إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / حقوق الإنسان في الإسلام









مقدمة

7. حقوق الإنسان المتعلقة بحق الإقامة والارتحال

من حق كل إنسان أن ينتقل من مكان إقامته ويرجع إليه. كما أن له أن يرحل ويهاجر من موطنه، ثم يعود إليه، من غير تضييق عليه أو تعويق له: ]هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ[ (سورة الملك: الآية 15)، ]قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا[ (سورة النساء: الآية 97).

فقد حث الإسلام على السعي في الأرض وعمارتها، وهو يكفل في سبيل ذلك حرية الارتحال والإقامة. وفي الوقت نفسه، لا يجوز إجبار شخص على ترك موطنه، ولا إبعاده عنه من غير سبب شرعي، ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ[ (سورة البقرة: الآية 217).

ومن هنا، كان فضل المهاجرين من الصحابة لسابقتهم في الإسلام، ولاضطرارهم إلى ترك موطنهم، وقد بين الله تعالى فضلهم فقال ]فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ[ (سورة آل عمران: الآية 195)، وقال: ]لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ[ (سورة الحشر: الآية 8)، فبين بذلك مدى جرم إخراج الإنسان من دياره وأمواله. وقال تعالى: ]الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ[ (سورة الحج: الآية 40)؛ فبين أن لا يجوز أن يُخْرَج الإنسان من موطنه بغير حق.

فقد كفل الإسلام للفرد حريته في التنقل، من مكان إلى مكان كما يشاء. كما منع التزاحم في الطريق، تأميناً لهذه الحرية، ولئلا يؤدي ذلك إلى عرقلة انتقال الناس في غدوهم ورواحهم.

كما أجاز للأفراد السفر إلى خارج الدولة والعودة إليها من دون عائق.

وتأكيداً لحسن استعمال الطرق في الغدو والرواح، قال النَّبِيِّ r: ]إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2285).

وقد كان المحتسب يعمل على كفالة حق الغدو والرواح. فكان لا يجيز لأحد إخراج جدار داره أو دكانه فيها، إلى الممر المعهود. وكذلك كل ما فيه أذى، أو إضرار على السالكين كالميازيب الظاهرة من الحيطان في زمن الشتاء، ومجاري الأقذار الظاهرة من الدور في زمن الصيف إلى وسط الطريق، بل يأمر المحتسب أصحاب الميازيب أن يجعلوا عوضها سهلاً محفوراً في الحائط، مكلساً يجرى فيه ماء السطح، وكل من كان في داره مخرج للأقذار إلى الطريق فإنه يكلفه سده في الصيف، ويحفر له في الدار حفرة يجتمع فيها.

على أن حرية الانتقال، قد ترد عليها بعض القيود إذا ما اقتضى ذلك الصالح العام. وذلك لدواعي الصحة، أو الأمن العام، أو الآداب العامة.

فعن رسول الله r: ]الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3214). فتقييد حرية التنقل، كان لمصلحة عامة هي عدم نشر الوباء، كما ورد في أخبار عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه منع كبار الصحابة، من الخروج من المدينة، إلاّ برخصة. ففي تاريخ الطبري أن مما زاد الدين صيانة، والفقه صراحة، زمن عمر، أنه كان منع المهاجرين وكبار الصحابة الخروج والانتشار في الأقطار، التي فتحت. فما كان يسمح لهم من مفارقة المدينة إلاّ برخصة منه مؤقتة بضرورة، فكانوا أهل شوراه، وبسبب ذلك قل الخلاف وتيسر الإجماع في كثير من المسائل.

فكان هذا القيد مما تمليه المصلحة العامة، من جمع كبار الفقهاء والصحابة في عاصمة الخلافة، ليسهل تبادل الرأي وتتيسر المشورة. وهذه ضرورة اقتضت ذلك القيد. فلمّا اتسعت الدولة الإسلامية في عهد عثمان t، سمح بالسفر والانتشار في الأرض، حتى ينتشر العلم في البلدان، فعادت حرية التنقل إلى سيرتها الأولى.

ويلاحظ أن هذا القيد كان في فترة مؤقتة، ولفئة معينة، فلا ينطبق على باقي الناس. ولا ينفّذ في جميع الأزمان، فالضرورة ـ كما يقول الأصوليون ـ تقدر بقدرها، فإذا ما انتهت الضرورة، وجب العودة إلى الوضع الأصلي.

ومن القيود على حرية الإقامة، ما ورد من حظر دخول الكفار مكة، وعدم إقامة أهل الذمة، من اليهود والنصارى وكذلك المجوس، في شبه الجزيرة العربية. يقول الله تعالى، في سورة براءة: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا[ (سورة التوبة: الآية 28). فقد نزلت سورة براءة، بعد أن عاد النبي r، من غزوة تبوك، إذ كان الروم قد جهزوا جيوشهم قبيل هذه الغزوة على أطراف شبه الجزيرة العربية، التي كان وجود المشركين فيها تهديداً دائماً للعقيدة الإسلامية.

وقد بينت الآيات أسباب هذا الإجراء ضد المشركين، بما قدّموا للمسلمين من إيذاء، وبما يحملون لهم من ضغن وغل، وما يبيتون لهم من شر، وبنكثهم عهودهم وأيمانهم مع النبي r، يقول الله تعالى: ]أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ[ (سورة التوبة: الآية 13). فهدف إجلائهم عن شبه الجزيرة العربية، تأمين المعسكر الإسلامي، ممن يكيدون له، ويتربصون به الدوائر، ويخونون معه العهود، ويحيكون له الدسائس، من داخل معسكره حتى يتمكن من مواجهة أعدائه، خارج الجزيرة وهو مطمئن إلى مؤخرته.

وتنفيذاً لذلك قال رسول الله، r: فيما روته عَائِشَةَ: ]قَالَتْ كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ قَالَ لاَ يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 25148).

كما أجلى عمر أهل الذمة من الحجاز، فلحق بعضهم بالشام، وبعضهم بالكوفة، وأجلى أبو بكر قوماً فلحقوا بخيبر.

على أن بعض الفقهاء يرون، أن عدم إقرار المشركين وأهل الذمة على البقاء في شبه الجزيرة العربية، إنما يقصد به وجودهم كجماعات، لأن تكتلهم هو علة إخراجهم. أمّا وجودهم كأفراد فليس محظوراً. فيرى الحنفية أن قرارهم بالحجاز يجوز مطلقاً إلاّ المسجد. وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة أو مسافرين.

وقال الإمام الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلاً، إلاّ بإذن الإمام لمصلحة المسلمين، والنظر فيما تعود عليهم به منفعته، وكذلك يجوز دخولهم لأداء رسالة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية، أو نحو ذلك من الأسباب، فيعطيهم الإمام أو نائبه أماناً ما داموا مترددين في دار الإسلام، وحتى يرجعوا إلى مأمنهم وموطنهم وكذلك إذا طلبوا أن يسمعوا كلام الله. يقول الله تعالى: ]وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ[ (سورة التوبة: الآية 6).

وهكذا يقرر النظام الإسلامي الحرية الشخصية بأوضح معانيها، ما دامت في حدود الحق والعدل والخير. فإذا ما تعارضت الحرية مع الحق أو العدل أو الخير، وقفت رعاية الإسلام لها.