إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أركان الإسلام، وأثرها في عافية الإنسان، روحاً وجسداً




مد الجذع وثني الرجلين للجلوس
الارتكاز أثناء السجود
القدمين في النزل والقيام
ارتكاز القدمين أثناء الجلوس
ثني اليدين في السجود
ثني الجذع للأمام
ثني الجذع للسجود
ثني الرجلين
ثني الساعدين
تمرين التسليم
تمرين الجلوس
تمرين الركوع
تمرين السجود
تمرين الضغط المرحلة الأولى
تمرين الضغط المرحلة الثانية
تمرين القيام والنزول
تمرين القرفصاء
تمرين سيرازانا
دوالي الساقين
دفع الأرض باليدين
رفع الذراعين
في الوقوف
في الركوع
في السجود
فرد الجذع

نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص
مصادر الطاقة للتجويع المتوسط
مصادر الطاقة للتجويع الطويل
مفاصل زليلية
مقطع الجلد
الجهاز العصبي
الجمجمة والعمود الفقري
العضلات في الركوع
العضلات في حركة التسليم
تأثير الغدة النخامية
تحلل الجليكوجين الكبدي إلى جلوكوز
تحول جزء من الجلوكوز
حركة النزول والقيام
حركة العضلات في القدم اليمنى
عضلات الساعد الأيمن
عضلات الظهر في حركة الرفع
عضلات حركة الساق اليمنى
عضلات حركة الكف الأيسر
عضلات رفع اليدين




أولاً: الركْن الأوّل: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله

أولاً: الركْن الأوّل: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله

وهي إثبات الأُلوهية لله وَحْدَه. فلا إله غيره، ولا معبود بحق سِواه. وإثبات الرسالة لمحمد r ، الذي أرسله ربه، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذْن ربه، ويهديهم إلي صراط مستقيم. أمَّا عن عَلاقة هذا الركن بصحة الإنسان. فهي علاقة قوية ووثيقة. فمنذ وُجِد الإنسان على وجه البسيطة، وهو يَرْنُو إلى قوة عظمى، يلجأ إليها، ويستعين بها، ويستغيث بها، في لحظات اليأس وأوقات الضعف والشدة. فلما هدى الله الناس إلى الفطرة التي فطر الناس عليها، وأرسل إليهم رسله ، وأَيْقَنوا أن الله سبحانه وتعالى، هو الخالق الرازق، والمُحْيِي، والمُميت، فعبدوه وأخلصوا له العبادة وحده، ولم يشركوا به شيئاً، فثبتوا على ميثاقهم، الذي واثقوا الله عليه ]وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 172).

فاطمأنت بذلك قلوبهم، وخشعت أرواحهم لخالقها، وتوثقت صلتها به سبحانه وتعالى ]الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[ (سورة الرعد: الآية 28). ]الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 82). ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[ (سورة الأنفال: الآية 2).

فهذه الآيات، تفسر العلاقة الوثيقة بين الإيمان وقوّته، والصحة النفسية للإنسان. فعندما يطمئن القلب وتستريح النفس، ينعكس ذلك على الجوارح كلها، وتستقيم حياة الإنسان، ويتفرغ لِعمارة الأرض، راضياً بيومه، مطمئناً لغده، لا مجال لخوف أو جَزَع، ولا مكان ليأس أو قُنوط. فهو يعلم أن أمره كله خير، إن أصابته سَرّاء شَكَر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضَرّاء صبَر، فكان خيراً له. يعلم أن الجزَع لن يغيّر من القضاء شيئاً. فإذا توثّقتْ علاقة الإنسان بخالقه، وأخلص في عبادته وأقام شرائعـه، كان ذلك وقاية له من كثير من أمراض النفس وعِلَلها.

وكما يقول الحق سبحانه وتعالى: ]إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ[ (سورة المعارج: الآيات 19 ـ 22).

هكذا تكون أركان الإسلام، من إيمان، وعقيدة، وصلاة، وطاعة، حصناً حصيناً للنفس. وصحة النفس وسلامتها، ضرورة لصحة البدن وسلامته. فقد أصبحت العَلاقة بين الصحة النفسية، والبدنية، حقيقة مؤكدة، لا ينكرها منِكر، فإذا تكدرت النفس، وأصابتها العلل، انعكس ذلك على البدن. فقد أثبت الطب السيكوسوماتي، (أو النفس جسدي) أن الأفكار والانفعالات تؤدّي إلى تغيرات عميقة، ومتعددة، في الأحشاء. ومن أمثلة تلك الأمراض النفس جسدية، والتي تلعب الاضطرابات النفسية دوراً رئيسياً في ظهورها، قرحة المعدة والأمعاء، وأمراض القولون، والذبحة الصدرية، وداء السكري، والربو، وأمراض الحساسية، وغيرها كثير.

يقول أحد الباحثين الغربيين: إن عدم استقرار الحياة العصرية، والانفعال الدائم، وانعدام الأمن، يخلق حالات من الشعور تجلب الاضطرابات العصبية والعضوية للمعدة والأمعاء، كذا نقص التغذية وتسرب الجراثيم المعوية إلى الدورة الدموية والتهاب الكلى وما يصاحبه من أمراض الكلى والمثانة، إن هي إِلاّ النتائج البعيدة، لعدم التوازن العقلي والأدبي. ومثل هذه الأمراض، تكاد تكون غير معروفة في الجماعات، التي تحْيا حياة بسيطة، دون انفعال زائد، أو قلق دائم. وبالمِثل فإن الأشخاص الذين يحافظون على اطمئنانهم النفسي، وسَط ضوضاء المدينة الحديثة، محصنون ضد الاضطرابات العصبية والعضوية.

إن توحُّد الرغبات، وتوجيه العقل، نحو غاية واحدة ينتجان ضرباً من السلام الداخلي. وإن اتزان نشاط الشعور، يؤدّي إلى تناسق أعظم بين الوظائف العضوية والعقلية. ولهذا نَدَرَ أن توجد الأمراض العصبية، وأمراض التغذية، والإجرام، والجنون، بين الجماعات التي يتوازن فيها الشعور النفسي والذهني في وقت واحد. كما يكون الفرد أكثر سعادة في مِثل تلك الجماعات.

ومردُّ تلك العلاقة إلى تركيب الجهاز العصبي، خصوصاً الذاتي منه، بفرعَيه "السمبثاوي" (Sympathetic Nervous System)، و"الباراسمبثاوي"(Para Sympathetic)، ويسميان كذلك الودي وغير الودي، وعَلاقة ذلك الجهاز بمراكز المخ العليا من جهة والغدد الصماء من جهة أخرى من طريق الهيبوثلاموس أو منطقة تحت المهاد (Hypothalamus) (اُنظر شكل الجهاز العصبي).

فهذا الجهاز يسيطر على الوظائف التي لا سُلطان للإنسان عليها مثل نبضات القلب وقوّتها وعددها وحركة الأمعاء وإفرازاتها وتدفّق الدم في أجزاء الجسم المختلفة وإفرازات بعض الغدد مِثل الغدد العَرقية وغيرها. ويوجد مركز التحكم في هذا الجهاز في منطقة الهيبوثلاموس "تحت المهاد"، وهذه تتصل بقشرة المخ (Cerebral Cortex)، ومراكز المخ الأخرى، وتتفاعل معها وتتأثر بها.

ومن ناحية أخرى تتصل الهيبوثلاموس بالغدة النخامية (Pituitary Gland)، وهذه الغدة الموجودة في قاع الجمجمة، رغم صِغَرها، حيث تَزِنُ حوالي نصف جرام، فإنها تسيطر على عدد من الغدد الصم المنظمة لكثير من وظائف الجسم مثل الغدة الدرقية (Thyroid Gland)، والغدة فوق الكلوية أو الكظرية (Suprarenal Gland)، والخصيتين (Testes) في الذكور ، والمبيضين (Ovaries) في الإناث، وذلك من طريق إفراز مواد كيماوية منشطة أو مثبّطة لعمل تلك الغدد، والعلاقة بينها متبادلة (اُنظر شكل تأثير الغدة النخامية). والعَلاقة بين نشاط هذه الغدد والحالة النفسية للإنسان وثيقة، فإن التوتر يؤدّي إلى زيادة في إفرازات تلك الغدد أو عدم توازنها. وإذا استمر التوتر فقد يؤدّي إلى حالة مَرَضية بسبب زيادة تلك الإفرازات ـ كما يصاحب الأمراض العضوية لتلك الغدد تغيّر في الحالة النفسية والعصبية للمريض. لا تختلف كثيراً عن الأمراض النفسية.

والغدة الكظرية تفرز عديداً من الهرمونات، أهمها الكورتيزول والأدرينالين، وهما من هرمونات الإجهاد، (أي يزيد إفرازهما عند التعرض للضغط والإجهاد).

ويؤثر الكورتيزول (Cortisol)، الذي يُفرَز من القشرة Adrenal Cortex)) في كثير من وظائف الجسم، فهو يؤثّر في التمثيل الغذائي (الاستقلاب)، فيؤدّي إلى زيادة معدل الجلوكوز في الدم، وقد يؤدّي إلى ظهور مرض السكري، ويساعد على ترسيب الشحوم في مناطق معينة من الجسم، ويؤثّر في الأوعية الدموية فيزيد من ضغط الدم، وكذلك يؤثّر في بعض مكونات الدم والخلايا المناعية، وغير ذلك من الآثار. أما الأدرينالين (Adrenalin)، فيُفرزه كـل من نخـاع الغدة الكظرية (Medulla)، والجهاز السمبثاوي (الودِّي)؛ وهو يؤدّي إلى زيادة ضربات القلب وقوّتها، وزيادة الدم الخارج من القلب، وزيادة الجهد على القلب، وانقباض بعض الأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل الجلوكوز في الدم، وارتخاء عضلات الشعب الهوائية والأمعاء، واتساع حَدَقة العين. وكِلا الهرمونَين، الكورتزرل والأدرينالين، يُعِدَّان الجسم للتحفز ومواجهة المواقف الصعبة والطارئة، ويبدو ذلك واضحاً في حالات الخوف والانفعال، حيث تزداد ضربات القلب، ويرتفع الضغط، ويقف الشَّعر، ويتصبب عرق بارد يصحبه شُحوب في اللون، وبرودة في الأطراف. وقد تنقبض عضلات الرحم فتؤدّي إلى الإجهاض في بعض الحالات.

1. من آثار نشاط الجهاز العصبي الذاتي الَّودي (السمبثاوي) ما يلي:

أ. اتساع حَدَقة العين.

ب. زيادة سرعة ضربات القلب وقوّتها.

ج. يقلل من سرعة التنفس، ويسبب ارتخاء عضلات الشعب الهوائية.

د. ارتخاء عضلات الأمعاء مع انقباض عضلاتها العاصرة، مسبباً إمساكاً مزمناً.

هـ.ارتخاء عضلات المثانة، وانقباض عضلاتها العاصرة وصعوبة التبول.

و. انقباض عضلات حويصلة الصفراء.

ز. ينبّه عضلات الرحم، وقد يؤدّي الانفعال الشديد إلى الإجهاض.

ح. يؤدّي إلى انقباض عضلات الأوعية الدموية، مسبباً ارتفاعاً في ضغط الدم.

ط. ينبّه بعض غدد الجلْد، ويؤدّي إلى انقباض عضلات جذور الشَّعر، وينبّه الغدد الدمعية، وينبّه إفراز الغدد اللعابية مؤدّياً إلى جفاف الحلْق.

ي. ينبّه الغدة الكظرية فيزيد من إفراز الأدرينالين.

ك. يؤدّي إلى انقباض عضلات الأوعية الدموية لأعضاء التناسل، مسبباً الضعف الجنسي، وعدم القدرة على الانتصاب، وسرعة القذف.

وهكذا يعبّئ الجهاز السمبثاوي (الودي) الطاقة الجسمية لمواجهة الطوارئ مِثل الخوف والقلق، ويهيّئ الجسم للدفاع.

2. أمّا الجهاز الباراسمبثاوي (الجارودِّي) فتتلخص آثاره ووظائفه في الآتي:

أ. قابض لِحَدَقة العين، وخافِض للجفْن العلوي.

ب. يقلل من سرعة ضربات القلب.

ج. زيادة سرعة التنفس، مع انقباض عضلات الشعَب الهوائية.

د. يغذي غشاء اللسان بألياف للتذوّق، وألياف لاستدرار إفرازه.

هـ. قابض للمريء والمعدة والأمعاء.

و. زيادة إفرازات المعدة والبنكرياس، مع حدوث تنبية بسيط لإفراز الكبد وحويصلة الصفراء.

ز. يغذّي الغدد اللعابية.

ح. إنقباض عضلات المثانة، مع ارتخاء عضلاتها العاصرة، الأمر الذي يؤدّي إلى كثرة التبوّل.

ط. يسبب ارتخاء أوعية أعضاء التناسل وتوسيعها، خاصة أوعية القضيب والبظر، فيسبب الانتصاب.

وعَلاقة الجهاز العصبي الذاتي (اللاإرادي)، وكذلك أدرينالين الغدة الكظرية بالتوتر والانفعال، عَلاقة وثيقة، تظهر في:

أ. التأثير في الجهاز العضلي الإرادي، كما يحدث في حالات الغضب (التكشير عن الأنياب والزمجرة والهجوم على العدو)، كذلك البكاء والضحك والابتسام.

ب. التأثير في الغدد المقناة، والعضلات الملساء، والأوعية الدموية، مؤدّياً إلى زيادة إفراز العَرق، وزيادة ضغط الدم، واحمرار الوجه أو شُحوبه.

ج. التأثير في الجهاز التنفسي، فيزداد معدل التنفس أو يقلّ، تبعاً للموقف وشِدّته.

د. التأثير في الجهاز الهضمي، فقد لوحظ عند الغضب، احمرار وتورّم وانتفاخ الأغشية الداخلية للمعدة، مع زيادة انقباض عضلاتها، وارتفاع في نسبة إفراز الحامض فيها. أمّا في حالات الاكتئاب فتشحُب أغشية المعدة، وتنخفض نسبة الحامض، وتكفّ المَعدة عن الحركة، ويصاحب ذلك إكلينيكياً صعوبة الهضم، وانتفاخ البطن، وإسهال أو إمساك، وآلام ومغْص في المَعدة والأمعاء.

ولا يقتصر تأثير التوتر النفسي، والانفعال، على هذه الأجهزة، بل يمتد إلى أجهزة أخرى، ويسبب عِللاً مختلفة، مثل أمراض الحساسية والربو، وأمراض الجلْد، مثل الأكزيما والصدفية، ومرض السكري، وأمراض الغدة الدرقية، وأمراض الجهاز البولي والتناسلي، في الذكور والإناث، (مثل العُنَّة، والبرود الجنسي، وسرعة القذف، والعقم).

هذا إضافة إلى أثر الانفعال في التفكير، والقدرة على النقد والتصرف السليم، وقوة الذاكرة، وسلوك الفرد نحو نفسه ومجتمعه.

والحالة السوِيّة للإنسان هي حالة التوازن بين الجهازَين، الودِّي والجارودِّي، حيث إن تأثّير أحدهما يضادّ تأثير الآخر، إلاّ في حالات نادرة مِثل الجماع، حيث يعملان معاً.

وهذا التوازن يمِكن تحقيقه بالهدوء النفسي، والاطمئنان، ومواجهة الأمور بحكمة، ومواجهة الشدائد بالصبر، فينعكس أثر ذلك على الجهاز العصبي بفرعَيه، وعلى الغدد الصماء.

وهنا يتضح دور الإيمان، والعقيدة الصادقة، وارتباط الإنسان بخالقه، وعِلمه بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن له بكل بلاء أجراً وبكل شدة مغفرة، فتستريح نفسه وتهدأ روحه. حتى لو انفعل الإنسان المؤمن فإنه يعود سريعاً إلى هدوئه وسكِينته، ولا يذهب به الفكر كلَّ مذهب، كما يحدث في هذا العصر، حيث تفشّت الأمراض النفسية، وفقد كثير من الناس ثقتهم حتى بأنفسهم، ولجأ كثير منهم إلى ما فيه تدمير حياته، وضياع صحته وجهده وماله، من إدمان الخمور والمخدرات بكل أنواعها، وانغماس في ممارسات جنسية شاذّة، وغير مشروعة، تأباها حتى الحيونات، وإقدام على الانتحار بصور فردية وجماعية، يأساً من الحياة وهرباً من تَبِعاتها. وكما قال الإمام ابن الجوزية: فإن القلق نوعان: قلق مما كان، وهو الغم، وقلق مما سيكون، وهو الهم، وهو أخطر لأنه يطحن النفس، ويزرع اليأس، الذي قد يحّول صاحبه إلى متخوف مما ستأتي به الأيام، ثم عابث بالقِيَم الخلُقية والاجتماعية، ثم متهرب من المسؤولية؛ والإيمان يَقِي من كل ذلك.

لقد أصبح الفراغ الروحي والفكري سِمة من سِمات هذا العصر، بعد أن طغت المادة، حتى ملأت حياة الإنسان وجعلته كالآلة، وعاد عليه ذلك كله بالعِلل والآفات النفسية، ومن تلك الآفات وأمثلتها مرض الفصام، والذهان الدوري (نوبات من الاكتئاب والانبساط)، والقلق النفسي (في صورة توتر وخوف مستمر)، وقد يصاحب ذلك أعراض نفسية مثل سرعة الاستثارة، والعصبية، وكثرة النسيان، وضعف التركيز، والأرق، ومن أمثلتها كذلك، الهيستيريا، وهي مرض نفسي، يتميز بظهور أعراض جسمية، بهدف إثارة الانتباه، أو تحقيق نفْع ذاتي، أو الهروب من موقف معيّن، وكذلك الوسواس القهري، ومن أهم أعراضه وجود أفكار أو دوافع حركية متكررة، مثل غسْل الأيدي عشرات المرات خوفاً من الميكروبات، أو ما شابَهَ ذلك، وقد تبيّن للمسؤولين عن الصحة العالمية، أن حوالي 30 ـ 50% من جميع المرضى المترددين على الأطباء بكافة تخصصاتهم، يعانون أمراضاً عضوية سببها نفسي.

كذلك بيّنت المنظمات العالمية الصحية أن النصائح المعنوية أفضل من المسكّنات العصبية في علاج القلق والاضطرابات النفسية.

وهذا يؤكد دَور الإيمان في حياة الإنسان المسِلم، بما يعود عليه بالراحة النفسية، والاطمئنان الروحي، والهدوء، وينعكس كل ذلك صحة نفسية وبدنية، تحميه من كثير من الأمراض النفسية والجسدية، وتَنْأَى به عن الانغماس في ما ينغمس فيه غيره، من وسائل تضر بصحته وقد تُوْدِي بحياته.

يقول وليم جيمس، الفيلسوف، وعالم النفس الأمريكي، "إن أعظم علاج للقلق، ولا شك، هو الإيمان"، ويقول: الإيمان من القوى، التي لا بد من توافرها، لمعاونة المرء على العيش، ويضيف: إن أمواج المحيط المصطخبة المتقلبة، لا تعكّر قَطّ هدوء القاع العميق، ولا تقِلق أمْنه، كذلك المرء الذي عَمُقَ إيمانه بالله، لا تعكّر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة، فالرجل المتديّن حقاً، آمِن من القلق، محتفظ أبداً بإيمانه، مستعد دائماً لمواجهة ما قد تأتي به الأيام من صُروف ونوازل.

ويقول أحد المحللين النفسيين[1]: "إن المرء المتديّن حقاً لا يعاني مرضاً نفسياً في حياته".

ويقول أحد الأطباء المتخصصين[2]: "استشارني خلال الأعوام الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضرة، وعالجت مئات كثيرة من المرضى، فلم أجد مريضاً واحداً من مَرْضايَ الذين جاوزوا سن الخامسة والثلاثين مَن لم تكن مشكلته في أساسها هي افتقاره إلى وجهة نظر دينية في الحياة، وأستطيع القول إن كل واحد منهم قد وقع فريسة المرض لأنه فَقَدَ ذلك الجوهر الذي يمنحه الدين للمتدينين، وإنه لم يتم شفاء أحد منهم إلاّ بعد أن أخلص في عبادته وعمله". وهذا يؤكد أهمية العقيدة الدينية، وعَلاقتها بالصحة النفسية والجسدية للإنسان.

وأسباب الأمراض النفسية والسلوكية، إمّا خلل فكري في الاعتقاد، نتيجة لغيوم الشُّبُهات، وثورة الشكوك، وإمّا خلل سلوكي في التصرفات، نتيجة لطغيان الدوافع، أو الغرائز، واستحكام الشهوات. ولقد تعاملت المدارس الطبية الحديثة، في الغرب والشرق، مع جسد الإنسان، وأهملت نفسه وروحه، نتيجة لطغيان التفكير المادي على البحث العلمي، وانتشار موجات الإلحاد التابعة لها. وقد لاحظ علماء الطب، في السنوات الأخيرة، العَلاقة الوثيقة بين الجسم والنفس، وتحوّل التنبيهات الجسمية إلى استجابات نفسية، والعكس بالعكس.

ويعتقد عدد وافِر من الأطباء في شتى أنحاء العالَم، بتأثير الطاقة الروحية للشخص في علاج بدنه ونفسه، يقول العالم الفيزيائي الفرنسي جان شارون: "إن السبب العميق للأمراض هو اضطراب الوظيفة الروحية لأيوناتنا، لأن هذه الأيونات ما كان لها أن تَقْبَل معلومات لا تستطيع أن تجانس بينها وبين مخزون المعلومات التي عندها، وتلك المعلومات تنبع من الذات الواعية، أي من تجربة الحياة اليومية. والسبب في نجاح بعض الوسائل العلاجية مثل التداوي بالإبر هو أن إليكتروناتنا هي التي تصاب بالمرض، وهذه الوسائل تعمل في ميدان التوازن الكهربائي للجسم، والحاصل طبعاً من توزيع الشحنات الكهربائية فيه. غير أن العلاج بالإبر ما هو إلاّ مؤثر في المظاهر الثانوية للمرض، أما السبب العميق فهو في مستوى الروح التي تحملها الأيونات، والتي ينبغي لها أن تقوم بعمل إضافي، فمن منا لم يجرب في نفسه ذهاب الألم في نقطة معينة من الجسم، لمجرد تركيز الفكر في هذه النقطة من الجسم؟، ولا زلنا نجهل الكثير من قدرة الروح وتأثيرها في سير وظائف الجسم". والإيمان بالله ورسوله r، وما يمليه على الإنسان من سمو روحاني، وخلُقي، والتزام بالمبادئ السامية، والقيم النبيلة، من حب، ومودّة، وإيثار، وعفو، وتعاون على البر والتقوى، وجهاد للنفس، وصبْر على الشدائد، كل ذلك يبعث الراحة، والطمأنينة، والأمن، والسكِينة في النفس، وينأى بها عن مواطن القلق، وأسباب التوتر، ويجعلها قادرة على مواجهة المواقف الصعبة، بهدوء وسكِينة، فيكون ذلك حماية ووقاية، من كثير من الأمراض النفسية والجسدية.



[1] د. أ. أ. اريل.

[2] العالم الطبيب كارل يونج.