إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / حقوق الإنسان في الإسلام









مقدمة

9. حقوق الإنسان المتعلقة بمقصد العقل

أ. حق إبداء الرأي

كما كفل الإسلام حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير، عما يعتقده الإنسان، كفل أيضاً حرية إبداء الرأي في كافة الأمور الدنيوية، غير ذات الصبغة الدينية. واحترم الإسلام العقل، وحفزه على الفكر والإبداع الحقيقي.

وقد كان النبي، r، أكثر الناس مشاورة لأصحابه؛ عملاً بقوله تعالى له: ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (سورة آل عمران: الآية 159). وليس مبدأ الشورى في حقيقته، إلاّ احتراماً لحق إبداء الرأي. ولهذا، فإبداء الرأي في الإسلام حق مكفول، لا يستطيع أحد أن ينتزعه.

وقد أولى الإسلام حرية الرأي عناية كبرى، باعتبارها الوسيلة إلى إعلان الدعوة ومواجهة الناس بها، وعرضها عليهم. وقد كان النبي، r، يعرض دعوته على القبائل في بلادهم، وعلى جبل الصفا، ليعلن كلمة التوحيد.

وكان أسلوب الدعوة قائماً على المناقشة والحجة، باعتبارهما مظهراً لحرية الرأي. وفي ذلك يقول الله تعالى: ]لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[ (سورة الأنفال: الآية 42)، ]إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا[ (سورة يونس: الآية 68)، ]وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ[ (سورة الأنعام: الآية 83).

وقال تعالى في قصة فرعون: ]قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ[ (سورة الشعراء: الآيات 23 ـ 30).

وحرية الرأي هي التي تؤدي إلى إفحام الخصم واعترافه، وانكشاف الحق وإزالة الشبهة يقول الله تعالى: ]وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[ (سورة النحل: الآية 125). والقرآن من أوله إلى آخره، محاجة مع الكفار. وفي ذلك ما يبين قيمة الرأي، واعتماد الإسلام عليه في بيان الحجة، وإيراد الدليل.

وحرية الرأي كفلها الإسلام للجميع، حُكاماً ومحكومين. ودعا إلى تحمل الإيذاء في سبيلها، والاستشهاد دونها. فعن رسول الله r أنه قال: ]لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1930).

والناظر إلى ما جرى في سقيفة بنى ساعدة، لاختيار خليفة رسول الله، r، يجد أروع تطبيق لحرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية المناقشة، وذلك فيما جرى بين المهاجرين والأنصار، وحجة كل منهم في اختيار الخليفة. وكان ذلك تصويراً لأول مجلس نيابي في الإسلام، نوقش فيه اختيار الخليفة.

والحرية في الإسلام مكفولة لاعتناق الآراء والتعبير عنها، حتى ولو كانت مخالفة لرأي الجماعة، ما دامت لا يفرضها أصحابها بالقوة.

القيود على حرية الرأي

تتحدد القيود على الحريات العامة، تبعاً لمدلول فكرة النظام العام، التي تسود النظم السياسية المختلفة. فالنظام العام، هو مجموعة المصالح الأساسية للجماعة، أي مجموع الأسس والدعامات، التي يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها، بحيث لا يتصور بقاء هذا الكيان سليماً، من دون استقراره عليها.

والقيود على الحريات العامة، تقررها القاعدة القانونية. وتبعاً لذلك، فإن هذه القيود تتسع وتضيق تبعاً لمدلول فكرة النظام العام، التي تكون في إطار المذهب السياسي للدولة. ولم يطلق الإسلام حرية الرأي بلا ضابط، وإلاّ كان في ذلك الفتنة والفوضى، بل وضع للحرية ضوابط، وحدد لها حدوداً بحيث يقف في سبيلها إذا ما استهدفت الفتنة أو خيف منها الفرقة، أو ألحقت ضرراً بالآخرين، أو خدشاً لكرامتهم أو تعريضاً بهم.

فإذا تعدت حرية الرأي نطاقها، فاعتدت على الأخلاق أو الآداب أو النظام العام، أو تجاوزت حدود الفضيلة، ووجب ردها إلى عقالها. فإذا مُنع الفرد من الخوض فيما يمس هذه الأشياء، فقد مُنع من الاعتداء، ولم يُحرم من حق.

كما لا يجوز أن تصل حرية الرأي، إلى نشر الأهواء والضلالة والبدع. يقول أحد الفقهاء: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء، لفروا منه فرارهم من الأسد.

وقد حظر الإسلام الخوض في أعراض الناس، وإذاعة أسرارهم، فليس ذلك من حرية الرأي في شيء. لذلك شرع حد القذف، وهو ثمانين جلدة، لمن يخوضون في أعراض الناس، ويرمون بالإفك، يقول سبحانه وتعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ[ (سورة النور: الآية 19).

ومن القيود على حرية الرأي، عدم جواز المراء والمجادلة بدعوى حرية الرأي. فهما معصية، فضلاً عما فيهما من إيذاء للغير. فعن أنس بن مالك أن رسول الله r قال: ]مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاَهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1916).

ب. حق التربية والتعليم

إذا كان البر والإحسان في المعاملة، حق الآباء على الأولاد؛ فإن التربية الصالحة، حق الأولاد على الآباء.

ولكل إنسان ـ ذكر أو أنثى ـ الحق في أن يتعلم. وطلب العلم واجب على الجميع، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : ]طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 220).

فعلى المجتمع أن يتيح فرصة التعلم والاستنارة لكل إنسان، ولكل إنسان أن يختار ما يتوافق مع مواهبه وقدراته الذاتية، فعن عَبْدِاللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: ]قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6996).