إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أسماء الرسول، عليه الصلاة والسلام









3

3. تعدد أسماء النبي r

لمّا كانت كثرة الأسماء، تدل على شرف المسمى، والاحتفاء به، والإشادة بذِكره؛ لما تتضمنه من نعوت وأوصاف، فإنه من الضروري، أن تكثر أسماء النبي r كثرة، تلائم ما كان عليه، من كمال الخصال، وعظائم الشمائل والأوصاف، من: النسب، والجمال، والقوة، والعلم، والحلم، والشجاعة، والسماحة، والفضل، والقدر؛ ذلك الكمال الخلقي، الذي يستحيل تحققه لأحد غيره؛ لذلك، يعد أحد أدلة نبوته؛ هذا إلى جانب ما خصه به الله، من فضيلة: النبوة والرسالة، والخلة والمحبة، والاصطفاء، والإسراء، والرؤية، والقرب والدنو، والوحي، والشفاعة، والوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود، والبراق والمعراج، والبعث إلى الناس كافة، والصلاة بالأنبياء، والشهادة على الخلق، والسيادة على ولد آدم، ولواء الحمد، والأمانة والهداية، والرحمة للعالمين، وإتمام النعمة وكمال الدين، والعفو عما تقدم وتأخر، وشرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، ونزول السكينة، والتأييد بالملائكة، وإيتاء الكتاب والحكمة والسبع المثاني، وصلاة الله والملائكة، ووضع الآصر والأغلال، والقسم باسم النبي r، وإجابة دعوته، وعصمته من الناس، وانشقاق القمر، والنصر بالرعب .. إلى آخر ما هناك من مراتب السعادة والحسنى والزيادة، التي تقف دونها العقول، وتحار فيها الأذهان.

وقد اختلفت الآراء في عدد أسمائه. فأحصى القاضي ابن العربي المالكي، الوارد منها وروداً ظاهراً بصيغة الأسماء البينة، فبلغ سبعة وستين اسماً. وذكر القاضي عياض تسعة وتسعين اسماً. وقال السيوطي، في "الخصائص الكبرى"، إنها ثلاثمائة وأربعون اسماً، لكنه أورد، في "الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخلقية"، ثلاثمائة وسبعة أسماء فقط. وقريب من العدد، ما أحصاه النووي، في تهذيب الأسماء، إذ وقف على ثلاثمائة وبضع وأربعين اسماً. أما شمس الدين السخاوي، فأوصلها إلى أربعمائة وثلاثين اسماً.

لكن هناك من توسع في عدد أسماء النبي r، فقال ابن فارس، إنها ألفان وعشرون أسماً. وحكى ابن العربي، عن بعض الصوفية، أنها ألف اسم.

ويرجع هذا التفاوت الكبير في عدد الأسماء، إلى اختلاف مناهج المصنفين؛ فمنهم من يحصي الأسماء الواردة بصيغة الاسم وروداً ظاهراً بيناً، مثل القاضي عياض. ومنهم من يعمد إلى أفعال النبي، فيستخلص منها أسماء؛ وهو شأن أكثر المصنفين، كالنووي، والسيوطي، والسخاوي، وغيرهم، ممن يستقصون الآثار والأحاديث والآيات القرآنية، التي دارت معانيها حول النبي، فيفهمون المراد منها،ويستنبطون وصفاً، يعدونه اسماً للرسول r.

أمّا الذين أوصلوا أسماء النبي r إلى ألف أو أكثر، فأولئك يزيدون على ما سبق، الإكثار من التفريغ، والاشتقاق من الصفة الواحدة أكثر من اسم. ولذلك، فلا تعارض بين هذه الأعداد الواردة لدى المصنفين، إذا ما أخذنا في الحسبان، أن من هذه الأسماء علمان فقط، أحدهما "أحمد"، سمّاه الله تعالى قبل أن يولد، وهو الذي بشر به عيسى u ]وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ[ (سورة الصف: الآية 6). والآخر هو الذي حمله، وعُرِفَ به، ونودي به، منذ ولادته، وهو "محمد" r.

أمّا الأسماء الأخرى فهي صفات، قد صارت أعلاماً عليه، بغلبة الاستعمال في حقه، واختصاصه بها، حتى نسيت الوصفية فيها.

وهذا هو أحد أسباب وقوع الترادف في اللغة، وهو استعمال الكلمة في معناها الاسمي، حتى تنسى الوصفية فيها، فيصبح للشيء أسماء كثيرة، منها اسم واحد فقط، والبقية صفات. لذلك، كان اسم "محمد" أوضح هذه الأسماء وأشهرها، للدلالة على الذات، ابتداء بالوضع، ولكونه جامعاً للصفات، التي تفرقت بين الأسماء الأخرى، فهو مرجعها، وهي متضمنة فيه.

وهذا ما ذهب إليه أبو على الفارسي، حينما كان في مجلس سيف الدولة الحمداني، في حلب، ومعه جماعة من أهل اللغة؛ فقال ابن خالويه: أحفظ للسيف خمسين اسماً. فقال أبو علي: ما أحفظ له إلاّ اسماً واحداً، وهو السيف. فقال ابن خالويه: فأين المهند والصارم … إلخ؟ فقال أبو علي: هذه صفات، أمّا السيف فهو واحد، كما قال المتنبي.

فقلـت ألا إن السـيوف كثـيرة                   ولكـن سـيف الدولـة اليـوم واحــد

لكن، يظل هناك إشكال، يحتاج إلى جواب، وهو أن تعدد أسماء النبي r، على النحو السابق، لا يتفق مع حديثه] لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ. وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ. وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي. وَأَنَا الْعَاقِبُ[(صحيح البخاري، الحديث الرقم 3268).

وقد أجاب السيوطي على ذلك قائلاً:

أ. إن الحديث سابق لإطلاع الله تعالى على بقية الأسماء.

ب. إن لفظة "خمسة"، ليست في كل الروايات؛ فلعلها من كلام الراوي وليست من كلام النبي.

ج. إن العدد لا يعنى الحصر؛ كحديث السبعة، الذين يظلهم الله بظله. فقد وردت أحاديث أخرى بزيادة بعض الخصال على السبع، مثلما ورد في صحيح مسلم  ]مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ. أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5328). فهاتان الخصلتان، غير السبع، المذكورة في حديث السبعــة المشهور.

وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر

تتبعت، بعد ذلك، الأحاديث الواردة في مثل ذلك، فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعاً، وردت بأسانيد جيدة، ونظمتها في بيتين، تذييلاً على أبي شامة، وهما:

وزد سـبعة : إظـلال غــاز وعونـه              وإنظار ذي عسـر، وتخفيـف حملــه

وإرفـاد ذي غـرم، وعـون مكاتـــب             وتاجر صـدق في المقـال وفعلــــه

د. قد يراد بالعدد هنا تخصيص المشهور، والسائد من الأسماء.

وزاد الفاضل بن عاشور، وجهاً لطيفاً آخر، هو: إن هذه الأسماء، هي المتعلقة بكليات الإسلام الخمس: الإيمان، الإسلام، والإحسان، والنسخ، والختم. ففي اسم "محمد"، معنى امتثال أحكام الشريعة، في العبادات والمعاملات؛ وهو معنى الإسلام. وفي اسم "أحمد"، إشارة إلى حمد الله ـ تعالى ـ على نعمه واستحقاقه العبادة لذاته؛ وهو معنى الإحسان. وفي اسم الماحي، معنى محو الكفر، الذي بمحوه يفتح الباب للإيمان. أما الحاشر، فيشير إلى ختم الرسالة. والعاقب يفيد ذلك المعنى، كذلك، كما يفيد معنى نسخ الرسالات السابقة.

لكن هذا الجواب، فيه مبالغة في التعليل؛ لأن الإيمان والإسلام والإحسان مراتب ودرجات، لأتباع محمد. أما النسخ والختم، فهما من خصائص رسالته؛ فالجوانب مختلفة.

وأجوبة السيوطي الأربعة السابقة وجيهة. ويضاف إليها، أن في هذا الحديث نفسه دليلاً على تعدد الأسماء؛ لأن الحديث أخبر باسمين علمين، هما أحمد ومحمد، وبثلاثة أوصاف للنبي، مما يعد توجيهاً منه باشتقاق أسماء له من صفاته وأفعاله، وخصائص رسالته، ووظائفه، تصبح أعلاماً عليه، بعد ذلك، بغلبة الاستعمال.