إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث التاسع

الرواية الأدبية، كأحد مصادر السيناريو

يختلف فن كتابة الرواية عن فن كتابة السيناريو الروائي، مع أنهما من أقرب ألوان التناول الدرامي. وبمعنى آخر فإنهما يتشابهان في المضمون، ويختلفان في الشكل.

وعلى الرغم من التشابه المفترض بينهما، إلاّ أن كل منهما "كوسيط" يختلف عن الآخر، في لغته وأدواته.

وللربط بين كلا الوسيطين، نستعرض بعض آراء الكتاب، حول هذه العلاقة:

يقول الناقد هربرت ريد: "إن الفيلم الذي يعتمد على الخيال لن يظهر حتى يدخل الشاعر الأستوديو، وكلمة "الشاعر" هنا تعني التعبير عما بداخله بالصور الذهنية والكلمات، أو بالصور المرئية، وتلخص العبارة السابقة الرّابطة القوية بين الأدب والسينما".

وهناك مقولات أخرى، لعدد من الكتاب والنقاد بهذا الشأن، منها الآتي:

1.   يقول المخرج الأمريكي "د.و.جريفث – D.W.Greafce"، عام 1913 حيث يقول: "إن المهمة التي أحاول تحقيقها أولاً وقبل كل شيء، هو أن أجعلك ترى".

2.   يقول الأديب "جوزيف كونراد G.Konrad"، في نهاية القرن 19: "مهمتي هي عن طريق الكلمة المكتوبة، أن أجعلك تسمع وتحس، وقبل كل شيء أجعلك ترى".

3.   يقول الناقد "هـ. ريد H.Raid": الذي يجمع بين المقولتين: "إذا سألتموني عن أبرز قيمة في الكتابة الأدبية الجيدة، فأنني أوجزها في كلمة واحدة، هي: المرئيات ووصف الصورة".

    والواقع أن الصورة الذهنية في الأدب، يترجمها خيال القارئ إلى صورة بصرية، وتترجمها السينما إلى صورة مرئية. والصورة المرئية في السينما، أيضاً، يجب أن تُخاطب الذهن، وتستثير الحواس، وتترجم إلى صور ذهنية يستوعبها العقل، بعد الرؤية.

أولاً: تطور الرواية الأدبية:

تُعد الرواية من فنون الأدب الحديثة – مقارنة بالمسرح – لأنها حتى العصور الوسطى، لم تكن قد ظهرت الملامح أو الخصائص المميزة لها. فقد بدأت في بعض دول أوروبا، كإيطاليا وفرنسا وألمانيا، على شكل قصص فلكلورية غير مكتوبة، ومتناقلة عبر الشفاه، التي أخذت شكلاًً آخر من أشكال الأدب الشعبي. ثم أصبحت بعد ذلك عبارة عن مجموعة من القصص تدور حول شخصية واحدة، ذات مميزات خاصة. ويرى الدكتور لويس عوض: أن أقدم نماذج الرواية لم تظهر قبل النصف الثاني من القرن السادس عشر، ويذكر أن الخيوط الأولى لفن القصص كانت موجودة في التراث العربي مثل "ألف ليلة وليلة".

إنّ البداية الحقيقية لفن الرواية والقصة القصيرة، هي نخبة من أعمال "بوكاشيو"، في إيطاليا، و"سيرفانتس" في أسبانيا، حيث نجد أن الطابع الأساسي هو التركيز على بطل أو مجموعة من الأبطال، ووصف شخصياتهم، والتعبير عن موقف فلسفي من الحياة، من خلال تطوير الأحداث في تسلسل زمني. وتُعد الرواية امتداداً طبيعياً للملحمة، فكلتاهما تعتمدان على السرد من خلال بناء فني ضخم، إلاّ أن الفرق الجوهري بينهما هو أن أبطال الملاحم كانوا دائماً من الملوك والأشراف، أما الرواية، على العكس، فكان أبطالها من الأشخاص العاديين.

وهناك مرحلة رئيسية تحول عندها فن الرواية، وتطور تطوراً كبيراً، عندما تحول اهتمام كتاب الرواية من سرد الأحداث الخارجية، إلى داخل النفس البشرية. فاهتمت الرواية في هذه المرحلة بسيكولوجية الشخصيات، وما بداخلها مـن انفعالات، بعد أن كانت تهتـم بتسلسل الأحداث والتفاعل بين شخصية البطل والعالم من حوله، مما أدى إلى اكتشاف القوى الخفية، التي تسيطر على فكر الإنسان وشعوره وأفعاله وسلوكه ومعتقداته، والتي أدت إلى ظهور المدرسة النفسية في الرواية.

إنّ الاختلاف الأساسي بين الروايات النفسية الأولى، والروايات النفسية الحديثة، هو أن الإنسان في الروايات الأولى كان يتحرك داخل إطار زمني، تترجم من خلاله الأحداث المتعاقبة، أما الرواية الحديثة فقد تجاهلت عنصر الزمن والعالم الخارجي، وعزلت الإنسان عنه، وأصبح الزمان في الرواية الحديثة لا يقوم كموضوع بذاته.

وقد بلغت هذه المدرسة في الرواية قمة مجدها ونضجها، على يد "جيمس جويس James Joyce"، ومثال لتلك الروايات، روايـة أوليس، التـي كتبها جويس خلال فترة الحرب العالمية الثانية. وسمى هذا التيار الأدبي باسم مدرسة "تيار الوعي". ثم تلي ذلك ثورة على ذلك التيار وهو ما أطلق عليه " مدرسة الروايات الجديدة، ورائدها الفرنسي (الان روب جرييه)، ومن بعده (ناتالى ساورت) و(مارجريت دورا).

ثانياً: العلاقة بين الرواية والسيناريو:

تُعد الرواية والفيلم شكلان للون واحد من ألوان الفنون، وهو فن السرد، سواء عن طريق اللغة المكتوبة، أو عن طريق الصور المرئية، إلاّ أن كليهما يقدم السرد لمجموعة من الأحداث من خلال الشخصيات. وعلى الرغم من التشابه الظاهري بين الفيلم السينمائي والمسرحية ـ باعتبار كلاهما وسيط جماهيري أدائي – إلا أن السينمائي أقرب ما يكون للشكل الفني للرواية، حيث يعتمد في الأساس على الوصف والسرد، أكثر من الحوار. ولكن الاختلاف الجوهري هو في طبيعة كل وسيط، ذلك أنه بينما تتوقف الحركة في الرواية – كلما توقف الروائي عند الوصف – إلاّ أن الوصف في الفيلم يُقدم أثناء حركة الأحداث، خلافاً للروائي فهو في الفيلم يستغرق وقتاً أطول مما تستغرقه الرواية في سرد حدث ما. فلو كتب الروائي مثلاً ـ أن أحد الشخصيات سافرت إلى مكان ما، فإن سرد ذلك الحدث لن يستغرق أكثر من تلك الجملة، أما إذا أردنا تقديم تلك المعلومة في الفيلم، فإنه – مع الحد الأدنى فقط لتصوير السفر والوصول – يستغرق وقتاً أطول كثيراً من قراءة تلك المعلومة في الرواية.

هنا يبرز اختلاف أساسي بين الوسيطين، في عملية التلقي الزمني، أو الإحساس الزمني، عند المتلقي للرواية والفيلم. والرواية تكون ـ غالباً ـ من مئات الصفحات، وتستغرق عدة ساعات متواصلة، في حين أن متوسط طول الفيلم العادي حوالي ساعتين.

والمتلقي للرواية له اليد العليا في عملية القراءة، فهو يتوقف عندما يريد، ويعود إلى الصفحات السابقة لاسترجاع حدث ما، إلى جانب إضافات خيال القارئ، وهي ميزة تختص بها عملية القراءة دون غيرها، ولا توجد في أي من الفنون الأدائية، إلاّ في حالة الدراما الإذاعية.

وعلى الجانب الأخر نجد أن المشاهد للفيلم السينمائي تتوافر أمامه المرئيات والأحداث تباعاً، حيث لا فرصة للتوقف والإعادة. وفي مقارنة بين الأدب والسينما يرى الكاتب" توفيق الكاتب" : أن عالم الكاتب أرحب وأعمق، وأن السينما محدودة بالنسبة إليه، وأن القصة تصل إلى أبعاد في الفكر لا تصل إليها الكاميرا. ولكن فات الكاتب أنه ليست المسألة قدرة الكاميرا المحدودة، أو القلم اللامحدود، ولكن المسألة تكمن في عملية التلقي، وإطلاق العنان لخيال القارئ أكثر من متلقي السينما، الذي يرى أمامه صوراً مجسمة لا يستطيع خياله تغييرها.

ثالثاً: خصائص الرواية والفيلم وسماتهما:

هناك آراء لبعض الأدباء والمتخصصين، ترفض إرجاع الابتكارات الفيلمية إلى أصول أدبية. وبدلاً من ذلك ناقشوا أثر الفن السينمائي، على أدب الرواية بعد السينما. والواقع أن الرواية الحديثة تأثرت بالفعل بتكنيك الفيلم السينمائي في نواح عديدة، مثل التتابع السريع للأحداث، وتداخل الأزمنة، إلى جانب عدم التفكير بالشكل السردي التقليدي. فقد أخذت القصة الحديثة أسلوب الفيلم السينمائي، الذي يتأرجح بين الحاضر والماضي، بكل ما فيه من ذكريات وتجارب وصور. كما اختفت الحدوته التقليدية، إلى جانب تأثر القصة الحديثة بالزمان والمكان في السينما، وقدرتها على تصويرهما، وتوضيح التغير المستمر فيها. فضلاً عن تأثرها أيضاً بتكنيك السينما في تجسيد وتصوير، حاستي السمع والبصر.

وتُعد عملية النقل من الأدب إلى السينما من أكثر المشكلات صعوبة، حيث لابد من إيجاد المعادل، الذي يعبر عن المضمون نفسه، مع الوعي بوجود وسيلة تعبير مختلفة، خاصة بكل وسيط. وفيما يختص بالمجاز في الفيلم، فإن الناقد "رودلف ارنهايم Rudelph Arnheim" يذكر: "أن الفيلم هو وسيط يدرك بالحواس، وأن الأشياء والموضوعات المجردة، لا يمكن عرضها مع بعضها على الشاشة، وخلق معنى من خلال ذلك العرض"، كما يرى أن الربط بين شيئين ـ لا صلة بينهما ـ في مشهد على الشاشة، لن يعطي المعنى المجازى المطلوب، لأن الخاصية الفوتوغرافية للفيلم لا تسمح بالمجاز، إلاّ في أضيق الحدود.

ويتوجه الفيلم إلى الحواس المدركة، ومن ثم لن يكون لديه حرية التعامل مع مفردات الواقع الملموس على اختلافها. أما الأدب فإنه يعتمد بشكل كامل على وسيط رمزي[1]. يقف حائلاً بين المدرك والمدركات الموضوعة في إطار رموز، أي بين القارئ والكلمة المكتوبة.

وعلى الرغم من أن الفيلم يُدرك عن طريق الحواس مباشرة، إلا أن المجال الرحب لدى الفيلم للاختيار من مفردات الواقع، قد يؤدي ـ أحياناً ـ إلى إعاقة توصيل أفكار ومعاني معينة،لأن مفردات الواقع لا تُلمس بشكل دقيق في حالة الاحتياج إلى الاستعارة أو الرمز.

وقد يستغل القاص أو الروائي، رغبة المتلقي الذهنية لإيجاد التشابه بين الأشياء المختلفة، وذلك عن طريق استخدام الاستعارة، التي تعتبر من أعظم قيم النقد الأدبي. ففي اللغة الأدبية يستطيع الكاتب الربط والمقارنة بين أي شئ وكل شئ، بينما في اللغة السينمائية يتم ذلك في حدود معينة، مرتبطة بتكنيك السينما.

ويرى جورج بلوستون أن التفكير الرمزي أميل إلى الكتابة الأدبية، أكثر منه إلى الكتابة للشاشة، من خلال مفردات الواقع. وتتفق معه في ذلك الأديبة "فرجينيا وولف Virgenea woolf"، وتسوق مثلاً على ذلك من خلال جملة تصور طبيعة الصورة المكتوبة، واستحالة تحويلها إلى مرئيات، حتى في أبسط الصور مثل: "حُبُ وردةٍ حمراءَ .. تتفتح مع نسمات صيف يونيو"، هذه الصورة تعطى انطباعات وأحاسيس بالدفء والرطوبة، ونعومة الزهرة وتدفق لونها القرمذي، في امتزاج مع إيقاع الكلمات الشعرية وصوت العاطفة المترددة. وتؤكد "فرجيينا وولف" أن كل ما سبق خاص بالكلمات وحدها، وعلى السينما أن تتجنبه.

وعلى الجانب الآخر، نجد رأياً للكاتب الألماني "هانزماجنوس" مناقضاً لما سبق، إذ يقول إن إمكانات السينما التعبيرية غير محدودة. فهو يرى أن الفيلم يحتوى على شعر ونثر وصور بلاغية لا تقل ـ وقد تزيد أحياناً ـ عن بلاغة الكلمة المكتوبة. كما يذكر في مقالة له عن فن الفيلم: "وشعر الفيلم وأدبه ليس مقصوراً على وصف عطر الوردة، وتغريد البلابل، بل يتضمن مجالا رحباً لوصف الأشواك وزئير السِّباع، إلى جانب أن أدب الفيلم يتطلب من كتاب الموقف، الوقوف ساعات طويلة أمام الكاميرات، كالأديب الذي يقضى الساعات الطويلة على مكتبة ليسطر أدبه بالقلم".

وعلى كلٍ، فنلاحظ أن "هانز ماجنوس" في حماسه، خلط في آخر عباراته بين القدرة التعبيرية للسينما والأدب، وبين أدوات كل منهما التعبيرية. وعلى الرغم من منطقية وجهة النظر السابقة، إلاّ أن الرأي الذي يؤكد على محدودية المجاز في الفيلم، مقارنة بالمجاز في الأدب، هو الرأي الأرجح. فالفنان السينمائي يمكنه الوصول، إلى شكل من أشكال المجاز والاستعارة البلاغية، عن طريق المونتاج، إلا أنه أحياناً لا تتحقق الدقة الكاملة في نقل الصورة اللغوية إلى السينما، ويتوقف ذلك على مهارة كاتب السيناريو.



[1]  يعني بالوسيط الرمزي هنا: الكلمة المكتوبة.