إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أركان الإسلام، وأثرها في عافية الإنسان، روحاً وجسداً




مد الجذع وثني الرجلين للجلوس
الارتكاز أثناء السجود
القدمين في النزل والقيام
ارتكاز القدمين أثناء الجلوس
ثني اليدين في السجود
ثني الجذع للأمام
ثني الجذع للسجود
ثني الرجلين
ثني الساعدين
تمرين التسليم
تمرين الجلوس
تمرين الركوع
تمرين السجود
تمرين الضغط المرحلة الأولى
تمرين الضغط المرحلة الثانية
تمرين القيام والنزول
تمرين القرفصاء
تمرين سيرازانا
دوالي الساقين
دفع الأرض باليدين
رفع الذراعين
في الوقوف
في الركوع
في السجود
فرد الجذع

نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص
مصادر الطاقة للتجويع المتوسط
مصادر الطاقة للتجويع الطويل
مفاصل زليلية
مقطع الجلد
الجهاز العصبي
الجمجمة والعمود الفقري
العضلات في الركوع
العضلات في حركة التسليم
تأثير الغدة النخامية
تحلل الجليكوجين الكبدي إلى جلوكوز
تحول جزء من الجلوكوز
حركة النزول والقيام
حركة العضلات في القدم اليمنى
عضلات الساعد الأيمن
عضلات الظهر في حركة الرفع
عضلات حركة الساق اليمنى
عضلات حركة الكف الأيسر
عضلات رفع اليدين




رابعاً: الركْن الرابع: الصيام

رابعاً: الركْن الرابع: الصيام

الصوم، أو الصيام، في اللغة، هو الإمساك، ويعرّفه علماء التغذية بأنه، ترْك الطعام والشراب كلية أو جزئياً.

أمّا في الشريعة الإسلامية، فهو الإمساك عن كل مفطر، من طعام وشراب وجِماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع اقتران النية.

ومن المسلَّم، أن الحكمة العظمى من العبادات، ومنها الصوم، إنما هي طاعة الله سبحانه وتعالى، فيما أمر ونهى، تحقيقاً لقوله سبحانه وتعالى ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ[ (سورة الذاريات: الآية 56).

فإذا ما تبيّن للإنسان حكمة أخرى، في دنياه أو آخرته، فإنها تزيد المؤمن إيماناً بربّه، وثقة في أن الله جلّ شأنه، لم يشرع لعباده إلاّ ما فيه خيْرهم. والصوم ليس بدعاً من ذلك، فالحكمة العظمى منه كما ذكرها القرآن هي التقوى. ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (سورة البقرة: الآية 183).

ولكن المتدبّر لأمر الصوم، خصوصاً، بعد تقدُّم العلم، وإخضاع كل شيء للبحث والتجربة، يرى للصوم فوائدَ عظيمة، سواء للروح أو الجسد.

وقد مارس كثير من الأمم السابقة الصوم، في صور مختلفة. فمنهم من صام تقرّباً إلى الله، ومنهم من عدَّ الصوم من الأعمال المستحبة، ومنهم من صام طرداً للشياطين، أو نوعاً من السحر والشَّعْوَذة، وغير ذلك. وكان قدماء المصريين يعتقدون أن بقاء الصحة في حالة جيدة لا يتأتّى إلاّ مع صيام ثلاثة أيام من كل شهر. أمّا السوريون القدماء، فكانوا يتركون الطعام في اليوم الأخير كل أسبوع، والمغول كل عاشر يوم. وكان العبرانيون القدماء يصومون أيام الحداد وأوقات الخطر، فإذا ذهب البلاء صاموا شكراً لله، ولا يزال يوم الغفران يوم صوم، في التقويم العِبْري. أمّا المسيحيون القدماء، فكانوا يصومون الأربعاء والجمعة والسبت من كل أسبوع، التماساً للنجاة من مصائب الدنيا. وكان المطران يأمرهم بصوم يوم، إذا ظهرت بَوادِر بلاء، كما عُرِف عندهم ما سمِّي بالصوم الأكبر، وهو الإمساك عن الطعام أربعين يوماً. والكنيسة الكاثوليكية ترى في الصوم، التام أو الجزئي، تكفيراً عن بعض الذنوب، وهو نوع من أنواع التوبة، وكان الكهنة يتحملون صوماً طويلاً قبل الخوض في العبادة، والتعمق في أسرار دياناتهم.

وقد اختلفت صور الصوم، وأوقاته، بين تلك الأمم. فهناك من امتنع عن الطعام والشراب، وهناك من امتنع عن الطعام دون الشراب، وامتنع آخرون عن أنواع معينة من الطعام، دون غيرها.

ثم جاء الإسلام، فجعل الصيام فريضة واجبة، طوال شهر رمضان، وجعل الصيام كفارة لبعض الذنوب. وسَنَّ رسول الله r، صيام التطوع، أياماً مجتمعات، أو متفرقات، من العام. ووضع الإسلام ضوابطَ وآداباً لهذا الصيام، لا يصحّ إلاّ بها.

وقد فَطِن كثير من الناس منذ زمن بعيد إلى أهمية الصوم، وفوائده للروح والجسد، فقد كان ابن سينا، الطبيب والعالم المشهور، يصف الصوم لمعالجة الأمراض المزمنة. وكذلك وَصَفَه أطباء مسلمون في القرنَين العاشر والحادي عشر لعلاج الجدري والزهري.

وجرى تطبيقه كعلاج للأمراض التناسلية بالمستشفيات، أثناء حملة نابليون على مصر. وفي عصر النهضة الأوروبية، نادى العلماء بالإقلال من الطعام، ومحاربة الانغماس في الملذات، وكانوا ينصحون بالصوم، تخفيفاً للشهوات الجامحة. فَهَا هو "لودفيك كارنارو" من البندقية يقول: "يا إيطاليا البائسة، ألاّ ترين أن الشهوة تقود إلى موت مواطنيك أكثر من أي وباء منتشر، أو حرب كاسحة، وأن أي زيادة في ما نتناوله من كميات الطعام تعطينا سروراً آنياً، ولكن علينا في النهاية أن ندفع نتائج ذلك مرضاً بل موتاً في بعض الأحيان؟".

وفي إنجلترا، كان الطبيب تشين (1671 ـ 1743)، يعالج نفسه بالصوم، ويعيب عادة الإفراط في تناول الطعام، ويحمّل الأطباء مسؤولية ذلك قائلاً: "والأطباء مسؤولون أمام المجتمع، وأمام مرضاهم، بل أمام الخالق، لأنهم يشجعون الناس على الإفراط، وذلك لأنهم بهذا يعملون على تقصير آجال كثير من مرضاهم".

وفي ألمانيا، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، يتخذون من الصيام وسيلة لعلاج كثير من الأمراض، مثل أمراض الجهاز الهضمي، والاستسقاء، والحمّى الراجعة، والسرطانات الدموية، وأورام اللَّثَة، والضَّعف والترهل الجسدي، وغير ذلك من الأمراض المزمنة.

وفي هذا العصر، الذي تقدّمتْ فيه البشرية تقدّماً هائلاً في مجال الأبحاث والاختراعات، وظهرت فيه الآلة، وحلّت محل الإنسان، وتنوّعتْ فيه الأطعمة والمشروبات، وكَثُرتْ فيه وسائل الإثارة والدعاية، والدعوة إلى إشباع الشهوات والرغبات من دون ضابط، ظهرت عِلَل وأمراض نفسية وبدنية، تكلّف البشرية الكثير من الأنفس والمال والجهد. وكلما تغلبّ الإنسان على داء، ظهرت أدواء أخرى.

وأمام ذلك كله، ظهرت دعوات، تدعو الناس للحدّ من كل ذلك، والعودة إلى التمسك بالدين، والالتزام بالقِيم، ولكن حتى تلك الدعوات أسرفتْ وانحرفتْ عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وقد يُمارَس الصيام لأسباب كثيرة، في هذا العصر، إضافة إلى الأسباب الدينية:

·   فمن الصيام ما يتقرر لتربية الأخلاق الفدائية في الجنود، وتدريبهم على التحمل، وتقوية إرادتهم، وهو هنا رياضة نفسية.

·   ومن الصيام، صيام الرياضيين، فيتجنبون كل طعام يحُوْل بينهم وبين رشاقة الحركة، أو يحُوْل بينهم وبين الصبر على الحركة العنيفة، وهو هنا رياضة بدنية.

·   ومنه كذلك، صيام "التجميل أو طلب الرشاقة"، وقد يصبر عليه من لا يصبر عادة على صيام "الرياضة النفسية"، أو صيام "الرياضة البدنية".

·   ومن الصيام الشائع في العصر الحديث، "صيام الاحتجاج على الظلم، والتنبيه إلى القضايا التي يهملها الظالمون، ولا يعطونها نصيبها الواجب، من الفهْم والعناية (وهو ما يسمى بالإضراب عن الطعام).

وعلى هذا النسق يتناول الباحثون الصيام، ويقسمونه بحسب أغراضه العامة، أو الخاصة، من قديم العصور إلى العصر الحديث، إلى خمسة أقسام:

1. صيام التطهر: الذي يكفّ فيه الصائم عن الإلمام بالخبائث والمحظورات، من شهوات النفوس والأجسام.

2. صيام التكفير عن الخطايا والذنوب، تطوّعاً من الصائم بعقاب لنفسه.

3. صيام العطف: ومنه صيام الحداد في أيام الحزن، أو المِحنة، ليشعر الصائم بأنه يذكر أحبابه الذاهبين، أو الغائبين.

4. صيام الاحتجاج والتنبيه، وهو صيام المظلومين، وأصحاب القضايا العامة.

5. صيام الرياضة النفسية، أو البدنية، الذي يمكّن الصائم من السيطرة، بإرادته، على وظائف جسمه، تصحيحاً لعزيمة، أو طلباً للنشاط واعتدال الأعضاء.

ولَعَلّ أكثر أنواع الصيام انتشاراً، اليوم، وإن كانت جذوره قديمة وممتدة، هو "الصيام الطبي" الذي أصبحت له مَصَحّات خاصة، ومؤيدون من الأطباء والمرضى، في كثير من دول العالم. وقد أُلِّف عدد غير قليل من الكتب والأبحاث، التي تؤكد فائدة هذا الصيام، في علاج كثير من الأمراض الحادّة، والمزمنة.

وهذا النوع من الصيام، يشابه الصيام الإسلامي في بعض جوانبه، ويختلف عنه في بعضها الآخر. وللتعرف على ذلك، لا بد من نبذة سريعة عن دورة الطعام في جسم الإنسان.

يتكون طعام الإنسان من مواد كربوهيدراتية، وبروتينات، ودهون، إضافة إلى الفيتامينات، والأملاح بأنواعها المختلفة. ويتم هضم هذه المواد بالمَعِدة والأمعاء، فتتحلل إلى عناصر بسيطة يسْهُل امتصاصها. ويمكِن تقسيم تلك الأطوار إلى:

1. مرحلة الهضم والامتصاص: وتستغرق ما بين 3 ـ 5 ساعات تبعاً لكمية الوجبة الغذائية، ونوعية مكوناتها.

أمّا الكربوهيدرات، فتتحول بالهضم إلى سكريات بسيطة، أهمها الجلوكوز، ويمر بعد امتصاصه من طريق الأوعية الدموية، بالكبد، فيزيل منه حوالي 60% ـ 80%، حيث يتحول جزء منه إلى جليكوجين، للتخزين، ويتحول بعضه إلى دهون ثلاثية، تختزن في الأنسجة الشحمية، وأمّا الباقي 20% ـ 40%، فيمر إلى بقية أنسجة الجسم، فيخزن جزء منه في العضلات، في صورة جليكوجين، ويؤكسد الباقي، ليعطي الطاقة اللازمة للجسم، وقد يتحول جزء من الجلوكوز إلى أحماض أمينية غير أساسية (اُنظر شكل تحول جزء من الجلوكوز).

أمّا الدهون، فتمتص من طريق الأوعية اللمفاوية، لتصل في النهاية إلى الدورة الدموية، ويخزن معظَمها، في حالة عدم الاستخدام، في صورة دهون ثلاثية، تحت الجلد وفي العضلات والأحشاء. وتعتبر الدهون مخزناً مهماً للطاقة بجانب وظائف أخرى.

أمّا البروتينات، فتتحول من خلال الهضم إلى مواد بسيطة، أهمها الأحماض الأمينية. وبعد امتصاصها، يستخدمها الجسم لتكوين البروتين، وما زاد على ذلك، يتحول إلى جزء آزوتي، ثم إلى بولينا تفرز في البول، وجزء غير آزوتي، قد يتحول إلى جليكوجين، أو مواد دهنية تخزن لوقت الحاجة.

2. مرحلة ما بعد الامتصاص: وهي تبدأ بعد تناول الطعام بحوالي 4 ـ 6 ساعات، وهي تمثل مرحلة الهدم، وتراوح مدتها ما بين 6 ـ 12 ساعة، وقد تمتد إلى 40 ساعة من امتصاص الطعام، ويحدث فيها الحالات التالية :

أ. يعتمد فيها الجسم على المخزون من الغذاء، للحصول على الطاقة، فعندما يهبط مستوى الجلوكوز في الدم، يبدأ تحول الجليكوجين الكبدي إلى جلوكوز، ليمدّ الجسم بالطاقة (اُنظر شكل تحلل الجليكوجين الكبدي).

ب. ومع استمرار هبوط مستوى الجلوكوز، وانخفاض مستوى الأنسولين، وارتفاع مستوى هرمون الجلوكاجون، يزداد معدل تحول الجليكوجين إلى جلوكوز، ويتولى الكبد تصنيع جلوكوز جديد، من الأحماض الأمينية. وهو يمثل 25 % من الجلوكوز المنتج .

ج. ونتيجة للتغيّرات في مستوى الهرمونات السالفة الذِّكر، ينقص أو يتوقف تكوّن الدهون ويزداد تحلُّلها، ويرتفع تركيز الأحماض الدهنية الحرة، حيث تصبح مصدراً رئيسياً للطاقة، لمعظمَ أنسجة الجسم. ومع ذلك فإن تحلّل الدهون في هذه الحالة لا يكون بالقدر الذي يشجع الكبد على تحويل الأحماض الدهنية الحرة إلى أجسام كيتونية، ويستمر المخ في استخدامه للجلوكوز كمصدر للطاقة في هذه المرحلة.

د. تبدأ الأحماض الأمينية في الانطلاق. للمشاركة في تصنيع الجلوكوز. وهذه التغيّرات هي ما يحدث في مراحل الصيام الإسلامي. (اُنظر شكل نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص) وأما في الصيام الطبي فهي تمثل المرحلة المبكرة منه، تتلوها مراحل أخرى، تختلف في طبيعتها عن الصيام الإسلامي، وينقسم الصيام الطبي بعد ذلك إلى مرحلتَين أساسيتَين هما:

(1) مرحلة التجويع المتوسط: تراوح مدة الصيام فيه، بين يومَين و سبعة أيام، وفيه يزداد تحول البروتين من العضلات إلى أحماض أمينية، يتحول بعضها إلى جلوكوز، كما يزداد انطلاق الدهون من الأنسجة الشحمية، ويزداد مستوى الأحماض الدهنية والجليسرول في الدم، ويتحول الأخير إلى جلوكوز، أما الأحماض الدهنية الحرة، فتستخدم في إنتاج الطاقة، وينتج عن ذلك كميات متزايدة من الأجسام الكيتونية وهي تساهم كذلك في الإمداد بالطاقة لبعض الأنسجة (اُنظر شكل مصادر الطاقة للتجويع المتوسط).

(2) مرحلة التجويع طويل الأجل. يمتد الصيام فيه من أسبوعَين إلى ستة أسابيع، أو أكثر ، وفيه ينخفض معدل تحلّل البروتين، ويزداد تحلّل الدهون، وينخفض إنتاج جلوكوز الكبد، (ويعتمد في إنتاجه على الأحماض غير الأمينية، مثل اللاكتات والبيروفات، والجليسرول). وتنتج الكِلْيتان في هذه المرحلة، جزءاً من الجلوكوز. ومع زيادة تحلّل الدهون يزداد معدل إنتاج الأجسام الكيتونية، لتحل محل الجلوكوز، كمصدر رئيسي للطاقة. وفي نهاية هذه المرحلة، ومع نفاد كمية الدهون القابلة للنقل والتحويل، تحدث زيادة ثانية في تحلل البروتينات (اُنظر شكل مصادر الطاقة للتجويع الطويل).

ومن ثم فإن جوانب الاتفاق والاختلاف بين الصيام الإسلامي والصيام الطبي أو التجويع هي كالتالي:

أ. نقاط الاتفاق

(1) كِلاهما يؤدي إلى راحة الجسم، من عمليات الهضم والامتصاص، واستهلاك المُدَّخَر من المواد الغذائية، وتنشيط عمليات الاستقلاب، (التمثيل الغذائي)، وطرْد السموم المتراكمة بالجسم.

(2) وفي كِلَيهما يتوقف الإنسان عن تناول الطعام لفترة زمنية محدودة.

ب. نقاط الاختلاف

(1) الصيام الإسلامي سهْل ميسور لكل مكلَّف به، ويقبِل عليه الإنسان طائعاً مختاراً، فرحاً به.

(2) أمّا الصيام الطبي ففيه مشقة، ولا يقدِم عليه إلاّ من اضطر إليه، ولا يستطيعه كل الناس، وغالباً ما يحتاج إلى مَصَحَّة، وإشراف فريق من الأطباء والمتخصصين.

(3) في الصيام الإسلامي يتوقف الإنسان، عن الطعام والشراب والجِماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

(4) أمّا الصيام الطبي فهو الامتناع عن الطعام فقط، لفترة زمنية، تقصُر أو تطول، تبعاً لحالة الفرد، ولكنه لا يمتنع عن شرب الماء .

(5) في الصيام الطبي، يتوقف إمداد الجسم بالأحماض الأمينية، والأحماض الدهنية الأساسية، والتي لا يستطيع الجسم تكوينها، بل لا بدّ من إمداده بها في الطعام، وهذا مما يزيد من تهدّم الخلايا، وعدم القدرة على تجديدها بصورة جيدة.

(6) كما أن زيادة تحلّل الدهون تعمل على ترسّبها في خلايا الكبِد، مؤدّية إلى ما يسمّى "بتشمّع الكبِد"، مما يؤثّر في وظائفها.

(7) وكذلك فإن تجمّع الأجسام الكيتونية في الدم، يصاحبه خلل في عمليات الاستقلاب، وزيادة في حموضة الدم. وهذا لا يحدث في الصيام الإسلامي، لقِصَر فترة الصيام، حيث تتوازن عمليات الهدم والبناء، ويتم إمداد الجسم بما يحتاج إليه من أحماض أمينية، ودهون أساسية، ولا يحدث تشمّع بالكبِد، ولا تتجمع الأجسام الكيتونية بصورة ضارّة.

(8) وكذلك فإن عدم تناول الماء في الصيام الإسلامي، له فوائد جمّة. إذ يؤدي إلى زيادة إفراز الهرمون المضادّ لإدرار البول (Anti Diuretic Hormone) فيقلل فقْد الماء في البول، وبالتالي يقل فقد أملاح مهمة، مثل الصوديوم، والتي يؤثّر فقْدها في كثير من خلايا الجسم.

(9) وكذلك فإن العطش، يؤدّي إلى زيادة هرمون الأنجيوتنسين 2 (Angiotensin II)، والهرمون القابض للأوعية الدموية (Vasopressin)، وهما يزيدان من تحلُّل الجليوكوجين في الكبِد. وهذا بدَوره يمدّ الجسم بالطاقة في فترة الصيام، وقد ثبت أن الهرمون المضادّ لإدرار البول له دَور مهم، في تقوية الذاكرة، وتحسين القدرة على التعلم في حيوانات التجارب، وزيادة آليات تركيز البول كما هو موضح بالجدول التالي:

 

الأكل اليومي المعتاد

التجويع

الصيام الإسلامي

الأشياء المتغيرة في الجسم

التخزين والبناء يزيد عن معدل الهدم

يزيد معدل الهدم عن معدل البناء

البناء يوازي الهدم.

تحلل الجليكوجين

مصدر رئيسي للطاقة.

مصدر ثانوي للطاقة.

مصدر رئيسي للطاقة.

الجلوكوز

مصدرها الغذاء، وتشارك بقلة في إمداد الجسم بالطاقة.

مصدرها العضلات، وتشارك كمصدر رئيسي، في إمداد الجسم بالطاقة.

مصدرها الغذاء، وتشارك باعتدال في إمداد الجسم بالطاقة.

الأحماض الأمينية

لا توجد.

لا توجد.

لا توجد.

الأجسام الكيتونية

النشاط يزداد في أولها ثم يقل بعد ذلك، وعدم التوازن غير

العمل فيها غير متوازن ونشاطها متقطع وقليل.

نشطة جداً والتفاعلات الحيوية بها متوازنة.

دائرة حمض الستريك

أمّا فوائد الصيام الطبي، فهي كثيرة ومتعددة، وقد أجريت عليه أبحاث كثيرة. وكثير من تلك الفوائد يَثبت للصيام الإسلامي.

ويمكن تلخيص تلك الفوائد في الآتي:

1. يعطي راحة تامة للأعضاء الحيوية المهمة بالجسم.

2. يوقِف امتصاص الأغذية التي تتحلل داخل الأمعاء.

3. يفرِغ القناة الهضمية، ويخلّصها من الجراثيم والتخمرات.

4. يعطي أجهزة الإفراغ والاطّراح، الفرصة كي تستعيد نشاطها.

5. يصحّح ويجدّد الكيمياء الفيزيولوجية والإفرازات الطبيعية.

6. يُعِيد الشباب للخلايا، والأنسجة، ويجدّد حيويتها.

7. يحسِّن الوظائف العامة للجسم.

يقول أحد العلماء[1]: "إن أكبر شيء نستفيده من الصوم، هو مستوى جديد من الصحة. ذلك أن خلايا الأعضاء تتجدّد كلها، فتتحسَّن وظائف الأعضاء، وتنشط. زِدْ على ذلك أن الصوم يمنح الجسم الفرصة المُثلى، للتخلص من السموم، والفضلات المتراكمة بين ثناياه، وفي صميم نسيجه العضوي".

ويمكن تفصيل بعض تلك الفوائد في الآتي:

1. الصيام يخلّص الجسم من السموم

فالإنسان في حياته اليومية، يتعرض لكثير من السُّموم، والمواد الضارّة، في طعامه وشرابه، مِثل المخصّبات، ومنشّطات النمّو، والمواد الحافظة، ومانعات التأكسد، ومكسبات الطَّعم واللون، وغير ذلك، وكذلك ما تحويه بعض النباتات من سموم، وما يختلط بها من فطريات وجراثيم، وما يحويه الهواء المحيط من مواد كيماوية ضارّة، مِثل عوادم السيارات والمصانع، وكثير من الأدوية التي يتناولها الإنسان، إضافة إلى مخلَّفات الطعام داخل الأمعاء، وما يتكاثر عليها من جراثيم، وما ينتج منها من سُموم، ثم بعد ذلك مخلَّفات الاحتراق داخل خلايا الجسم.

ولقد أَوْدَعَ الله جسم الإنسان، وسائل وأجهزة، تعمل على تخليصه من كل تلك السُّموم، منها الكبِد، الذي يحيل كثيراً من المواد السامّة والضارّة إلى مواد غير سامّة، يفرزها في العُصارة الصفراوية. كما تؤدي الكِلْيتان، دوراً كبيراً في تنقية الدم. وتؤدي الرئتان دَورهما في تخليص الجسم من الغازات ومدّه بالأكسيجين، وعلى الرغم من كل هذا، يترسب جزء من تلك السُّموم في أنسجة الجسم، خصوصاً الأنسجة الشحمية، بسبب ذوبان كثير من تلك المواد فيها.

ومع الصيام، تنشط عمليات الاستقلاب، وتتحلّل الأنسجة الشحمية، وتنطلق منها الدهون، بما تحمِله من مواد سامّة، فتتعامل معها أجهزة الجسم، وتخلص الجسم منها.

يقول أحد الأطباء[2]: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضاً، لأن سُموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم، فتجعله كالمريض، وتثقله فيقلّ نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلّص من أعباء هذه السُّموم، وشَعَر بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبْل.

2. الصيام يعالج السِّمَن ويخلّص الجسم من الشحوم

أسباب السِّمَن متعددة. منها الخلل في التمثيل الغذائي، أو الاضطرابات النفسية، الناتجة من ضغوط بيئية، واجتماعية، وغير ذلك، أو خلل في وظائف بعض الغدد. ولكن يظل العامل الرئيسي المباشر فيه، هو الإفراط في تناول الطعام، ويصاحب السِّمَن ترسّب الدهون في الأنسجة الشحمية، وغيرها من أنسجة الجسم، وعلي جدران الأوعية الدموية، مما يؤدّي إلى خلل في وظائف القلب، والجهاز الدَّوري، قد يُودِي بحياة الإنسان، مثل ارتفاع ضغط الدم، وهبوط وظائف القلب، والذبحة الصدرية، والجلطة الدموية، في مناطق حيوية من الجسم مِثل القلب والمخ.

أ. كذلك يصاحب السِّمَن كثير من الأمراض، منها داء السكري، وما له من مضاعفات خطيرة. ناهيك ما يسببه السِّمَن من بطء في الحركة، وأعباء على مفاصل الجسم، مما يعجّل بظهور الأمراض فيه، وما يمثّله من عبء نفسي، قد يؤثّر في حياة الإنسان وعَلاقاته الاجتماعية.

ب. كما يؤدّي السِّمَن إلى تكوين حَصَيَات في المرارة، والتي تتكون بنسبة كبيرة من الكوليسترول المتكون، من وفْرة الدهون المشبعة.

ج. ويؤثر السِّمَن كذلك في الحالة الجنسية. فقد يقلّل الاستجابة الجنسية، ويُكْثِر من التهابات الأعضاء التناسلية، وما حولها من ثنيات. وقد يحدث اضطراب في الهرمونات وتوازنها، مما يؤدّي أحياناً إلى العقم.

د. كذلك يزداد احتمال الإصابة بسرطان الثدي، والرحم، والبنكرياس، والمرارة.

هـ. ونتيجة لكل ذلك، يصبح الشخص البَدِين، أقلّ نشاطاً، وأقلّ إنتاجية في مجتمعه

و. وحينما يصوم الإنسان، ويلتزم بقواعد الصيام الصحيحة، يحمي نفسه من كثير من أمراض السِّمَن إذ يتخلّص الجسم من كثير من تلك الشحوم والدهون، ومنها الكوليسترول. فإذا ما اجتمع الصيام والصلاة، خصوصاً صلاة التراويح في رمضان، والتهجّد في غيره، وما ينتج من ذلك من رياضة بدنية، أدي ذلك إلى إذابة تلك الشحوم، وتحسِّن من حالة القلب والأوعية الدموية، والعضلات والمفاصل.

ز. وهناك بحث عِلمي، أُجرِي لمعرفة أَثَر الصيام في معَّدل الكوليستيرول في الدم، أثبت أنه يؤدّي إلى انخفاضه، في الأشخاص الذين لديهم معدلات عالية قبْل بدء الصيام، بينما لم يتأثر معدَّله في أولئك الذين بدأوا الصيام بمعدِّلات طبيعية. وكذلك أثبت ذلك البحث فوائد أخرى، منها انخفاض مستوى حمض البوليك، وضبط معدّل الجلوكوز في الدم.

3. الصيام وتجدّد الخلايا

تتجدّد خلايا الجسم بصورة مستمرة، حيث يموت في الثانية الواحدة حوالي 125 مليون خلية، وينشأ مِثلها أو أكثر منها أو أقلّ تبعاً لعمر الإنسان، ومرحلة نموّه، من طفولة أو شباب أو شيخوخة.

وينتج من عملية هْدم الخلايا أحماض أمينية، يستخدمها الجسم إضافة إلى ما يحصل عليه من الطعام في بناء خلاياه الجديدة، وهناك أحماض أمينية أساسية لا يستطيع الجسم تكوينها، بل لا بدّ له أن يحصل عليها من الطعام، وهنا يظهر فارق مهم بين الصيام الإسلامي، والصيام الطبي أو التجويع، حيث يحصل الجسم في الصيام الإسلامي على ما يحتاج إليه من أحماض أمينية أساسية، في الطعام، ويتم بناء خلاياه على أُسُس سليمة وقوية. أما في الصيام الطبي الذي تطول مدته فإن الجسم يُحْرَم تلك الأحماض، وبالتالي لا يستطيع بناء البروتينات بصورة صحية وسليمة، مما يجعل الخلايا ضعيفة. وكذلك الشيء نفسه بالنسبة إلى الأحماض الدهنية الأساسية، والتي تلعب دوراً مهماً في بناء البروتينات الدهنية (Lipoproteins)، وهي ذات وظائف مهمة، سواء في تكوين الخلايا الجديدة، أو نقْل الدهون من الكبِد إلى الأنسجة الأخرى، مما يؤثّر في وظائف الكبِد، نتيجة لترسّب الشحوم فيها.

4. الصيام كعلاج لكثير من الأمراض الحادّة والمزمنة

استخدم الصوم في علاج أمراض حادّة، مِثل الإسهال، والقيء، والسعال، والروماتزم، يقول أحد الأطباء[3]: "إن جميع الأمراض الحادّة يمكِن الوقاية منها، إذا سُبقت بصوم طويل نسبياً يسمح بإنقاص الشحوم المتراكمة، الأمر الذي يدل على أن الصوم الوقائي، يضمن لنا مَناعة فاعلة، ضد أي مرض من الأمراض، وإذا ما بدئ بالصوم فور ظهور أول أعراض المرض، فإن الغالبية العظْمى من حالات الإصابة ستكون خفيفة، وسليمة العواقب حتى إن المريض لا يكاد يشعر بأنه مصاب بمرض شديد".

ويقول طبيب آخر[4]: "إنه بقدر ما تغذّي مريضك أثناء مرضه، تجعله أكثر مَرَضاً"، كما يقول: "لا تَزِد في آلام مريضك بإلزامه بأخذ الغذاء، على الرغم من رفْض المعدة لذلك"، وقد بيّن عالم ثالث (العالم بومونت) أن الهضم أثناء الأمراض الحادّة، لا يتم على الوجه المطلوب، وربما لا يحصل أي هضْم في بعض الحالات. فالعُصارة الهضمية تقلّ كثيراً، وقد تضمحلّ، لدى ارتفاع درجة الحرارة في بداية الأمراض الحادّة. مما يدلّ على أهمية الامتناعً امتناعاً تاماً عن الغذاء أثناء حالات الحمّى.

ولقد استعمل الصوم قبْل ألفَي عام كطريقة من طرائق معالجة المرضى، كعلاج حالات اليرقان، وداء الصرع[5]. واستعمله "ابن سينا" في معالجة مَرْضَاه. وفي القرن السابع عشر ظهر كتاب شهير حول العلاج بالصوم عنوانه "وصف النتائج الخيالية والسحرية الناتجة من الصوم في جميع الأمراض"[6].

وفي القرن الثامن عشر سأل أحد الأطباء[7]: "أيهما أكثر منطقية، إطعام المريض مع إعطائه الأدوية والعقاقير المختلفة، حتى نحافِظ عليه بوضعية عامة سيئة، خلال ما تبقّى من عمره، أو أن نطلب من هذا المريض أن يصوم، ويخسر بعضاً من وزنه، من أجْل أن يحصل فيما بعد على الشفاء الكامل؟".

أمّا بالنسبة إلى الأمراض المزمنة، فقد استخدم الصوم في علاج كثير منها، مثل (الزهري) بأطواره المختلفة، والأمراض الرئوية المتكررة، أو المزمنة، مثل الربو، والسعال التحسسي، والتهاب القصبات المزمن، وداء السكري، وعلاج الصمم، وضَعف الإبصار، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل العظمي، والقرحات الدوالية، وحَبّ الشباب، وأمراض الجهاز الهضمي، وكثير من الأمراض العصبية، والضَّعف الجنسي، وعلاج الإدمان بأنواعه المختلفة.

هذا قليل من كثير، مما تم نشره عن فوائد الصيام الطبي. وقد يثبت كله للصيام الإسلامي الذي يفوق الصيام الطبي. وقد نشطت في الأعوام الأخيرة، حركة الأبحاث، والتجارب العلمية لدراسة جوانب الصيام الإسلامي المختلفة، ودوره في الصحة، والمرض. ومن هذه الأبحاث:

أ. في مجال السِّمَن ودراسة بعض مكونات الدم، تباينت نتائج الأبحاث. فقد أظهرت نتائج أحد الأبحاث دَور الصيام في ضبط معدل الجلوكوز في الدم، مع انخفاض في معدّل حمض البوليك، وانخفاض في معدّل الكوليسترول.

بينما وجد آ    خرون زيادة طفيفة في مستوى الكوليسترول، والدهون الثلاثية.

في حين أشار آخرون إلى عدم وجود تغيّر في مجموع الكوليسترول، بشقَّيه عالي الكثافة ومنخفض الكثافة، ولكن حدثت زيادة في معَّدلات الدهون الفوسفاتية، وهبوط في مستوى السكر (عند قياسه أثناء الصيام ـ Fasting Blood Sugar) وثلاثي الجليسرول.

كذلك حدث تبايُن في الدراسات التي تناولت أَثَر الصيام في الوزن، حيث أشار بعض الباحثين إلى حدوث نقْص في الوزن. بينما لم يجد آخرون أي تغيّر في وزْن الرجال، ولكن حدث انخفاض في وزْن النساء الذي عَزَوْهُ إلى حدوث الدورة الشهرية.

وقد ترجع الاختلافات في نتائج تلك البحوث إلى عوامل متعددة، منها حجْم عيّنة البحث، والجنس، والبيئة، والسِّنّ، والعادات المتبعة في الغذاء، خصوصاً، في شهر رمضان، حيث تختلف من بلد إلى بلد، ونوع الطعام، والجُهد المبذول أثناء الصيام، وحالة الشخص، قبْل بدء الصيام، وغير ذلك من العوامل المؤثّرة.

ب. وأُجريتْ أبحاث لدراسة أَثَر الصيام في هرمونات الذكورة، والأنوثة، وما لذلك من أَثَر في الخصوبة والعقم. وفي أحد تلك الأبحاث، وجد أن هرمون البرولاكتين، قد انخفض مستواه لدى 80% من السيدات، اللاتي خَضَعْنَ للبحث، بينما لم يتغيّر مستوى هرمون البروجيستيرون. وهرمون البرولاكتين، من الهرمونات التي قد تتسبّب زيادتها بعدم القدرة على الحَمْل، وهذا يعني أن الصوم قد يزيد الخصوبة، عند مَن يعانين زيادة في هذا الهرمون. أما في الرجال فقد أُجرِي بحث على جماعة من الرجال الأصحاء، وأخرى ممَّن يعانون نقصاً في المنويات (Oligospermia)، ومجموعة ثالثة، ليس لديهم منويات (Azoospermia)، حيث أخذت منهم عيّنات من الدم، والمَنِيّ، خلال أشهر شعبان، ورمضان، وشوال، لقياس عدد من الهرمونات، وكذلك المنويات.

وقد وًجدَ الباحثان، أن مستوى هرمون التستوستيرون (Testosterone)، (هرمون الذكورة)، لم يتغيّر خلال أشهر الدراسة، ولكن تحسَّن أداؤه، كما أن حجْم المَنِيّ، والعدد الكُلّي للمنويات، ازداد زيادة ملحوظة، أثناء شهر الصيام.

وكذلك حدث تحسُّن في نسبة المنويات الحية، وانخفاض في نسبة المنويات الميتة، وذلك في الأشخاص الأصحاء. وظهرت اختلافات في مستوى الهرمونات الأخرى، مثل الهرمون المنبِّه للجريب (FSH)، والهرمون الملوتن (LH)، والبرولاكتين، في الجماعات المختلفة.

وخلص الباحثان: إلى أن للصيام أَثَراً مفيداً في تكوُّن المنويات، إما من طريق محْوَر التأثير الهرموني، بين تحت المهاد، والغدة النخامية والخصية (Hypothalamo - Pitiutary - Testicular Axis)، أو من طريق التأثير المباشر، في الخصيتَين، وقد لاحظ الباحثان من إحصائيات المستشفى، أن عدد حالات الحَمْل تصل إلى معدَّل كبير، في شهر شوال.

أمّا عن الصيام الطبي، فقد أُجرِي بحث في مستشفى ماستشوست، في الولايات المتحدة الأمريكية، على ستة أشخاص أصحاء. وأوضح البحث أن صيام مدة محدودة (عشرة أيام)، صياماً متواصلاً، أدّى إلى انخفاض كبير في مستوى هرمون الذكورة، (التيستوستيرون)، وبالتالي أدَّى إلى إضعاف الرغبة الجنسية، ولكنه تأثير مؤقَّت، وقد انتهى مفعوله بعد ثلاثة أيام من التغذية، وارتفع مستوى الهرمون في اليوم الرابع، إلى مستوى أعلى مما كان عليه قبْل بدء الصوم. وهذا يوضح أن تأثير الصوم في الرغبة الجنسية يمر بمرحلتَين:

الأولى: انخفاض الرغبة الجنسية، أثناء فترة الصيام، ولأيام قليلة بعدها.

الثانية: ارتفاع مستوى القدرة الجنسية وتحسُّنها، بعد انتهاء فترة الصوم، إلى مستوى أفضل، مما كانت عليه قبْل بدء الصوم

ج. أما مَرْضَى السكري، فقد أُجرِيتْ عدة أبحاث لمعرفة أَثَر الصيام في حالتهم المَرَضِيّة، وإذا ما كانت هناك مضاعفات للصوم، أو صعوبة في التحكم، في معدَّل السكر في الدم، كما يتوقع البعض.

وفي بحث أُجرِي[8] على 47 مريضاً من مَرْضَى البول السكري غير المتعلق بالأنسولين (Insulin Independent)، مع جماعة ضابطة (Control group) من الأصحاء، حيث تم دراسة وزْن الجسم، والبروتين السكري، وخضاب الدم السكري، قبْل رمضان ـ وخلص الباحثون، فور انتهائه، إلى أن صيام رمضان، لا يسبب أي فقدان في الوزن، عند هؤلاء المَرْضَى، وليس له أي أَثَر يذكر في التحكم في مرض السكري، النوع الثاني. وقد أشار بحث في برمنجهام بالمملكة المتحدة[9]، أن هناك تغّيراً قليلاً في التحكم في مرض السكري، عند المسلمين الصائمين، وأن عدد المَرْضَى المراجعين، لعيادات السكر قد تناقص، ولم تكن هناك زيادة، في احتجاز مَرْضَى السكري المرتفع، وغير المتحكَّم فيه، داخل المستشفى، خلال شهر رمضان.

وهذا يدُلّ على أنه ليس للصيام أَثَر سيّئ في مَرْضَى السكري.

د. وهناك بحث عن أَثَر الصيام الإسلامي في حموضة المعدة، وقد وجد الباحثون أن درجة الحموضة قد اعتدلت، عند كل المَرْضَى الذين يعانون قِلّة الحموضة (Hypochlorhydria)، أو زيادتها (Hyperchlorhydria)، مما يؤكد أن صيام رمضان، يخفف، ويمنع، حدوث الحموضة الزائدة، والتي هي أحد الأسباب الرئيسية لقرحة المعدة.

هـ. كذلك أثبتت الأبحاث، أن للصيام الإسلامي، أَثَراً جيداً في علاج أمراض الأوعية الدموية الطرفية الدقيقة، مثل مرض برجر، ورينود (Buerger’s Disesase & Raynouds Disease)، وقد أرجع الباحث ذلك الأَثَر إلى ما يأتي:

(1) تحريم التدخين، أثناء ساعات الصيام، حيث يلعب التدخين دوراً مهماً في مسببات تلك الأمراض.

(2) يعدُّ الصيام عاملاً مهدّئاً، ومثبّطاً، لعمل الجهاز العصبي الودي، (السمبثاوي). ومن المعروف، أن نشاط هذا الجهاز، يؤدّي إلى انقباض تلك الأوعية، وهذا من مسببات تلك الأمراض.

وقد أكّد بعض الأبحاث[10]، أن الصيام يقلّل من نشاط الجهاز العصبي الودي، مما يؤدي إلى انخفاض ضربات القلب، أثناء الراحة، انخفاضاً ملحوظاً، عنه في غير رمضان.

وهناك بحث عن تأثير صيام رمضان، في وظائف الكِلَى، عند الأشخاص الأصحاء، وعند المَرْضَى المصابين ببعض أمراض الجهاز البولي، أو بمرض تكوُّن الحَصَى الكلوي، وقد استنتج الباحثون، أن الصيام لم يؤثّر سلباً في جماعات المرضى، الذين شملتهم الدراسة، فضلاً عن التأثير المحتمل للصيام، في منع تكوين حصيات الكِلَى، عكس ما هو شائع عن الأطباء وغيرهم. كما أثبت بحث آخر على المَرْضَى الذين يعيشون على غسْل كلوي مزمن، ويصومون شهر رمضان، عدم وجود أي تغيّر في نسبة البولينا، والكرياتينين، والصوديوم، والبيكربونات، والفوسفور، والكالسيوم. ولكن وجد ارتفاع ملحوظ، في نسبة البوتاسيوم في الدم، وعزا الباحثون ذلك إلى تناول المشروبات الغنية بالبوتاسيوم بعد الإفطار.

كذلك أثبتت الأبحاث، عدم وجود أي آثار ضارّة في خلايا الدم الحمراء، أو تركيز الهموجلوبين، بها. سواء الأصحاء، أو مَرْضَى الخلايا المنجلية.

و. كما أثبت بحث آخر، عدم وجود أي آثار ضارّة للصيام، عند مَرْضَى القلب، الذين يتناولون علاجاً مضادّاً لتجلّط الدم. وقد كان المتوقَّع، حدوث آثار سلبية للصوم في التحكم في منْع التجلّط، بسبب الفقدان النسبي لسوائل الجسم، وانخفاض النتاج القلبي (كمية الدم التي يقوم القلب بدفعها ـ Cardiac Output)، وزيادة الإجهاد، فضلاً عن التغيّرات التي تطرأ على امتصاص الأدوية، واستقلابها. ولكن البحث على جماعة كبيرة، من أولئك المَرْضَى، أثبت عكس ذلك، ولم تظهر على أي منهم، أي من مضاعفات لانسداد تجلّطي.

أمّا عن الصيام وجهاز المَناعة في الجسم، فقد أُجرِيتْ تجاربُ على متطوعين، أثناء صيام رمضان، وأظهرت أثراً إيجابياً واضحاً، حيث تحسَّن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية، عشرة أضعاف. وعلى الرغم من أن العدد الكُلِّي للخلايا لم يتغير، إلاّ أن نسبة النوع المسؤول عن مقاومة الأمراض، (الخلايا التائية T- Lymphocytes)، ازداد كثيراً بالنسبة إلى الأنواع الأخرى، إضافة إلى ارتفاع محدود، في أحد البروتينات المناعية، (IGE)، وكذلك زيادة في البروتين الدهني منخفض الكثافة، (Low Density Lipoprotein)، من دون أي زيادة في النوع عالي الكثافة، (High Density Lipoprotein)، وهذا نمط له تأثير منشّط في الردود المَناعية.

هذه بعض الأبحاث التي أُجرِيتْ لمعرفة آثار الصيام الإسلامي، في وظائف الجسم. والتي تؤكد في مجموعها، فائدته لكثير من أعضاء الجسم، ووظائفها، بما يعود بالفائدة على صحة الإنسان، النفسية والجسمية. حيث يقضي المسلم شهراً كاملاً يتغير فيه نظام حياته، فتستريح أعضاء كثيرة في الجسم، مثل الجهاز الهضمي، والقلب، والجهاز الدَّوري، والجهاز العصبي، وغيرها من الأجهزة، التي يمثل إدخال الطعام على الطعام، عبئاً ثقيلاً عليها، كما تنشط أجهزة أخرى، كما يحدث في الاستقلاب، ونشاط بعض الغدد.

ولكن يجدر التأكيد على عاملَين:

أولهما: ضرورة التزام الإنسان بقواعد الصيام، وتحقيق الحكمة منه، بالإقلال من الطعام، والإكثار من العمل، عكْس ما يحدث الآن، من تكديس كل أنواع الطعام، وأشهاها، لشهر الصوم، والعُزوف على العمل بحجّة الصوم.

وثانيهما: ضرورة وضْع قواعدَ، وأُسُس، للأبحاث في مراكز الأبحاث المختلفة، للوصول إلى نتائج، تسهّل مقارنتها، والاعتماد عليها.

ولَعَلّ من المفيد ذكر آراء بعض الأطباء والعلماء المسلمين في فوائد الصيام الإسلامي:

أ. عن الصوم وعلاج الأمراض الجلدية

يقول أحد أساتذة الأمراض الجِلدية: "إن علاقة التغذية بالأمراض الجِلدية وثيقة جداً، فالامتناع عن الغذاء والشراب مدة ما، يقلّل من الماء في الجسم والدم، مما يؤدي إلى قِلّة الماء في الجِلد، وحينئذ تزداد مقاومة الجِلد للأمراض الجِلدية، المعدية، والميكروبية، والأمراض الجِلدية الالتهابية الحادّة، والمنتشرة بمساحات كبيرة، في الجسم. وأفضل علاج لهذه الحالات، من الوجهة الغذائية، إنما هو الامتناع عن الطعام والشراب لفترة ما. فقِلّة الغذاء تؤدّي إلى نقْص الكمية التي تصل منه إلى الأمعاء، مما يريحها، ويقلّل، من تكاثر الميكروبات بها. وعندئذ يقلّ نشاط تلك الميكروبات المعوية، ويقلّ إفرازها للسُّموم، ومن ثَم يقلّ امتصاص تلك السُّموم من الأمعاء. وهذه السُّموم، تسبب العديد من الأمراض الجِلدية. وشهر الصيام، هو شهر الهدنة، والراحة، من تلك السُّموم وأضرارها. كذلك فإن الصيام، علاج لأمراض زيادة الحساسية، وأمراض البشرة الدهنية".

ب. وعن الصوم والبَدانة وتصلّب الشرايين وهبوط القلب

يقول أحد أساتذة الأمراض الباطنية: "إن الصيام، كما سَنَّه رسول الله r، أي الإفطار على أقلّ شيء، وليكُنْ تمرات، والسحور على أكْل خفيف، هو خير علاج لتلك الأمراض".

ج. وعن الصوم والإدمان

يقول أحد أساتذة الطب النفسي: "أما بالنسبة لحالات الإدمان، بأنواعها المختلفة، فإن شهر الصوم، يساعد كثيراً في علاج هذه الحالات، خصوصاً، التي ظهر فيها الإدمان منذ فترة قصيرة. لأن الصوم، مع الإرادة القوية، يحقق عدم التعرض لتعاطي المواد المخدِّرة، مثل الأفيون، والحشيش، والهيروين، إلى غير ذلك من المواد الفتاكة، التي تخرّب على الإنسان دينه ودنياه". إن الاعتكاف في المسجد، مع الانشغال المستمر بالطاعات والعبادات، يجعل المؤمن في حالة من الطمأنينة، والراحة النفسية، مع الإحساس بالأمان والهدوء الداخلي، الذي قد يبعده عن الإحساس بالحنين، والحاجة إلى اللجوء لهذه السُّموم. ولا مانع أن ينتظم المدمن جنباً إلى جنب، مع العلاج النفسي، مع الاستفادة من صومه، وتردُّده على المسجد، في التخلص من عادته السيئة. وهنا يكون المسجد، بمثابة المَصَحّة النفسية، في العزل الجزئي للمدمن، خلال فترة المساء. أما في فترة النهار، فإن الصوم وحْدَه، كفيل بضمان حسن سير العلاج، والامتناع عن تعاطي المواد المخدِّرة.

د. وعن دَور الصوم الوقائي والعلاجي

يقول أحد أساتذة الأمراض الباطنية: "إن الصيام يستعمل طبياً في حالات كثيرة، ووقائياً في حالات أكثر. وإن كثيراً من الأوامر الدينية، لم تظهر حِكمتها، وستظهر مع تقدُّم العلوم. فلقد ظَهَر أن الصيام يفيد طبياً في حالات كثيرة وهو العلاج الوحيد في أحيان أخرى".

فالصيام يفيد في اضطرابات الأمعاء المزمنة، والمصحوبة بتخمّر، ويستعمل في تخفيف زيادة الوزن الناشئة عن كثرة الغذاء، وكذلك في زيادة الضغط. وأحد الأسباب المؤدية إلى ظهور مرض البول السكري، هو السِّمَن المفرطة. ولا يزال الصيام، مع بعض ملاحظات في الغذاء، أهم علاج لهذا المرض.

والصوم يعد علاجاً لالتهاب الكِلَى الحادّ، والمزمن، وأمراض القلب. والصيام يوماً كل شهر هو خير وقاية من كل هذه الأمراض.



[1] العالم آيتون سنكلير.

[2] الدكتور ماك فادون.

[3] لدكتور تيلدن.

[4] الدكتور جنز.

[5] تيسالوس وترال.

[6] للدكتور هوفمان.

[7] الدكتور نيكولاي.

[8] أجراه الدكتور رياض سليمان، وزملاؤه.

[9] لباربر، وزملاؤه.

[10] لخاليكو، وزملاؤه.