إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث الحادي عشر

المسرح كأحد مصادر السيناريو الروائي

استطاعت السينما أن تنقل الكثير عن المسرح، بل كان لهذه الأعمال المنقولة عن المسّرح مذاق خاص. كما برع في هذه الأعمال كتاب سينمائيون، تمكنوا من مسّ الخط الواصل، بين السيناريو والمسرح.

أولاً: الاختلاف بين السينما والمسرح:

ظل المسرح وسيلة للتعبير الدرامي طوال قرون مضت، دون أن تنافسه وسيلة أخرى، منذ العصر الإغريقي، البداية الحقيقية للمسرح، إلى أن ظهرت السينما في أخريات القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. فكانت بمثابة نذير للمسرح بأن يُجّدد نفسه، ويطور من إمكانياته ليلحق بهذه الوسيلة سريعة الانتشار، في كل زمان ومكان، والتي أتت بالعجائب حتى للمسرح نفسه.

وعندما ظهرت السينما، التي كانت صامتة في البداية، كانت تُعد تسلية خفيفة، في شكل صور، من أجل الربح فقط. ولم تكن السينما حينذاك فناً مستقلاً، بل كانت تحبو في بداية الطريق، ولكنها حققت أرباحاً طائلة، حيث كانت شيئاً جديداً على الجمهور، الذي لم يتعود إلاّ على المسرح.

وكانت السينما تعتمد على المسرح اعتماداً كلياً، في تقديم أعمالها. فكانت تُقدم المسرحيات، التي لاقت نجاحاً كبيراً في السينما، وفي بعض الأحيان يكون الممثلون في المسرح هي أنفسهم الأبطال في السينما، اعتماداً على شهرة ممثلي المسرح، وقتذاك، لضمان نجاح الفيلم.

ولم تصبح السينما فناً، إلاّ بعد أن بدأ المخرجون يفرضون أعمالهم، ويعتمدون على فنهم. وبدأت دراسة هذا الفن في دور العلم، وأصبحت له معاهد وكليات متخصصة، وأصبح كل من يعمل في السينما، يتبنى الخطوات لتحويلها من صناعة إلى فن. وأصبحت الفن السابع، بل فن القرن العشرين، بل وأصبحت تهدد المسرح (أبو الفنون)، لما لها من إمكانيات يفتقر إليها المسرح. وقد عُكست كل وجوه الآداب، من خلال منطق سينمائي خالص.

ثانياً: العلاقة بين المُشاهد وخشبه المسرح وشاشة السينما:

يمكن أن توجز هذه العلاقة في الآتي:

1.   المشاهد في المسرح يرى العرض من زاوية واحدة، وهي زاوية الرؤية الخاصة به من مكان جلوسه، أما في السينما فتتعدد زوايا الرؤية، طبقاً لتعدد زوايا التصوير.

2.   المسافة بين مُشاهد المسرح، وبين خشبه المسرح، ثابتة لا تتغير طوال العرض، أما في السينما فهذه المسافة لا تستقر على حال واحد، فدائماً تتغير المسافة، تبعاً لتغير أبعاد اللقطات.

3.   يتقيد المسرح بأزمنة محددة وأمكنة محددة، إلى حد ما. وعلى الرغم من التقدم الهائل في التكنيك المسرحي، من استخدام أجهزة الكمبيوتر، سواء في الإضاءة، أو أنواع خاصة من الديكورات، مع استخدام أنواع مختلفة من خشبات المسرح، كالمسرح الدوار، والمسرح المنزلق، ومسرح المصاعد، وما إلى ذلك من أنواع حديثة، ويظل المسرح مقيداً بالنسبة للزمان والمكان، خلافاً للسينما تماماً، التي يمكنها أن تصور أي حدث في أي زمان أو مكان، وأن تتعدد المناظر، دون قيد أو شرط.

4.   نزول الستار في نهاية كل مشهد أو فصل، أو الإظلام التام في نهاية كل مشهد أو لوحة في المسرح، يقطع تتابع الحدث، أما السينما فيعتمد البناء فيها على ميزة التتابع المستمر للأحداث دفعة واحدة، دون توقف.

5.   يحاول الممثل في المسرح أن يرفع صوته إلى الطبقة، التي يمكن للمشاهدين أن يسمعوه من خلالها، حتى ولو كان حواره همساً مع زميله، مما يجعل المشاهد يشعر بأن الذي يُعرض أمامه يمتزج بالافتعال، أما في السينما، فالممثل يستخدم صوته الطبيعي، ويهمس في موقف الهمس، فالأجهزة قادرة على تسجيل الهمس وما شابه ذلك، لأن الهمس سيصل إلى المشاهدين على طبيعته.

6.   الأوراق أو المستندات التي بها معلومات مهمة كالخطابات مثلاً أو التلغرافات أو أي شيء آخر، يجب على ممثل المسرح أن يقرأها ليدرك المشاهد مضمونها، أما في السينما فيمكن تصوير هذه الأوراق، كي يقرأ المشاهد بنفسه هذه المعلومات.

7.   ممثل المسرح يضطر لحفظ دوره كاملاً، على الرغم من وجود الملقن في بعض المسرحيات، وهذا يسبب له عناءً كبيراً، لأنه يمثل المسرحية يومياً طوال فترة العرض، وعلى مدى شهور طويلة، وفي بعض الأحيان سنين طويلة في حالة استمرار تقديم المسرحية، أما في السينما فالممثل يمثل الفيلم مرة واحدة، ثم بعد ذلك يُعرض الشريط السينمائي أي عدد من مرات العرض حسب الحاجة، وكذلك ممثل السينما لا يحفظ دوره كله، بل يكفيه أن يحفظ الحوار الخاص بتصوير كل مشهد، على حدة.

8.   يعتمد المسرح اعتماداً كلياً على الممثل، في حين أن السينما تعتمد ـ إضافة إلى الممثل ـ على عناصر أخرى كثيرة، يمكن أن تؤدى أدواراً مشابهة للممثل، ذلك أنّ السينما صورة قبل أي شيء آخر، وكل الأشياء المرئية في الفيلم لها دورها، أي تمثل.

9.   الممثل في المسرح تختلف حالته النفسية من ليلة عرض إلى أخرى، وذلك تبعاً لتغير مزاجه وظروفه النفسية، وطبيعة الجمهور، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تكون حالة الممثل في ليلة مثلها في ليلة تالية لها، أو سابقة عليها. أما ممثل السينما الذي يؤدى دوره مرة واحدة أمام الكاميرا، فإن حالته النفسية ثابتة، كما كانت في يوم التصوير.

10. لا يُمكن عرض المسرحية بممثليها أنفسهم في أكثر من مسرح في وقت واحد، أما في السينما فيمكن طبع العديد من نسخ الفيلم الواحد، وعرضها في عدة دور للعرض وفي أكثر من بلد، في وقت واحد.

11. هناك علاقة حميمة بين الممثل والمشاهد في المسرح، ناتجة عن التواصل المباشر بينهما؛ فالمشاهد يرى الممثل شخصياً على المسرح، أما في السينما فهذه العلاقة غير موجودة، لأن المشاهد لا يرى سوى صور فقط للممثل.

12. المشاهد في المسرح يرى الممثل في حجم واحد لا يتغير، وهو الحجم الطبيعي له، أما في السينما فالمشاهد يرى الممثل في أحجام مختلفة، لأن السينما تمتاز بمناظرها المكبرة، فيمكن تصوير وجه الممثل، مثلاً، مكبراً ليحتل حجم الشاشة كلها من أجل توضيح أدق التفاصيل للمشاهـد، سـواء من خـلال اختلاج العينين، أو ارتعـاش الشفتين، أو أي تعبير آخر.

13. الحوار هو أداة التعبير الرئيسية في النص المسرحي، في حين أن الصورة هي أداة التعبير الرئيسية في السينما.

14. يكون صوت الممثلين في المسرح ضعيفاً، إذا لم تستخدم ميكروفونات مكبرة للصوت، فلا يسمع المشاهد في الصفوف الخلفية الصوت بوضوح، أما في السينما، فلأن الصوت مسجل ومكبر بأجهزة التكبير الخاصة، فإن الصوت يتم توزيعه بالتساوي عن طريق السماعات في أنحاء دار العرض. فالمشاهد في الصف الأخير يسمع الصوت بالدرجة نفسها، التي يسمعه بها المشاهد في الصف الأول، إلا أن التقدم العلمي لم يقف مكتوف الأيدي أمام ذلك، فبدأت المسارح تستخدم أجهزة إليكترونية صغيرة جداً، وشديدة الحساسية جداً، فيمكن للممثل أن يضع ميكروفونا في حجم الدبوس، في ياقة القميص أو السُّترة، وعن طريق جهاز "الماستر" يجري تجميع الأصوات من كل الميكروفونات الصغيرة الموجودة في ملابس الممثلين، وتكبّر بالنسب المطلوبة، وتبث من خلال السماعات المجسمة الموجودة في أنحاء المسرح. وفي بعض المسارح توجد سماعة استريو Stereo head phone خاصة في كل مقعد، بحيث يستطيع كل مشاهد أن يستمع كما يريد.

15. تستخدم المسارح المؤثرات الصوتية العادية، في حين أن السينما تستخدم المؤثرات الصوتية العادية، إضافة إلى المؤثرات الصوتية المجسمة، كأن يشعر المشاهد أن الزلزال حقيقي، أو أن يشم رائحة دخان الحريق، عن طريق استخدام أجهزة خاصة باهظة التكاليف.

ثالثاً: الإعداد السينمائي لنص مسرحي:

"الحوار والشخصيات وتقديم المعلومات"، كلها مفردات تُعبّر عن مشكلات تواجه المؤلف السينمائي، الذي ينقل سيناريو روائي عن نص مسرحي. وللتغلب على هذه الصعوبات عليه القيام بما يسمى "التجريد للنص"، الذي هو بصدد نقله. ثم يبدأ في نسجه من جديد، بما يتلاءم مع إمكانات ولغة الوسيط الجديد (السينما)، الذي سيتناول الموضوع من خلاله.

1. الحوار:

وسيلة أساسية للتعبير عن خوالج النفس، وعن حكاية ما فات بالنسبة لاستهلال المسرحية ليتزن البناء. وقد تقدم إحدى الشخصيات في المسرحية معلومات عن موقف مضى، منذ زمن بعيد عن طريق الحوار، كما يمكن أن تتحدث عن حدث لم نراه، ربما جريمة أو غيرها، وربما يقدم الحوار وصفاً لما يجرى بالخارج، مثل الجو الممطر بالخارج أو الجو الحار، وغير ذلك. ومن ثم يمكن تقديم المعلومات عن طريق الحوار، كأحد الوسائل الأساسية لذلك.

2. الشخصية في المسرح:

من الممكن نقلها للسينما بالسمات الأساسية لها نفسها، مع احتمال تركيب بعض الإضافات عليها، عملاً بأن للسينما إمكانية اللقطات المكبرة للوجه أو لليد، مثل لزمة التوتر لدى أحد الشخصيات عن طريق التخبيط بيده، أو بأصابعه على المنضدة.

3. تقديم المعلومات:

كل شئ في السينما عن طريق الصورة، لذلك فعندما يُعد كاتب السيناريو مسرحية للسينما، فإن عليه أن يُعبّر عن كل شيء بالصورة، وأن يفعل ذلك بشكل سينمائي، متوافق مع إمكانات السينما، بحيث يتفق مع لغة السينما وقدراتها الفائقة للتعامل، مع عنصري الزمان والمكان.