إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أركان الإسلام، وأثرها في عافية الإنسان، روحاً وجسداً




مد الجذع وثني الرجلين للجلوس
الارتكاز أثناء السجود
القدمين في النزل والقيام
ارتكاز القدمين أثناء الجلوس
ثني اليدين في السجود
ثني الجذع للأمام
ثني الجذع للسجود
ثني الرجلين
ثني الساعدين
تمرين التسليم
تمرين الجلوس
تمرين الركوع
تمرين السجود
تمرين الضغط المرحلة الأولى
تمرين الضغط المرحلة الثانية
تمرين القيام والنزول
تمرين القرفصاء
تمرين سيرازانا
دوالي الساقين
دفع الأرض باليدين
رفع الذراعين
في الوقوف
في الركوع
في السجود
فرد الجذع

نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص
مصادر الطاقة للتجويع المتوسط
مصادر الطاقة للتجويع الطويل
مفاصل زليلية
مقطع الجلد
الجهاز العصبي
الجمجمة والعمود الفقري
العضلات في الركوع
العضلات في حركة التسليم
تأثير الغدة النخامية
تحلل الجليكوجين الكبدي إلى جلوكوز
تحول جزء من الجلوكوز
حركة النزول والقيام
حركة العضلات في القدم اليمنى
عضلات الساعد الأيمن
عضلات الظهر في حركة الرفع
عضلات حركة الساق اليمنى
عضلات حركة الكف الأيسر
عضلات رفع اليدين




خامساً: الركْن الخامس: الحجّ

خامساً: الركْن الخامس: الحجّ

هو رحلة بدنية، وروحية، إلى بيت الله الحرام، يؤدّي فيها الحاج مناسك معينة، فيها من المشاعر الروحانية، ما يطهّر نفسه، ويملؤها صفاء ونقاء. والحجّ فريضة، فرضها الله على كل مسلم قادر ]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 97)

والحجّ ليس رحلة ترفيهية، ولكنه عبادة يُرجَى بها وجْه الله، سبحانه وتعالى، ويشترك فيها الجسد والروح، ويُبذل فيها المال.

وفيه الكثير من المنافع، الاجتماعية والاقتصادية، للأمة الإسلامية. وقد قيل في ذلك: "ولا يزال الحجّ، على مَرّ العصور، نظاماً لا يبارَى في توثيق عُرَى التفاهم الإسلامي، والتأليف بين مختلف طبقات المسلمين. وبفضْله يتسنّى لكل مسلِم أن يكون رَحّالة، مرة على الأقل في حياته، وأن يجتمع مع غيره من المؤمنين، اجتماعاً أخوياً، ويوحّد شُعوره مع شُعور سواه، من القادمين من أطراف الأرض. وبفضل هذا النظام، يتيسر للزنوج، والبربر والصينيين، والفُرس، والتُرك، والعرب، وغيرهم، أغنياء كانوا أو فقراء، عظماء أو صعاليك، أن يتآلفوا، لغة، وإيماناً، وعقيدة. وقد أحرز الإسلام نجاحاً، لم يتّفِق لِدِين آخر من أديان العالم، في القضاء على فوارق الجنس، واللون، والقومية، خاصة بين أبنائه. فهو لا يعترف بفاصل بين أفراد البشر، إلاّ الذي يقوم بين المؤمنين، وبين غير المؤمنين.

وإذا كان هذا القول، يشير إلى بعض فوائد الحجّ للأمة الإسلامية، فإنه يشير صراحة، أو ضمناً، إلى ملامح هذه الفريضة، التي تنعكس آثارها، على نفس المؤمن وروحه.

فعندما يكون المسلِم، رَحّالة مرة على الأقل في حياته، فإنه يستفيد من آثار تلك الرحلة، من صُحْبَة طيبة، واتّساع في مَدارِكه، وصبرْ على الشدائد. فيزداد الإنسان ثقة بنفسه، وإدراكاً لكلّ ما حوله.

وهذا التآلف بين جميع طبقات المسلمين، والذي لا يفرّق بين جنس وجنس، أو لون ولون، فالكل فيه سواء، أغنياؤهم وفقراؤهم، وأمراؤهم وعامّتهم، وما لهذا من أَثَر في النفس، يُشْعِرها بإنسانيتها، وينزع منها عوامل الحقد والضغينة، ويملؤها حُباً للآخرين، وإيثاراً لهم، ويمنحها الراحة، والوقاية من كثير من أمراض النفس، واعوجاجها، بما يحفظ للإنسان صحته النفسية.

وليس ما حلّ بالدول، التي مزّقتها العنصرية، على الرغم من ادّعائها للديموقراطية، وأَثَر ذلك في نفوس أبنائها، وما وصلوا إليه من انحدار في القِيم، ويأس من الحياة، وما أصابهم من أمراض نفسية، وبدنية، انعكست على حياتهم، فأدمنَوا المخدِّرات، واستباحوا الحرمات، وارتكبوا من الجرائم، ما تشمئز منه النفوس ـ إلاّ نتيجة اعوجاج نفوس هم، وقنوطهم ويأسهم، وإحساسهم بامتهانهم، وامتهان كرامتهم.

وهذا التآلف بين أرواح المسلمين، من أقطار الأرض، يعطي المسِلم إحساساً قوياً، بأن له أخاً في كل مكان على وجه الأرض، يشاركه مشاعره. فينتزع من قلْبه شعور الوحدة، ويزداد راحة، واطمئنانا.

هذه بعض ملامح هذه الرحلة المباركة. أمّا مناسك الحجّ المختلفة، فلها أَثَر عظيم في الإنسان، روحاً وبدناً. فإن المسِلم حين ينوي الحجّ، يعلَم أنه مُقبِل على عبادة، تحتاج إلى تطهير النفس، كما تحتاج إلى تطهير البدن. تحتاج إلى استقامة النفس، وتَخَلُّصها من كل ما علق بها من أمراض النفوس، يجب أن تعود النفس إلى فطرتها، من حُب، وسماحة، وإيثار، وعفو، وتسامح، فيُصِلح الإنسان ما فَسَدَ بينه وبين إخوانه، حتى يقِبل على تلك الرحلة، وقد استراحت نفسه، واطمأنت روحه، فيستعد بذلك لرحلة طيبة.

فإذا ما أَحْرَم بالحجّ، ولَبِس تلك الثياب البسيطة، غير المخيطة، يلفّ بها نفسه، كما كان الإنسان يفعل في بدء حياته، حيث لا مدنية ولا اختراعات ـ يدخل بذلك مرحلة جديدة تَقْوَى فيها نفسه، وتَعْظُم إرادته، وتَهُون أمام عينَيه زينة الدنيا. يتذكر بذلك يوم خروجه، من هذه الدنيا، وليس له منها إلاّ مِثل هذه اللفائف. فتتواضع نفسه، وتخلع عنها لِباس الَعظَمَة والكبرياء والغرور، وكلها من أمراض النفوس. ويشعر، كذلك، بِنِعَم الله عليه، وما سخرّ له من أسباب الراحة، والسعادة، في الملْبس والمأْكل والمْركب، وغير ذلك، من أمور الدنيا. فإذا ما وصل إلى البيت العتيق، وطاف بين إخوانه، من كل بقاع الأرض، انتابه شعور عظيم بالطمأنينة، والراحة، والصفاء. شعور بالقرب من خالقه، شعور لا يدرك كُنْهَه إلاّ من جرَّبه. وشعور بالوحدة الإسلامية، مما يزيد المؤمن، قوة إلى قوّته. ثم يشرب من ماء زمزم، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ماشياً ومهرولاً، حوالي ثلاثة كيلومترات (سبعة أشواط).

وفي كل ذلك، حركة ونشاط للنفس، والبدن. فالنفس تموج بمشاعر متعددة، وهي تُوالي الدعاء والاستغفار، وأعضاء الجسم كلها تتحرك في سَعْيها، وطوافها، فتزداد نشاطاً وقوة، وتتناسق حركة النفس، مع حركة الجسد. والدليل على عظَمة تلك اللحظات، أن الإنسان، مهما أصابه من جَهد، أو ألمَّ به من نَصَب، في هذه الرحلة، وتلك المناسك المتوالية، لا يكاد يشعر بشيء من ذلك كله. لأنه مع استغراق الروح في ذلك الجو الديني، وسموّها، واندماج المراكز العليا في المخ، وتركيزها في أداء تلك المناسك، وحرص الإنسان على تمامها، وحسن أدائها، تزداد قدرة الجسم على التحمُّل فلا يشعر الإنسان بِنَصَب أو مَلَل، بل يصبح ذلك مصدر راحة وسعادة له.

فإذا ما خرج إلى مِنى، ثم عرفات، ووقف ذلك الموقف العظيم، وهو يَشعر باقترابه من قمة النقاء، والصفاء النفسي، ويُناجي ربّه بما شاء، ليس بينهما وسيط ولا ترجمان، ومع نهاية هذا اليوم، وذلك الموقف، وقد أَفْضى الإنسان إلى ربّه، بكلّ ما أراد، وأفشى إليه كلّ ما أَخفَى، وهو سبحانه، أعلم بما أَخْفَى وأعلن ـ عندئذ يشعر الإنسان، أنه قد وضع عن كاهله، حِملاً ثقيلاً، كان يؤرّقه، ودفع عن نفسه مشاعر الإحساس بالذنب، والتقصير، مع ربّه، ومع نفسه، ومع إخوانه، ويستشعر مغفرة الله وعفوه.

ثم يرجع من ذلك الموقف المَهِيب إلى شعيرة أخرى من شعائر تلك الرحلة المباركة، وهي رجْم إبليس، معلناً بذلك خالص طاعته لخاِلقه، معاهداً إياه على مقاومة كّل شر يلمّ به، وكلّ وسوسة تجول بخاطره، تدعوه إلى سوء، أو تجره إلى معصية، أو تدفعه إلى ظلم، لنفسه أو لأحد من خلْق الله. ويكرر ذلك الرجم عدة مرات، في أيام معدودة، مؤكِّداً العزم، ومجِّدداً العهد. ثم يعود من حيث بدأ طوَّافاً بالبيت، ساعياً بين الصفا والمروة، شارباً من ماء زمزم، فرحاً سعيداً بتلك اللحظات، وقد امتلأت روحه بالإيمان.

ويقول أحد علماء النفس[1]، إن أعظَم علاج للقلق، ولا شك، هو الإيمان الصادق بالله، الذي لا بد منه لمعاونة المرء على العيش. ويضيف أن أمواج المحيط المُصْطَخِبَة، لا تعكِّر قَطّ، هدوء القاع العميق، ولا تقلق أمنه. وكذلك المرء، الذي عمّق إيمانه بالله، لا تعكّر طمأنينة التقلبات السطحية المؤقتة. فالرجُل، المتديِّن حقاً، آمِن من القلق، محتفِظ دائماً بإيمانه، مستعد دائماً لمواجهة ما قد تأتي به الأيام، من صُروف ونوازل.

ويقول آخر[2]: أثناء أدائه هذا الركن المبارك، وهو جالس أمام الكعبة يتساءل: "هل للكعبة دَور في الصحة النفسية؟" فيجيب نفسه، قائلاً: الكعبة حصن الأمان النفسي. وزائر الكعبة، حاضر القلب مع الله، يراه الأكبر الأعظم، الأعلى، المُدبِّر لكل الطاقات، والواهب لكل النِّعَم. وهذا منتهى الأمن، أن يكون الإنسان مع الله، الحفيظ العليم. والأمن والأمان هما حقيقة الصحة النفسية، عندما يتوقف الصراع، وتصل النفوس الإنسانية، إلى السكينة والطمأنينة. وزائر الكعبة، يغتسل ما شاء الله له أن يغتسل، وتَقْوَى إرادته، وتنضج، وهو يعقد العزم على الزيارة، ويَقْوَى على السفر، والطواف، والسعي، والهرولة، وشرب ماء زمزم، ثم الجلوس للتأمل والتدبُّر.

وكل هذه أُسُس الصحة النفسية، إرادة صادقة معقودة على الهدف، استعمال جيد للماء والنظافة، وتلطيف الأجهزة العصبية، بهذا التنبيه الجيد لها، وغيره كثير. ثم أعمال جسمية، مصحوبة بحضور نفسي، وهي ممارسات علاجية، لوظيفة الإنسان، ثم سعي وتكليف بذلك، في حدود المشي أربعة كيلومترات عند السعي، يتخلّلها هرولة، توقظ طاقات الإنسان، وتشدّ عضلاته، وكيانه، وشرب ماء زمزم إبان هذه العبادات، وبعدها، ثم الجلوس للتدبُّر، والتفكير، كلُّها أُسُس وفيتامينات للصحة النفسية.

"والوصول إلى الكعبة بعد رحلة السفر الطويلة، سعادة نفسية، يشعر بها هؤلاء السائحون الراغبون في التعبّد، وأداء الحمد والشكر لله. إن كل خطوة في سياحتهم، تقوم بها أجسامهم، ونفوسهم، ظاهِرهم، وباطِنهم، هي سياحة نفسية علاجية للجسم والنفس معاً، وتؤدّي إلى سلوك ذي خُلُق مُستمَدّ من قِيم الإسلام، وتعاليمه السمحة، هذا بعض من عَلاقة الصحة النفسية بالكعبة".

في صدد علاقة الصحة النفسية بالصحة البدنية من خلال الجهاز العصبي والغدد، يظهر أنه إذا سَلِمت النفس من القلق، والتوتر، والاضطراب العصبي المتكرر، حدث توازُن في الجهاز العصبي وإفرازات الغدد، وانعكس ذلك على أعضاء الجسم المختلفة، فكان ذلك وقاية من كثير من الأمراض النفسية، والعصبية، والأمراض الجسدية، التي يعود سببها إلى اضطرابات نفسية وعصبية. ويؤدي الإيمان والتدين دوراً مهماً في سلامة الصحة النفسية والبدنية. ويؤكد أحد الأطباء[3] هذه الحقيقة حيث يقول: "استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية، أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر، وعالجت مئات كثيرة من المَرْضَى، فلم أجد مريضاً واحداً من مَرْضَايَ، الذين كانوا في المنتصف الثاني من عمرهم، أي جاوزوا سِنَّ الخامسة والثلاثين، لم تكن مشكلته في أساسها، هي افتقاره إلى وجهة نظر دينية في الحياة، وأستطيع أن أقول، إن كل واحد منهم قد وقع فريسة المرض، لأنه فقد ذلك الجوهر، الذي تمنحه الأديان القائمة في كل عصر لملتزميها. وإنه لم يتم شفاء أحد منهم، إلاّ بعد أن مارس، وأخلص في أعماله، الدينية في الحياة".

هذا بعض ما وصل إليه العِلم الحديث، بإمكاناته البحثية، وتجاربه، وخلاصة القول: إن الحكمة العُظْمى من تلك الفرائض، هي عبادة الله وطاعته، وهذا ما يفيد المسلِم في إيمانه، وأدائه لتلك الفرائض والسُّنَن. فإذا ما كانت هناك فائدة دنيوية، فهي فضل من الله، ونعمة لعباده، الطائعين، فتبارك الله رَبّ العالمين.



[1] الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليم جيمس.

[2] الدكتور جمال ماضي أبو العزايم أستاذ الأمراض النفسية.

[3] العالم الطبيب كارل يونج.