إبراهيم بن سليمان بن عفيصان. وقد صمد الموجودون في الحصنين أمام هذا الحصار، مما ترك أثراً سيئاً في الجنود المهاجمين. وبدأ تناقص قوات الحملة، ونفق كثير من دواب النقل، ونقصت المؤن الغذائية. وجنود علي باشا، الذين أصابهم اليأس، يطالبونه بالرجوع . فاضطر، أخيراً، إلى العودة إلى بغداد، من دون أن يحرز نصراً. وأثناء عودته، كانت القوات السعودية، القادمة من الدرعية، قد وصلت إلى الأحساء، يقودها الإمام سعود. ولما علم الإمام سعود بانسحاب قوات علي باشا، قرر أن يتعقبها. وسبقها، فنزل بقواته على ماء "ثاج". وكان علي باشا قد عسكر في مكان، يدعى "الشباك"، بالقرب من ثاج. وقامت مناوشات بين الطرفَين، كانت دون جدوى، ولم يكتب النصر لأي من الفريقَين.

رأى علي باشا ضرورة مفاوضة الإمام سعود، بعد أن فشل في تحقيق انتصار على السعوديين. وقد اشترط علي باشا على الإمام سعود، عدة شروط، لتوقيع صلح بين علي باشا والسعوديين. منها:

(1). أن يخرج السعوديون من الأحساء، ويرحلوا عنها.

(2). أن يدفع السعوديون نفقات الحملة العثمانية.

(3). أن يعيد السعوديون كل ما غنموه من القوات العراقية، أثناء حملة ثويني.

(4). أن لا يتعرض السعوديون لقوافل الحجاج، الذين يأتون من العراق، ويمرون بالأراضي التابعة لهم. ويتعهد السعوديون بالمحافظة على الأمن وسلامة الطرق، في أراضيهم.

وكانت شروط الصلح، التي طلبها علي باشا من السعوديين، شروطاً غير واقعية، خاصة أنها جاءت في ظرف فشل الحملة وتراجعها. وأراد علي باشا، الذي طالب بهذه الشروط، أن يبرر بها عدة أمور. منها:

(1). أن يقلل من حدّة الصدمة العثمانية، الناتجة من الموقف العسكري للحملة، ومدى الصعوبات التي اعترضتها، حتى اضطرتها إلى الانسحاب من الأحساء، والعودة إلى العراق، من دون أن تحقق هدفها.

(2). أن يبين للمسؤولين العثمانيين، أن عودته إلى العراق، كانت بعد أن اشترط على السعوديين عدة شروط، كلها في جانب العثمانيين. والشروط، التي طلبها، تمثل الشروط، التي تمليها السلطة المتنفذة على السلطة التابعة.

(3). أن يقنع قواته بأنه لم يهزم، على الرغم من تناقضات الموقف وصعوباته.

ومع أن السعوديين كانوا في وضع عسكري، هو أفضل من وضع حملة علي كيخيا، إلا أن الإمام سعود، ردّ على رسالة علي باشا، التي تحمل شروط الصلح، برسالة لا يستشف منها قبول الشروط؛ وإنما أرجأ ذلك لما يراه والده، الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود. وهو يعلم تماماً بأن والده، لن يوافق على شرط واحد من هذه الشروط؛ وإنما هي فرصة لكسب الوقت، من جهة، ولضمان انسحاب القوات العثمانية من الأحساء، من جهة أخرى . وهذا في حد ذاته مكسب كبير للسعوديين، لأنه يخفف عنهم أعباء العمليات العسكرية وضغطها. وقد ردّ سعود على شروط علي باشا، برسالة جاء فيها:

"جـاءنا كتابكم، وفهمنا معناه. فأما الحسا، فهي قرية خارجة عـن حكـم الـروم (أي الترك)، ولا تساوي التعب. وما في شيء يوجب الشقاق. وأما الأطواب (الأسلاب)، فهي عند والدي، في الدرعية، إذا صدرتُ إليه، أعرض الحال بين يديه. والوزير سليمان باشا أيضاً يكتب له. فإن صحت المصالحة وارتفع الشقاق من الطرفَين، فهي لكم، وأنا الكفيل بها، حتى أوصلها إلى البصرة. وأما مصاريفكم، فإني لا أملك من الأمر شيئاً، والشورى في يد والدي . وأما الأمنية (الأمن)، فهي التي لا زلنا نقاتل الناس عليها، حتى جعلنا الأرض كلها، وجميع المسلمين، مشتركين فيها. وصار الذئب لا يقدر يضر الشاة، في أحكامنا".

ويمكن تعرف أسباب فشل حملة علي باشا، من خلال ما تحويه من عناصر عسكرية متباينة، والتنافس الذي دب في صفوف شيوخ العشائر البدوية، التي شاركت في الحملة المذكورة. هذا إلى جانب استبسال الحاميتَين السعوديتَين، في الهفوف والمبرز، ضد قوات الحملة. إضافة إلى هذا كله، خبرة القوات السعودية بحروب الصحراء، وتحمّلها ما ينتج من هذه الحروب، من صعوبات. وفي الجانب الآخر، فإن قوات علي باشا، لم تكن لديها الخبرة الكافية بحروب الصحراء. ولم يكن لديها الاستعداد لتحمّل متاعب هذه الحروب. أضف إلى هذا قلة خبرة علي باشا نفسه بمثل هذه الحروب، وسوء إدارته، في معامله قواته، خاصة قوات العشائر، التي تؤدي دوراً كبيراً في مثل هذه الحروب.

وقد أثبت فشل حملة علي باشا على الأحساء، أنه ليس في مقدور ولاة بغداد عمل أي شيء، يمكن به القضاء على الدولة السعودية الأولى، أو على الأقل، إضعافها بشكل، لا تقوى معه على الامتداد خارج نجد. وقد أدى هذا الأمر إلى اقتناع السلطات العثمانية، في الآستانة، بأن العراق العثماني، لا يصلح، بحال من الأحوال، أن يقود الحركة الهجومية العثمانية، ضد السعوديين. وهذا، بدوره، أدى إلى استعانة السلطات العثمانية بالولايات العثمانية الأخرى، غير العراق، وإسناد مهمة القضاء على الدولة السعودية إليها.

ج. وقعة كربلاء

ولم يدم الصلح، الذي جرى بين الإمام سعود وعلي باشا، طويلاً. فقد تصدت قبيلة الخزاعل، الشيعة، لبعض أتباع الدولة السعودية، وقتلت حوالي ثلاثمائة رجل منهم، عام 1214هـ/ 1799م قرب النجف. وقد احتج السعوديون، لدى والي بغداد، وطالبوا بدفع دية المقتولين. فكلف الوالي عبدالعزيز بن عبدالله الشاوي، بالمرور على الدرعية، في أثناء عودته من الحج، والتباحث مع الإمام عبدالعزيز بن محمد، لتسوية الأمر. ولم ينجح هذا المبعوث، وأخبر والي بغداد عن نية الدرعية، أن يكون لها بلاد غرب الفرات، من عانة إلى البصرة.

ولم يكن من السهل على آل سعود، نسيان قتلاهم. فهاجمت القوات السعودية، بقيادة الإمام سعود، في عام 1216هـ/1801م، جنوبي العراق، وهدمت القباب والأضرحة والمزارات الشيعية، وهدمت قبة قبر الحسين، في كربلاء، انتقاماً من الشيعة. وعادت القوات السعودية، بسرعة، إلى الدرعية، ولم تلحق بها قوات علي باشا.

هذا ما جعل الدولة العثمانية، ترسل أوامرها المشددة، إلى والي بغداد، ليعمل على إيقاف الحملات السعودية . كما أن الشاه الفارسي، الذي استاء مما حدث في الأماكن المقدسة عند الشيعة، أخذ يضغط على والي بغداد، ويطلب منه أن يسمح لقواته بعبور العراق، لمحاربة السعوديين.

واستمرت الحملات السعودية على مناطق جنوبي العراق. وقد وصلت، مرة ثانية، في عام 1223هـ/1808م، إلى كربلاء، ولم تتمكن من دخولها.

وتوقفت حملات الدولة السعودية على جنوبي العراق، لانشغالها بالإعداد لمواجهة خطر الزحف العسكري، القادم من ولاية مصر، من طريق واليها، محمد علي باشا، الذي نفذ أوامر السلطان، فأعد الحملات ضد الدرعية.

وعلى الرغم من أن التحركات السعودية ضد العراق، استمرت فترة طويلة، استغرقت حوالي ربع قرن (1202 ـ 1226هـ / 1788 ـ 1811م)، فإن النفوذ السعودي، لم يستطع أن يوطد قدمه في أي جزء من الأراضي العراقية، ولم تستطع الدرعية أن تعين لها عمالاً، في أي بلدة عراقية.

7. علاقات الدولة السعودية بالشام

تشير المصادر النجدية، إلى أن الإمام عبدالعزيز بن محمد، أمر بعض قواته، سنة 1208هـ/1793م، بالتوجه إلى دومة الجندل، على أطراف الشام، ومنازلة أهلها؛ وقد يكون ذلك من قبيل الاستطلاع لقوة الولاة العثمانيين في الشام. وفي عام1212 هـ/1797م، قاد حجيلان بن حمد، أمير القصيم، جيشاً من أهل القصيم، فأغار على بوادي الشرارات، وقتل عدداً من رجالهم، وسلب كثيراً من أموالهم ومتاعهم.

وتمكنت هذه الحملات من نشر مبادئ الدعوة الإصلاحية، في المنطقة، وأخذ الزكاة من سكانها. ووصلت، من بوادي أهل الشام، في عام 1218هـ، ست نجائب، محملة بالريالات. ويفهم من ذلك أن أهل بوادي الشام أصبح ولاؤهم السياسي والديني للدرعية، وليس لولاة الشام.

وعندما شمل النفوذ السعودي بلاد الحجاز، أصبحت في وضع، جعلها على احتكاك مباشر بالسلطة العثمانية. وكانت بداية تحدي الدولة السعودية لوالي الشام، عام 1221هـ/1806م، حينما منع الإمام سعود بن عبدالعزيز. أمير الحج الشامي، عبدالله باشا العظم، من الوصول إلى الحرمَين، للحج، بالمحمل، ترافقه الطبول والمزامير. وكادت تقع اصطدامات بين الجند السعوديين وجند عبدالله باشا العظم، الذي لم يكن في موقف عسكري، يسمح له بمقابلة السعوديين. وعلى أثر ذلك، عزل السلطان سليم الثالث، عبدالله باشا العظم، عن منصبه، بسبب تقاعسه عن مواجهة القوات السعودية، ورجوعه بالحجاج، بناء على أمر من الإمام سعود. وعين بدلاً منه يوسف باشا كنج. وأصدر السلطان أوامره المشددة إلى يوسف باشا كنج، بضرورة محاربة السعوديين. إلا أنه لم يقم بأي عمل إيجابي، وانصرف إلى جمع الأموال لنفسه وممطالة الدولة. واكتفى، في رده على السلطان، بإرسال الخطط الحربية، التي كان يراها كفيلة بتحقيق رغبة السلطان. كما أن يوسف كنج، كان قد اقترح أن تشترك معه ولايتا مصر وبغداد، في إعداد الحملات، للقيام بالمهمة الموكلة إليه.

وفي تلك الأثناء، قام الإمام سعود بحملة عسكرية ضد الشام. وتمكن من الوصول إلى ما وراء جبل الشيخ. وتنقلت قوات السعوديين في سهل حوران، وهاجمت حصن المزيريب وبصرى.

كاتب الإمام سعود ولاة الشام، ودعا سكانها إلى الدخول في الطاعة، واعتناق مبادئ الدعوة السلفية (انظر ملحق نماذج من رسائل الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود والرد عليها). وانسحبت قواته من الشام محملة بالغنائم. وأصدر السلطان محمود الثاني أوامره بعزل يوسف كنج، لعدم كفاءته. وعين سليمان باشا، والياً على الشام. وطلب منه الاتصال بوالي مصر، محمد علي باشا، لتنسيق جهودهما ضد الدرعية.

إلا أن سليمان باشا، ومحمد علي باشا، لم يكونا على وفاق. لذا، اتجهت الدولة بأنظارها إلى والي مصر لتحقيق هدفها.

ثانياً: العلاقات الخارجية للدولة السعودية الأولى

كان لا بدّ من قيام اتصالات بين الدولة السعودية الأولى، والدول الكبيرة في منطقة الخليج العربي. وقد أدت العلاقة القائمة بين الدولة السعودية الأولى والقوى المحلية في الخليج العربي، خاصة تلك القوى المعارضة للدولة السعودية ـ دوراً بارزاً في حدوث مثل هذه الاتصالات، وذلك حينما قام بعض القوى المحلية في الخليج، بالاستنجاد ببريطانيا، وطلب المساعدة منها ضد الدولة السعودية . وقد حدث ذلك، حين طلبت سلطنة مسقط من بريطانيا، دعمها ضد الغزو السعودي. وفي بعض المناسبات، كانت تطلب العون من فرنسا. وأحياناً كانت تطلبه من دولة العجم، في إيران. وكانت البحرين، أحياناً، تطلب العون من دولة العجم، ضد الدولة السعودية.

وقد أسهمت حدة الصراع، القائم بين بريطانيا وفرنسا، في الشرق، في عهد الثورة الفرنسية وحروب نابليون ـ في حدوث مثل هذه الاتصالات، بين الدولة السعودية وكلٍّ من بريطانيا وفرنسا؛ لأن كلاً من الدولتَين الأجنبيتَين، كانت ترى ضرورة الاتصال بالقوى المحلية، ذات التأثير في أحداث الخليج. وقد أسهم التشابك المذهبي، في منطقة الخليج العربي، وما كان له من سلبيات، في إيجاد نوع من العلاقة السلبية، بين الدولة السعودية ودولة العجم.

1. العلاقة السعودية ـ البريطانية

لم تصل العلاقة بين الدولة السعودية الأولى وبريطانيا، إلى مستوى العلاقات الخارجية بين الدول، تلك العلاقات ذات المفهوم الدبلوماسي المعروف؛ وإنما كانت عبارة عن اتصالات بسيطة، جرت بين الدولتَين، في مناسبات وظروف معينة.

كان ثمة أحداث في المنطقة، أدت إلى الاتصال بين بريطانيا والدولة السعودية الأولى، كالتحالف القائم بين السعوديين والقواسم، الذين أصبحوا في عداء تقليدي، مع كلٍّ من حكام مسقط وبريطانيا. وكان العداء بين القواسم ومسقط وبريطانيا، قد جر الدولة السعودية الأولى، إلى خلافات مع بريطانيا، التي تتصرف من خلال مصالحها الاستعمارية في المنطقة، تلك المصالح المتركزة في مناطق الساحل، لا في المناطق الداخلية من شبه الجزيرة العربية.

وقد رأت بريطانيا ضرورة اتخاذ موقف لين، تجاه الدولة السعودية الأولى، حينما شعرت أن مصالحها الإستراتيجية، في الكويت وجنوب العراق، أصبحت معرضة للتأثير السعودي وضغطه، وبخاصة بعد وصول الحملات السعودية إلى تلك المناطق، وبعد نقل المراكز التجارية البريطانية، التابعة لشركة الهند الشرقية، من البصرة إلى الكويت.

لقد جامل رجال شركة الهند الشرقية البريطانية، المسؤولين السعوديين، حين قدموا إليهم الهدايا، وتقربوا منهم، حفاظاً على سلامة سير بريد الشركة الصحراوي، بين البصرة وحلب، المار في المناطق الشمالية الشرقية، من حدود الدولة السعودية الأولى.

وأرسلت بريطانيا رينود Reinaud، وهو أحد مساعدي الوكيل البريطاني، المستر مانيستي Manisty عام 1214هـ/1799م، إلى الدرعية رئيساً للبعثة البريطانية الرسمية إلى العاصمة السعودية، لإجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين، حول إيجاد نوع من العلاقات الودية وحسن المعاملة بين الدولتَين، بعد ما اعترى هذه العلاقات من الخلافات، كان مردها اشتراك عدد من حراس الوكالة الإنجليزية في الكويت، مع القوات الكويتية، في رد هجوم سعودي ضد الكويت.

ولم يكن موقف بريطانيا هذا، هو الموقف الوحيد المعادي للدولة السعودية؛ وإنما كان هناك مواقف بريطانية مماثلة. فكانت بريطانيا تساند موقف مسقط، وموقف البحرين، ضد السعوديين، في عدة مناسبات. أضف إلى هذا كله موقفها العدائي ضد القواسم، حلفاء الدولة السعودية، في منطقة ساحل عُمان.

غادر رينود Reinaud الكويت إلي الدرعية، ماراً بالقطيف والهفوف. وقد استقبله السعوديون، في الدرعية، استقبالاً حسناً. وحاول، في محادثاته، الحصول من الإمام عبدالعزيز بن محمد، على وعد بتأمين سلامة بريد الشركة، الذي يمر من البصرة إلى حلب، عبر الطريق الصحرواي الذي تقطن فيه قبائل سعودية.

ويبدو أن بعثة رينود Reinaud لم تحقق نجاحاً ملموساً، في هذا الصدد. وكانت الحساسية التي تتميز بها الدولة السعودية الأولى، ضد الأجانب النصارى، كفيلة بأن تفشل مهمة البعثة البريطانية. كما أن موضوع الدبلوماسية بين الدولة السعودية الأولى، والدول الأجنبية النصرانية، لم يكن مفتوحاً، بل كانت الدولة السعودية، تحاول تجنبه، قدر المستطاع. وهذا أمر يفرضه عليها الموقف الداخلي، من جهة، والبنية، السياسية والدينية، التي قامت عليها الدولة السعودية، من جهة ثانية. ومما يفسر صحة هذا الاتجاه، أن الجانب البريطاني، كان، دائماً، هو البادئ بقيام عمليات الاتصالات بالجانب السعودي. وقد عبرت بعثة رينود Reinaud عن هذا الأمر. وكان الجانب البريطاني، هو الباديء، أيضاً، بقيام نوع من المراسلات بين الدولتَين. وقد عبرت عن ذلك الرسائل، التي كان يرسلها المعتمد البريطاني في بوشهر، إلى الحاكم السعودي في الدرعية، في مناسبة حدوث أمور طارئة، في العلاقات بين الدولتَين. وقد تمثل هذا النمط من المعاملة، في الرسالة، التي أرسلها المعتمد البريطاني في الخليج، إلى المسؤولين في الدرعية، بعد اشتراك بريطانيا، إلى جنب حاكم مسقط، ضد القواسم، في الساحل العماني. فأشارت الرسالة إلى سبب الموقف البريطاني، أن القواسم، نقضوا شروط معاهدة عام 1220 هـ/1806م، المعقودة بينهم وبين شركة الهند الشرقية. ومن هنا فإن بريطانيا تحمل القواسم مسؤولية تدهور الموقف. لذلك، كان على حلفائهم السعوديين، أن لا يظهروا استياءهم تجاه ما قامت به بريطانيا ومسقط، من عمل حربي ضدهم. كما أن على السعوديين أن لا يؤازروهم؛ لأنهم هم الذين نقضوا شروط الاتفاق، المبرم بينهم وبين بريطانيا.

ويبدو أن بريطانيا، كانت تتخذ مثل هذه الإجراءات اللينة، تجاه الدولة السعودية الأولى، لعدة اعتبارات. من أهمها:

·     أن بريطانيا، كانت تتخذ مثل هذه المواقف اللينة، بعد أن تكون قد نفذت هدفها، وضربت ضربتها. وعندئذ، لا داعي للمواقف المتشددة، أو الموقف العنيف.

·     أن بريطانيا، كانت مقتنعة بأن الدولة السعودية الأولى، تشكل قوة محلية مؤثرة في الخليج. ومن هنا، لا بدّ من التعامل معها بشكل لا يغضبها .

·     أن بريطانيا، كانت تهدف من وراء مواقفها هذه، أن تبعد الدولة السعودية عن مراكز نفوذها في المنطقة.

·     أن بريطانيا، كانت تحاول أن تجعل نفسها قوة محايدة في المنطقة، وفي إمكانها أن تقوم بدور الوسيط في النزاع بين القوى المحلية في المنطقة. وكانت مقتنعة بأن مثل هذا الموقف، سيكون له إيجابياته الكثيرة، بالنسبة إلى مصالحها في الخليج العربي.

وكانت بريطانيا تفضل أن تكون علاقتها بالدولة السعودية، علاقة ود وسلام، على الرغم من أنها تساعد، خفية، وعلناً أحياناً، القوى الخليجية المحلية، المعادية للدولة السعودية الأولى.

كما أن بريطانيا، كان يهمها أن ترى بريدها الصحراوي، يمر بسلام، عبر الحدود الشمالية للدولة السعودية، من جهة، وأن يتوقف القواسم عن مهاجمة السفن البريطانية في الخليج العربي، من جهة ثانية، وأن تبقى مراكز نفوذها في المنطقة، بعيدة عن الصراعات المحلية، لأن مثل هذه الصراعات، يعرقل إستراتيجيتها، من جهة ثالثة.

إن موقف بريطانيا من الدولة السعودية، كان غامضاً، دائماً، إلى أن انهارت، على يد إبراهيم باشا، عام 1233هـ/1818م.

وقد أفصحت بريطانيا عن كراهيتها للحكم السعودي، بعد سقوط الدرعية؛ وكانت لا ترغب أبداً، أن ترى دولة قوية محلية، تجاورها في الخليج العربي؛ لأن ذلك يشكل مصدر إزعاج لها ـ حين أرسلت الحاكم البريطاني العام في الهند، سادلر (G.F.Sadlier) .إلى الدرعية، ليهنئ إبراهيم باشا بنجاحه في القضاء على الدولة السعودية الأولى. كما اتضح هذا الموقف من السرور، الذي عبر عنه المسؤولون البريطانيون، بسبب سقوط الدولة السعودية الأولى، وما ألصقوه بها من تهم وصفات جارحة.

2. العلاقة السعودية ـ الفرنسية

لم يكن هناك علاقة واضحة، بين الدولة السعودية الأولى وفرنسا، في بداية عهد الثورة الفرنسية. وقد بدأت ملامح العلاقة بالظهور، بعد حملة نابليون على الشرق، بوصفها جزءاً من الصراع الفرنسي ـ الإنجليزي فيه.

حاول نابليون بونابرت( Napoleon Bonaparte )، أن يخطب ودّ حكام الشرق، ليستفيد منهم في دعم موقف فرنسا، ضد منافستها بريطانيا. ومع أن هذه المحاولة، لم تكن محاولة جادة، وقوية، في هذه المرحلة بالذات، إلا أنها كانت نافذة، تنظر منها فرنسا إلى القوى المحلية في شبه الجزيرة العربية، وبخاصة تلك القوى الموجودة في الخليج العربي، وذات التأثير فيه.

وازداد اهتمام فرنسا بالخليج العربي، في فترة حروب نابليون. وصارت فرنسا تحاول، جادة، الاتصال بالقوى المحلية في المنطقة، ومن بينها الدولة السعودية الأولى. فكلفت بعثة جاردان، عام 1223هـ/1808م، بالقيام بنشاط واسع، في فارس والخليج، والمناطق المجاورة، ودراسة الطرق، التي يمكن استخدامها إلى الهند، لضرب خط المواصلات الإمبراطوية في الشرق. وتفيد المصادر، أن الفرنسيين، بذلوا جهداً كبيراً، للوقوف في وجه المنافسة البريطانية؛ ومع هذا لم يكن في مقدورهم أن يفعلوا شيئاً ضدهم. ومن هنا، كانت كل محاولاتهم، قد باءت بالفشل.

ويذكر بعض المصادر، أن نابليون، أرسل بعثة فرنسية، برئاسة دي لاسكارس، وصلت إلى الدرعية، في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز، في نهاية عام 1226هـ/1811م، بحثت قيام علاقات بين الدولة السعودية وفرنسا. وتشير المصادر إلى أن البعثة، طلبت من الإمام السعودي، أن يساند رغبة نابليون في اكتساح الدولة العثمانية، للوصول إلى الهند. وفي المقابل، فإن الإمام السعودي، يصبح في إمكانه غزو ولاية الشام العثمانية. إلا أن الوكالات الإنجليزية، علمت بالمفاوضات الدائرة في الدرعية، فأرسلت بعثة إلى الإمام السعودي، تحذره من الانضمام إلى نابليون؛ مع وعد بأن تضمن له اعتراف السلطان العثماني بالحكم السعودي، إن هو وعد بعدم مهاجمة الدولة العثمانية. ولكن الاتفاق السعودي ـ الفرنسي، انتهى بفشل نابليون في حروبه، في الجبهة الروسية، عام 1227هـ/1812م.

وبمقارنة الأحداث، فإن الشك يحوط برواية البعثة الفرنسية إلى الدرعية؛ لأنه لو كانت هذه البعثة وصلت إلى الدرعية، لكان في الإمكان أن نجد ذكراً لها، في الكتب المعاصرة للأحداث، محلية أو غير محلية، أو أجنبية، وبخاصة في المنشورات الرسمية البريطانية. ولهذا، فإن مثل هذه المعلومات، يبقى مجرد أخبار مشكوك في صحتها.

هكذا، فإن العلاقات السعودية ـ الفرنسية، لم تكن واضحة، بالقدر الذي وصلت إليه العلاقات السعودية ـ البريطانية. ويعود ذلك إلى ضعف النفوذ الفرنسي في الخليج العربي، من جهة، وفي الشرق، من جهة أخرى. أضف إلى هذا كله، أن قوة فرنسا وعظمتها، بوصفها دولة أوروبية، ودولة استعمارية، كانتا قد تضررتا بشكل حاسم، بعد سقوط نابليون، وصارت فرنسا دولة ضعيفة، إذا ما قورنت ببريطانيا العظمى، التي ازدادت قوة، بعد سقوط نابليون.

3. العلاقة السعودية ـ الإيرانية

لم تكن علاقة الدولة السعودية الأولى بدولة العجم، في إيران، علاقة حسنة، للخلاف المذهبي بينهما. وقد ازدادت هذه العلاقة سوءاً، بعد غزو الدولة السعودية الأولى مناطق جنوبي العراق وهدم المزارات الشيعية، في كربلاء والنجف، عام 1216 هـ/1801م.

وبعد هذا الغزو، تحرك الشعور الإيراني تجاه الدولة السعودية، وقرر شاه العجم، أن يتدخل، وأبدى استعداده لغزو السعوديين. وأخبر بذلك الوالي العثماني في العراق، بل هدد بغزو العراق، إذا لم تستجب الدولة العثمانية مطلبه، وهو الانتقام من الدولة السعودية، من طريق إرسال حملة عسكرية عثمانية قوية، من العراق، ضد السعوديين.

وساعد شاه إيران حاكم مسقط، عام 1217 هـ/1802م، ضد آل خليفة في البحرين، الذين كان يدعمهم آل سعود لاسترداد البحرين. واستمرت إيران في تقديم المساعدات العسكرية إلى حاكم مسقط، وتمكنت قوات مسقط من هزيمة آل خليفة وحلفائهم السعوديين.

وعندما بدأت القوات السعودية تغزو عُمان وتهدد سلطان مسقط، أسرعت الحكومة الفارسية في تقديم المساعدات لسلطان مسقط للوقوف في وجه السعوديين. وساءت العلاقة بين الدولة السعودية وبين دولة الفرس، عام 1225هـ/1810م، حينما استعان آل خليفة بالفرس وحكام مسقط، على استرداد البحرين من القوات السعودية.

ويلاحظ أن الخلاف القائم بين السعودية ودولة العجم، كان قد استغله حكام مسقط، وغيرهم في مناطق الخليج العربي، في إقامة نوع من الوفاق بينهم وبين دولة الفرس. وقد عبرت البعثة الدبلوماسية، التي أرسلها السيد سعيد بن سلطان، برئاسة السيد سالم، إلى بلاط الشاه، عام 1226 هـ/1811م، عن هذا الوفاق؛ إذ كان هدفها إقامة معاهدة تحالف، بين مسقط وبين فارس. وقد نجحت هذه البعثة في تحقيق هدفها. وكان من ثمار ذلك، أن ساعدت فارس حكومة مسقط، بقوات عسكرية، بقيادة صادي خان، فحاربت إلى جانب قواتها ضد السعوديين، في عمان، واستردت حصون سمايل ونخل.

وتذكر سجلات حكومة بومباي، أن الإمام سعود بن عبدالعزيز، خشي قيام تعاون فارسي ـ عماني، فأسرع بإرسال مبعوث خاص إلى شاه إيران، لإقامة علاقات ودية بين الدولتَين، الهدف منها تضييع الفرصة على حاكم مسقط. إلا أن هذه البعثة لم تلق قبولاً لدى الشاه. وانحازت فارس إلى مسقط، على الرغم من الخلافات، التي كانت تحدث بينهما، من حين لآخر.

وغلب شاه إيران السرور من نجاح والي مصر، محمد علي باشا، في القضاء على الدولة السعودية الأولى، فأرسل إليه رسالة، يهنئه فيها بجهوده جاء فيها:

"فاطلعت على ما صنعت في قتال العرب، وصبرت في احتمال التعب. واجتهدت في تجهيز الكتائب، وتشمير القواضب، حتى وطئت أرجاء التهامة، بأقدام الشهامة. وخلصت أرض النجد. بالعز والمجد، وفتحت باب الأمنية، بفتح الدرعية. وبالغت في دفع البدع، ونفي الدين المخترع ... إلى آخر الرسالة".

وقد أهداه الشاه عباس سيفاً قديماً، كان قد توارثه ملوك العجم عن أجدادهم، لأن عمل محمد علي، هو في هذا المجال، وعزمه يشبه حدّة هذا السيف. وقد صحب هذا السيف هدية أخرى، هي خاتم من الفيروز.

 



[1] العتوب هم من رؤساء قبيلة عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ومنهم آل صباح حكام الكويت وآل خليفة حكام البحرين.

[2] كلمة الكويت تصغير لكلمة "الكوت". وهي كلمة، تعني القلعة الصغيرة أو الحصن، المبني بالقرب من الماء، في لهجة مناطق جنوبي العراق والبلدان العربية المجاورة له. ثم أصبح الاسم يطلق على القرية، التي تبني بالقرب من الماء. وفي إطار تعدد الآراء في شأن أصل الكلمة، فثمة من يؤكد أن كلمة ``كوت`` برتغالية الأصل، وهي تعني القلعة، أو الحصن. وقد خلفها البرتغاليون في المنطقة، بحكم وجودهم فيها لفترة طويلة، وهناك من يؤكد أن الكلمة هندية، وقد سُميت مدن كثيرة في الهند بهذا الاسم، أو باسم "قوت"، ومنها "قال قوت" بمعنى "قلعة قال"، وهي البلدة المعروفة، الآن، في الهند باسم "كلكاتا Calcutta".

[3] الإتاوة هي الخراج أو الرشوة، اُنظر الفيروز آبادي، "القاموس المحيط"، مادة "أتو".

[4] الكيخيا كلمة مستعملة في التركية ومحرفة من الكلمة الفارسية كتخدا وتعني النائب أو الوكيل عن الوالي.