إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الإعلام الحربي





نموذج بطاقة دعوة
الرسوم الكاريكاتيرية (1)
الرسوم الكاريكاتيرية (2)
بطاقة مرور أمن




الإعلام الحربي والحرب العالمية الثانية

الإعلام الحربي والحرب العالمية الثانية

في الأول من سبتمبر 1939م قامت القوات الألمانية بغزو بولندا مستخدمة أسلوب الحرب الخاطفة، ولم تلبث وحدات البانزر الألمانية أن اندفعت عبر الحدود في سرعة بالغة محدثة ثغرة خطيرة في الخطوط الدفاعية البولندية، ثم اندفعت قوات المشاة الألمانية لاستكمال الاستيلاء على مدن وقرى بولندا، وإزاء تطور الموقف وخطورته قامت كل من بريطانيا وفرنسا بإعلان الحرب على ألمانيا في اليوم الثالث للغزو، وهكذا تصاعدت أحداث الحرب العالمية الثانية.

وانتهت الحرب العالمية الثانية مخلفة وراءها الدمار الهائل وملايين القتلى والجرحى والمعاقين، وكانت ألمانيا أكثر الدول تضرراً من تلك الحرب، حيث تم تقسيمها إلى قسمين، وما يهمنا هنا هو شرح دور الإعلام الحربي في إطار الإعلام الشامل في ذلك الوقت وأساليب استخدامه خلال تلك السنوات التي امتدت من عام 1939م إلى عام 1945م.

الإعلام الحربي ودوره في التجربة الألمانية:

استطاع الإعلام الحربي الألماني أن يُدخل نظام الدعاية التي خُططت بشكل متطور بواسطة وزير الدعاية الألماني "جوبلز"[1].  الذي كان له فضل كبير في إدخال النظم الدعائية الحديثة.

واستخدمت الدعاية من خلال وسائل الإعلام الحربي في ذلك الوقت، حيث اعتمدت على المنشورات، والإذاعة، ومكبرات الصوت بشكل يثير الغرائز الأولية للفتك والتدمير. وحين ننظر إلى الدعاية الألمانية من ناحية قوتها الباطنة أي ما تنطوي عليه، فإنها تبدو في الواقع كأنها مدفعية سيكولوجية تستخدم كل ما من شأنه أن يصدم ويزعزع الكيان.

هذا وقد نجح الإعلام الحربي من خلال الدعاية في جعل العدو في حالة عدم القدرة عن الدفاع أمام تأثيراتها، بمعنى أنها استطاعت أن تخترق أي حاجز يحتمي به الفرد ومن ثم يجد نفسه غير قادر على مواجهة القوات الألمانية المتقدمة، وبالتالي فقد القدرة على الإرادة.

قام المنهج الإعلامي في الدعاية من خلال جمع الأنباء الهامة بطريقة منهجية، وينظم إزاءها دعاية مضادة حتى يعادل تأثيرها تارة عن طريق الخطابة وأخرى عن طريق وسائل الإعلام وأحياناً عن طريق الشائعات، كما اهتم جوبلز بالدعاية الموجهة ضد الدول الأخرى. فقد أوضح جوبلز في مذكراته: " أن استجواب الأسرى الإنجليز أوضح له أنهم ينتبهون إلى الأنباء أكثر من التعليقات، وأنه استخلص من ذلك نتيجة هامة، توجب ضرورة تعديل الإذاعة الألمانية الموجهة باللغات الأجنبية تعديلاً شاملاً.

إستراتيجية الدعاية النازية من خلال الإعلام الحربي

تم تقسيم هذه الإستراتيجية إلى عدة مراحل زمنية ارتبطت بالأحداث الحربية، والتي كان لها أكبر الأثر في توجيه وتشكيل هذه الإستراتيجية وهي:

1. المرحلة الأولى: قبل بداية الحرب "حتى مارس 1939م":

تميزت الدعاية النازية بالإكثار من التحدث عن السلام، بينما كان هناك إعداد كامل للقوات الألمانية وبشكل سرى من أجل دخول الحرب. هذا وقد اعتمد تخطيط القيادات الحربية الألمانية على عدم إبراز أي نشاط أو استعدادات حربية، بل وانتشر الحديث بين القادة الألمان عن أن الحرب لن تقع ثانية، في الوقت الذي كان يتم فيه إعادة بناء القوات المسلحة وتزويدها بالأسلحة المتطورة في ذلك الوقت. ومن ثم وضع القادة الألمان خطة خداع إستراتيجي غاية في الدقة، تم إذاعة برامجها من خلال وسائل الإعلام الألمانية من أجل طمأنة الجيوش الأوروبية بعدم وجود نوايا لعدوان ألماني.

وفي عام 1938م، مع استعداد القوات الحربية الألمانية للتدخل في النمسا، بدأت أجهزة الدعاية في اتباع سياسة بث الرعب والتخويف بين صفوف الشعب والقوات النمساوية وأعلنت الإذاعات الألمانية أن ألمانيا لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي أمام قتل الألمان في النمسا بأيدٍ نمساوية.

وفي 12 مارس 1938م دخلت القوات المسلحة الألمانية إلى النمسا، مع تشكيل طابور خامس استطاع أن يسيطر على قوات الجيش والشرطة النمساوية. كما قامت القوات المسلحة الألمانية بتوزيع أكثر من مائة ألف جهاز راديو مجانا على النمساويين، من أجل إيصال الدعاية إليهم والتي نجحت بالفعل في ضم النمسا إلى الرايخ الثالث دون إطلاق رصاصة واحدة.

2. المرحلة الثانية: مع نشوب الحرب العالمية الثانية "سبتمبر 1939م - أبريل 1940م":

شهدت تلك الفترة قيام القوات الألمانية بحرب خاطفة ضد بولندا دامت أسبوعين دون أن تعلن ألمانيا الحرب عليها، واتبعت أجهزة الدعاية النفسية التابعة للقيادة الحربية الألمانية سياسة الدفاع عن النفس وتحميل الغير ذنب الحرب، فراحت الدعاية من خلال المنشورات والإذاعة تعلن أن الحرب كانت نتيجة تأييد بريطانيا للأعمال العدوانية البولندية ضد ألمانيا.

3. المرحلة الثالثة: "أبريل - يونية 1940م":

قامت القوات المسلحة الألمانية خلال هذه المرحلة بضربات مفاجئة قوية، انتزعت بها استقلال خمس دول في غربي أوروبا وأدت إلى انسحاب الحملة البريطانية من أوروبا عبر دنكرك، كما هزمت الجيش الفرنسي. وفي 22 يونية 1940م وقعت الحكومة الفرنسية على اتفاقية الهدنة مع ألمانيا وتشكلت حكومة فرنسية موالية لألمانيا.

وكان لهذه الانتصارات تأثيرها في مخطط الحرب النفسية وفي أعمال الدعاية، وخصصت الإذاعة الألمانية معظم برامجها للإعلام الحربي من أجل تغطية الأحداث الحربية يوماً بيوم، وراح المعلقون والمراسلون الحربيين الألمان يشبعون شعورهم بالنصر في فخر وتهليل من أجل تحطيم الروح المعنوية للشعوب الأوروبية، كما نشرت المقالات الحربية بالصحف الألمانية من المتخصصين في هذا المجال والتي أشادت بانتصار ألمانيا على فرنسا وبمقدرة الجندي الألماني على حسم المعركة لصالحه. كانت هذه الدعاية تهدف بالأساس إلى زيادة حماس الجيش على مواصلة الحرب وتحقيق مزيد من الانتصارات، وكذلك إقناع الشعب الألماني بقدرات الأسلحة الحديثة التي يمتلكها الجيش النازي.

كما أن وسائل الحرب النفسية التي اتبعها جهاز الحرب النفسية التابع للقيادة الحربية النازية استطاعت أن توهم المستمع الأجنبي بأنه ليس هناك أي جدوى من استمرار الحرب لأنها في صالح ألمانيا لا محالة.

4. المرحلة الرابعة الفترة من "يونيه - أغسطس 1940م":

ركزت الدعاية الألمانية من خلال وسائل الإعلام على توجيه الحرب النفسية ضد بريطانيا وأنها أصبحت في مركز ميئوس منه مقارنة بقوة ألمانيا التي لا حدود لها، كما اهتمت ببث الروح الوطنية لدى الشعب الألماني لمساندة قواته المنتصرة. وركز الإعلام الحربي على الدعاية للعمليات الخاطفة الناجحة التي قامت بها القوات الألمانية، كما ركزت إذاعة برلين على الدعوة من أجل السلام وإظهار أنها دولة مسالمة تعامل الفرنسيين بصورة جيدة، وأن بريطانيا رفضت مبادرات السلام الألماني.

5. المرحلة الخامسة: الفترة من "أغسطس - سبتمبر 1940م":

أكدت وسائل الإعلام الألمانية - خاصة الإذاعة - على سيادة ألمانيا الحربية وقدرتها على تحطيم أعدائها، وعدم الفائدة في مقاومة جيوشهم، وأن النصر حليفهم في كل معاركهم، كما بدأت المقالات الصحفية ذات الطابع الحربي والتي يكتبها عسكريون متخصصون في الحرب النفسية.. تصور الجندي الألماني بأنه الجندي الذي يستطيع أن يحقق النصر على أعدائه، وأن الجندية الألمانية تستطيع أن تتفوق على مثيلاتها في الجيوش الأخرى.

6. المرحلة السادسة: "سبتمبر 1940م - مايو 1941م":

بدأت وسائل الإعلام الحربي من خلال المنشورات والتحليلات والتعليقات الحربية بالإذاعة، تبرر لشعوب البلقان أسباب الغزو لمنطقة البلقان، وأن قواتها لا تبغي من وراء دخولها أراضيهم سوى حماية تلك الشعوب من خطر الدب الروسي. كما أخذت تتباهى بهذا النصر بسيطرتها على منطقة البلقان، وبدأت تسخر من الجيش البريطاني بعد أن طرد على يد الجيش النازي من اليونان، وادعت أن انتصارات البريطانيين على القوات الإيطالية لن تؤثر في نتائج الحرب، واتهمت الولايات المتحدة بأنها تدعم استمرار الحرب من خلال إمداداتها المستمرة لبريطانيا ولقواتها الحربية.

7. المرحلة السابعة: "الحرب الألمانية على الجبهة الروسية" - يونية 1941م - فبراير 1942م:

ركزت أساليب الدعاية والحرب النفسية على إيجاد المبرر لغزو القوات الألمانية لروسيا، وزعمت أن ألمانيا تدافع عن أوروبا حتى لا تقع تحت براثن الخطر الروسي والنظم البلشفية. كما صورت روسيا على أنها دولة معتدية بعد أن نقضت اتفاقها مع ألمانيا بهجومها على بولندا - في أول الأمر - واستيلائها على إستونيا ولاتفيا ولتوانيا تلك الدول التي كان لألمانيا مصالح اقتصادية فيها.

وبدأت حملة دعائية بواسطة ضباط ألمان متخصصون في الحرب النفسية بعد أن أعيد تنظيم جهاز الدعاية، تهدف إلى طمأنة الشعب الألماني إلى سلامة الموقف الحربي على الجبهة الروسية ورفع روحه المعنوية. وتباهت الدعاية النازية في بادئ الأمر بانتصارها، وعندما توالت الهزائم على الجيش السادس الألماني في ستالنيجراد، أسرعت الدعاية الألمانية إلى حث الشعب والجنود على التكاتف والصمود والالتفاف حول قادته، وحاولت أن تجعل من التضحيات التي قام بها آلاف من الجنود الألمان على الجبهة الروسية ملاحم أسطورية.

دور الإذاعة الألمانية في الدعاية

أدت الإذاعة دوراً هاماً منذ بداية العمليات الحربية في أول سبتمبر 1939م، وانضمت سبع مجموعات دعائية خاصة ألحقت بالوحدات الألمانية التي قامت بغزو بولندا، حيث بثت هذه المجموعات تقارير إذاعية مجَّدت فيها الحرب الخاطفة والقدرات الحربية الألمانية. كما أنشأت القوات الحربية النازية محطات إذاعة لها في كل الدول التي احتلتها من أجل خدمة الدعاية الألمانية.

كما قامت القوات الألمانية بتوزيع أجهزة راديو صالحة لاستقبال بث الإذاعات المحلية فقط وليس لديها إمكانية التقاط الإذاعات الأجنبية. كما لجأت إلى استخدام أجهزة التشويش على الإذاعات المعادية لها، وفرض الحظر على الاستماع إلى الإذاعات الأجنبية، كما أنشأت محطة إذاعية للدعاية السوداء من أجل مواجهة الدعاية المضادة خاصة من جانب بريطانيا. ومنذ منتصف عام 1944م أصبحت ألمانيا تميل إلى السرية وإلى العمل كدعاية سوداء من أجل محاولة غرس الشقاق وتدمير تحالف الدول المعادية لها، ولكن كانت قوة الرايخ الحربية التي اعتمدت عليها الدعاية قد بدأت في الضعف والاتجاه نحو السقوط، ولم تكن الحيل الدعائية الألمانية قادرة على إنقاذ الوضع.

دور الصحافة الألمانية

أبرزت من خلال مقالاتها التي كان يكتبها متخصصون عسكريون في الحرب النفسية إلى تحقيق عدة أهداف منها على سبيل المثال:

1.   إبراز صورة الجندي الألماني المتفوق على أعدائه.

2.   محاولة رفع معنويات الشعب الألماني بالرغم من الخسائر الضخمة التي تحملها خاصة بالجبهة الشرقية.

3.   زيادة حماس الشعب الألماني وجيشه وإقناعهم بقدرة قواتهم وإمكانيات قياداتهم ومصداقيتها.

4.   التأكيد على دخول الجيوش الألمانية لبعض الدول الأوروبية، بهدف مساعدة الشعب الألماني المضطهد داخل تلك الدول.

الإعلام الحربي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية

الوسائل الدعائية التي استخدمتها القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية:

استخدمت القيادات البريطانية عدة وسائل كان أهمها من الناحية التكتيكية النشرات، ومكبرات الصوت للوصول إلى جماهير محددة، واستخدام الراديو كوسيلة إستراتيجية للوصول إلى قاعدة كبيرة من الجنود، وأفراد الشعب.

1. النشرات

من الأسلحة الرئيسية التي استخدمت بشكل مباشر في الدعاية، سلاح النشرات، وتمَّ استخدام عنصر التخويف، من أجل دفع العدو إلى الاستسلام، وقد تعلمت بريطانيا كثيراً من خلال هذا النوع من الدعاية خلال الفترة ما بين الحربين.

2. مكبرات الصوت

استخدمت القوات البريطانية مكبرات الصوت كسلاح تكتيكي، كانت توضح من خلاله كيف يستطيع جندي القوات المعادية أن يسلم نفسه بأقل مجازفة، وكان الجنود الألمان الذين يستسلمون يستخدمون مكبرات الصوت ويفسرون من خلالها أسباب استسلامهم وحقيقة أنهم غير نادمين.

3. الإذاعة

بدأت المصانع الحربية البريطانية في إنتاج أجهزة راديو ذات موجة قصيرة وبسعر رخيص، ووزعتها في المناطق والدول التي تتواجد فيها القوات البريطانية. وتم تشكيل جهاز حربي للدعاية داخل وزارة المعلومات البريطانية منذ بداية عام 1940م هدفه بث المعلومات الحربية عن المعارك وبصورة صادقة حتى تجذب المستمع من كل أوروبا، وأصبحت هذه الدعاية قوة مؤثرة بالخارج، أحس الألمان بخطورتها عندما بدأ الشعب الألماني يستمع إليها للحصول على الحقائق.

طرق الدعاية البريطانية

1. الدعاية السوداء:

لجأ الإعلام الحربي البريطاني إلى استخدام الدعاية السوداء- من خلال متخصصين في الحرب النفسية - من أجل تحقيق الأهداف الدعائية، ويرجع السبب في إنشاء هذه الدعاية السوداء إلى التزام هيئة الإذاعة البريطانية، الصدق والموضوعية في تقديم موضوعاتها من أجل المحافظة على سمعة تلك الهيئة. كما لم تعد الدعاية السوداء مجرد رد فعل بريطاني على الأساليب الدعائية الألمانية، بل كانت سلاحا هجومياً، حيث لجأ المتخصصون في الحرب النفسية إلى استخدام أساليب الحيل والخداع من أجل تحقيق أهدافهم.

كما استخدمت القوات البريطانية الإذاعة المجهولة المصدر - قرب نهاية الحرب - فظهرت محطة "Soldat Sender"، وادعت أنها تدار بواسطة الجنود الألمان العاملين في الجبهة الغربية. ولم تتقيد نشرات تلك الإذاعات المجهولة المصدر بقواعد الأمانة والصدق المألوفة التي التزمت بها الخدمات الإذاعية الأخبارية الموجهة من هيئة الإذاعة البريطانية في أوروبا، حيث كانت الإذاعات المجهولة تقوم بنشر الشائعات الهدامة والأكاذيب، وكان في إمكان الألمان الذين كانوا يضبطون وهم يستمعون إليها أن يدعوا جهلهم بمصدرها. وبهذا نجحت هذه المحطات - التي كان الجنود الألمان يعتقدون أنها رسمية - في بث الرسائل التي أدت إلى إحداث ارتباك وحيرة للقيادات الألمانية.

2. محطات الإذاعة السرية

أنشأت القيادة البريطانية عدداً من المحطات السرية في العديد من مناطق الصراع، تقوم باستخدام تكتيكات العمل الذي يعتمد عليه رجال الدعاية التقليديين، وحاولت هذه المحطات أن تؤثر على وطنية الألماني الذي ينتمي إلى الجناح اليميني، بادعائها أنه بالرغم من أنه لا غبار على أهداف ألمانيا، فإن النازيين ليسوا أصلح الناس لتحقيق تلك الأهداف، وأكدت تلك المحطات أن هتلر رجل حربي متطرف في وطنيته ويتسم بالجمود وينتمي إلى مدارس الفكر القديمة، وهاجمت النازيين على كافة المستويات واخترعت تفاصيل تسيء إليهم ولم يعد الملايين يعرفون ما إذا كانت الأوامر التي يطيعونها مصدرها "جوبلز" وزير الدعاية الألماني، أم أجهزة الدعاية البريطانية.

3. الحرب النفسية البريطانية من خلال الإذاعة

حققت الحرب النفسية التي خططها القادة العسكريون المتخصصون في ذلك المجال من خلال الإذاعة، نجاحاً كبيراً خلال الفترة ما بين عام "1939م - 1945م"، لأنها جعلت المستمعين يثقون فيها ويصدقونها. فالمعروف أن الأسلوب الدعائي الناجح يعتمد أساساً على ألاّ تُظهر أبداً أنك تقوم بالدعاية، وأنك تتحرى الصدق. كان للسرعة التي تميزت بها الإذاعة البريطانية في التعليق على الأحداث تأثيرها الدعائي المتميز، واستغلت بريطانيا الانتقادات والانقسامات الداخلية في بريطانيا في تقوية دعايتها، فإذاعة الانتقادات الموجهة إلى تشرشل في أثناء الحرب أشعرت المواطن الألماني إلى أي مدى هو عاجز عن عمل الشيء نفسه في بلده.

في عامي 1940م - 1941م كان الشيء الوحيد الذي تستطيع الدعاية البريطانية أن تفعله هو قول الحقيقة والاعتراف بالخسائر والهزيمة، وخلال تلك الفترة حاولت خطب تشرشل تحقيق أهداف ثلاثة هي: "إنذار الإنجليز بأبعاد الخطر المحدق بهم - توضيح أبعاد ذلك الخطر - تحديد كيف يمكن أن يسهم كل فرد في مواجهة هذا الخطر". وفي الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تعلن عن خسائرها الضخمة، كانت الإذاعات البريطانية تعمل بشكل طبيعي، وكأن الأحوال لن تتبدل في المستقبل.

وهكذا استطاعت الدعاية البريطانية التي امتزجت بالسياسة الإعلامية أن تحقق نجاحات عديدة لدى الشعب الألماني، حيث التزمت المصداقية في بياناتها خاصة المتعلقة بالخسائر في قواتها، بل واستطاعت أن تحدث ثغرة كبيرة بين القيادة الألمانية والشعب الألماني.

كذلك اتجهت الدعاية البريطانية إلى النيل من الروح المعنوية للقوات الألمانية، وإقناعها بأن تحقيق النصر قادم مهما طالت السنوات، وأن الهزيمة الحربية ستكون هي النتيجة الطبيعية للقوات الألمانية، ومع مرور الوقت وتوالي الهزائم الألمانية، بدأ يتأكد للشعب الألماني صدق الدعاية البريطانية وما تقوله.

ومن الأمور الطريفة التي استطاعت وسائل الإعلام البريطانية أن تجذب بها المستمعين من الشعب الألماني هو الإعلان عن أسماء أسرى الحرب، إذ كان لها وقع شديد الجاذبية لدى المستمع الألماني.

ولقد استطاعت الدعاية البريطانية أن تحقق نجاحات عديدة حتى لدى الشعب الألماني نفسه حيث التزمت المصداقية بياناتها خاصة المتعلقة بالخسائر، بل واستطاعت أن تحدث ثغرة كبيرة بين القيادة الألمانية والشعب الألماني. كذلك اتجهت الدعاية البريطانية إلى النيل من الروح المعنوية للقوات الألمانية وإقناعها بأن تحقيق النصر قادم مهما طالت السنوات، وأن الهزيمة الحربية ستكون هي النتيجة الطبيعية للقوات الألمانية.

بعض تجارب الدعاية النفسية من الحرب العالمية الثانية

1. استخدام الخَلق والتجديد في الدعاية

ثبت أن الدعاية يجب أن تستخدم الخلق والتجديد، لأن الدعاية ليست عملاً روتينياً، كما أن التكرار يمكن أن يؤدى إلى ملل الرأي العام وانهيار أهداف الدعاية، كما يجب عدم استخدام الدعاية في إطار وتيرة واحدة، ومن ثم فمن المهم استخدام عامل التغيير بصفة مستمرة.

2. انتهاز الفرصة والمفاجأة

من المهم انتهاز الفرصة بأسرع ما يمكن سواء أكانت هذه الفرصة خبراً أم مقالة أم حديثاً أم حدثاً، وبذلك توضع خطة الدعاية بما يحقق المفاجأة وانتهاز الفرصة المتيسرة بأسرع ما يمكن.

3. أسلوب إشعاع "مركز الدائرة"

نستخدم هذا الأسلوب حينما نريد أن نحصل على التجاوب مع موضوع معين، ومن ثم يجب أن تتفق الحملة تماماً مع الرغبة التي تجيش في صدور الجماهير، فإذا ما تأكدنا من ذلك، فيمكن العمل على توسيع الدائرة بحملة منظمة يتأكد نجاحها.

4. استخدام البساطة والهدف الواحد في أسلوب الدعاية

استخدمت البساطة في أسلوب الدعاية، مع تقسيم الفكرة إلى عدة نقاط يتم اختيار الأنسب منها، كما تم التخطيط على تهديد هدف واحد تعمل الدعاية على الوصول إليه، باعتبار أن تعدد الأهداف قد يؤدى إلى عدم تحقيق المطلوب، وكذلك خططت الدعاية على أساس توحيد الجهود ضد الخصم الأقوى للقضاء عليه أولاً، ثم تأتى مرحلة تالية توجه فيها الجهود ضد الخصوم الأقل.

5. أسلوب الصمت

من المعروف في الدعاية أنها لا تناقض نفسها، فإذا أصدر العدو بيانا رسمياً ,فنَّد فيه خطأ لنا وقعنا فيه خلال الدعاية، فيجب في هذه الحالة أن نتبع أسلوب الصمت، لأننا إذا عقبنا عليه سنعطى للعدو سلاحاً جديداً ليشهر بنا.

6. خلق موضوع جديد في الدعاية لتحويل الأنظار

امتلأت تجارب الحرب العالمية الثانية باستخدام الدعاية من خلال خلق موضوع جديد من أجل تحويل أنظار العدو إلى موضوع آخر، وهي تجربة أدت إلى نجاح العمل الدعائي في تشتيت أفكار الجانب المعادي.

7. مسايرة الرأي العام

يعتبر هذا الأسلوب من الأساليب الحيوية في إنجاح الدعاية، بحيث تتمشى هذه الأساليب مع الظروف المحيطة، بحيث تجئ في الوقت المناسب، الأمر الذي يؤدى إلى نجاحها وقبولها من قاعدة كبيرة من الجماهير.



[1]  أصبح الدكتور جوبلز وزيراً للدعاية في 14 مارس 1933م، وأصبح مسؤولاً عن إدارة الصحافة وإدارة الفيلم وإدارة الإذاعة وإدارة المسرح، وعين في المناصب الهامة الاشتراكيين القوميين، وأصبحت الإذاعة مخصصة لتحقيق أهداف الرايخ الثالث.