إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / يوم القيامة، في القرآن والسُّنة









14

15. الاستدلال على يوم القيامة

لقد أقام القرآن الكريم، والسنة النبوية، منهجاً متكاملاً في الاستدلال على يوم القيامة وما يقع فيه، وخاطب الله عز وجل الإنسان بكل الحجج والبراهين العقلية والمنطقية والعملية، وعرض شبه المنكرين، وفندها ورد عليها، وأثبت يوم القيامة بما لا يدع مجالا للشك أو الاعتراض أو الملاحظة، التي تلفت النظر عند من يتدبر القرآن الكريم في الاستدلال على البعث. وإن الله عز وجل لم يناقش قضية البعث من جهة واحدة، وإنما جاء إليها من جميع الجهات، فلم يخاطب عقول الفلاسفة وحدهم، ولا العلماء ولا العامة وحدهم، وإنما خاطب هؤلاء جميعاً، وقدم لهم الحجة الدامغة والدليل المفحم والشاهد المبين.

أ. أدلة الإمكان

تعرض القرآن الكريم لإثبات البعث بالأدلة العقلية، التي تلزم العقل السوي بالتصديق والإذعان. والقرآن الكريم، حين يعرض تلك الأدلة، يبين أنها ممكنة، وأننا نشاهدها كل وقت، وأوضح مثال على ذلك خلق الإنسان وما فيه من دلالات واضحة، على قدرة الله، وأيضاً الأرض الميتة حين ينزل عليها الماء، يقول الله تعالى: )يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ( (سورة الحج: الآيات 5 - 7).

(1) قياس البعث من الموت على خروج الزرع من الأرض

يقول الله، تعالى: )وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ( (سورة فاطر: الآية 9)، وهذه الآية فيها دلالة على البعث بعد الموت، وفي الحياة الآخرة، من عدة وجوه ذكرها الرازي في تفسيره:

أحدهما: أن الأرض الميتة؛ لما قبلت الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة.

وثانيها: أن الريح يجمع القطع السحابية، كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء.

ثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت، نسوق الريح والروح والحياة إلى البدن الميت.

(2) إثبات النشأة الآخرة بالقياس على النشأة الأولى

يقول الله، تعالى: )وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى( (سورة النجم: الآيات 44 - 47).

وفي معرض قياس النشأة الثانية على النشأة الأولى، يقول، تعالى: )وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( (سورة الروم: الآية 27).

(3) إثبات البعث بالقدرة على ما هو أعظم منه

يقول الله، تعالى: )أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلا كُفُورًا( (سورة الإسراء: الآية 99).

وهذه الآية تلفت النظر إلى قدرة الله عز وجل على خلق السماوات والأرض، وأنه لم يعي بخلقهن. ومعلوم أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الإنسان؛ ولذلك فإن إعادة الإنسان مرة أخرى أهون من خلق السماوات والأرض. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنه من المعلوم ببداهة العقول أن خلق السموات والأرض أعظم من خلق أمثال بني آدم، والقدرة عليه أبلغ، وأن هذا الأيسر أولى بالإمكان والقدرة من ذلك".

(4) إثبات البعث بقياس الموت على النوم

إن الموت كالنوم، والبعث من الموت كالاستيقاظ من النوم. يقول الله، تعالى: )اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( (سورة الزمر: الآية 42).

ويقول، r )والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءاً، وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا، وإنكم لأول من أنذر(.

ب. أدلة الوقوع

يعرض القرآن الكريم لبعض النماذج، التي تشبه وقوع البعث وإحياء الناس للحساب والجزاء.

(1) الواقعة الأولى

قصة الرجل، الذي مر على قرية، وهي خاوية على عروشها، فتعجب من كيفية إحيائها بعد مماتها وخرابها، فأماته الله ثم بعثه؛ وهذه الحادثة مثال لما سيحدث يوم القيامة.يقول الله، تعالى: )أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( (سورة البقرة: الآية 259).

وهذه الوقعة دليل على البعث والقيامة الكبرى، التي يقوم فيها الناس لرب العالمين.

(2) الواقعة الثانية

قصة أهل الكهف. وهي واقعة حدثت لأناس لبثوا في كهفهم مدة طويلة، نياماً، ثم بعثهم الله، بعد نومهم الطويل، وقد عقب الله عز وجل على بعثهم بعد نومهم الطويل، الذي ظل ثلاثمائة وتسع سنين. عقب الله بقوله: )وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا( (سورة الكهف: الآية 21).

يقول الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية: "يعني إنما أطلعنا القوم على أحوالهم؛ ليعلم القوم أن وعد الله بالبعث والحشر والنشر حق. روي أن ملك ذلك الوقت كان ممن ينكر البعث إلا أنه كان، مع كفره، منصفاً، فجعل الله أمر الفتية دليلاً للملك. وقيل: بل اختلفت الأمة في ذلك الزمان، فقال بعضهم: الجسد والروح يبعثان جميعاً. وقال آخرون الروح تبعث، وأما الجسد فتأكله الأرض. ثم إن ذلك الملك كان يتضرع إلى الله أن يظهر له آية، يستدل بها على ما هو الحق في هذه المسألة، فأطلعه الله على أمر أصحاب الكهف، فاستدل ذلك الملك بواقعتهم على صحة البعث للأجساد؛ لأن انتباههم بعد ذلك النوم الطويل يشبهه بعث من يموت".

(3) الواقعة الثالثة

بنو إسرائيل، الذين طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرة فصعقوا، ثم بعثهم الله بعد موتهم، وهذا دليل على إحياء الله للموتى، وبعثهم من قبورهم، كما بعث الله أولئك الذين أخذتهم الصاعقة.

يقول الله، تعالى: )وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( (سورة البقرة: الآيتان 55، 56).

(4) الواقعة الرابعة

جماعة بني إسرائيل، طلب منهم ملكهم أن يجاهدوا في سبيل الله،فهربوا حذراً من الموت، فأماتهم الله موتة واحدة، ثم بعثهم بعد موتهم وتفضلاً منه، وفيهم ورد قوله تعالى: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ( (سورة البقرة: الآية 243).