إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

2. الشورى في القرآن الكريم

حفل القرآن الكريم بالشورى، وجعلها عنصراً من العناصر، التي تقوم عليها الدولة الإسلامية. ففي الكتاب الكريم سورة عرفت باسم (سورة الشورى)، وقد سُميَت بذلك، لأنها السورة الوحيدة التي قررت الشورى عنصراً من عناصر الشخصية الإيمانية الحقة، ونظمتها في عقد حياته: طهارة القلب بالإيمان، والتوكل، وطهارة الجوارح من الإثم والفواحش، ومراقبة الله بإقامة الصلاة، وحسن التضامن بالشورى، والإنفاق في سبيل الله، ثم عنصر القوة بالانتصار على البغي والعدوان.

إن الاتفاق على تسمية هذه السورة "الشورى"، يحوي أهمية الشورى كأساس من أسس التعايش بين المؤمنين في المجتمع المسلم على جميع المستويات.

وقد أوجب الله سبحانه وتعالى الشورى على الأمة في آيتين، ورد فيهما النص صريحاً على وجوب اتباع هذا المبدأ، أولهما: ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (سورة آل عمران: الآية 159).

نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد، ومناسبتها أن الرسول r، كان قد استشار أصحابه فيما يفعل. فأشار الشباب، ومن لم يحضر بدراً، بالخروج لملاقاة جيش الأعداء، وأشار بعض الصحابة بأن يتحصن المسلمون بالمدينة، وأن يتولوا الدفاع من دورها وحاراتها. وكان الرسول، r، يميل إلى هذا الاتجاه، ولكن الاتجاه الأول حظي بتأييد أغلبية المسلمين، وخاصة من لم يحضروا بدراً رجاء أن ينالوا ما ناله البدريون من شرف، وخرج الرسول، r بالمسلمين، إلاّ أن الهزيمة كانت من نصيبهم. ومع هذا نزلت الآية الكريمة: ]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (سورة آل عمران: الآية 159). أي: لا يحملنك ما كان من نتائج المشاورة على أن تتركها، بل شاورهم في الأمر.

وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى، يريد أن تكون سياسة المسلمين قائمة على مبدأ الشورى، فلا يستبد بها فرد.

وينقل القرطبي في هذه الآية أربعة أقوال:

أ. أنه أمر بمشاورتهم في الحروب، ليستقر لهم الرأي الصحيح.

ب. أنه أمر بمشورتهم تألفاً لهم، وتطييباً لأنفسهم.

ج. أنه أمر بمشورتهم لما علم فيها من الفضل.

د. أنه أمر بمشورتهم ليستن به المسلمون، ويتبعه المؤمنون، وإن كان عن مشورتهم غنياً، قاله سفيان. قال: وحمل ابن عباس هذه المشاورة على المناظرة عند القتال، فأمره بمناظرتهم ليتبين لهم الصواب، فعدل بها عن ظاهرها، وجعل مشاورته لهم مشورة منه عليهم.

وفي تفسير هذه الآية قال الرازي قالا: (إنما أمر "أي الرسول r" بذلك ليقتدي به غيره في المشاورة) وأشار إلى معنى دقيق، هو أن هذه الآية الكريمة نزلت عقب ما ابتلى به المسلمون يوم أحد، ومع أن ما وقع في ذلك اليوم قد أبان أن رأي من أشار على الرسول r بالخروج لم يكن صواباً، فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الأمر بالعفو عنهم ومشاورتهم أيضاً: أي أن الأمر هو أمر بالاستمرار في مشاورتهم، على الرغم مما ظهر من خطأ رأيهم، وهذا يؤكد أهمية الشورى، ويبين مقدار عناية الدين بها. ومن الوجوه التي ذكرها المفسر أيضاً أن الرسول r أُمر بالشورى، لا لأنه محتاج إلى آراء من يستشيرهم، ولكن لأجل أنه إذا شاورهم في الأمر، اجتهد كل واحد منهم في استخراج الوجه الأصلح، فتصير الأرواح متطابقة متوافقة على تحصيل أصلح الوجوه فيها. ثم قال: (وتطابق الأرواح الطاهرة على الشيء الواحد مما يعين على حصوله. وهذا هو السر عند الاجتماع في الصلوات، وهو السر في أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد).

وقال صاحب الكشاف: "في الأمر": أي في أمر الحرب ونحوه، مما لم ينزل عليك فيه وحي، لتستظهر برأيهم، ولما فيه من تطييب نفوسهم، والرفع من أقدارهم. وعن الحسن t قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة، ولكنه أراد أن يستن به من بعده. وفي المأثور من القول: ما تشاور قوم قط إلاّ هدوا لأرشد أمرهم، فعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ: ]قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى فَذَكَرَ قِصَّةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَوِيلَةً. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ [r (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1636).

ويرى بعض الباحثين، أن النص في الآية جاء في صورة أمر للرسول، r فمن باب أولى أن تكون أمته مأمورة به.

أما الآية الثانية، فتتحدث عن صفات المؤمنين الأساسية، وأنهم يتصرفون في الأمور، ويقررون الآراء، بالتفاهم والمشاركة وتبادل الرأي: أي بالشورى. يقول تعالى: ]فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[ (سورة الشورى: الآيات 36 ـ 38).

فقد بين الله، سبحانه وتعالى، في هذه الآيات الصفات الأساسية، التي تميز المؤمنين، وهي:

(1) على ربهم يتوكلون.

(2) يجتنبون كبائر الإثم والفواحش.

(3) وإذا ما غضبوا هم يغفرون

(4) يستجيبون لربهم.

(5) يقيمون الصلاة.

(6) أمرهم شورى بينهم.

(7) مما رزقوا ينفقون.

يقول القرطبي: قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ[ (سورة الشورى: الآية 38) قال عبدالرحمن بن زيد: هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثنى عشر نقيباً منهم قبل الهجرة.

وقوله تعالى: ]وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[ (سورة الشورى: الآية 38) أي: يتشاورون في الأمور.

فكانت الأنصار قبل قدوم النبي إلى المدينة إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه، ثم عملوا عليه؛ فمدحهم الله تعالى به، قاله النقاش.

وقال الحسن: أي أنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون، مدحوا باتفاق كلمتهم. قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.

وقال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله r وورود النقباء إليهم، حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان والنصرة له.

وقيل: تشاورهم فيما يعرض لهم، فلا يستأثر بعضهم بخير دون بعض.

وقال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة، وسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلاّ هدوا.

قال القرطبي: (فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك).

وقد ذكرت عقب الصلاة وقبل الزكاة، مما يدل على بالغ أهميتها. فهذه من الصفات الأساسية الكبرى، التي بها يتميز مجتمع المؤمنين. وإذا كانت الآية الكريمة نزلت ـ كما رأي بعض المفسرين ـ في سبب خاص، وهو الثناء على مسلك الأنصار في اتباعهم سنة الشورى، فإن الحكم الذي يستنبط منها عام، يشمل سائر الأمة، شأنها شأن كثير من الآيات، التي وردت في القرآن على هذه الشاكلة.

والقاعدة المقررة أصولياً: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فأياً كان السبب الخاص، الذي نزلت فيه الآية ، فإن الحكم الذي يستنبط منها عام يشمل سائر الأمة.

ويضيف الأستاذ الإمام محمد عبده، إلى هاتين الآيتين، آية ثالثة يرى أنها أقوى منهما في الدلالة على وجوب الشورى، وقيام الحكم عليها. هذه الآية هي قوله تعالى: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 104).

يقول الشيخ محمد عبده في هذه الآية: إن المعروف أن الحكومة الإسلامية مبنية على أصول الشورى، وهذا صحيح، والآية أدل دليل عليه، ودلالتها أقوى من قوله تعالى ]وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[ (سورة الشورى: الآية 38)؛ لأن هذا وصف خبري لحال طائفة مخصوصة، أكثر مما يدل أن هذا الشيء ممدوح في نفسه، ومحمود عند الله تعالى، وأقوى من دلالة قوله تعالى: ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر[ (سورة آل عمران: الآية 159)، فإن أمر الرئيس بالمشاورة يقتضي وجوبها عليه، ولكن إذا لم يكن هناك ضامن يضمن امتثاله للأمر، فماذا يكون إذا هو تركه.

وأمّا هذه الآية، فإنه تفرض أن يكون في الناس جماعة متحدون أقوياء، يتولون الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو عام في الحكام والمحكومين، ولا معروف أعرف من العدل، ولا منكر أنكر من الظلم.

وينتقد بعض الباحثين هذا الرأي، ويرون أن آية وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طائفة منا، أولى أن تلفتنا إلى أداة فعالة لحراسة المجتمع من البغي والظلم والعدوان، وإقرار العدل منه، من أن تكون دليلا على وجوب مبدأ الشورى.

وقد ورد في القرآن الكريم، آيات أخرى غير صريحة في هذا المجال، ولكنها تفيد وجوب الشورى وضرورة العمل بها. ومن هذه الآيات قوله تعالى: ]وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[ (سورة النساء: الآية 83).

وفي هذه الآية دليل على أن الأمور المهمة، التي تعرض للأمة يجب أن ترد إلى أهل العلم بها ليروا فيها رأيهم، ويستنبطوا منها ما فيه مصلحة الأمة. ولا شك أن أهل الشورى هم هؤلاء، الذين ترد إليهم هذه الأمور، وأن سبيل الشورى هو خير سبيل للهداية والرشاد.

وكما يريد الإسلام للأمة، كجماعة سياسية، أن يكون قاعدة الحكم فيها بالشورى، فإنه أراد للبنة المجتمع (الأسرة)، أن تعتاد الشورى في أمورها، وتتخذها منهجاً فقال تعالى: ]فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا[، (سورة البقرة: الآية 233).