إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أركان الإسلام، وأثرها في عافية الإنسان، روحاً وجسداً




مد الجذع وثني الرجلين للجلوس
الارتكاز أثناء السجود
القدمين في النزل والقيام
ارتكاز القدمين أثناء الجلوس
ثني اليدين في السجود
ثني الجذع للأمام
ثني الجذع للسجود
ثني الرجلين
ثني الساعدين
تمرين التسليم
تمرين الجلوس
تمرين الركوع
تمرين السجود
تمرين الضغط المرحلة الأولى
تمرين الضغط المرحلة الثانية
تمرين القيام والنزول
تمرين القرفصاء
تمرين سيرازانا
دوالي الساقين
دفع الأرض باليدين
رفع الذراعين
في الوقوف
في الركوع
في السجود
فرد الجذع

نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص
مصادر الطاقة للتجويع المتوسط
مصادر الطاقة للتجويع الطويل
مفاصل زليلية
مقطع الجلد
الجهاز العصبي
الجمجمة والعمود الفقري
العضلات في الركوع
العضلات في حركة التسليم
تأثير الغدة النخامية
تحلل الجليكوجين الكبدي إلى جلوكوز
تحول جزء من الجلوكوز
حركة النزول والقيام
حركة العضلات في القدم اليمنى
عضلات الساعد الأيمن
عضلات الظهر في حركة الرفع
عضلات حركة الساق اليمنى
عضلات حركة الكف الأيسر
عضلات رفع اليدين




ثانياً: الركْن الثاني

ثانياً: الركْن الثاني: الصلاة

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وإذا تدبر الإنسان ما تحمِله هذه الفريضة من منافع مادية وروحانية، ازداد إيمانه وقناعته، بعظمة هذا التشريع، الذي مزج مزجاً رائعاً بين الروح والجسد. وإن كانت الصلاة في أصلها عبادة يتقرب بها الإنسان إلى خالِقه، ويقصد بها أول ما يقصد، طاعة الله وابتغاء مرضاته، إلاّ أن الله، سبحانه وتعالى، أَوْدَع فيها الكثير والكثير من الفوائد، سواء للصحة النفسية أو البدنية.

ومن أهم شروط الصلاة، الطهارة، سواء كانت وضوءاً، أو غسلاً، فلا تصح الصلاة دون طهور، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا[ (سورة المائدة: الآية 6)

وقد سبق الإسلام كل الحضارات في اهتمامه بالنظافة في كل صورها، في الجسد، والثوب، والمكان، والمأكل، والمَشرَب، وفي البيت والشارع، وفي البيئة كلها. ووضع لها من التشريعات الحكيمة ما يضمن تطبيقها، ويحقق سلامة الروح والجسد والمجتمع الإنساني كلّه، منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان.

1. الطهارة والنظافة الجسدية والمعنوية

ومن الطهارة التي أَوْجَبَها الإسلام، الاستِنْجاء، وهو أن يتطهر الإنسان بالماء، كلما تبوّل أو تغوّط. ولقد أثبت بعض الأبحاث حديثاً أن هذا العمل، يَقِي الإنسان من بعض الأمراض، مِثل الالتهابات، وسرطان الشرج.

والوضوء هو نظافة متكررة للأجزاء الظاهرة من الجسم مثل، اليدَين والقدَمَين والوجه والأنف والفم والأُذُنَين.

يمكن التيقن من أهمية الوضوء عند فحص مقطع من الجلْد، مجهرياً (اُنظر شكل مقطع الجلد تحت المجهر)، فالجلْد يتكون من عدة طبقات من الأنسجة والخلايا، تنتهي على السطح بخلايا ميتة تُزال أولاً بأول، ويحوي بين طبقاته أوعية دموية، وأطراف الأعصاب، (الخاصة بالإحساس بأنواعه المختلفة)، وبُصَيْلات وجذور الشَّعر، والغدد الدهنية والعَرقية، ولكل من تلك الأجزاء وظائفه المهمة، للجلْد الذي يًعدّ أول خطوط الدفاع عن الجسم.

فإذا ما تراكمت تلك الخلايا الميتة، وإفرازات الغدد الدهنية والعَرقية، واختلطت بالأتربة والأوساخ، أصبحت وسطاً ملائماً لكثير من الجراثيم، التي قد تمثّل خطراً على حياة الإنسان.

وقد أثبت علماء الجراثيم وجود أعداد هائلة من الجراثيم على الجلْد الطبيعي، حيث يراوح العدد في المناطق المكشوفة، ما بين مليون واحد وخمسة ملايين جرثومة في كل سم2 واحد، وهي دائمة التكاثر، وبعضها ذو أثر ضار في صحة الإنسان.

وخير شبيه للجلْد وما عليه من الجراثيم البكتيرية، والفيروسية، والفطرية، والطفيلية، التي لا يعلَم عددها إلاّ الذي خلَقها، وما بينها من عداوات وحروب، وما لها من أشكال ومتطلبات ـ هو الكرة الأرضية، وما عليها من مخلوقات حية، وما بينها من اختلافات شتّى.

وقد أثبت أحد الباحثين أن الاستحمام الواحد يزيل عن جلْد الإنسان أكثر من مائتي مليون جرثومة.

وقد أوضح عدد من العلماء والباحثين[1]، أن غسل سطح الجسم بالماء، مع الدّلْك، يؤدّي إلى التطهير الكامل للجلْد من الجراثيم، ولكنه يعود إلى التلوث التدريجي من الهواء المحيط به في خلال 24 ساعة.

ويؤكد باحث آخر، اهتمام الإسلام والمسلمين بالنظافة فيقول: "إن المسلمين أعطَوا عناية فائقة لنظافة الجلْد والشَّعر والأظفار، وقد وجدنا مطبوعات قديمة تختص بالنظافة العامة، حيث كان هناك حمامات عامة لم يكن لها مثيل في العالم آنذاك، فكان هناك قرابة ألف وسبعمائة حمام في الفسطاط، كما ازدهرت مصانع الصابون بالإسكندرية، وعرف المسلمون الأوائل فُرش الأسنان الخشبية (السواك). وقد أثبتت الاكتشافات كذلك معرفة المسلمين الأوائل أنواعاً عديدة من العطور، كانوا يستخرجونها من الحيوانات أو النباتات".

وإذا كان الوضوء شرطاً لصحة الصلاة، فقد شرع الإسلام عديداً من أنواع الغسل، التي تجعل المسلم دائم النظافة في جسده، فيَحْفظه ذلك من كثير من الأمراض. إضافة إلى ذلك، فإن عملية تدليك الأعضاء أثناء الوضوء والاغتسال، وهي سُنة أوصى بها رسول الله r، يعطي الجلد حيوية، ويساعد على تفتّح الأوعية الدموية، وزيادة تدفّق الدم فيها بما يحمِله من أجسام مناعية وخلايا دفاعية، تمثّل خطوطاً دفاعية في حماية الجسم من الجراثيم والأوبئة، كما ينشّط الدورة الدموية كلها.

وغسْل الأيدي عدة مرات في اليوم خصوصاً بعد التغوّط، يقِي الإنسان من كثير من الأمراض الجرثومية، والفيروسية، والطفيلية، التي تنتقل من طريق الفم، نتيجة لتلوث الأيدي بالبراز، مِثل الدوسنتاريا الباسيلية والأميبية، والتيفوئيد، والباراتيفوئيد، والكوليرا، والالتهابات المعوية، وتسمم الطعام الجرثومي، وبعض أنواع الالتهاب الكبدي الفيروسي، والدودة الدبوسية، وغيرها من الأمراض.

أمّا المضمضة وهي من سُنَن الوضوء والغسل، فإنها ذات فوائد جمّة، لأنه تمرّ وتستقر في الفم، وأنواع كثيرة من الجراثيم، تزيد على مائة نوع، ويراوح عددها بين 500 مليون و 5 مليارات جرثومة في المليليتر الواحد من اللعاب، وينتج من نموها أحماض ومواد كيماوية، تؤثّر في الفم ورائحته، واللَّثَة وصحتها، والأسنان وسلامتها. ولقد ثبت أن فم الجنين وهو في رحِم أمّه يكون خالياً تماماً من الجراثيم، ولكن في خلال 24 ساعة من ولادته يظهر في فمه اثنا عشر نوعاً من الجراثيم، وخلال عشرة أيام، يصبح في فمه قرابة واحد وعشرين نوعاً، ومعظم هذه الجراثيم تتعايش مع الإنسان بصورة سلمية ولا تؤذيه، ما دام الفم محتفظاً بوسائل دفاعه، والبدن في صحة طيبة. أمّا إذا ضعفت تلك الوسائل واختلّ التوازن نتيجة التقصير في نظافة الفم وإهماله، انطلقت تلك الجراثيم مسببة كثيراً من أمراض الفم والأسنان، وربما لا يقتصر أثر تلك الجراثيم على الفم، بل يمتد إلى أعضاء وأماكن أخرى من الجسم، قريبة من الفم، أو بعيدة عنه.

لذا، يتبين أهمية المضمضة مع كل وضوء عدة مرات في اليوم، لإزالة تلك الجراثيم ومنْعها من التكاثر، وطرْد ما قد يصل إلى الفم من أوساخ أو بقايا طعام أو شراب، فيحافظ ذلك على سلامة الفم وصحته. ويجب على المريض أن يعلَم أن تفريش الأسنان يزحزح فضلات الأكل، ولكن لا يزيلها، فلذلك كان التمضمض ضرورياً ومهماً.

إضافة إلى المضمضة، فقد سَنَّ رسول الله r، لأمّته "السِّوَاك"، وهو استخدام عود من شجرِ الأراك، أو ما شابهه لتنظيف الفم والأسنان وتطهيرهما، وأكَّد أهمية السِّواك، وواظب على استعماله طوال حياته، حتى وهو على فراش الموت. وقال r: ]تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ، مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ، حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي، وَلَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُ لَهُمْ وَإِنِّي لأسْتَاكُ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادِمَ فَمِي[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 285).

وعن أَبي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r ]لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مع كُلِّ وُضُوءٍ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 9548).

وإذا كان العالَم قد توصل إلى استعمال الفرشاة ومعاجين الأسنان لتنظيف الفم والأسنان، فإن الإسلام، كعادته، صاحب سبْق في هذا المجال، إذ جاء بالسِّواك وأوصى به، وأكّد أهميته، بينما كان العالَم آنذاك في غياهب الظلام والجهل. بل أكثر من ذلك، إنهم كانوا يستخدمون وسائل تقشعّر منها الأبدان في الوقت الحاضر، إذ كان شائعاً في أوروبا في القرون الوسطى المضمضة ببول الثيران لتنظيف الفم، ومعالجة أمراضه، فضلاً عن الوصفات الأخرى، مثل مضغ قلْب حيَّة أو ثعبان أو فأرة مرة كل شهر، لوقاية الأسنان وعلاجها. وكان الدكتور فرنسيسكو دولاهاي (عام 1694)، يعالج الأسنان، بتعليق جذور الكرفس بالعُنق أو حَمْل "سِنّ" شخص ميت.

وكان الغربيون يستعملون قِطَعاً من المعدن لإزالة بقايا الطعام من بين أسنانهم، بينما استعمل المسلمون "الخلال"، وهي أعواد ليّنة من نبات الخلة، وكذلك السِّواك، لتنظيف أسنانهم، والماء الطهور النظيف، لغسْل أفواههم أثناء المضمضة عند الوضوء، وكذلك عند حضور الطعام ورفْعه.

ولقد أثبتت الأبحاث والتجارب العلمية، في كثير من المراكز، أهمية السِّواك الآلية والكيماوية، الذي يفُوق الفرشاة ومعاجين الأسنان المختلفة، إذ يتكون السواك من ألياف طبيعية ليّنة ورقيقة تتخلّل الأسنان، ولا تؤذي اللَّثَة، بخلاف الفرشاة، التي تتكون من شعيرات صناعية غير ليّنة، قد تخدش اللَّثَة وتؤذيها، خصوصاً إذا لم تُستعمل بطريقة سليمة. كما أن السِّواك يظل أكثر نظافة وبُعداً عن التلوث بالجراثيم، حيث يتم إزالة الجزء المستخدَم منه كل عدة أيام، بخلاف الفرشاة التي قد يمتد استعمالها لفترات طويلة. وإلى جانب الأثر الآلي للسِّواك فإنه يحتوي على مواد كيماوية متعددة، منها ما هو مضادّ للجراثيم.

ويؤكد ذلك ما ذكره أحد أساتذة طب الأسنان حيث يقول: "والسِّواك يُغْنِي عن الفرشاة، وهو أفضل منها، وله مفعولان ، الأول: آلي، فهو يفُوق الفرشاة، لأنه يسير على سطح كل سِنّ، ويدخل بين الأسنان، على عكس الفرشاة. والثاني: كيماوي، لذا، لا توجد أي مزيّة للفرشاة ومعجون الأسنان على السِّواك، لأنه بعد عشرين دقيقة فقط من استعمال معجون الأسنان، يعود مستوى الجراثيم بالفم لحالته الأولى، وهذه النتيجة حصلت عليها بعد إجراء عدة تجارب في كلٍّ من مصر وألمانيا الغربية".

ويقول أستاذ آخر: "إن السِّواك يفُوق من الناحية الكيماوية والآلية الفرشاة ومعجون الأسنان بمرات عديدة، لأنه بمفرده، يقوم مقامهما معاً. كما أن معظم معاجين الأسنان صابونية فقط، بينما ثبت بشكل قاطع أنه يوجد في السِّواك حمض التنَّيك (Tannic Acid)، بتركيز عالٍ وطعْم مقبول، وهو حمض له تأثير فعال في عديد من الأمراض الفَمَيّة، وخاصة في الالتهابات اللَّثَوِيّة، إذ يتدخل في عملية تحويل مواد الليفين (Fibrinogen) إلى ليفين (Fibrin). ونحن نصف للمرضى الذين يعانون الالتهابات اللَّثَوِيّة، لإزالتها، أو كمُقَبِّض لِلَّثَة هذه الوصفة العلاجية: حامض التنَّيك20 % والجلسرين80 %".

ولقد توصلت جامعة مينسوتا، في الولايات المتحدة الأمريكية، في أبحاثها، إلى أن المسلمين الزنوج، الذين يستعملون السِّواك، سَلِيمُو الأسنان واللَّثَة نسبياً، إذا قُورِنُوا بمَن يستعملون الفرشاة.

ويقول أحد علماء الجراثيم والأوبئة: "قرأت عن السِّواك الذي يستعمله المسلمون كفرشاة أسنان في كتاب لرحالة زار بلاد العرب. وعرض الكاتب الأمر بأسلوب ساخر لاذع، اتخذه دليلاً على تأخُّر هؤلاء الناس، الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب، في القرن العشرين، ولكني أخذت المسألة من وجهة نظر أخرى، وفكرت لماذا لا يكون وراء هذه القطعة من الخشب، ودَعْنِي أسمِّها فرشاة الأسنان العربية، حقيقة علمية؟ وتمنّيت لو استطعت إجراء التجارب عليها ضمن تجاربي الأخرى، التي أجريها على غيرها. ثم حانت الفرصة حينما سافر زميل لي من العاملين في حقل الجراثيم، وهو الدكتور هورن، في بعثة علمية إلى السودان، وعاد ومعه مجموعة منها، وفوراً بدأت في إجراء أبحاثي عليها، سحقتها، وبللتها، ووضعت المسحوق المبلَّل على مزارع الجراثيم، فظهر على المزارع آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين. إن هناك حكمة كبيرة وراء استعمال العرب للسِّواك بعد بَلِّه بالماء. ولو استعمل جافاً فهناك اللُّعاب الذي يمكِنه حل هذه المادة".

وقد وجد باحث آخر[2]: "أن السِّواك يحتوي على مادة تمنَع تسوّس الأسنان، وكذلك يحتوي على مادة السنجرين (Sinnigrin)، وهي مادة لها عَلاقة بالخردل، وهي مطهَّر قوي يساعد على الفتك بالجراثيم، وكذلك حمض التنَّيك، الذي يُعَدّ مطهّراً ومُقَبِّضاً يوقف النزيف.

وللسِّواك طَعْم ممَّيز، يزيد من إفراز اللُّعاب، فيساعد بذلك على زيادة وسائل الدفاع الطبيعي بالفم ويعمل على تنظيفه، ويساعد، كذلك، على عملية الهضم، لما فيه من أنزيمات. ويحتوي السِّواك على أنواع عديدة من الأملاح مِثل: كلوريد الصوديوم وبيكربونات الصوديوم وبللورات السيليس، وهذه كلها مواد زالقة للأوساخ، فتساعد على إزالتها عن الأسنان، وبه أيضاً مواد عِطرية زيتية تطيّب رائحة الفم.

وهكذا فإن السواك يقي من أمراض أهمها: القلح، واصطباغ الأسنان وتلوينها، نخر الأسنان (Dental Caries)، والتهاب الفم (Stomatitis)، والتهابات اللسان (Glossitis)، والتهاب اللَّثَة (Gingivitis)، وتقرّحات الفم واللسان (Ulcers)، والتقيّح السنخي السِّنِّي (Pyorrhea Alveolitis)، والبَخَر (Halitosis)، وهو رائحة الفم الكريهة.

ويتلو المضمضة، الاستنشاق والاستنثار. ومن المعلوم أن الأنف هو البوابة الرئيسية للجهاز التنفسي، وهو يؤدّي دوراً مهماً في حماية الإنسان من كثير من الأمراض، التي تنتقل من طريق الهواء، وكما يقوم الأنف بترطيب الهواء المستنشَق، حتى لا يؤذي أعضاء التنفس. إذ يبطّن الأنف بغشاء يفرز مادة مخاطية، وبه شعيرات دموية تؤثّر في درجة حرارة الهواء الداخل، كما يحتوي الأنف علي شعيرات لاصطياد الأوساخ والأتربة والجراثيم، التي يحمِلها الهواء. فتمنع وصولها إلى الرِّئَتَين، ومن هنا تتضح أهمية المحافظة على هذا العضو سليماً ونظيفاً، حتى يستطيع القيام بدَوره الوقائي، ولا يصبح بؤرة لتكاثر الجراثيم. فكما ذكرنا في حالة الفم، تعيش في الأنف مجموعات كثيرة متباينة من الجراثيم وتتكاثر بأعداد هائلة، وبعضها ذو ضرر بالغ بصحة الإنسان.

وقد أجرى فريق من أطباء جامعة الإسكندرية في مصر بحثاً حول عَلاقة الوضوء بالناحية الصحية حيث تم اختبار مجموعَتَين من طَلَبَة كلية الطب، إحداهما تواظب على الوضوء بما فيه من مضمضة واستنشاق واستنثار، والأخرى لا يتوضأ أفرادها ولا يُصَلّون. وقام فريق البحث بأخذ مسحات من أنوفهم جميعاً حيث تم فحصها وزراعتها. وقد أظهرت نتائج البحث فروقاً واضحة بين المجموعَتَين سواء بالفحص الإكلينيكي أو المزارع البكتريولوجية.

ويمكن تلخيص نتائج البحث في الآتي:

أ. كانت أنوف المجموعة الأولى (المحافظة على الوضوء) ـ نظيفة وشَعر مدخل الأنوف لامعاً وصلباً ونظيفاً وغير متساقط ـ وظهَر الأنف لامعاً نظيفاً خالياً من الدهون السطحية ومدخله خالياً من الأتربة والقشور والإفرازات. أما المجموعة الثانية فقد كانت أنوفهم قذرة من الداخل، وبها قشور وأتربة، مع وجود لُزُوجة وإفرازات قذرة، وظهَر شَعر الأنف متترباً غامق اللون، خَشِن الملمس، كثير التساقط، وكان طرف الأنف دهنياً.

ب. أظهرت مزارع المسحات عديداً من الميكروبات، وبأنواع مختلفة، وكثافة عالية، عند الغالبية العظمى من المجموعة الثانية، بينما كانت الميكروبات قليلة في مزارع المجموعة الأولى وبكثافة أقلّ.

ج. كانت نسبة 42% من مزارع المجموعة الأولى خالية من الجراثيم، بينما اقتصر الخلو من الجراثيم على 4% فقَط من المجموعة الثانية.

د. وكذلك أوضحت المزارع أن 64% من المجموعة الثانية لديهم مستعمرات نُمُوّ لبكتريا المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)، (وهي أكثر الميكروبات وجوداً بالأنف)، بينما لم يتجاوز نمو تلك البكتريا 36% من المجموعة الأولى، وكانت كثافة نموِّها كبيرة جداً عند المجموعة الثانية.

هـ. عند فحص الماء المستخدَم قبْل وبعْد الاستنشاق والاستنثار، تبيّن أنه كان قبل استعماله نظيفاً ولا يحمِل إلاّ القليل من الميكروبات، أما بعْد استعماله، فقد حمَل معه العديد من الميكروبات وبصورة مكثفة، مما يثبت أن غسْل الأنف المتكرر، أثناء الوضوء هو عملية وقائية وعلاجية للإنسان، تخلّصه من كثير من الجراثيم، التي توجَد وتتكاثر في الأنف، مما يجعلها مصدر عدوى للشخص ذاته، ولمَن حوله من الأشخاص. وقد أكّد الباحثون أن تكاثر الميكروبات في الأنف، مصدر أساسي لإصابات الجهاز التنفسي، والجيوب الأنفية، والأُذُن الوُسطَى، والجلْد، والجهازَين البولي والتناسلي، والزيادة في تلوث جروح العمليات، لمَن يحمِلون تلك الميكروبات في أنوفهم.

وكذلك يعدُّ غسْل الأنف، والمحافظة على نظافته، وقاية من كثير من أمراض الحساسية التي تصيب الإنسان، والتي قد تنتج من الأتربة والمواد العضوية العالقة بالهواء، مثل طلع الزهور، والفطريات، وشعور الحيوانات، والعفنيات، وغيرها.

وما قيل عن غسْل الفم والأنف وأثره في إزالة الجراثيم ومنع تكاثرها، أو تخفيض كثافتها وإزالة الأتربة والأوساخ ومنع وصولها إلى داخل الجسم، يقال كذلك على مسح الرأس والأُذُنَين.

ففي حالة الرأس: فإن النظافة الدائمة، ودلْك فروة الرأس عند المسح، ينشّط الأوعية الدموية، ويحافظ على حيويتها، ويزيد من تغذية جذور الشَّعر، فيساعد على نموِّه ويمنع تَساقُطه.

أمّا الأُذُن فإن المحافظة على نظافتها، تمنع تراكم الأوساخ واختلاطها بإفرازاتها، وهذا يحافظ على وظيفتها، ويمنع تعرّضها للإصابة بالالتهابات.

وينتهي الوضوء بغسْل القَدمَين، مع تخليل أصابعهما، وذلك يساعد على تنشيط حركة الدم وتدّفقه في الأوعية الدموية في هذه المناطق الطرفية، خصوصاً، وأن تيار الدم في الأوردة يسير في اتجاه معاكس للجاذبية الأرضية، نظراً للوضع القائم للإنسان، هذا بالإضافة لما تعنيه نظافة الجلْد لهذه الأجزاء من الجسم.

وفي كلٍّ من الوضوء والغسل فإن اختلاف درجة حرارة الماء، باختلاف الفصول، وكذلك عملية التدليك وحركة الأعضاء، تعني الكثير بالنسبة للأوعية الدموية والعضلات، فهي نوع من الرياضة الدينية المتكررة، ذات أَثَر ملحوظ، في تقوية العضلات، ومرونة المفاصل وسلامتها.

وإذا كان الوضوء أو الغسْل، حركات أو أعمال جسمية، استعداداً للصلاة، فإنه يَصْحَبهما ويَعْقُبهما نشاط روحاني، وتهيئة نفسية، فيها راحة وهدوء، وإقبال على الله، وتفريغ للنفس من هموم الدنيا، ومشاكل الحياة الدائمة والمتكررة، مما يَقِي الإنسان من كثير من الأمراض النفسية، والجسدية.

وتتواصل تلك الراحة النفسية، والهدوء الروحاني، مع الدخول في الصلاة.

2. الصلاة والصحة النفسية للإنسان

إن الصلاة، والمواظبة عليها، وحُسن أدائها، هي مرآة لذلك الإيمان المستقر في النفس، وهي معراج المؤمن إلى ربّه، يترك خلالها هموم الدنيا ومشاغلها، وما تتركه في النفس من آثار، ويقبِل على ربه، بنفس مطمئنة، وقلْب مخلص متواضع، وروح خاشعة.

ويتكرر هذا الموقف العظيم خمس مرات على الأقل في اليوم والليلة، فينتزع من النفس عوامل التوتر، والقلق، والشد العصبي، فتصبح الصلاة حالة من الاسترخاء النفسي، ينعكس أثرها على أعضاء الجسم كلها. وكلما ازداد التركيز في الصلاة، والاندماج فيها، انتقل ذلك إلى مراكز المخ العليا، وازداد تأثيرها في منطقة تحت المهاد، فتؤدّي إلى درجة عالية من الاسترخاء الداخلي، ينخفض معه نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي الودِّي، وينخفض معدل الأدرينالين في الدم، وكذلك هرمونات الإجهاد والتوتر مثل الكورتيزول.

فقد لوحظ أن مستوى الكورتيزول في الدم، يتضاعف ثلاث مرات في حالات القلق، كما يرتفع في حالات الاكتئاب، وبعض الأمراض النفسية الأخرى.

ومع الاسترخاء النفسي، والاطمئنان، والسكِينة، يظل مستوى الكورتيزول في معدله الطبيعي، وهذا يحمي الإنسان من كثير من الآثار السيئة لهذا الهرمون، مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى السكر في الدم، وهشاشة العظام، وغير ذلك، خصوصاً، إذا ما تكرر ارتفاع مستواه، واستمر لفترات طويلة.

إضافة إلى ذلك، فإن حيّز الوقت الذي تشغله الصلاة والاستعداد لها، وما يَلِيْها من أذكار، يأخذ الإنسان بعيداً عن مشاغل الحياة اليومية، وجهد العمل المستمر، الجسدي والنفسي. فإذا ما تكرر ذلك بتكرار الصلاة، انقطعت حلقات التوتر، وزال الجهد، وتواصل الهدوء النفسي أو كاد.

وقد أظهرت إحدى الدراسات المتخصصة بالتغيّرات الفسيولوجية[3]، التي تظهَر إثْر جلسات استرخاء متكررة عدة مرات في اليوم ـ وجود زيادة في إفراز الأنسولين والتستوستيرون (هرمون الذكورة)، ونقْص في مستوى الكاتيكولامين (الأدرينالين، والنورأدرينالين)، والكورتيزول، ونقْص مستوى الدهون والسكر، ونقص في نبضات القلب وانخفاض في ضغط الدم. وكل ذلك مرجعه إلى الاسترخاء وأثَره في الجهاز العصبي والغدد.

والصلاة، بما تحويه من استرخاء نفسي متكرر، قد تؤدّي إلى التغيّرات الفسيولوجية نفسها، وكلها تغيّرات صحية وطبية.

وهناك من الأطباء المتخصصين[4]. مَن يري أن الصلاة تمثّل علاجاً نفسياً، لم يُكتشَف إلاّ حديثاً، وهو تهدئة التوتر بتغيير الحركة، فقد ثبت أن تغيير الحركة يُحدِث استرخاء فسيولوجياً مهماً، وأن تغيير أوضاع الإنسان في الصلاة من قيام وركوع وسجود، يمثّل تغيّراً في الحركة، من غير المستبعد، أن يؤدّي إلى علاج التوتر بطريقة العلاج الحديث نفسها، إن لم يكن أفضل منها، كما لوحظ أن ترتيل القرآن، حسب القواعد المقررة، يؤدّي إلى تنظيم التنفس عبر تعاقب الشهيق والزفير، وهذا يُحدِث تخفيضاً للتوتر.

وقد أجريت أبحاث[5]. في عيادات (أكبر) ببّنما سيتي بولاية فلوريدا الأمريكية، على تأثير القرآن الكريم على وظائف أعضاء الجسم البشري، وتم قياس ذلك التأثير بواسطة أجهزة مراقبة إلكترونية. وقد أثبتت تلك الأبحاث وجود أثَر متميِّز، حيث كان أثر القراءات القرآنية إيجابياً في 65% من الحالات، بينما اقتصر أثر القراءات غير القرآنية على 35% فقط.

وهذا يعني أن للقرآن الكريم أثراً إيجابياً مؤكداً في تهدئة التوتر، ظهَر على شكل تغيّرات في التيار الكهربائي في العضلات، وفي قابلية الجلْد للتوصيل الكهربائي، وكذلك في الدورة الدموية وما يَصْحَب ذلك من تغيّر في عدد ضربات القلب، ودرجة حرارة الجلْد وكمية الدم الواصلة إليه، وكل تلك الظواهر تدلّ على تغيّر في وظائف الجهاز العصبي الذاتي (اللاإرادي)، الذي يؤثّر بدَوره في أعضاء الجسم المختلفة ووظائفها.

وقد درس بعض الأطباء[6]. العمليات البيولوجية والفيزيوكيميائية أثناء الدخول في الخشوع العميق في العبادة، عند بعض نسّاك الهند، حيث سجِّلت تغيّرات بيولوجية، وتغيّرات في تسجيل موجات الدماغ الكهربائية، لا توجد في مواقف أخرى، كالإيحاء أو التنويم المغناطيسي.

فقد لوحظ، في حالات الاسترخاء مع إغماض العينَين، ظهور موجات "ألفا" في المخطط الكهربائي للدماغ، وهي موجات متوسطة (9 موجات ـ 12 موجة/ ثانية)، تصاحب الهدوء والسكون. وتظهر كذلك عند الاستغراق في التفكير مع إغماض العينَين، ولكنها تغيب عند فَتْحهما، لِخُلُوِّ الدماغ من النشاط الفكري المتصل بالبحث عن الصورة، ولكنها تعود للظهور سريعاً عندما تنمو عملية التفكّر الباطن، ولا تغيب حتى لو فتح عينَيه، مما يدلّ على حدوث شيء معيَّن في قشرة الدماغ، وتدلّ على قَطْع الارتباط بالواقع المحيط وتعلقاته.

وقد اكتُشفت في السنين الأخيرة موجات "سيتا" أقلّ سرعة (7 ـ 8 موجات/ ثانية)، وهي تنتشر على مساحة الرأس كلها، ويُحتمل أنها تنشأ عن خلو البال تماماً والانصراف عن جميع الشواغل والمقلقات.

كذلك فإن قوة الإرادة تؤثِّر في توتر العضلات "من طريق مراكز المخ"، وهذا بدَوره يؤدّي إلى الاسترخاء، والراحة المساعدة على الوقاية، وعلى العلاج، لأزمات القلق والانفعالات الشديدة.

وقد أكدت أبحاث أخرى وجود موجات "ألفا"[7]، وهي موجات الراحة والهدوء، عند المجموعات التي تستغرق في الخشوع والتفكير في الله، والبعد عن الدنيا. ويصاحب تلك الموجات هدوء في نبْض القلب، وانخفاض في المجهود القلبي، مع انخفاض في سرعة التنفس، وكذلك انخفاض في إفراز العَرق، وتقلُّص عمليات الهدم والبناء.

وتشير تلك الأبحاث إلى أن طريقة الخشوع العميق، توفّر استرخاءً ملحوظاً وحقيقياً، وهذه الطريقة أفضل من شبيهتها في الطب الغربي المسماة "بيوفيد باك" (Biofeed Back)، حيث تتطلب الأخيرة أجهزة إلكترونية مكلفة ومعقدة، وتبرز للشخص أثر تحكّمه في وظائف جسمه الإرادية واللاإرادية وقد يتوصل بذلك إلى إرخاء عضلاته وتخفيض نبْضه وتنفُّسه، وهي وسيلة لعلاج التوتر والتحكم في عَلاقة النفس بالجسم.

وقال أحد الباحثين: "إن النشاط الروحاني يُحدِث تغييرات في أعضاء الجسم، مثل الصلاة فإنها ليست مجرد طقوس آلية، ولكنها ارتفاع لا يدركه العقل، وإنها استغراق الشعور في تأمل الذات الإلهية، والوقوف أمامها لاستلهام العون والرحمة.


 



[1] برايس (1938) وشبرمان (1960) وديفيز (1963) واسبيرز (1965).

[2] الدكتور كينيث كيوديل.

[3] قام بالدراسة: كاروثير  Carruthers، وهو من أكبر الباحثين في أمراض القلب وعلاجها بالاسترخاء.

[4] الدكتور محمد يوسف خليل.

[5] أجرى الأبحاث: الدكتور أحمد القاضي.

[6] بحث أجراه الدكتور داس، والدكتور جاسطو.

[7] أثبت ذلك كولب في أبحاثه.