إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / فن المسرح، وتاريخه




الهولوجرام
المسرح اليوناني
المسرح الدائري

المسرح اليوناني
المسرح الروماني




فن المسرح، وتاريخه

6. المذهب الرمزي

الأدب الرمزي هو ذلك الأدب الذي يقرؤه القارئ العادي فلا يفهم منه إلا ظاهره، أما القارئ المتأمل فيفهم منه ذلك الظاهر، ولكنه لا يقف عنده، بل هو لا يكاد يمضي في القطعة الأدبية الرمزية حتى يبهره ما تحت سطحها. وتتفاوت الصور في الأدب الرمزي في مقدار ما فيها من الجمال والمعاني والأهداف، والأعجب من هذا أن قارئاً متأملاً، قد تتخايل له صور ذهنية جديدة غير التي تمر بذهن قارئ متأمل آخر. وهذا بالضبط ما حدث عندما نظم إبسن قصيدته المسرحية الرمزية "بيرجنت"، إنه لم يقصد مطلقاً أن تكون هذه المسرحية رواية تمثيلية تظهر على خشب المسرح، بل هو قد ألفها للقراءة ولتنبيه شباب بلاده الكسول المتراخي إلى عيوبه الخلقية والسلوكية، وإلى أنه يسلم روحه لأحلام الكسالى المتراخين في زمن استيقظت فيه الأمم على صوت الثورة الصناعية الاشتراكية المدوي، وما أحدثته الأفكار الفلسفية العقلية الجديدة من وعي عام في كثير من أركان العالم، لكن إبسن سمع أن رجال المسرح الألماني يخرجون مسرحيته الرمزية "بيرجنت"، فلم يملك إلا أن سافر لألمانيا ليشهد ماذا يصنع هؤلاء الألمان في تلك القطعة التي يكاد إخراجها في المسرح يكون مستحيلاً، فلما شهدها هناك راعه الإخراج، والتمثيل، لكن ما راعه أكثر وملك عليه تفكيره هو أن هؤلاء الألمان قد فسروا المسرحية تفسيراً رمزياً، وخرجوا لها من المعاني ما لم يخطر للمؤلف نفسه على بال. وهذا هو الأدب الرمزي.

والأدب العربي من أغنى الآداب العالمية بالرمزية، والكتب الدينية تزخر بأدب رمزي لا نظير له، وكذلك الكتب العربية الأدبية مثل ألف ليلة ورسالة الغفران للمعري.

والحركة الرمزية في الأدب الأوروبي الحديث حركة نشأت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ونشأت في فرنسا أول ما نشأت، وكان أبطالها رجالاً بعيدين عن المسرح وعلي رأسهم "مالارميه" و"ريمبود" و"فرلان" و"بودلير". والذي حفزهم إلى حركتهم الرمزية هو الرد على رجال المذهبين الواقعي والطبيعي. فقد أنكروا على هؤلاء اغترارهم بظواهر الطبيعة والواقع، وأن الحقيقة لا تبدو في صورتها الصادقة الأصيلة إلا في أعماق الأشياء وليس تحت سطحها، وكانت طريقتهم في الكشف عن هذه الأعماق بالرمز والإيحاء والتلميح، وليس بالجهر والفضح والتصريح، لأن الرمز والإيحاء والتلميح في نظرهم عوامل خلاقة، تولد المعاني في ذهن القارئ والمتفرج، بينما الجهر والتصريح والفضح من عوامل الهدم وتخريب الصور الفنية وتعويد ذهن القارئ والمتفرج البلادة والاتكال على غيره في معرفة الأشياء، والوقوف به عند ظاهرها وقوفاً خاطفاً. ولهذا السبب حفلت آداب الرمزيين وقصائدهم بالألغاز والمعميات.

وكثيرون من الرمزيين قوم لا يرون للحياة رسالة، ولا للعيش هدفا، ولا للدنيا قيمة، ومعظمهم يرفضون الأدب الموضوعي، سواء كان أدباً اجتماعياً أو أخلاقياً، وهم إنما يرمزون لمجرد الترف الذهني واللذة الفكرية المجردة، ولذلك كان المبدأ الذي يتشبثون به هـو مبـدأ "الفن من أجل الفن" و"الصور الجمالية من أجل الصور الجمالية".

7. المذهب التعبيري

منذ أن فاجأ فرويد العالم بنظرياته المهمة قي علم النفس الحديث، ومنذ أن أخذ يستكشف مجاهل العقل الباطن ومدي تحكمه في تصرفات الإنسان بما يختزنه من التجارب والانطباعات التي ترجع إلى عشرات الآلاف من السنين، بالإضافة إلى ما يختزنه من تجارب الماضي القريب وانطباعاته، شرع الكتاب المسرحيون يطبقون نظرياته التي آمنوا بها لما كشفت من أسرار النفس الإنسانية، وما أظهرت من خفاياها.

ويختلف مؤرخو الأدب المسرحي فيمن كان أول المؤلفين الذين أخذوا يطبقون المذهب التعبيري في المسرح، وهم مع اختلافهم هذا متفقون بشكل أكيد على أن المذهب التعبيري ظهر في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حوالي عام 1891م، وذلك حين كتب "فرانك ودكند" Frank Wedekind مسرحيته "اليقظة المبكرة"، التي لم تمثل إلا في عام 1906م، والتي استعمل فيها بدعة الأقنعة القديمة وغيرها من الرموز التعبيرية، والتي كتبها بهذا الأسلوب الخطابي الممتلئ بالمنولوجات الطويلة.

ثم جاء بعد ذلك الكاتب السويدي "سترندبرج، مؤلف مسرحية "الأب" من المذهب الطبيعي، فكتب عدداً من المسرحيات التعبيرية من أروعها مسرحية "لحن الأشباح".

ثم قامت حركة تعبيرية أخرى في ألمانيا بين عامي 1915-1925م، ترمي إلى مقاومة المذهبين التأثيري والطبيعي، وكان روح هذه الحركة التعبيرية الثانية هو لباب المذهب التعبيري نفسه، أي تصوير دخيلة النفس الإنسانية، وعدم الانخداع بالمظاهر السطحية التي قد تدل على شيءً مطلقاً مما فطرت عليه نفس الشخص وما اندس فيها من غرائز و أسرار، وهو نقيض ما يذهب إليه المذهبان التأثيري والطبيعي وكان هدف التعبيريين الدعوة إلى مُثل جديدة تنقذ المجتمع الألماني مما أفسده به التأثيريون والطبيعيون من ذلك التحلل الأخلاقي الذي أدى إليه تصويرهم مظاهر حياة الناس كما هي، دون تعمق ما وراء هذه الحياة الظاهرية من أسرار ودخائل، وما أدت إليه أصول المذهب الطبيعي خاصة من التماس هذه الصور في أحط البيئات الإنسانية.

ومن كتاب الحركة التعبيرية في المسرح "إرنست تولر Ernst Toller"، و"بخر Becher"، و"قيصر Kaiser"، ثم الكاتب الأمريكي جون هوارد لوسون.

ثم قامت فئة أخرى من رجال المذهب التعبيري شغفت شغفاً شديداً بالتغلغل في خفايا النفس البشرية، وجعلت هدفها تقديم مجتمع جديد وهيئة إنسانية أكثر سعادة. ومن رجال هذه المدرسة الكاتبان ورفل وكافكا، ثم برز من رجالها أعظم كتاب أمريكا المسرحيين "أوجين أونيل"، ذلك الكاتب الذي لم يدع مذهباً من مذاهب الكتابة المسرحية إلا نبغ فيه، حتى أحدث في دنيا المسرح ضجيجاً لا يقل عما أحدثه هاويتمان وبرنارد شو من رجال المسرح الحديث.

أما أهم سمات المسرح التعبيري فاشتمال المسرحية التعبيرية على شخصية رئيسة واحدة تعاني أزمة روحية أو ذهنية أو نفسية، على أن ترى البيئة والناس في المسرحية من خلال نظرة تلك الشخصية الرئيسة إليهما، على أن تكون نظرة متفرسة يترجمها مؤلف المسرحية ويعبر عنها بوسائله المسرحية الرمزية.

وتتألف المسرحية التعبيرية، عادة، من عدد كبير متتابع من المشاهد والمناظر التي تصور منازل الطريق، وهي المنازل التي يحط فيها البطل رحاله من حين إلى آخر أثناء تجولاته في دنياه الداخلية الخاصة، وهو يعاني أزمته النفسية حتى تنتهي تلك المنازل بمصيره المحتوم الذي لا مفر منه. ففي المسرحية التعبيرية لا يري المشاهد إلا هذه الشخصية الرئيسة، أما ما عداها من الشخصيات فتبدو أشبه بشخوص الأحلام، غير محددة المعالم، شخوصا تسبح في عالم من الظلال، وفي دنيا مهوشة مشوهة لا تكاد العين تستبين فيها شيئا كاملاً، أو منظراً تاماً. إنها شخصيات مساعدة لا أكثر، كلها في خدمة البطل لتتركز كل الأضواء عليه.

وفي المسرحية التعبيرية لا بأس من أن يكون المشهد الأول من مشاهد الحياة الواقعية، وذلك لتيسير الدخول في الموضوع وعرض العقدة النفسية التي سينطلق منها البطل ليندفع في المناظر الكثيرة التالية إلى مصيره ولما كان الهدف من المسرحية التعبيرية هو تصوير دخيلة النفس وتجسيم تجارب العقل الباطن، فليس مهماً تصوير المظاهر الخارجية المحتملة الوقوع.

وشخصيات الروايات التعبيرية نماذج لا أفراد عاديين. ومن ثم يسمون بأسماء رمزية، أو ندعوهم الرجل أو المرأة، أو السيد صفر أو الشاعر أو الشرطي، الخ.

كما أن لغة المسرحية التعبيرية لغة مقتضبة، يكثر فيها حذف أواخر الجمل، كما إنها لغة سريعة تلغرافية لاشيء فيها من الزخارف البلاغية. بل يحسن أن تكون لغة دارجة في معظم الأحيان حتى تبتعد عن اللغة الرسمية التي لا يستعملها الناس في تفكيرهم الخاص.

أما التمثيل التعبيري فيكون سريعاً شديد التحدر، خيالياً، متنوع المناظر، مصحوباً بالموسيقي والأصوات الرمزية، حافلاً بالحيل المسرحية كالأقنعة والملابس الغريبة والإضاءة التي تثير الخيال، غنياً بالديكورات. والإضاءة في إخراج المسرحية التعبيرية عامل أساسي من عوامل نجاحها، وعادة ما يكثر المخرج من الأركان الشاحبة والمعتمة.

والمسرحيات التعبيرية لا تحلل أو تعلل أو تعلق، وإنما فيها بعض الشبه من المسرحية الطبيعية، وإن خالفت من حيث تصوير أعماق النفس الإنسانية، في حين أن الطبيعيين لا يصورون إلا السطح والحياة المادية فقط. وهي إن لم تكن حسنة الإخراج بدت رتيبة مملة، بل سخيفة مربكة، لكنها مع ذلك أحسن وسيلة لتصوير دخائل النفس الإنسانية تصويراً مسرحياً يعين على فهم الخلجات العميقة مجسمة فوق المسرح.

وقد كتب "أوجين أونيل Eugene Oneil" مسرحيته التعبيرية "الإمبراطور جونز" عام 1920م في ثمانية مناظر، وهي تعد من علامات التعبيرية المسرحية.

8. المذهب السريالي

المذهب السريالي هو المذهب الذي يحلق وراء الحدود المألوفة لما اتفق على تسميته الواقع، وهو يحاول أن يمد الفنون والآداب بما لم تألفه من المواد الغريبة عليها، أو المواد التي لم يسبق للكتاب والفنانين أن يستعملوها، إما رهبة منها أو جهلاً بها أو لعدم قدرتهم على تكييف طريقة تناولها، ومن ذلك المزج في المسرحية الواحدة أو القصة الواحدة أو الصورة أو التمثال الواحد بين تجارب العقل الواعي والعقل الباطن، ومن ضرورات هذا المزج ألا يخضع الكاتب أو الشاعر أو الفنان لأصول المنطق والتفكير المقعد السليم، وذلك لأن من أهم قواعد السريالية أن تتغلب سمات العقل الباطن وصبغته على سمات العقل الواعي وصبغته في عملية المزج بين تجارب كل منهما في رواية الكاتب أو قصيدة الشاعر أو صورة الرسام أو تمثال المثال. ومن آثار غلبة العقل الباطن هذه على العقل الواعي هذا التحلل من أصول المنطق والتفكير المقعد السليم.

والرومانسية توشك أن تقترب من السريالية، وذلك لأن من أهم أصول الرومانسية تغليب العاطفة والخيال على الأمور العقلية.

ومهما يكن من اختلاف الآراء في السريالية، فالكاتب أو الفنان الذي يأخذ بهذا المذهب يفضل ألا يرتبط بالأوضاع المعروفة في المذاهب الأخرى، وهو لذلك يأبى التقيد في المسرحية بالقالب الواحد يصب مسرحيته فيه كما يفعل الكاتب الكلاسيكي أو الكاتب الطبيعي أو الكاتب الواقعي، بل هو يؤثر التنقل في المسرحية الواحدة بين الأجواء المختلفة، تلك الأجواء الفالتة المتحللة من العرف والتقاليد، وهذا التحلل من العرف والتقاليد هو من سمات الرومانسية.

ويعتبر "هجل" و"سيجموند فرويد Sigmond Freud" و"كارل ماركس Karl Marx" مسؤولون عن السريالية بالرغم من إنهم لم يبتكروها، فقد نادي "هجل" بضرورة هدم الماضي كله لبناء مستقبل سعيد على أنقاضه، في حين أذهل "فرويد" ألباب العالم من أبحاثه السيكولوجية المهمة التي أثبتت مدي تسلط عقلنا الباطن وهيمنته القاهرة علينا، وتحكمه في تكييف أخلاقنا، وبالتالي في عقلنا الواعي. أما "ماركس" فقد دوى صوته مطالباً بهدم الرأسمالية وقيام نظام ينصف العامل ويشد أزره وينقذه من أنياب الرأسماليين.

وبذلك كان هؤلاء الثلاثة مسؤولين عن ابتكار السريالية التي لم يعرفوا شيئاً عنها، حيث ارتجل الروسي "ترستان زارا" وابتكر اسم السريالية وكان ذلك في العام 1916م، وذلك حين أطلقه على تلك الحركة الهدامة التي اختلجت في نفوس الداعين إلى القضاء على جميع موازين الآداب ومقاييس الذوق، والذين وجدوا في دعاوى ماركس العريضة رسالة جديدة تبشر بمجتمع جديد، له فنه الجديد وأدبه الجديد.

وقد أطلق على حركة السريالية في أوائل القرن العشرين الميلادي التي بدأها "ترستان زارا" كلمة "دادا"، أي بابا، وهي الكلمة التي أطلقها أتباع هذا المذهب على ثورتهم العاصفة بجميع القيم الأخلاقية، والسخرية ما وسعتهم السخرية بما توارثه الناس من آداب وتقاليد وشرائع ومثل.

أما الفن الجديد الذي كانوا ينشدونه، فقد وجدوه في تلك الكتابة اللاشعورية أو الكتابة التلقائية، التي كان "اندريه بريتون" هو أول من ارتفع بها إلى السريالية الصحيحة، وبالأحرى كان أول من انتشلها من بؤرة الفوضى التي قضت فيها فترة الحضانة في موسكو.

وقد مرت السريالية بمراحل ثلاثة بعد ذلك:

المرحلة الأولى 1920 - 1924م، وهي تلك الفترة التي كان يتلمس فيها السرياليون الطريق إلى الفنون والآداب والسياسة باستحداث الوسائل التي يستطيعون بها تسخير العقل الباطن للإنتاج في هذا الميدان الرحب الفسيح.

المرحلة الثانية 1925 - 1930م، وهي تلك المرحلة التي تحقق فيها كيان السريالية بقيام الشيوعية الدولية، وكان ذلك مصحوباً بالإنتاج الفعلي في عالمي الأدب والفنون وفقاً للأصول اللاشعورية التلقائية الخالصة.

المرحلة الثالثة بعد عام 1930م، وهي المرحلة التي أخذ فيها معتنقو السريالية يتحللون بالتدريج من التبعية السياسية لموسكو، وهو تحلل يكاد يكون ردة للأصول التي سار عليها منشئو السريالية الذين كانوا ينكرون الوطنية، ويستهزؤون بالشرائع، ويسخرون من التقاليد، ويزرون بالأديان، ويكفرون بالأسرة. وكان من آثار هذه الردة أن أصبح كتاب السريالية يتهاونون، إلى حد ما، في الكتابة اللاشعورية أو التلقائية التي يكتبها الكاتب وهو شبه ذاهل عن نفسه، وعادوا يجيزون الكتابة الشعورية إلى حد ما، وهنا نشأت طريقة جديدة أو وجه جديد من أوجه السريالية هي طريقة الاضطراب الذهني، البارانويا، التي ينتاب الكاتب السريالي فيها حال أشبه بالشرود الفكري يصدر فيها عن مزاج سوداوي، يجعل أفكاره مفككة يكاد الربط بينها يكون معدوما، وهذه هي السريالية الحديثة التي نشأت في باريس واستقرت فيها حتى اقتحمها الألمان في الحرب العالمية الثانية.

والمسرحيات السريالية تكاد تشبه المسرحيات الطبيعية من حيث عدم اشتمالها على ذروة، ومن حيث إنها مجرد عرض صور لا تربطها إلا فكرة عامة، إلا أنها تختلف عن المذهب الطبيعي بهذا الجو الرومانسي الذي تجري صورها فيه، وإن اختلفت عن المسرحيات الرومانسية في أنها تشبه الحلم، وبالأحرى أحلام اليقظة التي هي من آثار سلطان العقل الباطن.

9. المذهب الصوفي

في أواخر القرن التاسع عشر، وفي الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي، قامت حركة أدبية قوية في أيرلندا كان أبطالها يهدفون إلى ما تهدف إليه الحركة السياسية الثورية هناك من الانفصال عن إنجلترا.

ومن ثم كان لهذه الحركة طابعها الفذ المستقل عن الأدب الإنجليزي بعامة، شعره ونثره وأغراضه.

وقد تميزت تلك الحركة في دنيا المسرح بانطباعات عدة أهمها ما كان يدعو إليه الكاتب المسرحي جون ملينجتون سين John Millington Synge 1871 - 1909م، وليدي أوجستا جريجوري Lady Augusta Gregory 1852 - 1932م ، ووليم بتلر ييتس William Butler Yeats 1865-1939م، من الثورة على المذهب الواقعي وتجريد المسرح والمسرحية للأغراض الأدبية الخالصة البعيدة عن الأفكار، التي لا تنشد إصلاحاً ولا تهتم بنقد المجتمع، أو التبشير بفلسفة اجتماعية خاصة، وكان سين يتحمس لهذا تحمساً شديداً، ويحتج له بأنه لا بد للمسرحية أن تكون عملاً فنياً خالصاً يسمو بالنفس البشرية ويعلو بها فوق عذاب هذه الحياة المملة المتعبة المكتظة بالآلام والمواجع، تماماً كما تفعل الموسيقي السيمفونية.

من أجل ذلك اتجه الكتاب نحو الأسطورة والأسطورة الدينية، ونحو تصوير الروح الريفي الذي تزيده طبيعة الجزيرة الأيرلندية فتنة على فتنة وسحراً فوق سحر.

وقد اتجهت ليدي جريجوري ووليم ييتس بالمسرحية اتجاهاً صوفياً روحانياً، وهو ما يكاد يشبه ما حدث في عالم التصوف الشرقي، حينما انقسم المتصوفة في الشرق فكان منهم من حافظ على روح الشريعة، وإن ساروا بفرائض الدين في طريق كله تزكية روحية وصفاء مستنير وتطهير وجداني لا غبار عليه، وكان منهم فئة أخرى ضالة استعلت على العلم والشريعة، فزعمت أنهما للعامة، العامة التي لا بد أن تؤخذ بالعلوم والفرائض والشرائع والقوانين تضبط حركتها وتقيد تصرفاتها في كل شيء، في العبادات وفي المعاملات على السواء. أما الخاصة وهم صفوة المتصوفة فيما يزعم هؤلاء، فهم أهل الحقيقة، وهم لذلك لا يتقيدون بما يدعو إليه الدين من فرائض، وما يلزم به العامة من علم ومن شرائع وقوانين، وكلا الفريقين يدعو إلى التخلص من مادة هذا العالم والاندماج في الذات الإلهية.

وتكاد ليدي أوجستا جريجوري تمثل الفئة الأولى، ويكاد وليم بتلر ييتس يمثل الفئة الثانية.

والمذهب الصوفي خليط من المذاهب الرومانسية والرمزية والسريالية، كما أن له صلة واضحة ببذرته الأولى، وهي المسرحية الدينية ولاسيما النوع الأخلاقي منها. وقد كتبت ليدي جريجوري مسرحيتها الصوفية "الرجل المسافر"، في حين كتب ييتس مسرحية على نمط هذا المذهب هي "حيث لاشيء". كما تجدر الإشارة إلى مسرحية "كل حي"، وهي مسرحية أخلاقية تنسب إلى مؤلف مجهول في عصر إدوارد الرابع Edward IV 1461-1483م، وقد مثلت هذه المسرحية في الميادين العامة قديماً، إلا أنها أعيد إخراجها في العصر الحديث في كل من إنجلترا وأمريكا ونالت نجاحاً وأقبل عليها الجمهور إقبالاً شديداً، وذلك لما فيها من الإثارات الدينية القوية التي تلائم أمزجة الجمهرة المتدينة في كل أمة من الأمم.  

10. المذهب الوجودي

الوجودية نسبة إلى الوجود، ولكل شيء عند الوجوديين وجود وصورة، والصورة هي مجموعة من الخصائص والصفات الثابتة التي يتصف بها الشيء، فهي جوهر الشيء الموجود أو ماهيته، أو ما هويته، كما يعبر عنها بعض الوجوديين نسبة إلى ما هو؟.

أما الوجود فهو كينونة الشيء بالفعل في هذا العالم، والشيء لا تكون له صورة إلا إذا وجد أولاً، ولذلك كان الوجود سابقاً على الصورة في نظر الوجوديين، وهم في ذلك يختلفون عن أفلاطون في نظرية المثل المشهورة التي تجعل الصور سابقة على وجود الأشياء. وهكذا يقول الوجوديون بوجـود الأشياء أولاً، ثم تتولى هي بنفسها صيرورتها إلى الصورة التي تريد.

والوجوديون يقصدون بهذا الكلام عن الوجود والصورة، الإنسان قبل أي شيء آخر، بل لعلهم لا يقصدون به شيئاً آخر غير الإنسان، ويذهب "جان بول سارتر Jean Paul Sartre"، إلى أن وجود الأشياء يأتي بعد صورتها إلا في الإنسان، إذ يتحقق وجوده أولاً، ثم تتحقق صورته: أي صفاته، أو ماهيته، أو هويته، بعد ذلك.

وهذه الفئة من الوجوديين، هي الفئة المادية التي تنكر وجود الخالق - سبحانه - الذي يخلق الناس وهم ينكرون وجود الخالق لأن الإنسان الوجودي في نظرهم هو الذي يتولى خلق أعماله، ويحدد صفاته أو ماهيته أو صورته بنفسه، وعلى ضوء ما يراه بعد أن يفكر ويختار اختياراً حراً لا يمليه عليه أحد من الخارج. حتى ولو كان هذا المملي من الوجوديين أنفسهم.

على أن من الوجوديين فئة أخرى تؤمن بوجود الخالق، وهؤلاء هم الوجوديون الدينيون، أو الوجودية المؤلهة، أي التي تعترف بوجود إله خلق الإنسان، لكنه لم يخلق أعماله. إن الله في نظر هؤلاء الوجوديين الدينيين يخلق الإنسان، ثم الإنسان بعد ذلك هو الذي يخلق أعماله بنفسه، أي أنهم يرفضون فكرة الجبر، ويؤمنون بفكرة الاختيار. ومن هنا كانوا يؤمنون بوجود الإنسان أولاً، ثم بالصورة التي يخلقها الإنسان ثانياً.

أما الوجوديون الملحدون الذين لا يؤمنون بوجود إله، فزعيمهم هو "جان بول سارتر"، ومنهم "مارتين هيدجر Martin Heidegger"، و"ألبير كامي Albert Camus"، و"سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir". وتقوم فلسفة هؤلاء على وجوب أن ينظر الإنسان في مجتمعه، وفي العالم الذي يعيش فيه، وما يجب عليه أن يقوم به في هذا المجتمع وفي ذلك العالم، ليكون وجوده مشروعاً.

11. المذهب التجريبي

المسرح التجريبي مفهوم حديث، يرجعه بعض النقاد إلى ستانسلافسكي في محاولته لإنشاء معمل مسرحي لأحد تلاميذه، وإلى أنتونيان آرتود Antonin Artaud، في مسرحه "القسوة"، وتجارب العنف كما في مسرح فايس، وكلها وغيرها تجارب تحق عليها صفة التجريب، أو صفة الطليعية، طبقاً لمفاهيم العصر الحديث. إذ إن التجريب أصلاً هو ما كان يتعلق بعرض خاص، له مواصفات فكرية وتنفيذية كالتي حققها ماكس رينهارت Max Reinhardt، في مسرحه الخاص الصغير.

والحقيقة أنه ليس هناك تاريخ ثابت لتحديد نشأة المسرح التجريبي، وإن كانت ثمة بدايات قد طالعنا بها ظهور المسرح الحديث، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وفي مقدمة هذه البدايات مسرح "أندريه أنطوان Andre Antoine"، مؤسس المسـرح الحر في فرنسا، إذ يُعدّ مسرحه من أوائل المسـارح التجريبية، التي ذاع صيتها في جميع أرجاء العالم، وكان تجريباً لجمهور عام.

كانت بداية المسرح الحر بداية متواضعة، ومع ذلك أصبح مسرحه المبني من الخشب في الفنون الجميلة بباريس، حيث قدم أنطوان أول عروضه للمسرح التجريبي، صرخة مدوية ورمزاً للقوي التقدمية في عصره، وقد نجح أنطوان، الممثل والمخرج، منذ اللحظة الأولى في وصل التعاون بين مسرحه وكتاب الأدب، خاصة الأكاديميين منهم، وعلى رأسهم إميل زولا. أما مسرحه فقد كان يتسع 343 متفرجاً، وكانت تسودهم روابط الأسرة. وقد كان مسرح أنطوان، بحق، ثورة على التقاليد المسرحية، واتجاهاً جديداً نحو الأسلوب الطبيعي بكل تفاصيله، فالممثلون في المسرح التجريبي يتحركون على المسرح حركة طبيعية، ولأول مرة أدار الممثل ظهره للجماهير، وكانت مفاجأة لم يعهدها أحد من قبل، وغالى أنطوان في أسلوبه، حين اقتضت بعض المناظر أن تظهر تماما كالطبيعة، فتجد محل جزار بلحوم حقيقية، ومحل صانع أحذية بكل عدده وعدته. ولم يكن أنطوان ليرضى مطلقاً، إلا أن يحاكي الطبيعة بحذافيرها.

وظهر، فيمن ظهر من أعلام المسرح التجريبي الحديث في فرنسا، المخرج "جاك كوبوه"، الذي أنشأ مسرح "الفييه كولامبيه" عام 1913م. ومن دوافع تأسيس مسرحه الجديد، ضيقه الشديد بالوسط المسرحي والمسرحيين في أيامه. وقد كان "كوبوه"، حين أسس مسرحه، غير مهيماً باتجاه مسرحي معين، إلا أنه أوضح فلسفة مسرحه الجديد بنشرة يختلف فحواها عمقاً، عما سبق أن جاءت به نشرات المسارح التجريبية الأخرى، في عصره.

وحين بدأ "كوبوه" مسرحه، بدأه بأحد عشر ممثلاً، راحوا يقرأون المسرحيات بصوت عال، ويرتجلون المشاهد التمثيلية، ويؤدون التمرينات الإلقائية والحركية، التي تعينهم على الأداء الفني السليم.

وهكذا ضرب مسرحه أروع الأمثلة في حقل التجريب المسرحي، حتى صارت مسرحياته الأسس، التي نهج على منوالها تلاميذه من بعده، أمثال: جوفيه وديلان وبيتويف وباتي.

أما دعاة التجريب بمعناه الطليعي، مضموناً وشكلاً والتزاماً، فقد مارسوه بشجاعة، وأبدوا فيه نشاطاً ملحوظاً، نحو تطوير حركة الطليعيين المسرحيين، في مجال المسرح، في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، حسب رأي "جيمس روز ايفانز"، التي أنتجت عدداً من الأشكال المسرحية، ما زالت تواصل رسالتها، ومنها على سبيل المثال؛ مسرح اللامعقول، ومسرح البوب، المسرح التجريبي الذي يتناول موضوعات حديثة، ومسرح الجريدة الحية، والمسرح التسجيلي.

وتلك الأشكال، وما إليها من أشكال التجريب الطليعي، هدفها البحث عن الإمكانات الجديدة، والأغوار البعيدة، لفن الدراما بأوسع المفاهيم.

والمسرح التجريبي بأشكاله المسرحية المتعددة، لا يجتذب، خاصة في بداية عهده، إلا الخاصة المتخصصة، إذ إن الإنتاج، في الغالب، يتمتع بدرجة عالية من التقدير الفني والفكري، خاصة ما يتعلق بتكتيك الفن المسرحي. إلا أنه بمضي الوقت أخذ شكلاً جماهيرياً، كمسرح اللامعقول والمسرح التسجيلي.

ومن أشهر المسارح التجريبية المعاصرة في إنجلترا، مسرح "ستوك أون ترنت"، الذي يتخذ لنفسه شكل المسرح في الدائرة. وتقدم فرقته عديداً من التجارب المسرحية، التي لا تعتمد على الديكور، وإنما على كافة المؤثرات التكنولوجية التي تسهم في إثراء العمل المسرحي. والمسرح في الدائرة، أو مسرح الحلقة، (اُنظر صورة المسرح الدائري)، يتمتع بمزايا عدة، أهمها:

أ.   منصة للتمثيل تختلف جذرياً، عن منصة التمثيل التقليدية المغلقة، بحيث تعطي الممثل فرصة أكبر لاكتساب حصيلة جديدة من حرفية الأداء، وهو محاط بالجماهير من جميع الجهات.

ب. مسرح بسيط في إنشائه، اقتصادي في نفقات الصرف على برامجه.

ج. مسرح يربط المتفرج والجمهور برباط الود، ويجعل من وجه الممثل شبيهاً بنظيره في السينما والتليفزيون، من حيث الرؤية والأثر الدرامي المباشر.

ويُعد مسرح "الهامستيد Hampstead" بحي سويس كوتدج Swiss Cottage  أشهر المسارح الطليعية بإنجلترا ، ويتسع المسرح لحوالي 150 متفرج. ولهذا المسرح فلسفة خاصة في مجال التجريب، إذ يشجع المحترفين من الممثلين للإدلاء بخبرتهم، واختبار مواهبهم على أعلي المستويات، بغض النظر عن الأجور الضئيلة، التي يدفعها لقاء ما يُتاح لهم من فرص.

وهناك أمثلة عديدة، لا حصر لها، من المسارح التجريبية المماثلة، التي أصبحت توصف بالمسارح الطليعية، ولكل من هذه المسارح، بالطبع، فلسفته وأسلوبه في العمل الطليعي.

كانت تجربة "أنطوان" ثورة على القديم بكل مفاهيمه ومقوماته، والاتجاه بالمسرح جذرياً نحو محاكاته للطبيعة. وكانت محاولة "فسفولود ميرهولد Vesvolod Meyerhold" الروسي، في الاستعانة بالرمزية والتعبيرية، في تجسيد العمل المسرحي، ثورة ضد أستاذه "كونستانتين ستانسلافسكي Konstantin Stanislavski"، محقق الواقعية؛ ثم كانت تجربة "كوبوه" الفرنسي، نحو اكتشاف مسرح الغد، مسرح الجماعة، ورفضه الإيمان باتجاه معين دون آخر؛ ثم كانت الحركة الطليعية الحديثة في أوروبا، التي تمثلت في مسرح "اللامعقول"، وما بعده كمسرح "الواقعة"، والمسرح "المفتوح"، والمسرح "الحر"، والمسارح المشابهة، التي انتشرت في أواخر الستينيات، وبداية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي في أمريكا.

12. المذهب الملحمي

لا يكشف المسرح الملحمي عن شخصيات، ولا يعقد عقدة مسرحية، بل يروي قصة ويسردها. والقصة هي التي تستلفت النظر، وهي التي يتحتم عليها أن ترشد الممثلين وتهديهم. من ناحية أخرى، لا تبسط المسرحية الملحمية حدثاً كبيراً واحداً، بل تحبك عديداً من الأحداث الصغيرة التي تلقي الضوء على موقف ما من زوايا مختلفة.

وخاتمة الدراما الملحمية أو الملهاة ليست لها في الواقع إلا أهمية ثانوية. فكثير من المتفرجين الذين شاهدوا "فيدرا" لا يذكرون بالطبع الطريقة التي تنتهي بها المسرحية، فالقصة بالفعل هي التي تستلفت النظر. ولا يسري هذا القول على مسرح "برخت" فقط كما في "فيدرا" و"أندروماك"، بل في كل مسرح ملحمي جدير بهذا الاسم. مثلاً تروي "أنتيجونا" قصة امرأة شابة تعرض نفسها للموت طاعة للقوانين غير المكتوبة. وتروي "فيدرا" قصة زوجة رجل مسنّ تطلق لنفسها العنان وتصرح لابن زوجها بأنها تحبه؛ لأنها ظنت أن زوجها قد مات، ويعود الزوج. وتروي مسرحيات شكسبير قصصاً من الجمال بحيث حولها البعض إلى حكايات زادت من شهرة مؤلفها وذيوع صيته. وتروي "حرب طروادة" قصة رجلين حسني النية ظنا أن الحكمة يمكن أن تجنبهما شرور الحرب، وتروي "الخرتيت" قصة رجل يرفض أن يتبع حركة تقليد القطيع التي تدفع إلى العبودية.

وسر جاذبية هذه القصص الملحمية يكمن في نهاية الأمر في موقف لا مخرج منه:

"فيدرا" أمام حب محرم، "أنتيجونا" أمام إخلاص محرم، عطيل الأسود أمام امرأة بيضاء من الجمال والطهر بحيث ترمز إلى التملك المحرم، وهكذا.

أما عن الطبائع والدراسة النفسية التقليدية التي أشتهر بها المسرح الملحمي فهي مقتضبة.

ويحاول الشاعر الألماني برخت في مسرحه الملحمي أن يبين الكائنات في مواجهة بناء اجتماعي يكونها ويوجهها ويلزمها، والجدية توجد عند برخت في مسرحه بالقدر الذي يريد أن يبين به في المسرحية الواحدة بيئة اجتماعية بعاداتها ومعتقداتها، وتطوراً موازياً لها في الأفكار والأفعال وطباع البشر، هذه الحركة التاريخية المزدوجة هي ما أراد أن يبرزه في مسرحه الملحمي الذي يلقي الضوء على أثر متبادل، أثر البشر على المجتمع، وأثر المجتمع على البشر. وبهذا القدر يعبر المسرح الملحمي عن إثراء للمعرفة الإنسانية.

وقد اتهم برخت المسرح التقليدي بأنه يقدم طبائع ثابتة فقط لا غير، وأكد على الواقعية التي تقول بأن الإنسان غالبا ما يكون نتاجاً للأحداث. وتعدّ مسرحية "جاليليوجاليلي" من أشهر مسرحيات برخت والمذهب الملحمي في الوقت ذاته، وهي تروي حياة العالم جاليليو.