إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

3. الشورى في السُّنة النبوية

جاءت الأحاديث مؤيدة لما ورد في القرآن ، من الإشادة بشأن الشورى، والحث على إتباعها، والتنويه بفضائلها. فقد حفلت السنة النبوية بكثير من النصوص، التي تدل على التزام رسول الله r نهج المشاورة قولاً وعملاً، حتى صارت الشورى صفة لصيقة به، لا يدانيه فيها غيره وهو المعصوم.

أ. الشورى في السنة القولية

(1) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3737).

(2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ r: ]الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4463).

(3) فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 7918).

(4) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلاَءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2192).

(5) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَالثَّيِّبُ تُشَاوَرُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي قَالَ سُكُوتُهَا رِضَاهَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6834) .

(6) عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أَحَدًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 3745) وفي رواية ]لَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لاَسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 134)؛ ومعنى الحديث أنه لا يجوز أن يولى على المسلمين والٍ، أو يستخلف خليفة، بغير مشورة المؤمنين.

ب. الشورى في السنة العملية

السنة العملية حافلة بالشواهد، التي تدل على أن رسول الله r كان دائم التشاور مع أصحابه، يكره الاستبداد بالرأي؛ وكثيراً ما نزل عند حكمهم، وإن كان رأيه في بادئ الأمر يخالف ما ذهبوا إليه. والوقائع في ذلك كثيرة:

(1) استشارته r لأصحابه، في الخروج إلى قتال قريش في غزوة بدر: فإنه لما بلغ الرسول r خروج قريش ليمنعوا غيرهم، استشار أصحابه. فقام أبو بكر الصديق، فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله r امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ]فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[ (سورة المائدة: الآية 24)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ـ موضع بناحية اليمن ـ لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه. فقال له الرسول خيراً ودعا له به، ثم قال: أشيروا على أيها الناس ـ وإنما يريد الأنصار ـ وذلك لأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله إنّا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك ما نمنع به أبناءنا ونساءنا، فكان النبي r يتخوف ألاّ تكون الأنصار ترى عليها نصره إلاّ ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم إلى عدو خارجها. فلما قال ذلك رسول الله، قال له سعد بن معاذ، وكان سيد الخزرج من الأنصار: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. فقال: لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به من الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذه البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عيناك فسر على بركة الله. فسر رسول الله r ثم قال: سيروا وأبشروا.

(2) استشارته r لأصحابه في شأن اختيار المكان، الذي ينزل فيه المسلمون يوم بدر، وأخذه برأي الحباب بن المنذر، حين قال له: أرأيت هذا المنزل ، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخره؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي r: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال الحباب: فإن هذا ليس بمنزل وأشار على النبي r برأيه فوافقه.

(3) استشارته فيما يعمل بشأن من أُسروا في تلك الموقعة، وقبوله r من أسرى بدر الفداء نزولاً على رأي أكثر المؤمنين بعد استشارتهم. فالواقع أن الذين طلبوا منه، اختيار الفداء كثيرون، وإنما ذُكر في أكثر الروايات أبو بكر لأنه أول من استشارهم الرسول وأول من أشار بذلك، كما أنه أكبرهم مقاماً. ويوضح ذلك ما رواه ابن المنذر عن قتادة، قال في تفسير آية ]مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ[ (سورة الأنفال: الآية 67)، أراد أصحاب محمد r يوم بدر الفداء، ففادوهم بأربعة آلاف، فعَنْ أَبي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه r: ]كُنْتُ غُلاَمًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَدْ دَخَلَنَا فَأَسْلَمْتُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ قَدْ أَسْلَمَ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَهَابُ قَوْمَهُ وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلاَمَهُ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَدُوُّ اللَّهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِكَ كَانُوا صَنَعُوا لَمْ يَتَخَلَّفْ رَجُلٌ إِلاَّ بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلاً فَلَمَّا جَاءَنَا الْخَيْرُ كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا أَنْفُسَنَا قُوَّةً قَالَ وَكَانَ فِي الأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنًا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ لَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَنِي فِي فِدَاءِ أَبِيهِ وَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ لاَ تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أُسَارَاكُمْ لاَ يَتَأَرَّبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ صَدَقْتُمْ فَافْعَلُوا وَانْسَلَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ وَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ فِي فِدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْر ٍو وَكَانَ الَّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ أَخُو بَنِي مَ الِكِ بْنِ عَوْفٍ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22744).

(4) قبوله لرأي الكثرة منهم حين أشارت بالخروج يوم أحد، فكان من عاقبة شوراهم ما كان. والرسول r قد بلغه مجيء المشركين من قريش وأبنائهم إلى المدينة، للانتقام مما أصابهم يوم بدر فلما سمع بنزولهم أُحُداً قال لأصحابه: (أشيروا علي ما أصنع؟) فقالوا: يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب، وقالت الأنصار: يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا قط أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا (أي يرون عدم الخروج). وكان الرسول r، يعجبه ذلك الرأي، ثم إنه دعا بدرعه فلبسها، فلما رأوا ذلك ندموا، وقالوا: بئس ما صنعنا، نشير على رسول الله والوحي يأتيه، فقاموا فاعتذروا إليه وقالوا: اصنع ما رأيت. فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَرَأَيْتُ بَقَرًا يُنْحَرُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ الدِّرْعَ الْمَدِينَةُ وَأَنَّ الْبَقَرَ نَفَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ وَلَوْ أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا دُخِلَتْ عَلَيْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَتُدْخَلُ عَلَيْنَا فِي الإِسْلاَمِ قَالَ فَشَأْنَكُمْ إِذًا وَقَالَتْ الأَنْصَارُ لِبَعْضٍ رَدَدْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْيَهُ فَجَاءُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنُكَ فَقَالَ الآنَ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 2065) فقبل رأي الكثرة التي أشارت عليه بالخروج.

(5) واستشار أصحابه قبل غزوة الأحزاب ، فأشار عليه سلمان الفارسى بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة.

(6) حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r: ]‏‏أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ ‏ ‏قَفَلَ ‏ ‏مِنْ ‏ ‏الطَّائِفِ ‏ ‏فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا ‏ ‏عُرَفَاؤُكُمْ ‏ ‏أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ ‏ ‏عُرَفَاؤُهُمْ ‏ ‏ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2142).

(7) عمله بمشورة السّعدين: ابن معاذ وابن عبادة، إذ أشارا يوم الأحزاب بعدم مصالحة رؤساء غطفان. ففي غزوة الأحزاب عندما اشتد الأمر بالمسلمين، دارت مفاوضات بين الرسول r وبين المهاجمين من أهل الطائف، وتم الاتفاق على أن يرجع أهل الطائف ولهم ثلث ثمار المدينة، فسأل سعدُ بن معاذ رسولَ الله r إذا كان للوحي دخل في هذا الاتفاق، فقال له الرسول r: (إنما هو أمر صنعته لكم رجوت من ورائه الخير)، فأخذ سعد المعاهدة ومزقها، وقد كانت معدة للتوقيع، قائلا: إنهم لم ينالوا منا تمرة إلاّ قرى، أفبعد أن أعزنا الله يأخذون ثلث ثمار المدينة عنوة، لا والله، فلم يغضب رسول الله r، وسر بذلك المسلمون جميعاً.