إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث العاشر

ذكر أمم أُهلكوا بعامه، وقصة يونسu

أولاً: أصحاب الرس

هم أهل قرية من القرون الأولى أُهلكوا بعامه، وورد ذكرهم في القرآن الكريم مرتين في سورتي (الفرقان، ق).

ففي سورة الفرقان، قال الله تعالى: ]وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا(38)وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا[ (الفرقان: الآيتان 39,38).

وفى سورة ق، قال الله تعالى: ]كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ(12)وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ(13)وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُسل فَحَقَّ وَعِيدِ[ (ق: الآيات 12-14). (اُنظر خريطة أصحاب الرس)

وتعددت الروايات في تعريف هؤلاء القوم وقصتهم، فقد روى ابن جرير عن ابن عباس أن أصحاب الرس هم أهل قرية من قُرى ثمود، وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في أول تاريخه، عند ذكر بناء دمشق، أن أصحاب الرس بعث الله إليهم نبياً، يُقال له "حنظلة" بن صفوان، فكذبوه وقتلوه. وقال إن أصحاب الرس قبل قوم عاد بدهور طويلة، والله أعلم.

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الرس بئر بأذربيجان، وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال: الرس بئر رسوا فيها نبيهم أي: دفنوه فيها، كما قال ابن جريج: قال عكرمة: أصحاب الرس "بفلج" وهم أصحاب يس، وقال قتادة: "فلج" من قرى اليمامة.

وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش: إن أصحاب الرس كانت لهم بئر، وكان لهم ملك عادل، حسن السيرة، فلما مات حزنوا عليه حزناً عظيماً، ثم تصور لهم الشيطان في صورته، وقال إني لم أمت، ففرحوا أشد الفرح، وأمر أن يُضرب حجاب بينهم وبينه، وأخبرهم أنه لا يموت أبداً، فصدق به أكثرهم، وافتتنوا به وعبدوه، فبعث الله فيهم نبياً، قيل هو "حنظلة بن صنوان" فكشف لهم ما وسوس لهم به الشيطان، ونهاهم عن عبادة ملكهم، وأمرهم بعبادة الله وحده، وعدم الإشراك بها، قال السهيلي: ثم ما لبثوا أن قتلوا نبيهم، وألقوه في البئر، فغار ماؤها وقل، ويبست أشجارهم، وتَلَفت ثمارهم، وخربت ديارهم، وتفرقوا وتشتتوا، وهلكوا عن آخرهم.

وقد روى ابن جرير رواية، لعلها قد أخذت من كلام محمد بن كعب القرظي والله أعلم، وهذه الرواية تقول إن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية، فلم يؤمن به من أهلها سوى عبد أسود، ثم إن أهل القرية هجموا على النبي، وألقوه في بئر، ثم أطبقوا عليه بحجر أصم، فكان ذلك العبد الأسود يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، ويشتري به طعاماً وشراباُ، ثم يأتي به إلى البئر، فيرفع الصخرة، ويدلي إلي النبي طعامه وشرابه ثم يردها كما كانت، حتى كان يوماً فجمع حطبه وحزم حزمته، فأخذته سِنة فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنيه سبع سنين نائماً، ثم إنه ذهب فتمطى فتحول لشقه الآخر، فاضطجع ثانية، فضرب الله على أذنيه سبع سنين أخرى، ثم استيقظ وهو يحسب أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى قرية فباع حزمته كالعادة، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع، ثم إنه ذهب إلى البئر، فلم يجد النبي، وكان في هذه الفترة أن جاء القوم، واستخرجوا نبيهم وآمنوا به وصدقوه، وكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود، فيقولون له: ما ندري، حتى قبض الله النبيu.

وهذه الرواية ردها ابن جرير نفسه حيث أنكر علاقة هؤلاء القوم والعبد الأسود بأصحاب الرس، حيث قال: لا يجوز أن نحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس المذكورون في القرآن، لأن الله أخبر أنه أهلك أصحاب الرس، وهؤلاء آمنوا بنبيهم فلا يجوز القول بأنهم قد أُهلكوا، اللهم أن يكونوا قد آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم، والله أعلم بحقيقة قصتهم، لكن لزم التنويه عن الروايات التي ذُكرت بشأنهم.

ثانياً: أصحاب القرية "قوم يس"

قال تعالى: ]وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ(13)إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ(14)قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ(15)قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ(16)وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(17)قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(18)قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(19)وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(22)ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءَالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ(23)إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(24)إِنِّي ءَامَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ(25)قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26)بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(27)وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ(28)إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ[ (يس: الآيات 13-29).

اشتهر عند كثير من السلف أن القرية هي "أنطاكية"، كما روى أن أصحاب القرية كان لهم ملك اسمه "أنطيخس بن أنطيخس" كان يعبد الأصنام، فبعث الله إلى تلك القرية ثلاثة من الرُسل هم: صادق ومصدوق وشلوم، فكذبوهم. (اُنظر خريطة أصحاب القرية)

ضرب الله مثلا للناس بأصحاب تلك القرية ورسلها، إذ أرسل الله إلى أصحاب القرية رسولين فكذبوهما فعززهما بثالث، قال تعالى: ]وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ(13)إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ(14)[ (يس: الآيتان14,13).

إن قصة أصحاب القرية تبين طرازاً من الناس لا يفلح معهم رسول واحد، ولا رسولان اثنان ولا ثلاثة، فذلك الطراز من البشر لا يفلح معه المنذرون ولا الناصحون، فسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وها هو قد أرسل إليهم رسولاً ثالثاً ليكون دعماً وتأييداً لهما (أي للرسولين اللذين سبقاه)، وليبين لهؤلاء القوم أنهم رسل من عند الله جاؤوهم ليبلغوهم رسالة ربهم، قالوا: ]إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ[(يس: الآية 14)، وقالوا إن الله هو الذي أمرهم بذلك، و ما جاؤوهم من عند أنفسهم، ومهمتهم هي البلاغ المبين، قالت الرسل: )رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ(16)وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ(17)( (يس: الآيتان 16، 17).

هذا ما قالته رسلهم لهم، غير أن جحودهم وتكذيبهم لهم، جعلهم يستنكرون أن يكون هناك رسل من البشر، وقالوا بأنهم يكذبون: )قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ((يس: الآية 15)، لقد قالوا كما قالت الأمم الكافرة لرسلهم من قبل، يستبعدون أن يبعث الله نبياً بشراً مثلهم، وقالت الرسل إنَّ الله يعلم أنهم مرسلون من عنده، ولو كانوا يكذبون لعاقبهم الله على ذلك، فقالوا لرسلهم: ] إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(18)قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(19)[ (يس: الآيتان 18، 19)، أي تشاءمنا بكم وبما جئتم به، ثم توعدوهم بالرجم إن لم ينتهوا عن ذلك، أو ليمسنهم منهم عذاب أليم.

وقالت الرسل لهم تشاؤمكم مردود عليكم، فما أذنبنا!!، وهل تلك مكافأتكم لمن ينذرونكم ويدعونكم إلى ربكم؟، إنكم قوم متكبرون، جهلاء، لا تقبلون الحق، ولا تريدون النصح.

ويبين القرآن الكريم لمحة مضيئة في قصة أصحاب القرية، تلك اللمحة عن رجل جاء من أقصى المدينة، لم يذكر القرآن اسمه، إنما ذكر أنه جاء من أقصى المدينة يسعى، فلما رأى الحق أمامه، تكلم به، ولم يبال بما يحدث له، إن هذا الرجل جاء يسعى لنصرة رسل الله، فعقله مشغول بالآخرة، جاء ليؤيد دعوة رسل الله فكان جزاؤه من قومه القتل، إنه رجل صالح، دعا قومه كما دعوة الرسل، كأنه رسول، وما هو برسول، فلما رأوه يؤيد الرسل، ويناصرهم قتلوه، فأصبح شهيداً، حياً، عند ربه يرزق، قال تعالى: ]وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(22)ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءَالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ(23)إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ(24)[(يس: الآيات 21-24) دعا الرجل القوم إلى اتباع المرسلين، مبيناً لهم أن هؤلاء المرسلين يدعونهم إلى الحق بلا أجر، وأن عليهم عبادة الله تعالى وحده، وعدم الشرك به، فما يعبدون من أصنام وأوثان لا تنفعهم شيئاً، ولا تضرهم، ولا تملك الشفاعة لهم، ثم بين لهم أنه إن ترك عبادة الله، وعبد ما سواه كما يريدون، فقد ارتكب ذنباً عظيماً، وأصبح من الضالين ضلالاً مبيناً.

ثم قال للرسل: ]إِنِّي ءَامَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [(يس: الآية 25)، أي اشهدوا لي بها عند ربكم، وقيل معناه: فاسمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة، فعند ذلك قتلوه، قال بعضهم: رجماً، وقال آخرون: وثبوا إليه وثبة واحدة فقتلوه.

إن الرجل ينقل لنا مشاعر الشهيد بعد استشهاده مباشرة، ما يبين لنا أنه لم يمت حقاً، بل هو حي عند ربه يرزق، يتمنى أن يعلم قومه ما حدث له عقب قتله، يريد أن يعلم قومه أنه حي، وأن الله قد وعده بالجنة، قال تعالى: ]قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ[، يعني لما قتله قومه أدخله الله الجنة، فلما رأى ما فيها من النضرة والسرور قال: ]يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26)بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ[ (يس: الآيتان27,26).

قال ابن عباس: نصح الرجل قومه في حياته بقوله: ]يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ[ (يس: الآية 20)، وبعد مماته في قوله ]يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26)بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ[ (يس: الآيتان27,26) تمنى أن يعلم قومه ما عاينه وشاهده من الكرامات عند الله، وما هو عليه الآن بعد أن فارقهم! قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله، وما أرسل عليهم جنداً من السماء، وما كان الله لينزلهم عليهم، فإن أمرهم لا يستحق نزول جند من السماء ليقاتلوهم، فهم تكفيهم صيحة واحدة ليصبحوا من بعدها خامدين بلا حراك، قال تعالى: ]وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ(28)إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ[ (يس: الآيتان 28،29).

قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريلu فأخذ بعضادتي الباب الذي لبلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون، أي قد أخمدت أصواتهم، وسكتت حركاتهم، ولم يبق منهم عين تطرف.

ثالثاً: قوم تبع

ورد ذكرهم في القرآن الكريم في سورتَي (الدخان، ق), ففي سورة الدخان، قال تعالى: }أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ{ (الدخان: الآية37)، وفى سورة ق، قال تعالى: )كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ(12)وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ(13)وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ(14)( (ق: الآيات 12- 14).

قال ابن كثير: هم قوم سبأ، أهلكهم الله، وخرب ديارهم، وشردهم، وشتت شملهم، قال: كانوا كلما جاءهم ملك سموه تبعاً، فكلمة تُبَّع تعني ملك أو حاكم أهل اليمن كقولهم فرعون مصر, وقيصر الروم, وكسرى الفرس, وخليفة المسلمين, واتفق على أن أحد تبابعتهم خرج من اليمن، حتى وصل سمرقند، فاشتد ملكه، وعظم سلطانه وجيشه، واتسعت مملكته، وكثرت رعاياه, كما اتفق أيضاً على أنه مر بالمدينة المنورة في أيام الجاهلية، وأراد قتال أهلها، فمانعوه، وكانوا يقاتلونه بالنهار، ويقرونه بالليل، فاستحيا منهم، وكف عنهم، واستصحب حبرين من أحبار اليهود، كانوا قد نصحوه بعدم مقاتلة أهل تلك البلدة، لأنها ستكون مهاجر نبي يأتي في أخر الزمان، فلما اجتاز مكة أراد أن يهدم الكعبة، فنهياه عن ذلك أيضاً، وأخبراه بقدسية البيت وعظمته، وأن هذا البيت سيكون له شأن عظيم على يد النبي المبعوث في أخر الزمان، فاستجاب لهما، وعظم البيت وطاف به، وكساه كسوة عظيمة، ثم رجع إلى اليمن، فلما وصل إليها دعا أهلها إلى اليهودية، وكان على دين موسىu، في ذلك الوقت قبل بعثة عيسىu، فتهود معه عامة أهل اليمن، وفى كتاب السيرة للإمام محمد بن إسحاق قال: إنه ملك دمشق، وقيل إن رسول اللهe نهى عن سبه، أو لعنه أي "تُبَّعْ": حيث قالe: لا تسبوا تبعاً فإنه كان مؤمناً, وظل قومه على الإيمان حتى مات، فلما مات عاد قومه مرة أخرى لعبادة النار والأصنام، فعاقبهم الله على ذلك، قال سعيد بن جبير: كان تُبع هو الأوسط، واسمه "أسعد أبو كريب بن مليكرب اليماني", وقد صار ملكاً على قومه ثلاثمائة وستا وعشرين سنة، وتوفي قبل بعث النبيe بنحو سبعمائة سنة، وقيل: كان له ابنتان ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله. (اُنظر خريطة قوم تبع)

رابعاً: يونس u

هو يونس بن متىu، ويسميه أهل الكتاب يونان بن أمتاي، وقد ذُكر في القرآن الكريم 4 مرات في سورة (النساء، الأنعام، يونس، الصافات)، باسم "يونس", كما ذكر في سورة القلم باسم "صاحب الحوت"، لقوله تعالى: ]فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ[ (القلم: الآية 48)، وفى سورة الأنبياء باسم "ذي النون"، لقوله تعالى: )وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ( (الأنبياء: الآية87).

وقد ذُكرت قصته في سورتي الأنبياء والصافات، فقال علماء التفسير: إن الله قد بعث يونسu إلى أهل نينوى من أرض الموصل بالعراق (اُنظر خريطة بعثة يونسu)، وهذه البلدة ذكرها عداس خادم بستان الطائف لرسول الله r حين ذهب الرسولe إلى أهلها يطلب النصرة، فأخبره عداس بأنه من "نينوى"، ورد عليه رسول اللهe وقتها: إنها ]قرية العبد الصالح[ أي يونسu، وقال عنهe أيضاً: ]إنه نبي وأنا نبي[ أي إن يونس نبيu مثل محمدe، وكان e يقول لأصحابه لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من يونسu، روى ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيe قال: )لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى( (صحيح البخاري: 3163).

كان قوم يونسu يعبدون الأصنام، وكان يونسu ينهاهم عن عبادتها، وكان يدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار، وظل ذو النون ينصح قومه غير أنهم لم يستجيبوا له، ولجوا في تكذيبه، وأصروا على شركهم وعبادة أصنامهم، وجاء يوم أحس فيه يونسu باليأس من قومه، وامتلأ قلبه بالغضب منهم، فقد تحجرت قلوبهم، وصموا آذانهم، فقرر هجرتهم، وخرج من قريته مغاضباً، قال تعالى: )وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ( (الأنبياء: الآية87)، ظن يونسu  أن الله سبحانه وتعالى لن يضيق عليه، وأنه سبحانه وتعالى سيبعثه إلى قوم أكثر طاعة، وأسرع استجابة من قومه هؤلاء.

1. إيمان قوم يونسu ونجاتهم من العذاب

عندما خرج يونسu مغاضبأ قومه لم يكن يعلم أنهم سيؤمنون من بعده، غير أنه لو مكث فيهم وبقي معهم لعلم ذلك الأمر، لقد دفعه قومه إلى الخروج من بينهم فخرج كرهاً لهم ولأفعالهم، فلم يؤمن به ويتَبعه منهم أحد، قيل إنه لما خرج من بين ظهرانيهم تحققوا من نزول العذاب، أي رأوا علاماته (لم يروا العذاب نفسه)، قال الزجاج لم يروا العذاب نفسه، لأنهم لو رأوه وعاينوه، ثم تابوا وقتها، لما قبل الله منهم توبتهم، كما لم يقبلها من فرعون من قبل، حين عاين العذاب وهو يغرق، فآمن برب هارون وموسى عليهما السلام، قال تعالى: ]فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ[ (يونس: الآية 98).

عذب الله كل القرى السابقة حين عصوا أنبياءهم ورسلهم، إلا قوم يونس لما آمنوا كشف الله عنهم العذاب ومتعهم إلى حين، قيل إن يونسu أخذ يدعوهم تسع سنين، فلما خرج من بينهم مغاضباً، ألقى الله في قلوبهم التوبة والإنابة، ففرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا جميع المظالم إلى أهلها، وتابوا إلى الله وندموا على ما كان منهم من تكذيب نبيهم ولبسوا المسوح[1]، وصرخوا، وتضرعوا إلى الله، وبكى الرجال والنساء والبنون، بل جأرت الأنعام والدواب والمواشي، ورغت الإبل وفصلانها[2]، وخارت[3] البقر وأولادها، وثغت[4] الغنم وحملانها، حتى كان الرجل يخلع الحجر الذي وضعه أساساً لبيته فيقتلعه ليرده إلى صاحبه، وقد روى عن ابن عباس أن العذاب كان على بعد ثلثي ميل منهم، وقيل على بعد ميل، وأنهم غشيتهم ظلة فيها حمرة، فلم تزل تدنو منهم حتى أحسوا بحرها فوق أكتافهم، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فلما صحت توبتهم وإنابتهم كشف الله العذاب عنهم، بعد أن دار العذاب فوق رؤوسهم كقطع الليل المظلم، وقد اختلف المفسرون هل ينفعهم هذا الإيمان في الدار الآخرة كما نفعهم في الدنيا، والراجح أنه، إن شاء الله، نعم، يؤكد ذلك قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الصافات: ]فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ[ (الصافات: الآية 148)، فإمتاع الله لهم إلى حين في الحياة الدنيا، لا ينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الأخروي، والله أعلم.

2. يونسu في بطن الحوت

خرج يونسu من بلده مغاضباً قومه، فركب سفينة في البحر، فلجت بهم، واضطربت وماجت، وكادوا يغرقون، فتشاوروا فيما بينهم فوق السفينة أن يقترعوا بالأسهم على من يلقوه في البحر ليهدأ، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه، فلما اقترعوا وقع السهم على نبي الله يونسu، فأعادوها ثانية، فوقعت عليه أيضاً، فشمر ليخلع ثيابه، ويلقي بنفسه، فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة ثالثة، فوقعت عليه أيضاً، ذلك لأن الله يريد له ما لابد منه.  

قال الله تعالى: ]وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(139)إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(140)فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ(141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ[ (الصافات: الآيات 139-142)، وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقوه في البحر، فأرسل الله عز وجل من البحر حوتاً عظيماً فالتقمه، وأمر الله تعالى هذا الحوت بألا يأكل له لحماً، ولا يهشم له عظماً.

روى ابن جرير في تفسيره أنه لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى إليه (أي الحوت) أن خذه ولا تخدش فيه لحماً ولا تكسر له عظماً، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونسu حساً، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: أن هذا هو تسبيح دواب البحر، قال: فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة! قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح، الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، قال: تشفعوا له.

ولما استقر يونسu في بطن الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت، فإذا هو حي، فخر لله ساجداً وقال: يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يعبدك أحد في مثله، وقد اختلفوا في فترة مكثه في بطن الحوت، فمنهم من قال: مكث فيه ثلاثاً، ومنهم من قال: سبعاً، ومنهم من قال: التقمه الحوت ضحى ولفظه عشية، ومنهم من قال: أربعين يوماً، وهذا لا يبعدنا عن المقصود من قصته أو العبرة منها، فالله تعالى أعلم بمقدار ما لبث يونسu في بطن الحوت.

3. رحمة الله بيونسu

سمع يونسu تسبيح الحيتان للرحمن، وسمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، ورب السموات السبع والأرضين السبع، وما بينهما، وما تحت الثرى[5]. فعند ذلك وهنالك قال بلسان الحال والمقال، كما أخبر بذلك الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر والنجوى، قال وهو أصدق القائلين: ]وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ[ (الأنبياء: الآيتان 88,87)، قيل إن الظلمات التي كانت حوله ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.

وفى قوله تعالى: ]فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ(143)لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[ (الصافات: الآيتان 144,143)، أي لولا أنه سبح الله وقال ما قال من التسبيح والتهليل والاعتراف لله بالخضوع، والتوبة إليه والرجوع، للبث هناك إلى يوم يبعثون.

هناك قول بأن المقصود بكلمة (فلولا أنه كان من المسبحين) أي المصلين الذاكرين قبل حبسه بداخل الحوت للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، هكذا وجد يونسu نفسه في ظلمات، فنادى في الظلمات (أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين), فاستجاب الله له ونجاه من الغم, وكذلك ينجى الله المؤمنين، قال ابن عباس عن رسول اللهe، قال: ]يَا غُلاَمُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ[ (مسند احمد: 2666), فبسبب تسبيحة يونسu في بطن الحوت أخرجه الله تعالى مما كان فيه من الغم.

فقد أمر الله الحوت أن يُخرجه من جوفه فقذفه إلى الساحل، قال الله تعالى: ]فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ(145)وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ(146)[ (الصافات: الآيتان 145، 146)، أي ألقاه الحوت بالعراء، وهو المكان القفر الذي ليس فيه نخل ولا أشجار، وكان يونسu ضعيفاً وهناً من شدة ما كان فيه، قالوا إن الشجرة التي أنبتها الله عليه هي شجرة قرع (قثاء).

قال بعض العلماء: إن في إنبات (القرع) على بدنه حِكمة جمة، منها أن ورق القرع في غاية النعومة وكثير وظليل ولا يقربه الذباب، كما يؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نياً أو مطبوخاً، وبقشوره أو ببذوره أيضاً، ومنها أن فيه نفعاً كثيراً وتقوية للدماغ وغير ذلك، وهذا من رحمة الله به ونعمته عليه وإحسانه إليه، ولهذا قال تعالى: ]فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ[ (الأنبياء: الآية88), أي من الكرب والضيق الذي كان فيه، ]وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ[ (الأنبياء: الآية88)، أي هذا صنيعنا بكل من دعانا واستجار بنا.

وعن ذلك قال سعد بن أبى وقاص: ]قَالَ رَسُولُ اللَّهِe دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ{ (سنن الترمذي: 3427).

وقصة ذي النون تبين لنا أهمية الصبر على حكم الله، وعدم التعجل في الحكم على الأشياء، وقد أمر الله عز وجل رسوله الكريمe، بالصبر على حكم الله، وعدم تعجل الأمور، أو تعجل حكم الله، وقد بين لنا الله أن لولا رحمته بيونسu وهو في بطن الحوت، لنُبذ بالعراء وهو مذموم، فرحمة الله له هي التي أخرجته من بطن الحوت غير مذموم، قال تعالى: ]فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ(48)لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ(49)فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ[ (القلم: 48-50).

ذُكر أن الله بعد أن أخرج يونسu من بطن الحوت، أرسله إلى قومه مرة أخرى، وكانوا مائة ألف أو يزيدون، فوجدهم قد آمنوا بالله جميعاً، وأن الله قد متعهم إلى حين بعد أن تابوا وتاب الله عليهم، قال تعالى: ]وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ(147)فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ[ (الصافات: الآيتان 148,147)، تبين الآيات أن قومه كانوا مائة ألف لا محالة، أما عن الزيادة، فقد قال ابن عباس: كانوا مائة ألف وثلاثين ألفاً، وقال سعيد بن جبير: كانوا مائة ألف وسبعين ألفاً، والله تعالى أعلم.

4. ذكر فضل يونسu

عن ابن عباس عن النبيe قال: }لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى{ (صحيح البخاري: 3144)، وهذا من باب التواضع منه صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله المرسلين، ويونسu منهم، قال تعالى: ]وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ[ (الصافات: الآية 139)، وقد ذكره الله تعالى في سورتي النساء والأنعام في جملة الأنبياء الكرام عليهم أفضل السلام.



[1] المسوح: الملابس الخشنة وفراء الحيوانات.

[2] رغت الإبل: أي صاحت، وفصلانها: أولادها، جمع فصيل.

[3] الخوار: صوت البقر.

[4] الثغاء: صوت الغنم.

[5] كما قال تعالى: ]وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ[ (الإسراء: الآية 44)، سبحانك ربي وبحمدك.