إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

ثالثاً: نزول القرآن الكريم

نزل القرآن الكريم على النبي r عقب بعثته، في ليلة من ليالي رمضان، في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة، وانتهى نزوله قبيل وفاته r.

ومن الثابت أن القرآن نزل مفرقاً، ولم ينزل دفعة واحدة، ولم يكن تفريقه على نسق واحد، بل كان ينزل منه في بعض الأحيان الآية، وفي أخرى الآيتان أو الثلاث أو العشر، وتارة تنزل السورة كاملة. وذلك حسب ما تدعو إليه الحاجة، وما تقضي به المناسبة. ففي حادثة الإفك، نزلت عشر آيات جملة واحدة، كما نزلت عشر آيات من أول سورة المؤمنين جملة واحدة أيضاً. كما صح نزول قوله تعالى: ]غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ[ (سورة النساء: الآية 95)، وحدها وهي بعض آية، وكذلك قوله تعالى: ]وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة[ً (سورة التوبة: الآية 28)، وهي بعض آية، نزلت بعد نزول أول آية.

وقد قال المشركون: ]لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً[ (سورة الفرقان: الآية 32)، فرد الله سبحانه عليهم، مشيراً إلى الحكمة في هذا التفريق: ]كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً[ (سورة الفرقان: الآية 32). ففي هذه الآية برزت الحكمة من إنزال القرآن منجماً، أي مفرقاً، وهي تثبيت قلب النبي، وإمكان ترتيل القرآن. ويدخل في ذلك سهولة حفظه، واستمراره لوقت طويل، مع إيراد القدر المناسب للسبب. ويورد السّيوطي حكمة لإنزال القرآن مفرقاً هي: أنّ هذا التفريق والنزول على التدريج أدعى إلى قبوله، خلافاً لنزوله جملة واحدة، خشية أن ينفر من قبوله كثير من الناس، لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي.

وفي تحديد الزمن الذي نزل فيه القرآن، ورد قوله تعالى: ]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[ (سورة البقرة: الآية 185)، وقوله: ]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[ (سورة القدر: الآية 1)، وقوله تعالى: ]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ[ (سورة الدخان: الآية 3). فإن الآيتين الأخيرتين تدلان على أنه نزل جملة واحدة في ليلة القدر، وهي ليلة من ليالي رمضان، كما دلّ على ذلك جملة الأحاديث، التي ربطت بين شهر رمضان وليلة القدر.

وينقسم العلماء في هذا الأمر إلى فريقين: فريق يرى أن المراد "بنزول القرآن"، ابتداء النزول أي أول آية، لا نزوله جملة بكل سورة. ويعتمدون في ذلك إلى أن هذا المعنى هو الذي يتبادر إلى الذهن، والذي لا يصح صرف الكلام عنه، حتى يقوم دليل خلافه. وبهذا المراد تتفق الآيات، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على أن القرآن نزل منجماً، (أي مفرقاً) لا دفعة واحدة، كما يتناسب مع كون القرآن حدثاً مهماً في تاريخ البشرية. فقد أحدث انقلاباً يستحق أن يؤرخ له بالوقت الذي ابتدأ نزوله فيه.

أمّا الفريق الأخر، فيرى أن المراد هو " نزول القرآن " دفعة واحدة من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: ]وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً[ (سورة الإسراء: الآية 106).

وأكثر العلماء يرجّحون الرأي الأول.

1. كيفية نزول الوحي على رسول الله r

الوحي هو كلام الله المنزّل على رسوله، بواسطة وبغير واسطة. وقد بيَّن ابن قيم الجوزية، أن للوحي مراتب عديدة:

أ. الرُّؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه،  وكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح. 

ب. ما كان يُلْقيه المَلَكُ في روعه وقلبه من غير أنّ يراه الرسول. أو قد يَحَلُّ عليه الوحي مثل صلصلة الجرس. فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، t سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ: ]يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 2). 

ج. أن يتمثل له المَلك على هيئة بشرٍ، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحياناً.

د. رؤيته لجبريل في صورته، التي خُلق عليها، فعَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ]كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ، r عَنْ هَذِهِ قَالَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا إِلاَ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 24800) . وفي سورة النجم: ]وَلَقَدْ رَءاَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى[ (سورة النجم: الآيتان 13، 14).

هـ. ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج، من فرض الصلاة وغيرها.

و. خطابه لنبيه بلا واسطة مَلك، كما كلّم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة ثابتة لموسى قطعاً بنص القرآن، وكذلك لنبينا، r في حديث الإسراء.

2. أول ما نزل من القرآن

اختُلف في أول ما نزل من آي القرآن الكريم، يقول السّيوطي: روى الشيخان وغيرهما عن عائشة، قالت: "أول ما بدىء به رسول الله، r من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبّب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء، فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها، فتزوّده لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ. قال رسول الله r فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني (أي ضمني) حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[ (سورة العلق: الآية 1)، حتى بلغ: ]مَا لَمْ يَعْلَمْ[ (سورة العلق: الآية 5)، فرجع بها رسول الله r ترجف بوادره.

وهناك أقوال أخرى في أوليات النزول، يشير بعضها إلى أوليات متعددة، باعتبار الظروف، وأولية النزول ابتداء، وأولوية النزول بعد فترة انقطاع الوحي، وغير ذلك.

فمن ذلك ما روي عن ابن عباس، قال: أول آية نزلت في القتال: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا[ (سورة الحج: الآية 39).

وأنّ أول ما نزل في الخمر، ما روي عن ابن عمر، قال: نزل في الخمر ثلاث آيات، فأول شيء: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ[ (سورة البقرة: الآية 219)، فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله، دعنا ننتفع بها، كما قال الله، فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى[ (سورة النساء: الآية 43)، فقيل: حرمت الخمر فقالوا: يا رسول الله، لا نشرب قرب الصلاة، فسكت عنهم، ثم نزلت: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة المائدة: الآية 90)، فقال رسول الله r حرّمت الخمر.

3. آخر ما نزل من القرآن

اختلف العلماء في تعيين آخر ما نزل من القرآن، واستند كل منهم إلى آثار فيها حديث مرفوع إلى النبي، r. ويُجمل السّيوطي ذلك بقوله: روى الشيخان عن البراء بن عازب، قال: آخر آية نزلت: ]يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ[ (سورة النساء: الآية 176)، وآخر سورة نزلت براءة (التوبة).

فعن الْبَرَاء بن عازب t أنّ: ]آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4239).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، t، أن: ]آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ، r، آيَةُ الرِّبَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4180).

وروى البيهقي عن عمر، t مثل قول ابن عباس. وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن: ]وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ[ (سورة البقرة: الآية 281)، وفي المستدرك عن أُبي بن كعب، قال: آخر آية نزلت: ]لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 128)، إلى آخر السورة.

وعن أبي كعب، أنهم جمعوا القرآن في خلافة أبي بكر الصديق  وكان رجال يكتبون، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة التوبة: ]ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ[ (سورة التوبة: الآية 127)، ظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال لهم أُبيّ بن كعب: إنّ رسول اللهr اقرأني بعدها آيتين: ]لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[ (سورة التوبة: الآيتان 128، 129)، وقال: هذا آخر ما نزل من القرآن.

وقيل آخر ما نزل من القرآن آية الدّين، وهي قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ[، (سورة البقرة: 282) إلى قوله: ]وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ (سورة البقرة: 282)، وهي أطول آية في القرآن.