إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / يوم القيامة، في القرآن والسُّنة









شُبُهات

1. الموت

حقيقة الموت

إن الموت حقيقة واقعة، يراها البشر جميعاً أمامهم، تختلف أسبابه، ولكن حقيقته واحدة وهي انقطاع الإنسان عن الحياة الدنيا، وانتقاله إلى عالم آخر غير العالم، الذي كان يعيش فيه، ويعرفه العلماء بتعريفات كثيرة[1]، تدور حول انقطاع تعلق الروح بالبدن؛ فيذكر القرطبي تعريف العلماء له بأنه "ليس بعدم ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، والحيلولة بينهما".

وورد في التعريفات للسيد الجرجاني تعريف الموت بأنه: "صفة وجودية خلقت ضدا للحياة".

ويعرفه ابن مسكويه بأنه:" ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها، وهي الأعضاء، التي يسمى مجموعها بدنا، كما يترك الصانع آلاته".

ويربط الإمام الجويني بين تعلق الروح بالبدن والحياة، ومفارقة الروح للبدن والموت، فيقول:"والأظهر عندنا أن الروح أجسام لطيفة متشابكة في الأجسام المحسوسة، أجرى الله تعالى العادة باستمرار حياة الأجسام، ما استمرت حياة الأجسام متشابكة فيها، فإذا فارقتها يعقب الموت الحياة".

وكل هذه التعريفات تُجمع على أن الموت: هو توقف الحياة عن الإنسان في الدنيا. ولما كان هناك وجه شبه بين النوم والموت، يحسن بنا أن نشير إلى الفرق بين ظاهرة النوم والموت.

يقول الله تعالى: )اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون( (سورة الزمر: الآية 42) والمقصود بالآية، والله أعلم: أن الله تعالى يتوفى الأنفس عند النوم إلا أنه يمسك الأنفس، التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، لحين موتها.

أما وقوع الموت على البدن أو على النفس بمعنى الروح، فإن العلماء مختلفون في ذلك. يقول ابن العز الحنفي، في شرح العقيدة الطحاوية: اختلف الناس هل تموت الروح في النفس أم لا؟ فقالت طائفة: تموت؛ لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت، وقد قال تعالى: )كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ(، (سورة الرحمن: الآيتان 26، 27) وقال تعالى: )وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(، (سورة القصص: الآية 88).

قالوا: إذا كانت الملائكة تموت، فالنفوس البشرية أولى بالموت، وقال آخرون: لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان، قالوا: وقد دلت الأحاديث على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح لا نقطع عنها النعيم والعذاب.

ونذكر هنا عدة حقائق، قد ركز عليها القرآن الكريم بالنسبة إلى موت منها:

أ. أن الموت عام لكل البشر: يقول تعالى: )نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ(60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ( (سورة الواقعة: الآيتان60، 61)، ويقول تعالى: )أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا( (سورة النساء: الآية 78)، وهذه الآية تعني أن الناس، جميعاً، صائرون إلى الموت، لا محالة، ولا ينجو منه أحد كائنا من كان، حتى رسول الله،e فقد قال الله تعالى: )وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ( (سورة الأنبياء: الآية 34).

ب. الموت والحياة بأمر الله وحده: يقرر القرآن الكريم أن الموت لا يقع إلا بأمر الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( (سورة آل عمران: الآية 156).

ج. أن لكل نفس أجلاً معلوماً: يقول الله تعالى: )وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ( (سورة النحل: الآية 61)، وأن الأجل المقدر لكل إنسان لا يعلم زمانه ولا مكانه إلا الله وحده. يقول الله تعالى: )إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( (سورة لقمان: الآية 34)، يقول ابن كثير: ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، في بحر أو في بر أو سهل أو جبل. ويُروى حديث عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله، e قال: )إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً( (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2072).



[1] يذهب البعض إلى تعريف الموت بأنه إماتة الشهوات، ويسمون ذلك الموت الإرادي أو الموت الروحي، ولما كان غرضنا من البحث الحديث عن الموت بمعناه البدني، رأينا الاقتصار على التعريفات، التي تتحدث عن الموت بمعناه المتعارف عليه لدى الجميع وهو مفارقة الإنسان للحياة.