إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أركان الإسلام، وأثرها في عافية الإنسان، روحاً وجسداً




مد الجذع وثني الرجلين للجلوس
الارتكاز أثناء السجود
القدمين في النزل والقيام
ارتكاز القدمين أثناء الجلوس
ثني اليدين في السجود
ثني الجذع للأمام
ثني الجذع للسجود
ثني الرجلين
ثني الساعدين
تمرين التسليم
تمرين الجلوس
تمرين الركوع
تمرين السجود
تمرين الضغط المرحلة الأولى
تمرين الضغط المرحلة الثانية
تمرين القيام والنزول
تمرين القرفصاء
تمرين سيرازانا
دوالي الساقين
دفع الأرض باليدين
رفع الذراعين
في الوقوف
في الركوع
في السجود
فرد الجذع

نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص
مصادر الطاقة للتجويع المتوسط
مصادر الطاقة للتجويع الطويل
مفاصل زليلية
مقطع الجلد
الجهاز العصبي
الجمجمة والعمود الفقري
العضلات في الركوع
العضلات في حركة التسليم
تأثير الغدة النخامية
تحلل الجليكوجين الكبدي إلى جلوكوز
تحول جزء من الجلوكوز
حركة النزول والقيام
حركة العضلات في القدم اليمنى
عضلات الساعد الأيمن
عضلات الظهر في حركة الرفع
عضلات حركة الساق اليمنى
عضلات حركة الكف الأيسر
عضلات رفع اليدين




ثانياً: الركْن الثاني

3. الصلاة والصحة البدنية

إن للصلاة أثراً في أجهزة الجسم المختلفة ووظائفها، من خلال تأثيرها في الجهاز العصبي والغدّي، مما يَقِي الجسم من أمراض كثيرة، ترجع أسبابها إلى التوتر والقلق النفسي والإجهاد العصبي. فضلاً عن ذلك فإن للصلاة آثاراً مباشرة في معظم أجهزة الجسم.

الصلاة والرياضة البدنية

فالصلاة بحركاتها وسَكَناتها من قِيام وركوع وسجود وجلوس، هي نوع متميّز من الرياضات، بل تفُوق أكثرها، لأسباب كثيرة، منها:

أ. إنها رياضة هادئة، لا تحتاج إلى جهد شديد. وليس فيها عنف أو مشقة.

ب. تناسب جميع الأعمار، من الطفولة حتى آخر العمر.

ج. تناسب كل المستويات الفكرية، فهي لا تحتاج إلى مهارة خاصة أو موهبة بعينها كما يحدث في كثير من أنواع الرياضات.

د. تناسب كل الحالات الصحية، سواء كان الإنسان سليماً أو مريضاً، بينما هناك رياضات كثيرة لا يسمح بأدائها إلاّ لفئات معيّنة، تتمتع بدرجة معيّنة من الصحة والقدرة.

هـ. يستطيع الإنسان أداءها في كل وقت، دون الرجوع إلى طبيب أو متخصص.

و. هي رياضة متكررة، خمس مرات في اليوم، على الأقل، وهي رياضة مستمرة، طوال العمر، يؤديها الإنسان طواعية، بحب ورضا وسعادة، بينما معظَم الرياضات تؤدَّى لفترة محدودة، وفي أوقات محدودة، وقد يتكاسل عنها الإنسان، أو يؤدِّيها مضطراً لهدف معيّن.

ز. هي رياضة موزعة، خلال ساعات الليل والنهار، تتماشى مع الساعة البيولوجية في جسم الإنسان، وتؤدّي إلى التناسق ما بين النفس والجسد، وما حولهما من الطبيعة.

ح. هي رياضة تشمل جميع عضلات الجسم الإرادية تقريباً، وكذلك المفاصل والأربطة.

ط. هي أكثر الرياضات أماناً، فلا يتعرض فيها الإنسان للأخطار التي يتعرض لها أصحاب الرياضات الأخرى، من رضوض وكسور، قد تُوْدِي بحياة الإنسان، وتُعرّضه لكثير من الأمراض، عاجلاً أو آجلاً.

ولا يستطيع أحد أن ينِكر أهمية الرياضة لجسم الإنسان، خصوصاً، في هذا العصر، الذي قلَّت فيه حركة الإنسان، واعتمد على الآلات والوسائل الصناعية والتكنولوجيا المتقدمة، لقضاء مَآرِبه وهو جالس في مكانه، وقد كان الإنسان في العصور السابقة نشيطاً، كثير الحركة، دائم السعي طلباً للرزق، أو دفاعاً عن نفسه وممتلكاته، أو فراراً من عدوّ، أو غير ذلك، مما كان له أكبر الأثر في الصحة البدنية للإنسان. ولكن، في هذا العصر، حيث يقضي الإنسان أوقاتاً طويلة من عمره منذ الطفولة جالساً أمام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، متكاسلاً، قليل الحركة، ظهر كثير من الأمراض التي شملت كثيراً من أعضاء الجسم، ابتداء بالعضلات والمفاصل، وانتهاء بالقلب والجهاز الدَّوري. كل ذلك دفع كثيراً من الأطباء والمتخصصين إلى المناداة بأهمية الرياضة البدنية للإنسان، تعويضاً عن الحركة، لما فيها من حفاظ على الصحة، ووقاية من الأمراض. ويخصص كثير من الناس أوقاتاً محددة لمزاولة نوع أو آخر من أنواع الرياضات.

وقد ثبت أن الذين يمارسون الرياضة والتمارين البدنية، لديهم مناعة ضد الأمراض أكثر من الذين لا يمارسون أي نشاط رياضي، ويقضون معظم أوقاتهم جلوساً. فإن السكون وقِلّة الحركة يؤدِّيان إلى ضعف العضلات وضُمورها، وتيبّس المفاصل، وصعوبة حركتها، وقصور القلب والدورة الدموية عن مواجهة متطلبات الحركة المفاجئة، أو النشاط الزائد لأي سبب من الأسباب، كما يؤدّيان إلى خمول الأمعاء وِقلّة حركتها، وغير ذلك من ضعف في حيوية معظَم أعضاء الجسم وأنسجته، مما يجعل الجسم معرضاً لكثير من العِلل والأمراض.

وعن أهمية الرياضة، يقول ابن القيِّم: "أي عضو كثرت رياضته قوِي. بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قوِيت حافِظته ومَن استكثر من الفكْر قوِيت قوّته المفكرة ولكل عضو رياضة خاصة به".

والحركة في حد ذاتها يمكِن بتأثيرها أن تكون بديلاً من الدواء في كثير من الحالات. ولكن كل الأدوية ووسائل العلاج مجتمعة لا تستطيع أن تعوّض تأثير الحركة.

وإذا كان العالم اليوم يموج بأنواع من الرياضات البدنية، مثل التمارين السويدية، وألعاب القُوى، والكُرَة، وجلسات اليوجا، وما شابهها، تنشيطاً للبدن، وحِفْظاً لسلامته، وترويحاً عن النفس الكدراء بِأعباء الحياة اليومية، أو احترافاً بحثاً عن المال، فإن الإسلام، منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، قد أوْلَى الرياضة والصحة البدنية والنفسية عناية فائقة. تمثّلَت في كثير من تعاليمه، التي لم يُفطَن إلى ما فيها من فوائد دنيوية إلاّ حديثاً، لأن المؤمن الصادق في إيمانه يمتثل أمر ربه، سواء عَلِم الحكمة من ذلك الأمر، أم لم يعلَم، مؤمناً أن في طاعة ربه، خيرَي الدنيا والآخرة، ولكن الله سبحانه وتعالى، العليم بعباده، الخبير بما يُصلِح أحوالهم، جعل في تلك العبادات نصيباً كبيراً من خير الدنيا. إضافة إلى نصيب أكبرَ من خير الآخرة.

فالصلاة، بحقّ، هي من أعظَم الرياضات النفسية والبدنية، إذ يُقبِل عليها المسلم، ويمارسها طواعية، بل يجد فيها كل راحة وسعادة وطمأنينة، لا يحتاج معها إلى مدرب ولا طبيب ولا رقيب.

وكثير من التمارين الرياضية التي ينصح بها الأطباء والمتخصصون، سواء للوقاية أو العلاج، أو الارتقاء بمستوى أداء الجسم وتحسين وظائفه وقدراته، لا تختلف كثيراً عن حركات الصلاة، بل إن الصلاة تَفُوْقُها في كثير من الجوانب.

ومن أمثلة تلك التمارين ما توضحه الصور التالية المُرفَقَة:

أ. تمرين مشابه للنزول إلي الركوع والركوع (اُنظر صورة تمرين الركوع).

ب. تمرين مشابه للنزول والقيام (اُنظر صورة تمرين القيام والنزول).

ج. تمرين مشابِه للتسليم (اُنظر صورة تمرين التسليم).

د. تمرين مشابِه للسجود (اُنظر صورة تمرين السجود).

هـ. تمرين مشابِه للجلوس (اُنظر صورة تمرين مشابه للجلوس).

وقبْل أن نخوض في أثر الصلاة في جسم الإنسان لا بد من نبذة سريعة عن تركيب الجسم.

فالجسم يتكون من مجموعة من الأجهزة والأعضاء، التي تتعاون فيما بينها، ويُكِمل بعضها بعضاً. ومن أهم تلك الأجهزة، الجهاز الهيكلي، الذي يعطي الجسم قَوامه الذي يتميز به الإنسان، ويتكون من العظام والمفاصل والعضلات، والتي تعطي الإنسان صورته القائمة، وتيسر له الحركة في يسر وسهولة.

والعظام تختلف أشكالها وأحجامها وتركيبها، تبعاً لموقعها ووظيفتها. وكذلك المفاصل تختلف في أنواعها، وقدرتها على الحركة، تبعاً لموقعها. أمّا العضلات فهناك منها، الإرادي، وهو الذي يحركه الإنسان بإرادته، واللاإرادي، الذي لا يخضع لإرادة الإنسان، بل يعمل بطريقة ذاتية، مثل عضلات المعدة والأمعاء والرحم والأوعية الدموية، وعضلة القلب، وهي التي تعمل طوال حياة الإنسان بلا توقّف.

ويحتوي جسم الإنسان على أكثر من 600 عضلة، وهي تحرّك العظام التي يبلغ عددها 206 عظْمات.

وتتكون العضلات من خلايا تتميز عن غيرها من كثير من خلايا الجسم، في قابليتها للزيادة في الحجم والقوة بالمران والتدريب، وتضعُف وتضمُر لعدم استعمالها وقِلّة تمرينها وتدريبها. من هنا يأتي دور الصلاة في تنمية العضلات وتقويتها.

والدراسة العلمية الدقيقة لحركات الصلاة تبين أثر تلك الرياضة العظيمة في كل جزء من أجزاء الجسم.

أ. المشي إلى المساجد

حثّ الإسلام على صلاة الجماعة وعِمارة المساجد بالصلاة فيها. وإذا كان أجْر الآخرة يزداد كلما ازدادت الخطوات، وبعدت المسافات، فإن الفائدة في الدنيا عظيمة كذلك، لما في ذلك من رياضة بدنية. فالمشي ينشّط القلب والأوعية الدموية، ويحافظ على حيويتها ومرونتها، ويقلل من ترسب الدهون بالأوعية الدموية، فيحافظ بذلك على شباب تلك الأوعية وقدرتها على التمدد والاتساع عند الحاجة إلى ذلك.

والمشي يزيد من حركة الدم وتدفّقه، وحركة الجهاز التنفسي، مما يزيد من نقاء الدم وتشبّعه بالأكسيجين، وتخَلّصه من ثاني أكسيد الكربون. وكذلك يزيد من حركة الجهاز الهضمي فيمنع الإمساك. وهو علاج لأمراض القلب ينصح به الأطباء لمرضى القلب حيث إن المشي رياضة آمنة. وهو علاج لأمراض السِّمَن أيضاً. وقد أثبتت البحوث التي أجريت في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية أن أبناء المهن التي تتطلب المشي الكثير، يكونون عادة أصح من أبناء المهن الأخرى.

هذا قليل من كثير من فوائد المشي للجسم وتكوينه ووظائفه. فإذا ما تكرر ذلك مع كل صلاة تضاعفت تلك الفوائد. والسعي إلى المساجد في صلاة الفجر، يعطي الجسم نشاطاً كبيراً، وحيوية، بعد فترة النوم، ويعرّضه لجوّ صحيّ نَقِيّ يزيد من كفاءة أعضائه وقدرة الإنسان على التفكير، فيبدأ يومه بحيوية ونشاط، وصفاء نفسي ينعكس على قدراته وأدائه.

ب. إقامة الصلاة

ويبدأ المسِلم صَلاته قائماً، إلاّ إذا كان غير قادر على القيام، فيرفع يدَيه مع تكبيرة الإحرام ثم يخفضهما، ويقبض باليمنى على اليسرى. وهذا يشتمل على عدة حركات، منها رفع الذراعَين وخفضهما، ثَنْي الساعدَين ومدّهما، وتدوير الذراعين للداخل والخارج. (اُنظر صورة رفع الذراعين) و(صورة ثني الساعدين).

ويشارك في هذه الحركات أكثر من ثلاث عشرة عضلة. (اُنظر شكل عضلات رفع اليدين) إضافةً إلى حركة الكفّ، (وهي حركة متكررة في الوقوف والركوع والسجود) (اُنظر صورة في الوقوف) و(صورة الركوع) و(صورة السجود) و(اُنظر شكل عضلات الساعد الأيمن) و(شكل العضلات حركة الكف الأيسر)، ويشارك فيها أكثر من 25 عضلة.

ج. الركوع والرفع منه

ويشتمل على ثَنْي الجذع للأمام، ثم فرْده ويشارك فيه أكثر من سبع عضلات رئيسية، إضافة إلى عضلات الكتفَين واليدَين والرقبة في (اُنظر صورة ثني الجذع) و(صورة فرد الجذع) و(شكل العضلات في الركوع) و(شكل عضلات الظهر في حركة الرفع).

والمدربون الرياضيون، وكذلك الأطباء يحرصون على تقوية تلك العضلات لأهميتها العُظمَى للإنسان، بتمارين لا تختلف كثيراً عن حركة الركوع والرفع منه.

د. ومن أهم فوائد الركوع والرفع ما يلي

(1) تقوية العضلات، خصوصاً العضلات الظهرية، وكذلك فقرات العمود الفقري، والأربطة المحيطة بها، مما يساعد على الوقاية من الانزلاق الغضروفي، أو علاجه.

(2) زيادة مرونة العمود الفقري وتقويته.

(3) زيادة مرونة الصدر وعضلاته، وتنشيط عمل الرئتَين بما يتضمنه الركوع من زفير قوي، نتيجة الضغط على الحجاب الحاجز، فيخرج ما تبقّى فيهما من هواء فاسد.

(4) تنشيط عمل الجهاز الهضمي بالضغط على المعدة والأمعاء، فتزداد حركتهما وفي ذلك تنشيط للهضم، ووقاية من عُسْر الهضم، والإمساك.

(5) الزيادة في تغذية الرأس والدماغ بالدم، وأثر ذلك في وظائف المخ.

(6) وهما وقاية وعلاج لكثير من الأمراض، مثل دوالي الساقَين، وتخثّر الوريد العميق، والصداع، والألم القَطَني، والتهابات المفاصل، وبعض التشوهات القوامية.

هـ. النزول للسجود ثم القيام منه

وتقوم بهما الرِّجلان والقَدَمان في المَقام الأول.

أمّا الرِّجلان، فيشارك في حركتهما أكثر من 24 عضلة (اُنظر صورة ثني الرجلين) و(شكل حركة النزول والقيام).

أمّا حركة القَدَم (ف ي السجود والقيام والقعود)، فيشارك فيها أكثر من 28 عضلة، (اًنظر صورة القدمين في النزول والقيام) و(صورة الارتكاز أثناء السجود) و(صورة ارتكاز القدمين أثناء الجلوس) و(شكل عضلات حركة الساق اليمنى) و(شكل حركة العضلات في القدم اليمنى).

وتمرين "القرفصاء" وهو أحد التمارين الرياضية المعروفة، ويشبه إلى حدٍّ كبير حركة النزول والقيام في الصلاة (اُنظر صورة تمرين القرفصاء).

وإضافة إلى ما ذكر من أثر لحركات الصلاة السابقة في العضلات، فإنها تستفّز إلى أقصى طاقة عمل كافة المضخات الوريدية الجانبية، وهي مضخة القَدَم والساق والفخِذ والبطن، مما يساعد على دفع الدم إلى القلب، ولهذا أهمية كبرى في الوقاية من دوالي الساقَين، وكذلك علاجها، كما تؤدي تلك الحركات وتكرارها إلى اكتساب التوازن والرشاقة وتهيئة التوافق.

و. أمّا السجود

فيشارك فيه الجسم كله:

(1) تشارك فيه اليدَان (اُنظر صورة  ثني اليدين في السجود) و(صورة دفع الأرض باليدين)، بالثَّنْي والمدّ، كما يَحدُث في تمرين ضغط اليدَين (اُنظر صورة تمرين الضغط المرحلة الأولى) و(صورة تمرين الضغط المرحلة الثانية)

(2) ويشارك فيه الجِذع، بالعضلات نفسها التي تُشارك في الركوع والسجود تقريباً (اُنظر صورة ثني الجذع للسجود) و(صور مد الجذع وثني الرجلين للجلوس).

(3) وتشارك فيه الرِّجلان (صور مد الجذع وثني الرجلين للجلوس).

(4) أمّا هيئة السجود نفسها، فلها فوائد عظيمة، من أهمها تغذية الرأس والدماغ بالدم، الفائدة نفسها التي يحصل عليها الجسم من تمرين مشهور في رياضة اليوجا ويسمى (سيرازانا)، ويعد ملك التمارين، وهو تمرين الوقوف على الرأس، وأساسه أن يكون الرأس أخفض ما في الجسم على الأرض. والمرحلة الإعدادية فيه تشبه هيئة السجود (اُنظر صورة تمرين سيرازانا)، حتى إنه يقال عنها: "ويبدو وكأن المتمرن في وضع الصلاة".

ولهذا كله أثر عظيم في تغذية المخ، والمحافظة على أوعيته الدموية ومرونتها وحِفظ جدرانها من التصلب، وكذلك الغدة النخامية.

وكذلك يساعد هذا الوضع على مرونة العمود الفقري، وتقوية العضلات المجاورة له. ومن الثابت أن إصابات العمود الفقري عند المُصَلِّين أقلّ بكثير من غيرهم، وخاصة، من غيرالمسلمين. إضافة إلى أثر ذلك الوضع في أجهزة الجسم الأخرى، مثل الجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، وغيرهما.

(5) أمّا الجلوس بين الركعتَين أو للتشهّد، فله كذلك فوائد عديدة، فهو يؤدّي إلى تخفيف التيبس في الركبتَين، وفي رُسْغ(كاحل) القَدَمَين وإزالته، وزيادة مرونة عضلات الفخِذ الأمامية، وعضلات القَدَمَين، وزيادة مرونة أربطة الركبتين والقَدَمَين.

وهو يخلص الأطراف السفلية من ركود الدم، أو تباطئه في الأوردة، والذي قد يسبب أمراضاً وخيمة العاقبة.

كما أن للجلوس فائدة أخرى وهي الاسترخاء، فهو يخلّص الإنسان من الشعور بالتعب البدني أو الإجهاد الفكري أو الاضطراب العصبي. وكثيراً ما ينصح الأطباء بممارسة بعض أوضاع الاسترخاء، ومنها وضع الجلوس المشابه للجلوس في الصلاة.

أمّا التسليم، فهو آخر حركات الصلاة، وهو لف الرأس إلى الجهتَين اليُمنَى واليُسرَى، ويشارك فيه أكثر من عشر عضلات (اُنظر شكل العضلات في حركة التسليم).

وقد وجد أن 90 % من حالات الصداع المزمن تعود إلى توتر عضلات الرقبة ـ وأن بعض التمارين البسيطة والسهلة التنفيذ تسهم في تخفيف التوتر عن عضلات الرقبة وإزالة الصداع الناجم عنه.

ويرى بعض الأطباء. أن الصلاة، وما تحتويه من الركوع والسجود، تقويّ عضلات الظَّهر، وتليِّن تحركات فقرات السلسلة الظَّهرية، خصوصاً، إذا قام الإنسان بالصلاة في سِنِّ مبكرة. ويترتب على ذلك مناعة ضد الأمراض، التي تنتج من ضَعف في العضلات التي تجاور العمود الفقري، والتي ينشأ عن ضَعفها أنواع من أمراض الجهاز العصبي، تسبب الآلام الشديدة والتشنج في العضلات.

ويقول مدرب كرة قَدَم برازيلي، اعتنق الإسلام، وأصبح اسمه "مهدي إسلام"، وكان اسمه "خوسيه فاريا": "وكذلك من دراستي للحركة التي يقوم بها المُصَلِّي، وجدت أنها حركة رياضية مفيدة جداً للجسم، إضافة إلى ما تضفيه الصلاة من قوة إيمان، وشفافية عظيمة، أعظم ألف مرة من أي تدريب لليوجا".

ز. أثر الصلاة في العظام

من المعروف أن تركيب العظام، وما تحتويه من خلايا ومركّبات عضوية وغير عضوية، يتعرض، كغَيْره من الأنسجة، لعمليات هْدم وبناء يتغيّر توازنها تبعاً لمراحل العمر المختلفة، فتتغلب عمليات البناء في مراحل العمر الأولى، الطفولة والشباب، ثم تزداد مراحل الهدم بعد ذلك. وهناك عوامل كثيرة، فسيولوجية ومَرَضِية، تؤثّر في حالة العظام، من حيث القوة والضَّعف. ومن تلك العوامل، حركة العضلات ونشاطها، ومرجع ذلك إلى قِوى الضغط والجذب الناتجة من انقباض العضلات وانبساطها، وكذلك تغيّر التيار الكهربي في العضلات، المصاحِب لحركاتها، والذي ينتقل بدوَره إلى خلايا العظام فيزيد من نشاطها، وهذا يحافِظ على حيوية تلك الخلايا وشبابها، مما يحفَظ للعظام سلامتها وقوّتها، ويقلل أو يؤخر، عملية الهدم.

ولقد ثبت أن الرياضيين يتمتعون بعظام غنية بالأملاح الكلسية (وهي الأملاح الأساسية في تركيب العظم)، أكثر بكثير ممن يقضون أوقاتهم في الجلوس والراحة.

والتناقص العظمي يبدأ من سِنِّ العشرين، لذلك تبدو أهمية أداء الصلاة في سِنٍّ مبكرة، حتى تجعل بناء العظم قوياً وسليماً، وتؤخر عملية الهدم.

ح. أثر الصلاة في المفاصل

أمّا الجزء الثالث من الجهاز الهيكلي، فهو المفاصل؛ والمفصل هو منطقة الالتحام أو الوصل بين أطراف العظام. والمفاصل ذات أهمية قصوى لِدَورها في حركة الجسم وتوازنه.

وتوجد أنواع متعددة من المفاصل، منها المفاصل الثابتة (وهي التي لا تسمح بالحركة)، مِثل تلك التي بين عظام الجمجمة، ومنها نصف المتحرك، وهي ذات مجال حركة محدود كما في المفصل العَجُزي الحَرْقَفي (الذي يربط الحوض بفقرات العَجُز)، ومنها المتحرك مثل مفاصل المِرْفَق والركبة وغيرهما. وتختلف درجة حركة المفصل تبعاً لموقعه ووظيفته (اُنظر شكل مفاصل زليلية).

ويحيط بالمفصل، مجموعة من الأربطة، ويبطنِّه غشاء المفصل (Synovial Membrane)، وهو يتكون من خلايا زليلية (Synovial Membrane)، يقوم بإفراز السائل المفصلي (Synovial Fluid)، وهو ذو لُزُوجة عالية، تساعد على انزلاق أطراف العظام المتقابلة، كما أنه يعتبر وسطاً لانتقال المواد الغذائية إلى الغشاء الغُضروفي، وانتقال الفضلات منه، كما يقوم بامتصاص الضغوط وتوزيعها، ونقْلها إلى الأربطة المحيطة بالمفصل. ويكسو الغشاء الغُضروفي أطراف العظام فيعطيها ملمساً ناعماً. وكل ذلك يجعل حركة المفصل تتم في سلاسة ويُسْر لا يكاد يشعر بها الإنسان.

والصلاة، بحركاتها، حيث تتوالى فيها الضغوط وتختلف من حركة إلى حركة، تساعد حركة السائل المفصلي ودوراته داخل المفصل، فيؤدّي وظائفه على الوجه الأكمل، ويحافِظ على حيوية الغشاء الغُضروفي، ويقّلل من تأكّله مع تقدُّم العمر.

والصلاة عامل مهم في تقوية العضلات، والمحافظة على مرونتها، وهي ضرورية لثبات المفاصل وسهولة حركتها. ولقد أثبتت الأبحاث والتجارب أن قِلّة الحركة تؤثّر سلباً في الغشاء الغُضروفي.

ومن الأمراض التي تصيب المفاصل مع تقدُّم العمر، التهاب المفاصل العظمي (Osteoarthritis)، ويكون، أكثر ما يكون، في مفصل الركبة، لما يحمِله من جَهْد في حركة الجسم، وما يقع عليه من ضغوط. ويصاحب هذا المرض تغيّرات في تركيب الغشاء الغُضروفي وهيكله، فيتورّم ويصبح ليناً وضعيفاً، ويفقِد سطحه الأملس تدريجاً، ويصاب بالتآكُل والضُمور، مؤدّياً إلى خشونة المفصل، وصعوبة الحركة، وظهور الآلام. ومن هنا يتبّين دور الصلاة في المحافظة على سلامة ذلك الغشاء، وتقوية الأربطة المحيطة بالمفصل، والمحافظة على مطاطيَّتها، وكذلك تقوية العضلات المحيطة بالمفصل، وأطراف العظام الداخلة في تركيبه.

وحركات الصلاة، من قيام، وركوع، وسجود، وجلوس، وتسليم، تشمل معظَم مفاصل الجسم، إن لم يكن جميعها، والوصف التالي يُبيِّن المفاصل التي تعمل وتتحرك، في كل حركة من حركات الصلاة.

حركة الصلاة             المفصل العامل

رفع اليدين                مفصل الكتف، مفصل المرفق، مفصل الكف.

الركوع                   العمود الفقري، مفصل الفخذ، مفصل المرفق، مفصل الكف.

النزول والقيام            مفصل الفخذ، مفصل الركبة، مفصل الكعب.

السجود                   العمود الفقري، مفصل الفخذ، مفصل الركبة، مفصل الكعب، مفصل الكتف، مفصل المرفق، مفصل الكف.

التسليم                    مفاصل العنق.

ط. الصلاة والانزلاق الغُضروفي

يتكون العمود الفقري من فقرات (Vertebrae) متراصّة بعضها فوق بعض، وبزوايا معّينة أتقنها الخالق، جل شأنه، لتحْفظ للإنسان وضْعه القائم، وتيسّر له حركته. ويصل عدد الفقرات إلى 33 فقرة. ويفصل بين الواحدة والأخرى قُرْص غُضروفي (ديسك ـ Disc)، ويحيط بتلك الفقرات والغضاريف أربطة، تجعل منها مفاصل ذات حركة، يختلف مداها من منطقة إلى منطقة، تبعاً لحاجة الجسم. ويتصل بتلك الفقرات ويحيط بها عضلات تتحكم في حركتها (اُنظر شكل الجمجمة والعمود الفقري).

ويتكون الغُضروف من مجموعة من صَفائح ليفِيّة دائرية، ذات خاصِّيَّة مطاطية وقوية، وفي وسطه توجد نواة هُلامية (Gelatinous)، تعمل كجهاز امتصاص ضغط مائي، يوزع الضغوط الواقعة عليه باتجاه الدوائر الليفِيّة (Fibrous Annulus)، التي تقوم بدَورها بوظيفة امتصاص، فتوازن بذلك الضغوط الواقعة على النواة اللُّبِّيَّة (Nucleus Pulposus).

فإذا ما تجاوز الضغط المسلّط على النواة قدرة الألياف الدائرية على تحمّله بالتمطّط، حدث تمزّق بتلك الألياف، وسمح ذلك لجزء من النواة بالانزلاق بين تلك الألياف الممزقة، مما يسبب ضغطاً على الأعصاب المارّة بين الفقرات، أو على النخاع الشوكي ذاته، مؤدّياً إلى آلام وأعراض يختلف مداها وشِدّتها تبعاً لدرجة التمزق والانزلاق ومكانه. ويسمى ذلك بالانزلاق الغُضروفي.

والانتقال في الصلاة من حركة إلى أخرى، يؤدّي إلى اختلاف وتغيّر في الضغوط، مما يساعد على دخول الماء وخروجه من النواة، وهذا يساعد على استمرار تجدّدها وحيويتها، وكذلك تتغير درجات تمطّط الألياف الدائرية المحيطة بالنواة، مما يزيد من كفاءة الغُضروف بجُزْءَيْه، النواة والألياف المحيطة بها، ويرفع من لَياقته الوظيفية، وقُدرته على تحمّل الأعباء والأثقال التي قد يتعرض لها.

وقد أجريت دراسات لقياس ضغط الغُضروف القَطَني (Lumbar Disc) الثالث (وهو مهم لحركة الظَّهر)، وذلك في أوضاع تشبه أوضاع الصلاة.

وقد أثبت بعض الدراسات الحقائق التالية:

·   في حالة الوقوف انتصاباً، وهو يشبه وضع القيام في الصلاة، كان الضغط على الغُضروف 100كجم (وذلك في شخص وَزْنه 70 كجم).

·   وفي وضع الانحناء بالجِذع إلى الأمام، والشخص لا يزال واقفاً، (يشبه وضع الركوع والرفع منه) بلغ الضغط 150 كجم.

·   أمّا في وضع الانحناء بالجِذع إلى الأمام، والشخص جالس، (وضع السجود والرفع منه) بلغ الضغط 200 كجم.

·   وللوقاية من الانزلاق الغُضروفي، فإن هناك قواعدَ يجب إتِّباعها، ومنها تقوية عضلات الظَّهر بالتدريب الحركي، والمحافظة على استقامة الجِذع أثناء الوقوف، مع مراقبة أوضاع الجسم ككل أثناء أداء الحركات.

وكل ذلك يتحقق في الصلاة، فهي تمثّل طريقة فاعلة في تقوية عضلات الظَّهر، كما أن المُصَلِّي يراقب استقامة جسمه في الوقوف أو الركوع مع اعتدال الجِذع.

ولقد ثبت أن حالات آلام أسْفل الظَّهر يصاحبها ضَعف في عضلات ثَنْي الفقرات القَطَنية، لذلك يوصَى بأن يداوم المصابون بهذه الآلام، على تمارين ثَنْي ورفْع العمود القَطَني عدة مرات يومياً، مما يؤدّي إلى تقوية العضلات وتخفيف الآلام.

ولقد تبيّن أن المداومة على صلاة التراويح (8 ركعات) في رمضان، أدت إلى تحسّن في كفاءة العمود الفقري في نهاية الشهر، مقارنة بأوله.

ولقد كان للصلاة دَور كبير في اختفاء الآلام وبسرعة، بعد إجراء الجراحة المِجْهَرِية من أجْل معالجة الانزلاق الغُضروفي الظَّهري، حيث بُدِئَ بأداء الصلاة بعد 48 ساعة من إجراء الجراحة، وأدّى ذلك إلى نقاهة سريعة، وخروج المرضى من المستشفى بعد أسبوع واحد من الجراحة، وذلك بسبب تأثير حركات الصلاة على تقوية عضلات الظَّهر والبطن.

ي. دَور الصلاة في الوقاية من التشوّهات القَوامية وعلاجها

سبحان من خلق الإنسان وسواه وصَوّره في أحسن صورة.

القائل جل شأنه: ]يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ‌‌‌‌[ (سورة الانفطار: الآيات 6 ـ 8)

والقائل ]لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[ (سورة التين: الآية 4).

يقول ابن كثير: "أي جعلك سوياً مستقيماً، معتدل القامة منتصباً في أحسن الهيئات والأشكال". وقَوام الإنسان ليس جمالاً فحسب، بل هو جمال وصحة. واعوجاجه يصيب الإنسان بكثير من الأسقام.

وكثير من الأمراض العصبية، المرتبطة بالجهاز الدَّوْري، أو العضلي، أو مفاصل الجسم، هي نتيجة للعيوب القَوامِية. كما أن الحالة القَوامِية للشخص، تؤثّر في تصوُّره لذاته، واتجاهاته نحو نفسه، مما ينعكس في مدى احترامه وثقته.

والتشوّهات القَوامِية لها تأثير في الوظائف الحيوية لأجهزة الجسم. فاستدارة الكتفَين مع تحدّب الظَّهر مَثلاً يعوقان التنفس؛ إذ يضغطان على الحجاب الحاجز.

كذلك تؤدّي التشوّهات القَوامِية إلى آثار سيئة في المفاصل، والعضلات، والعظام، وأجهزة الجسم الداخلية، مِثل الجهازَين الدَّوْري والهضمي.

والصلاة، بحركاتها المختلفة، مع مراقبة الإنسان لأوضاع جسمه، تعد وقاية من كثير من تلك التشّوهات القَوامِية، كما تعد علاجاً لكثير منها، خصوصاً في بداية ظهورها. وكثير من التمارين الرياضية، التي ينصح بها الأطباء والمتخصصون، لعلاج تلك التشوهات، لا تختلف كثيراً عن حركات الصلاة.

وهناك تشوّهات عديدة تصيب الأطفال، نتيجة عادات سيئة في الجلوس، والوقوف، والمشي، تلعب الصلاة دوراً كبيراً في منْعها وعلاجها، ومن هنا تأتي أهمية أداء الصلاة في سِنٍّ مبكرة، كما أوصى رسول الله r: ]مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع[ ِ(سنن أبو داود، الحديث الرقم 418).

ولقد ثبت لدى خبراء التربية البدنية، أن هذه الفترة من العمر (7 ـ 10 سنوات)، هي أفضل الفترات لتعليم الطفل المهارت الحركية، وتعتبر سِنُّ السابعة وما بعدها، هي سِنَّ النشاط والحيوية.

ويؤكد علماء التربية، أن تقدُّم التطور في الحركات المتغيرة، يكون واضحاً، وأن بلوغ أعلى تقدُّم في تطور المستوى، يكون في عمر 7 ـ 10 سنوات.

وفي سِنّ العاشرة، يصبح النقل الحركي جيداً، وبصورة خاصة، استخدام الجِذع في الركوع، وكذلك الانسيابية الحركية الكبيرة، والتصرف الحركي يتصف بالحركة الكثيرة، الموجَّهة والهادفة. وإن مجالات التطور، والمستوى الحركي الذي يَصِله الأطفال، تجعلان مرحلة (10سنوات)، هي ذروة التطور الحركي، وأفضل مراحله في عمر الطفولة.

ك. الصلاة ودَورها أثناء الحمل والولادة

يصف الأطباء للسيدة الحامل أنواعاً من التمارين الرياضية تساعد على تقوية العضلات، ومرونة المفاصل، خصوصاً، مفاصل العمود الفقري والحوض، مما يخفف من متاعب الحَمْل، وييسّر عملية الولادة، ويقلل من احتمالات تهتّك الأنسجة، أو اللجوء إلى عمليات جراحية لاستخراج الجنين؛ وكذلك تنشّط الدورة الدموية لدى الأم، مما يحسِّن من تغذية الجنين ونموّه. وكثير من تلك التمارين يشبه حركات الصلاة.

أمّا بعد الولادة، فإن ممارسة التمارين الرياضية، وكذلك الصلاة (بعد الطهارة من النِّفاس)، تؤدّيان إلى عودة العضلات والمفاصل إلى وضْعها الطبيعي، وتساعدان على استقامة البدن، واعتدال القامة، وعودة الرشاقة البدنية، من دون ضَعف في العضلات، أو ترهّل في أجزاء من الجسم.

ل. الصلاة ودوالي الساقَين

ثبت علمياً أن أداء الصلاة، وقاية وعلاج من مرض دوالي الساقَين، وهو مرض كثير الانتشار، ويظهر في صورة أوردة متعرّجة دكناء اللون في أَسْفَل من الساقين، وله أثار سيئة، منها تشوّه الساقَين، وما لذلك من أثر نفسي، خصوصاً، في السيدات، وقد تَظْهر بُقَع دكناء نتيجة لتجمعات دموية تحت الجلْد وتغيّر لونها، مع آلام شديدة ومتكررة، خصوصاً، مع الوقوف لفترات طويلة، وقد يحدث نَزْف من تلك الأوردة والشعيرات الدموية، إمّا تحت الجلْد، أو يكون نَزْفاً مفتوحاً، يؤدّي إلى تقرّحات يصعب علاجها (اُنظر صورة دوالي الساقين).

وهناك سببان رئيسيان لتلك الظاهرة، أحدهما زيادة ضغط الدم في تلك الأوردة، والذي يرجع إلى عدة أسباب، من أهمها، الوقوف لفترات طويلة بلا حركة نتيجة لتأثير الجاذبية الأرضية، وضَعف مِضَخّة عضلات الساقَين، التي تعمل على دفع الدم إلى القلب ضد الجاذبية الأرضية، أما السبب الثاني فهو ضَعف في جدران تلك الأوردة وصِماماتها، وقد يكون ذلك وراثياً، أو ينتج من أمراض تصيب الأنسجة الضّامّة (الرابطة) بشكل عام، فتتأثر بذلك جدران تلك الأوردة.

ومن أهم مكونات الأنسجة الضّامّة، مادة الكولاجين (Collagen)، وهي تتكون من أحماض أمينية، من أهمها، حمض الهيدروكس برولين، والذي يمكِن قياسه، كمقياس لكمية الكولاجين.

وقد أجري بحث لمعرفة أثر الصلاة في حالات الدوالي، حيث تمّت دراسة لجماعة من الأصحاء الذين لا يعانون مرض الدوالي، وذلك بقياس حمض الهيدروكس برولين في جدران الوريد الصافن، وهو من أهم أوردة الساقَين. فوُجد أن مستوى هذه المادة في أوردة المُصَلِّين 80.93 ميكروجرام لكل مليجرام من الوزن الجاف، بينما كانت عند غيرهم 63.4 ميكروجرام، والفَرق بينهما ذو دلالة كبيرة. أما دراسة المصابين بهذا المرض، فقد أوضحت أن مستوى الهيدروكس برولين في المصابين المُصَلِّين كان 26.13 ميكروجراماً، بينما كان عند غير المصلين 16.43 ميكروجراماً، وكانت نسبة المُصَلِّين من المرضى 10% فقط بينما مثّل غير المصلين النسبة الباقية 90%.

وهذه النتائج تؤكد دَور الصلاة في تكوين مادة الهيدروكس برولين، وبالتالي مادة الكولاجين، والأنسجة الضامّة بشكل عام، وهذا يؤدّي بدَوره إلى قوة جدران الأوردة وسلامتها.

وقد قام الباحث بقياس الضغط الواقع على جدران الوريد الصافن عند مفصل الكعب مع حركات الصلاة المختلفة، وكانت النتائج كالتالي:

(1) أثناء القيام كان الضغط 93.03 سم ماء.

(2) بينما كان في الركوع 49.13 سم ماء.

(3) أمّا في وضع الاعتدال من الركوع، فقد ارتفع الضغط إلى 86.8 سم ماء.

(4) ومع التحول من الاعتدال إلى السجود، انخفض الضغط بصورة حادّة إلى 3 سم ماء.

(5) ثم ارتفع في الجلوس بين السجدتَين إلى 16.73 سم ماء.

(6) أمّا في السجود الثاني، فقد انخفض إلى 1.33 سم ماء.

وهكذا فإن حركات الصلاة تؤدّي إلى خفْض الضغوط الواقعة على جدران أوردة الساقَين، فتخفِّف من آثارها، وتقلل من احتمال ذلك المرض.

كما أن الصلاة تؤدّي إلى تنمية العضلات، وزيادة قوة انقباضها، مما يزيد من فاعلية المِضَخَّة العضلية الوريدية، التي تدفع الدم إلى القلب، وهي ذات دَور مهم في حماية الأوردة في حالات الوقوف.

م. الصلاة والجهاز المَناعي

لقد ثبت من خلال تجاربَ على الإنسان والحيوان، أن التوتر النفسي يُدْخِل اضطراباً على المَناعة. فقد حدث تغير في اختبار الحساسية المتأخرة ـ Delayed hyper Sensitivity Test" وذلك من طريق التوتر النفسي، مما يَدُل على ضَعف المَناعة بسبب هذا التوتر. وتزداد حدة بعض الأمراض المَناعِيَّة بسبب الضغوط النفسية. وقد أدت الأبحاث إلى تعرّف العَلاقة الدقيقة بين بعض هذه الأمراض، وهي تجمع بين الجهاز العصبي والغدد وجهاز المَناعة، فهذه الأنظمة الثلاثة ذات تأثيرات مشتركة فيما بينها. وهي كذلك تتأثر جميعها بالتوتر في الحياة اليومية.

وتتمثّل استجابة الجسم للتوتر، في زيادة نسبة الهرمونات العصبية، والغددية، والناقلات العصبية الذاتية، (التي تنقُل الأوامر والشحنات من خَليّة عصبية إلى أخرى في الجهاز العصبي الذاتي). والناقلات العصبية تتحكم في درجة استجابة الأعضاء للحساسية.

كذلك يؤثّر الجهاز العصبي في المناعة، من خلال تنشيط إفراز الأدرينالين، وكذلك الكورتيزول. ولهذا الأخير أثر مُثَبِّط لها، وبالتالي يؤدّي التوتر الشديد والمتواصل إلى تثبيط وسائلها في الجسم، مما يسهّل ظهور الأمراض الجرثومية، والسرطانية، وغيرها من الأمراض ذات المنشأ المَناعي، وهي كثيرة جداً.

والإنسان المتوتر تَنْقُص لديه كفاءة الخلايا القاتلة الطبيعية (Natural Killer Cells)، في القضاء على الجراثيم. كما تَضعُف الخلايا المقاوِمة عن مواجَهة الأجسام الغازية للجسم، وقد ثبت أن توازن الجهاز العصبي السمبثاوي، والباراسمبثاوي، عند غياب التوتر يجعل استجابة الأعضاء لأعراض الحساسية أقلّ مما هي عند التوتر.

ومن هنا يأتي دَور الصلاة، وتأثيرها في الجهاز المَناعي للجسم، من خلال أَثَرها المهدّئ، مما يجعل صاحبها أقلّ توتراً وأقلّ انفعالاً. وإذا ما توتر أو انفعل فسرعان ما يزول هذا التوتر أو الانفعال لتقارب مواعيد الصلاة، فيحدث بذلك التوازن في الجهاز العصبي اللاإرادي بفرعَيه، والاستقرار في إفراز الهرمونات، مما يحافِظ على كفاءة أجهزة المَناعة في الجسم، وَيقِي الإنسان من كثير من الأمراض ذات الصِّلَة باضطراب المَناعة بسبب التوتر.

هذه بعض فوائد الصلاة، التي يجنيها المسلم في حياته، إذا أدّى الصلوات كما يجب أداؤها، يُحسِن قيامها، وركوعها، وسجودها، ويحافِظ عليها في أوقاتها، ويسعى إلى صلاة الجماعة والجُمع.

ومع كل هذا، فإن ذلك لا يعني أن يترك المسلِم أنواع الرياضة الأخرى، التي تساهم في تقوية الجسم. ولا يعني أن يهمل الإنسان جوانب الوقاية والعلاج الأخرى.

فكلها من فضل الله على الإنسان. ]الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4816). كما جاء في حديث المصطفى r.


 



[1] برايس (1938) وشبرمان (1960) وديفيز (1963) واسبيرز (1965).

[2] الدكتور كينيث كيوديل.

[3] قام بالدراسة: كاروثير  Carruthers، وهو من أكبر الباحثين في أمراض القلب وعلاجها بالاسترخاء.

[4] الدكتور محمد يوسف خليل.

[5] أجرى الأبحاث: الدكتور أحمد القاضي.

[6] بحث أجراه الدكتور داس، والدكتور جاسطو.

[7] أثبت ذلك كولب في أبحاثه.