إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

عاشراً: علم التفسير (اُنظر ملحق بعض المعارف التي وردت في القرآن الكريم)

نزل القرآن الكريم على الرسول r بلسان عربي مبين، فكان يبيّن أحكامه، فيفصل مجمله، ويقيد مطلقه، ويخصص عامه، ويوضح ناسخه ومنسوخه، ذلك لأن السُّنة هي المبينة الشّارحة لكتاب الله عزّ وجل: ]وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[ (سورة النحل: الآية 44).

فتفسير القرآن الكريم كان مصاحباً لنزوله، وقد بيّن الرسول القرآن، وفسّره لأصحابه في حياته. ثم تولى علماء الصحابة ـ من بعده ـ بيانه للتابعين. وقد اشتهر من الصحابة في التفسير: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأُبي بن كعب، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. وتخرّج في حلقات الصحابة كبار التابعين، الذين اشتهروا في التفسير أيضاً، مثل: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي، وغيرهم رحمهم الله.

وتتالى العلماء من بعدهم في مختلف العصور، يكملون ما بدأ به السابقون، ويستوعبون ما فاتهم على مناهج مختلفة في التفسير، كلها تبتغي بيان القرآن الكريم، والوقوف على أسراره. وقد وصلت إلينا ثروة علمية عظيمة في هذا الميدان، سوى ما فُقد من مؤلفات الأقدمين.

1. نشأة علم التفسير

اعتمد الصحابة، رضوان الله عليهم، في تفسير القرآن الكريم وبيانه، على ما روي عن الرسول r. وقد اجتهد بعضهم في تفسير ما لم يرد فيه عن الرسول تفسير أو بيان.

وفي عصر التابعين، نقل التابعون ما روي عن الرسول r وعن الصحابة في التفسير، كما اجتهد بعضهم في بيان ما لم يرد فيه شيء عن الرسول r أو أصحابه. وهكذا فعل إتباع التابعين، ومن تبعهم حتى عَظُمَ شأن التفسير.

وكان رجال الحديث هم المرجع في هذا؛ لأنهم حفظوا بالأسانيد ما روي عن الرسول r، وعن أصحابه والتابعين. لذلك، خصصت كُتب الحديث، أبواباً خاصة بالتفسير.

ثم استقل علم التفسير استقلالاً تاماً عن كتب الحديث، واشتهر فيه رجاله، وفرسانه. وعُرفت مناهجهم، ومدارس تفاسيرهم.

2. الحاجة إلى التفسير

إن العمل بتعاليم القرآن لا يكون إلاّ بعد فهم القرآن، والإلمام بمبادئه عن طريق تلك القوة الهائلة، التي يحملها أسلوبه البارع المعجز. وهذا لا يتحقق إلاّ عن طريق الكشف والبيان، لما تدل عليه ألفاظ القرآن ومعانيه، وأسباب نزول السور والآيات، وهو ما يُسمى "علم التفسير".

فالتفسير مفتاح هذه الكنوز والذخائر، التي احتواها الكتاب المجيد. ومن دون التفسير لا يمكن الوصول إلى هذه الكنوز والذخائر، مهما بالغ الناس في ترديد ألفاظ القرآن، وتوافروا على قراءته كل يوم مئات المرات، بجميع وجوهه التي نزل بها.

وسبب ذلك أن التفسير أساسي، لعمليتي التأمل والتدبر اللازمتين لفهم القرآن ومعرفة حِكمه وأسراره. فالله تعالى يقول: ]كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ[ (سورة ص: الآية 29)، ويقول سبحانه: ]أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[ (سورة محمد: الآية 24)، ويقول جل ذكره: ]وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[ (سورة القمر: الآية 17).

3. معنى التفسير والتأويل

أ. التفسير في اللغة

التفسير والفسر: الإبانة وكشف المُغطّى، وفي لسان العرب: الفسر كشف المغطى. والتفسير كشف المراد عن اللفظ المُشْكِل. وفي القرآن ]وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا[ (سورة الفرقان: الآية 33). أي بياناً وتفصيلاً.

ب. التفسير في الاصطلاح

"علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها، التي تُحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.

وقال الزركشي: التفسير علم يُفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد r وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه.

والتأويل في اللغة: مأخوذ من الأَوَل، وهو الرجوع إلى الأصل، يقال: آل إليه أَوْلاً ومآلا: رجع ويقال: أوّل الكلام تأويلاً وتأوله: دبره وقدره وفسره. وعلى هذا: فتأويل الكلام في الاصطلاح له معنيان:

(1) تأويل تأويل الكلام

بمعنى ما أوله إليه المتكلم، أو ما يؤول إليه الكلام ويرجع، والكلام إنما يرجع ويعود إلى حقيقته، التي هي عين المقصود. وهو نوعان: إنشاء وإخبار، ومن الإنشاء الأمر.

(أ) فتأويل الأمر

هو الفعل المأمور به، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآن[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4586). تعني قوله تعالى: ]فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[ (سورة النصر: الآية 3).

(ب) تأويل الإخبار

هو عين الأمر المُخْبَر به إذا وقع. كقوله تعالى: ]وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ[ (سورة الأعراف: الآيتان 52، 53). فقد أخبر سبحانه، أنه فصّل الكتاب، وأنهم لا ينتظرون إلاّ تأويله، أي مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه، من القيامة وأشراطها، وما في الآخرة في الصحف والموازين، والجنة والنار، وغير ذلك. فحينئذ يقولون: "لقد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل"؟.

(2) تأويل الكلام

أي تفسيره وبيان معناه، وهو ما يعنيه ابن جرير الطبري في تفسيره، عندما يقول: "القول في تأويل قوله تعالى كذا كذا" وبقوله: "اختلف أَهل التأويل في هذه الآية" فإن مراده اختلافهم في التفسير.

ج. الفرق بين التفسير والتأويل

اختلف العلماء في الفرق بين التفسير والتأويل. وفي ضوء ما سبق من معاني التفسير والتأويل، نستخلص أهم الآراء فيما يأتي:

(1) إذا افتُرض أن التأويل هو تفسير الكلام وبيان معناه، يكون التأويل والتفسير على هذا متقاربين أو مترادفين، فمن ذلك دعوة رَسُولَ اللَّهِ r لابن عباس: ]اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 2274).

(2) إذا افتُرض أن التأويل هو المراد نفسه بالكلام، فعلى هذا يكون الفرق كبيراً بين التفسير والتأويل، لأن التفسير شرح وإيضاح للكلام، ويكون وجوده في الذهن بفهمه، وفي اللسان بالعبارة الدّالة عليه. أمّا التأويل فهو الأمور الموجودة في الخارج نفسها، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، وهذا هو الغالب في لغة القرآن، يقول تعالى: ]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ[ (سورة يونس: الآيتان 38، 39)، فالمراد بالتأويل وقوع الشيء المُخْبَر به.

(3) وقد قيل: التفسير ما جاء في كتاب الله، أو صحيح السُّنة، مبيناً لآيات في القرآن الكريم؛ والتأويل ما استنبطه العلماء، ولذا قال بعضهم: "التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل ما يتعلق بالدراية".

(4) كما قيل: إن التفسير أكثر ما يستعمل في الألفاظ ومفرداتها، والتأويل أكثر ما يستعمل في المعاني والجمل، وقيل غير ذلك.

4. أقسام التفسير

قسّم العلماء التفسير إلى عدة أقسام: تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور أو المنقول، وتفسير بالدِّراية، ويسمى التفسير بالرأي أو المعقول. والتفسير الفقهي.

أ. التفسير بالمأثور

المقصود بالتفسير بالمأثور، هو كل ما ثبت بالنقل من بيان لآيات الله تعالى، بآيات من القرآن الكريم، وهو تفسير القرآن بالقرآن. أو ما ورد عن الرسول r من تفسير لآيات القرآن الكريم. ويلحق بهذا ما روي عن الصحابة، والتابعين، من بيان وإيضاح للقرآن الكريم.

(1) تفسير القرآن بالقرآن

منه قوله تعالى: ]وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[ (سورة البقرة: الآية 187)، فإن كلمة (من الفجر)، بيان وشرح للمراد من كلمة (الخيط الأبيض)، التي قبلها. وكذلك قوله تعالى: ]قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 23)، فإنها بيان للفظ (كلمات)، من قوله تعالى: ]فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْه[ِ (سورة البقرة: الآية 37)، على بعض وجوه التفاسير. ومنه قوله تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ[ (سورة المائدة: الآية 3)، فإنها بيان للفظ (ما يتلى عليكم)، من قوله سبحانه: ]أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ[ (سورة المائدة: الآية 1)، ومنه قوله تعالى: ]لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَءَامَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لاَّكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ[ (سورة المائدة: الآية 12)، فإنها بيان للعهدين في قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ[ (سورة البقرة: الآية 40)، الأول للأول، والثاني للثاني. ومنه قوله تعالى: ]وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ[ (سورة الطارق: الآيتان 2، 3)، فإن كلمة (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) بيان لكلمة (الطارق) التي قبلها.

وهذا القدر الوارد من تفسير القرآن بالقرآن، على سبيل التمثيل لا الحصر.

(2) تفسير القرآن بالسُّنة

ومما جاء في السنة شرحاً للقرآن، أنه، فَسّر الظلم بالشرك في قوله سبحانه وتعالى: ]الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 82)، وأيّد تفسيره هذا بقوله تعالى: ]إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ (سورة لقمان: الآية 13).

ومن أمثلة تفسير القرآن بالسنة، ما روي أَنَّ عَائِشَةَ، أم المؤمنين أنها كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ، إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ؛ فعندما سمعت النَّبِيَّ r يقول ]مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قَالَتْ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 100)، فقوله r "ذلك العرْض" تفسيراً لقوله تعالى: ]فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا[ (سورة الانشقاق: الآية 8).

وكذلك فسّر الرسولr القوة، في قوله سبحانه: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[ (سورة الأنفال: الآية 60)، بأنها الرمي.

(3) تفسير الصحابة والتابعين

يرى العلماء أن تفسير الصحابي، الذي شهد الوحي والتنزيل، له حكم المرفوع إلى النبي r، بما كان في بيّن النزول ونحوه مما لا مجال للرأي فيه.

أمّا ما يُنقل عن التابعين ففيه خلاف، فمنهم من اعتبره من المأثور، لأنهم تلقوه عن الصحابة غالباً، ومنهم من قال إنه تفسير بالرأي.

ب. التفسير بالرأي

هو تفسير القرآن الكريم في ضوء معرفة المُفسِّر للقرآن الكريم والسنة المُطهرة، مجتهداً، فيما لم يرد فيه تفسير، بالاستعانة بمناحي أقوال العرب وألفاظ العربية، ووجوه دلالتها، واستعمال العرب لها في مختلف تلك الوجوه، في أشعارهم وخطبهم.

ج. التفسير الفقهي

هو التفسير الذي يُعنى، بإبراز الجوانب الفقهية في آيات الأحكام، فجاءت المؤلفات فيه مركَزة على هذا الجانب.

وقد بذل العلماء على مدى القرون الماضية، جهوداً مقدّرة في تفسير القرآن الكريم. وكان من نتائج ذلك أن المكتبة القرآنية في علم التفسير، اتسع مداها؛ فشملت طائفة من المؤلفات في "التفسير بالمأثور"، و"التفسير بالرأي"، و"التفسير الفقهي"، فضلاً عن مؤلفات التفسير في الدراسات القرآنية (اُنظر ملحق أهم مصادر التفسير).