إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / إذاعة صوت العرب




مبنى الإذاعة والتليفزيون
مبنى الإذاعة المصرية





المقدمة

المقدمة

     عرفت مصر الإرسال الإذاعي في العقد الثاني من القرن العشرين، وذلك في صورة محطات إذاعة خاصة، أو أهلية ذات طابع تجاري محض. وكانت هذه المحطات تحمل أسماء أصحابها، أو أسماء شخصيات عامة، وعلى سبيل المثال، كان هناك راديو سابو، وراديو فريد، وراديو صايغ، وراديو الأميرة فوزية، وراديو مجازين. ومن الصعب الحصر التام أو الكامل لأعداد تلك المحطات أو أسماءها، لأن بعضها كان يتوقف بعد فترة قصيرة، وبعضها يندمج مع محطات أخرى. إلا أن عدد هذه المحطات، عند صدور القرار بإلغاء المحطات الخاصة أو الأهلية، بلغ 11 محطة، عند بدء إرسال أول محطة إذاعية حكومية.

     وكانت معظم هذه المحطات تتركز في القاهرة والإسكندرية، وتذيع برامجها باللغة العربية، ما عدا قلة منها كانت تذيع بلغات أجنبية. وكان الإرسال في معظمه محدوداً، ولا يغطي إلا الحي الذي تقع فيه المحطة، أو جزءاً منه فقط. وكان أصحاب معظم تلك المحطات من التجار، الذين يرغبون في الدعاية عن بضائعهم، فتُرسل محطاتهم ما بين ساعتين وأربع ساعات يومياً، على فترة واحدة أو فترتين. وكانت البرامج في معظمها، تقوم على الإعلانات والأغاني والترفيه.

     ومع تكاثر هذه المحطات الأهلية، بدأت السلطات البريطانية تشعر بشيء من القلق تجاهها، خاصة أن الشباب الوطني استغل بعض هذه المحطات، لمهاجمة الحكومات القائمة. وبذلك أصبح احتمال استغلال تلك المحطات في نشاطات سياسية قائماً، إضافة إلى احتمال تسلل الفكر النازي إلى بعضها، فضلاً عن أن المهاترات والمواجهات الكلامية، بين المحطات الأهلية، بلغت حداً لا يمكن السكوت عليه. وبسبب ذلك ألغى المندوب السامي البريطاني سنة 1932، القرار الذي كان قد أصدره سنة 1926 بعدم إنشاء محطة الإذاعة الحكومية، ودعا أصحاب المحطات الأهلية إلى التعهد بإغلاق محطاتهم، فور إتمام إنشاء المحطة الحكومية. وواكب ذلك موافقة مجلس الوزراء، في 21 يوليه 1932، على إنشاء محطة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية، وأن تتولى شركة ماركوني Marconi التليغرافية اللاسلكية، البريطانية الجنسية، إدارة هذه الإذاعة وتشغيلها وصيانتها، وإعداد البرامج والمذيعين، على اعتبار أن تلك الشركة وكيلة عن الحكومة المصرية، من ناحية، ووفقاً لنصوص المعاهدة الدولية للبرق واللاسلكي المبرمة في واشنطن، في 25 نوفمبر 1927، والتي اشتركت فيها مصر، من ناحية أخرى.وفي تمام الساعة الخامسة والنصف، من مساء 31 مايو 1934 انطلقت أول محطة إذاعية حكومية في مصر، من خلال صوت المرحوم أحمد سالم، أول مذيع مصري. وكانت أول كلماته: "آلو..آلو.. هنا الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية".

     كان التعاقد الخاص بالإشراف على الإذاعة، بين الحكومة المصرية وشركة ماركوني، لمدة عشرة أعوام، تنتهي سنة 1944. ثم وافق مجلس الوزراء على تجديد العقد لمدة خمس سنوات أخرى، تنتهي عام 1949، وكانت الإذاعة الوليدة في ذلك الوقت، تابعة من الناحيتين الإدارية والفنية، لوزارة المواصلات، ثم انتقلت هذه التبعية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، عند إنشائها عام 1939.

     وفي مارس 1947، قررت الحكومة فسخ التعاقد مع شركة ماركوني، فاتحة الباب بذلك أمام مرحلة تمصير الإذاعة، وإبعادها عن إشراف أجنبي. وجرى بالفعل استلام الإذاعة من الشركة البريطانية، في نهاية مايو 1947. وفي أواخر يوليه 1949 صدر أول تشريع متكامل للإذاعة في مصر، جاء فيه: أن الإذاعة هيئة مستقلة ذات شخصية معنوية، تسمى الإذاعة المصرية، وتلحق برئاسة مجلس الوزراء، ويكون لها مجلس إدارة من ثلاثة عشر عضواً.

     وهكذا بدأت عملية التمصير تسير في طريقها السريع، إلى أن تحولت الإذاعة إلى جهاز مصري خالص، بعيداً عن أي سيطرة أجنبية. وقد شهدت فترة التمصير أحداثاً جساماً في تاريخ مصر، تأتي في مقدمتها حرب فلسطين عام 1948، وكان تأثيرها عميقاً على الإذاعة من عدة جوانب، أهمها:

1.   أن الإذاعة دخلت طوراً جديداً من أطوارها، وهو خدمة الأهداف السياسية للدولة تماماً، والابتعاد التدريجي عن الطابع، الذي ظلت تحافظ عليه منذ إنشائها. وتحولت الإذاعة إلى قلعة من قلاع الكفاح، من أجل تحقيق خطوات التمصير، من ناحية، وملاحقة التطورات السياسية، التي تدور على الساحة الوطنية من أجل قضايا الاستقلال والتحرر الوطني، من ناحية أخرى.

2.   أن حرب فلسطين تمثل بداية جديدة للإذاعة في عالم العلاقات بين مصر والعالم الخارجي، فقد تحولت الإذاعة إلى صوت مصر الموجه إلى العالم الخارجي، وكانت قبل ذلك تركز اهتماماتها في خدمة المصالح الأجنبية.

3.   ظهور جيل من الكتاب والمفكرين، تناول القضية الفلسطينية عبر الإذاعة بشكل جديد، حيث تركز خطابه الإعلامي على: أننا لا نواجه دولة، ولكن نواجه عصابات، وأن حرب العصابات بين العرب والكيان الصهيوني، ليست سوى قتل بين دول وعصابات.

     وفي سنة 1949، بدأت إذاعة ركن السودان إرسالها من القاهرة لمدة نصف ساعة كل أسبوع. ولم يكن برنامجها يتضمن سوى حديث عن السودان، وأغنية سودانية، وتعليق على الأنباء. وفي سنة 1952، زيدت فترة إذاعة ركن السودان إلى ربع ساعة يومياً، مع بقاء نصف الساعة الأسبوعية المخصصة له من قبل. ومرة أخرى، رئي في سنة 1953، زيادة فترة الإرسال إلى نصف ساعة كل يوم. وفي أوائل سنة 1954، تقرر تخصيص برنامج سوداني كامل ومستقل عن البرنامج العام، يذاع على موجة خاصة به، كما تقرر أيضا إنشاء مكتب للإذاعة بالخرطوم، يمد هذا البرنامج الجديد بالأخبار والتسجيلات، وأُلحق به أستوديو كامل مجهز.

     وعندما أُلغي العمل بمعاهدة 1936، في 26 أكتوبر 1951، تصاعد كفاح الفدائيين في منطقة القناة، وعملت الإذاعة على إذكاء الشعور الوطني، وحددت أسس سياستها في ذلك في ثلاثة أهداف، هي:

1.   أن تكون مرآة صادقة للشعور الوطني، الذي تنعكس عليه أحاسيس الأمة.

2.   أن تكون منهلاً عذباً يستمد منه المواطن الاتجاه، الذي يجب أن تولي الأمة وجهها شطره في جهادها الوطني.

3.   أن تطالع الجمهور بغذاء فني روحي خالص، يشد من أزره، ولا يفت من عضده.

     وما لبث أن اندلع حريق القاهرة في 26 يناير 1952، وتوالى قيام الوزارات المصرية قصيرة العمر وسقوطها، حتى قامت ثورة يوليه 1952.

     ففي صباح الأربعاء 23يوليه 1952، استمع جمهور المستمعين لأول بيان من اللواء محمد نجيب بك، القائد العام للقوات المسلحة، بصوت المذيع جلال معوض، يعلن فيه قيام الجيش بحركة عسكرية، هدفها إعادة الحياة الدستورية للبلاد، وتطهير الجيش من العناصر الفاسدة. وقد توجه اللواء محمد نجيب بك إلى دار الإذاعة (انظر صورة مبنى الإذاعة المصرية وصورة مبنى الإذاعة والتليفزيون)، يوم الخميس 24يوليه 1952، بصحبة البكباشي أنور السادات وآخرين، والتقى هناك بوكيل الإذاعة على خليل بك، قبل أن يذيع بيانه الجديد. وبدأت بعض إجراءات التغيير في إدارة الإذاعة المصرية، فندب عبدالحميد الحديدي مراقباً عاماً للبرامج العربية، وتولى السيد بدير عمله بالإذاعة، بعد انقطاع ثلاثة شهور، واستقبلت الإذاعة محمد فتحي بعد غيبة طويلة، وقد دعا إلى اجتماع عام للموظفين، ووقف بينهم يقول: لا ينبغي أن يعرقل أي شيء، سواء كان مادياً أو أدبياً، طريقنا في سبيل إصلاح البرامج وترقيتها، وجعلها جديرة باسم مصر المتحررة".

     ثم أذاع الراديو في 26 يوليه 1952، إنذار القائد العام للقوات المسلحة، الموجه إلى الملك بتنازله عن العرش ومغادرة البلاد. وحين سُئل رئيس مجلس إدارة الإذاعة، آنذاك، إبراهيم عبدالوهاب بك، عن التغيير، الذي سيصيب الإذاعة بعد أحداث 23يوليه 1952، قال: سيصيب الإذاعة ما ينبغي لها من تطهير وإصلاح واستقرار، وأضاف قائلاً عن مشروعات الإذاعة في ظل العهد الجديد: لا مشروعات كلامية، ويجب أن ننتظر حتى نرى مشروعات فعلية عملية.

     وهكذا انطوت صفحة من تاريخ الإذاعة في ظل الإدارة الوطنية، بدأت عام 1947 واستمرت حتى 23 يوليه 1952، لتبدأ مرحلة جديدة تماماً.