إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم




1. سيف الرسول
2. الفرسان
3. السيف
4. الدرع
5. المنجنيق
6. برج حصار

1. موقعة بدر
2. معركة أحد
3. معركة الخندق
4. صلح الحديبية
5. فتح خيبر
6. غزوة مؤتة
7. فتح مكة
8. غزوة الطائف
9. غزوة تبوك




17

17. فتح مكة (رمضان 8هـ)

أ. خلفية تاريخية، ومواقف الجانبَين، قبل الغزوة

     تركت غزوة مؤتة أثرها في الروم والمسلمين وقريش، كالآتي:

       (1) الروم: فرحوا بتراجع المسلمين، وأن الحرب لم تَطُل. وقد يرجع ذلك لاستماتة خالد بن الوليد في الدفاع والهجوم، ومهارته في الخداع، أثناء تقهقر المسلمين؛ إذ ظن الروم أن مدداً قد أتى المسلمين من المدينة. ولكنهم ضاقوا بازدياد انتشار الإسلام، بعد تلك المعركة، حتى إن القبائل العربية المتاخمة للشام، أكبرت ما فعله المسلمون في تلك الغزوة بإعجابٍ شديد؛ بل إن أحد زعمائها، فروة بن عمرو الجُذامى، أعلن إسلامه، وهو الذي كان قائداً لفرقة من فرق جيش الروم؛ ما أثار حفيظة هرقل، فاتهمه بالخيانة، وأمر بالقبض عليه.

       (2) المسلمون: رأى المسلمون أن غزوة مؤتة هزيمة، تثير الخجل؛ حتى إن بعض رجال الجيش احتجبوا، فترة، في بيوتهم، تجنباً لأذى الصبْية والشباب، باتهامهم بالفرار.

       (3) قريش: أيقنت قريش أن معركة مؤتة هزيمة للمسلمين، بكلّ المقاييس؛ وأن الروم قضوا عليهم وعلى سلطانهم إلى الأبد. فلْتَعُدِ الأمور، إذاً، كما كانت عليه قبل عهد الحديبية، ولتُعِدّ قريش نفسها لمحاربتهم. وكانت خزاعة قد دخلت في عهد محمد، بينما دخل بنو بكر في عهد قريش؛ وقد تنازع الفريقان، بعد غزوة مؤتة، لوجود ثأرات قديمة بينهما.

ب. أسباب الغزوة

          كان بنو بكر قد قتلوا رجالاً من خزاعة، عند بئر مياه. ثم فرت القبيلة الجريح إلى مكة، حيث لجأت إلى دار بُديل، شاكية قريش وبني بكر. وسارع عمرو بن سالم، أحد أبنائها، إلى النبي في المدينة، مستنصراً. فوجد الرسول أن قريش قد نقضت عهدها، وقرر أن يقابل هذا النقض بفتح مكة.

ج. حجم القوات المتضادة، وتشكيلات القتال

     (1) المسلمون

               عشرة آلاف مسلم، يقودهم رسول الله. وكان تشكيل القتال كالآتي:

             (أ)  الميمنة، بقيادة خالد بن الوليد.

             (ب) الميسرة، بقيادة الزبير بن العوّام.

             (ج) المهاجرون، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح.

             (د) الأنصار، بقيادة سعد بن عبادة.

     (2) المشركون

قريش وبنو بكر.

د. فكرة تنفيذ العملية

     (1) المسلمون

                (أ) دخول مكة سلماً، من دون قتال، إلا إذا أبت قريش.

                (ب) قوة الميمنة من جنوبها.

                (ج) قوة الميسرة من شمالها.

                (د) قوات المهاجرين من شمالها الغربي، من اتجاه جبل هند.

                (هـ) قوات الأنصار من غربها.

                (و) تتجمع القوات، بعد الفتح، في منطقة جبل هند.

     (2) المشركون

لم يكن لديهم خطة واضحة، سوى الدفاع عن مكة، دون المسلمين.

هـ. سير أعمال القتال

             خشت قريش هجوم محمد على مكة، فأرسلت أبا سفيان إليه في المدينة؛ لتأكيد العهد، بل زيادة مدته. فتوجه، أولاً، إلى بيت ابنته، أمّ حبيبة، زوج النبي. ولما أراد أن يجلس على فراش الرسول، طوته؛ وحينما سألها عن ذلك، قالت: "هو فراش رسول الله؛ وأنت رجل مشرك، نجس؛ ولا أحب أن تجلس عليه"، فخرج غاضباً. وقابل الرسول، وتحدث معه في العهد وإطالة مدته، فلم يجبه. ولقي أبا بكر، ثم عمر، ثم عليّاً، ليشفعوا له عند رسول الله، فأبوا؛ حتى فاطمة قالت: "ما يجير أحد على رسول الله". فعاد أبو سفيان إلى مكة حزيناً لما لاقاه من هوان في المدينة، وقص على قومه ما حدث. غير أن النبي رأى أن لا يترك لقريش فرصة كي تتجهز للقائه، فقاد جيش المسلمين إلى مكة.

             أشعل المسلمون النيران حول مكة، فارتعبت قريش، وتفككت أوصالها. وذهب العباس إلى مكة، ليخبرها بقوة المسلمين، محاولاً التأثير في معنوياتها، حتى تضطر إلى التسليم، من دون قتال؛ وبذلك تَحقِن دماءها، وتعقد صلحاً بدلاً من معركة فاشلة. والتقى العباس أبا سفيان، وتشاورا، ثم أخذه إلى رسول الله، على بغلة النبي نفسه. ولما رأى عمر بن الخطاب أبا سفيان، أسرع إلى الرسول يطلب أن يأمره بدق عنقه. لكن الرسول طلب من العباس أن يحضر رفيقه، في الصباح. وكان للعباس تأثير قوي في أبي سفيان، فأقنعه بأن يدخل الإسلام لحقن دمه، فاستجاب. وقال العباس: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً". فقال النبي: "نعم. من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن. ومن أغلق عليه بابه، فهو آمن. ومن دخل المسجد، فهو آمن".

                   نصح العباس ابا سفيان بأن يسرع إلى مكة، لتحذير قومه؛ فأتاها مذعوراً ومبهوراً، بعد الذي  رآه بنفسه من قوة المسلمين، عن قرب؛ وطفق ينادي: "يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. فمن دخل دار أبي سفيان، فهو آمن"، فسبته امرأته، فلم يكترث لسبابها، وعاود تحذير قومه، قائلاً: "ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم؛ فإنه قد جاءكم ما لا قِبل لكم به. فمن دخل دار أبي سفيان، فهو آمن. ومن أغلق عليه بابه، فهو آمن. ومن دخل المسجد، فهو آمن".

             بدأ سعد بن عبادة، قائد قوات الأنصار، بالنداء: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة...". فقرر الرسول سحب الراية منه، ودفعها إلى ابنه قيس بن سعد، خشية أن يندفع سعد بتلك الصيحات، فتتسبب بالحرب بين المسلمين وقريش. ودخل المسلمون مكة، من دون مقاومة، عدا شرذمة من قريش، قاومت قوات خالد بن الوليد، فقتلت اثنَين بنبالها، فحمل عليها خالد، في منطقة الخندمة[58]، ففرقها، وأجبرها على الفرار. وبذلك استسلمت مكة، وفتحت أبوابها للمسلمين.

             وتجمعت قوات المسلمين في منطقة جبل هند. ونهض المهاجرون والأنصار، مع رسول الله فدخلوا المسجد الحرام. واستلم الرسول الحجر الأسود، ثم طاف بالبيت، وهو يحطم الأصنام بقوسه، ويقول: "جاء الحق، وزهق الباطل؛ إن الباطل كان زهوقاً. جاء الحق، وما يبدىء الباطل وما يعيد".

             ثم دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة، فدخلها، ومحا ما فيها من صور (منها صورتان لإبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ يستقسمان بالأزلام). ثم صلى، فكبر. ووقف على باب الكعبة، وقال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟". قالوا: "خيراً؛ أخ كريم، وابن أخ كريم". فقال: "فإني أقول كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا، فأنتم الطلقاء". ثم أقام بمكة خمسة عشر يوماً، ينظم شؤونها، ويفقه أهلها في الدين. ثم أرسل مفارز للدعوة إلى الإسلام، وتحطيم الأصنام، من دون سفك للدماء.

و. نتائج أعمال القتال للجانبَين    

           فُتحت مكة، من دون سفك للدماء. وقد انضم إلى المسلمين، عند زحفهم إليها، قبائل شتى، من سليم ومزينة وغطفان وغيرها. وحُطمت الأصنام، وطُهر البيت.

ز. الخسائر

(1) المسلمون

          شهيدان.

     (2) المشركون

               ثلاثة عشر قتيلاً، وعدد من الجرحى.

ح. الدروس المستفادة

        (1) السَّرَّية والمفاجأة: حرص الرسول على عدم كشف نيته فتح مكة لأحد، حتى لأقرب أصحابه، أبي بكر الصديق؛ وبقي ذلك سراً، حتى أعلن نيته قبيل الزحف إلى مكة.

        (2) توافر المعلومات عن نية العدوّ، في الوقت الملائم: استطاع المسلمون الحصول على معلومات عن نقض قريش للعهد، من خلال وفد من بني خزاعة.

        (3) التنظيم الجيد لتشكيلات القتال: كان الجيش مكوناً من المهاجرين والأنصار، وبعض القبائل، التي انضمت إلى المسلمين، من بني سليم ومزينة وبني غفار وبني جهينة وتميم وأسد وقيس؛ وكلٌّ منها يقودها رجل من القبيلة، حتى يستطيع السيطرة على قواته بالأسلوب الذي تفهمه؛ وإن أيّ نجاح تحرزه أيّ قوة نجاح للقبيلة. وتولى لواء المهاجرين قائد منهم، وكذلك الأنصار.

        (4) ضبط النفس: إن ضبط النفس في المعركة من أهم عوامل النجاح؛ إذ يمكن تحقيق النصر، من دون قتال وإراقة دماء، بضبط النفس. ويمكن الدخول في حرب، بما فيها من خسائر وعواقب وخيمة، باندفاع أحد القادة أو تهوره. وقد استبدل الرسول بسعد بن عبادة، قائد الأنصار، قيساً، حين أحس باندفاعه وإثارة نزعة الحرب بين المسلمين، بينما كان الرسول  يريد دخول مكة سلماً، لا حرباً.

        (5) الروح المعنوية: إن التأثير المعنوي في العدوّ عامل أساسي للنجاح في الحرب. وقد استطاع الرسول التأثير في معنويات أبي سفيان، بواسطة العباس. وأثر في قريش، بإشعال النيران ليلاً، قبل دخول مكة؛ ما كان له الأثر السريع والفعال في استسلامها وانهيار مقاومتها. أمّا معنويات المسلمين، فقد كانت في أعلى درجاتها.

        (6) العقيدة: على الرغم من أن أبا سفيان هو أبو أمّ حبيبة، إلا أنها رفضت جلوسه على فراش رسول الله؛ فهي تتمسك بعقيدة واعية قوية، ضد مشرك نجس، ولو أباها. 

        (7) تحطيم الأصنام: حطم الرسول آلهة المشركين، لينزع من نفوسهم آخر اعتقاد قدسيتها؛ فيسهل عليهم التركيز في الدين الجديد، ويقضي على أيّ رواسب أو شكوك فيه. (انظر شكل فتح مكة)

 



[58] الخندمة: جبل بأسفل مكة.