إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث السادس عشر

الحوار والتشويق

أولاً: الحوار:

يُعد الحوار في المسرح، أداة تعبير أساسية، لأن الممثل لا يستطيع أن يعبر عن الموقف إلاّ بالحوار. أما في السينما فالحوار أداة تعبير فقط، وليست أساسية، لأن السينما تعتمد، أكثر ما تعتمد، على التعبير بالصورة أولاً، ثم الصوت ثانياً. وقد نشأت السينما في عهدها الأول صامته، ثم سرعان ما زادت نسبة التعبير بخروج الفيلم من عالم الصمت إلى عالم الكلام. وعلى الرغم من أن إدخال الصوت على الفيلم، أحدث ثورة في صناعة السينما تفوق في عظمتها إدخال كل من اللون والبعد الثالث، وما إلى ذلك، على الفيلم، إلا أن الصوت أو الحوار يُعد أداة تعبير ليست أساسية، لأنه توجد حتى الآن مشاهد كثيرة من الأفلام صامته، لا تتضمن حواراً، ومع ذلك يكون تأثيرها في نفس المتلقي أشد، مما لو كانت تتضمن حواراً.

فالحوار في الفيلم مختلف عن أنواع الحوار الأخرى، في الرواية الطويلة، والقصة القصيرة والمسرحية والتمثيلية الإذاعية. فهو في الفيلم عامل مساعد أو مكمل، لتوضيح اللقطة أو المشهد، ذلك أن الفيلم عبارة عن مجموعة من اللقطات والصور والمشاهد. ولأن الصورة هي وسيلة كاتب السيناريو والمخرج للتعبير عن أفكارهما، ووجهتي نظرهما أو رؤيتيهما، وكان لا بد أن تحمل ـ الصورة ـ أكبر قدر ممكن من أدوات التعبير. والحوار هنا أداة من هذه الأدوات، وعامل مساعد لتوضيح أو تفسير ما صعب إيضاحه، لأن الحوار في الفيلم يتعاون مع باقي الوسائل الأخرى لإيضاح المعنى المطلوب، ولتعميق الأثر الذي ينشده كاتب السيناريو. ففي الفيلم يجد المؤلف نفسه في عالم يختلف تماماً عن عالم المسرح، لأن الفنيين في عالم الفيلم أهم من الفنانين، أو يتساويان معاً.

والمؤلف في الفيلم لا يفكر في بناء الحوار فحسب، بل يفكر في ملاءَمة هذا الحوار للحركة في الفيلم، ومسايرة ما يتطلبه الفيلم بالنسبة لعملية البناء الفني من توازن في شكل القصة ككل، والتوقيت في إدخال العناصر المختلفة في اللحظات المناسبة، والاقتصاد في تجميع خيوط الأحداث المصورة، حتى لا يشرد انتباه المتفرج لحظة واحدة.

ولا يعني ذلك أن الحوار في الفيلم ليست له أهمية، ولكن تأتي أهميته في المرتبة الثانية بعد الصورة. فالمؤلف المسرحي يستخدم الحوار، والمؤثرات الصوتية والحركات والموسيقى والمناظر والإضاءة، من أجل تأكيد المشهد وإبرازه. ولكن الحوار يبدو سائداً على كل هذه العناصر، أما في السينما، فالمؤلف يستخدم مع الحوار وسائل أخرى عديدة من وسائل التعبير السينمائي، مثل "المؤثرات الصوتية، والموسيقى، والحركة، والتعبير بالوجه، والملابس، والمناظر المتعددة، والإضاءة، والأعداد الهائلة من الممثلين، والمناظر الطبيعية، والحيل السينمائية العديدة التي تمس أفئدة المتفرجين، والألوان الباهرة، التي تسرق عين المتفرج، وتجسيم الشخصيات".

فالحوار في الفيلم مرتبط بهذه الوسائل جميعاً، ولأن معنى هذه الوسائل ومغزاها يبرز في الفيلم، مثل الحوار تماماً؛ أي أن كل وسيلة منها تُعد وسيلة تعبيرية كالحوار تماماً، ولذلك يجب أن يكون الحوار قادراً على التعبير المطلوب إبرازه، بجانب هذه الوسائل جميعاً.

ولا بد للحوار في الفيلم من أن ينبع من طبيعة الأحداث، معبراً عن الغرض المطلوب إيضاحه، موضحاً الشخصيات، مؤكداً موقف الشخصيات من بعضها بعضاً، مساعداً على تطور الحدث.

وتتضمن الحوار في الفيلم لحظات صمت، يكون التعبير خلالها بالصورة فقط أعمق وأشد تأثيراً. فالصمت لحظة من لحظات الكلام في الحوار، وعلى المؤلف أن يكون مدركاً للحظات التي يجب ألاّ يكون فيها حوار، ويختارها بدقة، ويدرك لم فُضَّل الصمت هنا على الكلام، أو لمِ فُضَّل الكلام هنا على الصمت، فكل لحظة يجب أن تحمل مغزاها، وأن تعبر تعبيراً واضحاً عن المضمون.

وعلى هذا نجد أن الحوار في الفيلم جزءٍ من الكل، لا معنى له بمفرده. وقد يحدث أن تقرأ الحوار وحده في بعض المشاهد فلا ندرك مغزاه، لأن الصورة تتعاون مع الكلمة تعاوناً وثيقاً لإعطاء الحوار معنى خاصاً للمكان، ووضوح التعبير عن الموقف.

والحوار يعبّر عن شخصية قائلة، ويبلورها، وكما يعبر عن الموقف، ويجب أن يكون بسيطاً وسلساً حتى يفهمه ويتتبعه جميع الناس، فالفيلم يشاهده الرجال والنساء والأطفال، والمثقف والأمي، فلابد لكل من هؤلاء أن يستوعب ما يجرى أمامه من حوار. وليس معنى هذا أن يكون الحوار خالياً من أية قيمة، ولكن المقصود هو أن يكون خالياً من أية تعقيدات، في أسلوب الأداء، أو الصياغة الأدبية.

وتحاول الاتجاهات الحديثة في السينما التخلص من قيود الحوار، والاختصار منه على قدر الإمكان، والاعتماد على الصورة فقط للتعبير عن الأبعاد المختلفة، سواء للأحداث أو الشخصيات، لأن الفيلم صورة قبل أي شئ. وفي بعض الأفلام نجد مشاهد كاملة وكثيرة، لا يتخللها أية جملة حوارية، وهنا يعتمد كاتب السيناريو على الصورة فقط، فيحاول أن يجعلها قادرة على إيصال المفهوم المطلوب إلى المشاهدين.

أما بخصوص لغة الحوار، أو بصورة أكثر دقة، لغة الحوار في السينما بين العامية والفصحى، فإن أفراد الشعب جميعاً، بإستثناء قلة قليلة جداً، يتحدثون العامية، وعرض الافلام بالفصحى يقطع عملية التوصيل المطلوبة، لأنهم سريعاً ما يملون من الكلمات التي لم يتعودوا عليها.

ولذلك من الأفضل أن تكون اللغة، هي العربية الشبيهة بلغة التعامل اليومي، أي اللغة البسيطة، ولكن دون ابتذال. ولا يعني ذلك أن تكون هي اللغة الوحيدة في كل الأفلام، أو مع كل الشخصيات، فالأفلام التاريخية ـ مثلاً ـ لابد أن تكون لغة الحوار فيها العربية الفصحى، نسبة إلى أهمية التاريخ وعمقه في وجدان الأمة، أما باقي النوعيات من الأفلام فيناسبها اللغة البسيطة، دون ابتذال في الألفاظ.

1. موقع الحوار في الدراما:

أ. أهمية استخدام الصورة والصوت في العمل السينمائي، فالسينما صوت وصورة.

ب. تختص دراما الشاشة، في المقام الأول، بالإنسان؛ تعرض آماله وآلامه ومشاكله وقضاياه، وتغوص في أعماقه، فكيف يتم ذلك دون صوت، ودون كلمات منطوقة، وهي أهم مكونات الصوت؟ وحتى إذا تعرضت الشاشة لظاهرة طبيعية، فهي أيضاً تعرضها من ناحية صلتها بالإنسان وأثرها عليه وأثره عليها، فتُصبح دراما للإنسان وليست للطبيعة.

ج. يقوم الصوت بدور كبير في إكساب الصورة العمق والآنية، وتبرز أهمية الحوار بنوع خاص في التليفزيون، إذ أنه يعوض كثيراً من قصور الشاشة الصغيرة، وكأنه يقرب حجم الأشخاص من حجمهم الطبيعي، كما يحقق الاستمرارية في المتابعة.

2. الفرق بين الحوار الدرامي، والحوار الطبيعي أو الروائي:

للحوار في دراما الشاشة مواصفاته، التي تختلف تماماً عن الحوار الطبيعي، فهو حوار مصنوع. كما أنه يختلف عن الحوار المكتوب في القصص والروايات المخصصة للقراءة، على الرغم من أنه أيضاً حوار مصنوع، إذ هناك فرق بين الحوار المكتوب، الذي يصل من خلال العين، والحوار المنطوق الذي يصل من خلال الأذن.

ففي الحالة الأولى، نجد أن الحوار الطبيعي ينتقل الحديث فيه من موضوع إلى موضوع دون رابط معين، وتتكرر كثير من الألفاظ، ويفتقد الإيقاع السليم، أي أن الحديث في مجمله يتسم بالفوضى والتشويش، ويؤدى إلى ملل المستمع في معظم الأحوال، خلافاً للحوار الدرامي الذي يحقق وظيفة معينة في النص، في تدفق وإيقاع سليمين، دون تشويش أو فوضى. ويبدو للمستمع أنه يشابه الواقع تماماً، مع أنه تعرض للاختيار والتنظيم.

أما في الحالة الثانية: في حوار الرواية، فإذا قُرأ بصوت مرتفع وطريقة تمثيلية، فإن كثيراً من الألفاظ تبدو ثقيلة على السمع، أو يصعب أدائها، كما أنّ ألفاظاً كثيرة يمكن الاستعاضة عنها، بإشارة أو إيماءة.

3. لغة الحوار:

وهي إما أن تكون لغة رمزية، أو انفعالية. فاللغة الرمزية ـ أو الاستخدام العلمي للكلام ـ يكون الاعتبار الجوهري فيها هو صحة الرمز، وصدق الإشارة، حيث لا يُهتم في الاستخدام العلمي بالآثار الانفعالية للكلام. أما اللغة الانفعالية فهي تهتم بالإيحاء، وإثارة المواقف، والحالات السيكولوجية، والرغبات والمشاعر في نفوس المستمعين، سواء عن طريق مباشر، أي بأصوات الكلمات أو غير مباشر، أي بارتباطات الكلمات، وبما تثيره من تداعيات في النفوس.

وواضح أن اللغة الانفعالية هي المقصودة في الاستخدام الدرامي، وقد يحدث في بعض الأحوال أن تُستخدم اللغة الرمزية، ولكن يجب الحذر من كثرة استخدامها، لأن ذلك يعنى أن يتحول العمل إلى تقرير أو مقال.

ولمّا كان العمل يتدفق على الشاشة دون توقف، كما أنه لا يمكن إعادته للرجوع إليه، فإنه يتعين أن تصل معاني الحوار فوراً وبيسر، إلى المشاهد. وهناك عوامل كثيرة تساعد على ذلك، مثل ما يثيره السّياق من توقعات، إضافة إلى تعبيرات الوجه والأداء الصوتي والإشارات المؤكدة للحوار، ومعطيات الصورة. ولكن التركيز يكون على العامل الأول، وهو ألفاظ الحوار وأسلوب تركيب الجمل، التي يُراعى اختيار المألوف منها والابتعاد عن الغريب. والمألوف ليس معناه المبتذل، فالكلمة المبتذلة الواسعة الانتشار، تفقد كثيراً من تأثيرها بكثرة ترديدها.

كما يجب التأكيد على أنه بجوار ما يقدم إلى المشاهد من فكر ومتعة قصصية، وما يُراد تحقيقه من متعة العين، فيجب أيضاً أن تحقق له متعة الآذن، بما يصل إليها عبر العمل الفني من أصوات، يأتي الحوار في مقدمتها.

4. وظائف الحوار:

أ. تأكيد وتقديم سمات شخصية المتكلم أو المخاطب أو المتحدث عنه، بما في ذلك من إظهار للفكر والانفعالات والرغبات والدوافع والقرارات.

ب. المعاونة على تقدم الحدث، وتوضيح الحالة النفسية للشخصية، وإضفاء المزاج النفسي على الحدث.

ج. نقل المعلومات، لما قبل النص أو أثناءه، مع الإرهاص بالأحداث القادمة.

5. كتابة الحـوار:

أ. الارتباط العضوي بين الحوار والعناصر الأخرى:

ينبغي ألا يُكتب الحوار وكأنه معزول عن وسائل التعبير الأخرى، بل يؤخذ في الاعتبار أن كل ما نراه أو نسمعه يؤدى وظيفة تضاف إلى معطيات السياق، ومن هنا فقد يُستغني عن بعض الكلمات، أو يُغير من ترتيبها، لأن هناك من وسائل التعبير الأخرى ما يكمل النقص أو يؤكد المعنى، أو يعطى المزاج النفسي. ويجب في كل ذلك أن يُحدد العنصر السائد، أو الذي يتحمل العبء الأكبر في توصيل المعنى أو الإحساس أو المعلومة. فقد يكون هو الحوار، وتصبح العناصر الأخرى كأنها معاونة أو مكملة له، أو يتطلب الأمر تحييدها حتى يُركّز على الحوار. وقد يكون هو الفعل الحركي أو تأثير المكان، ويصبح الحوار زائداً أو معاون، أو مكملاً، أو عاملاً مساعداً، لإعطاء اللمسة الواقعية.

ب. أسلوب أداء الحوار:

يُتعامل معه بطريقين: فيؤخذ في الاعتبار قبل كتابة الحوار وبعده، فيكون عاملاً موجه قبل الكتابة، وعاملاً معدلاً بعد الكتابة.

ولا يقتصر الأمر على التلوين الصوتي عند الأداء، ولكن هناك عوامل أخرى أهمها تعبير الوجه، أي إن أداء الشخصية هو محصلة كل العناصر السابقة مع غيرها. لذلك فإن كتابة الحوار دون اعتبار للعوامل الأخرى، لن يضعه على الطريق السليم، وسيؤدى أن يكون الحوار مكتفياً بنفسه، مما يجعله صالحاً للقراءة، وغير صالح لدراما الشاشة.

6. الحوار والشخصية:

يُعد الحوار وأسلوب أدائه من أهم العوامل للتعبير عن الشخصية، ومن ثم يجب أن تكون ألفاظ الحوار وصياغته متناسقتين مع سمات الشخصية وبيئتها. كما يُفّضل دائماً أن تُستخدم بعض الألفاظ والتعابير السائدة في المهنة، التي يُعمل بها، خاصة حينما نتحدث إلى شخصية أخرى من المهنة نفسها.

ولاستخدام اللهجات أهمية خاصة في تحقيق المصداقية، في إطار الشخصية أو البيئة، خاصة اللهجات المألوفة لدى المشاهد. ولكن ينبغي الحذر من المبالغة في هذا الأمر، تحت دعاوى تأكيد الواقعية.

وعلى الكاتب أن يستخدم الألفاظ والتراكيب المفهومة، التي توحي بصدق البيئة. واللهجة ليست غاية ولكنها وسيلة إلى غاية، ولا خير في لهجة صادقة تعجز عن توصيل المعنى، أو المعلومة، أو الإحساس، إلى المشاهد.

وهناك أيضاً مشكلة الحوار باللغة العربية الفصحى، التي أكثر ما تستخدم في الأعمال التاريخية، بصفة خاصة. كما يوجد ما يُسمى "لغة الجرائد"، التي قد تلجأ إليها في بعض المواقف؛ كما أن الشخصية قد تنطق ببعض الكلمات الأجنبية، ثم تعود وتتحدث بلغتها مترجمة لمِا قالت، وهذه إضافة أيضاً لا مبرر لها، طالما أن المشاهد يستطيع استخلاص المعنى التقريبي للكلمات الأجنبية، من كل معطيات الصورة والصوت والأداء والسياق. كما يجب الارتفاع بمستوى الحوار عند المناقشات العقلانية، أو مخاطبة الجماهير، وهو ارتفاع نسبى – بطبيعة الحال – يتوقف على سمات الشخصية وبيئتها، ومستواها الاجتماعي.

7. الحوار والممثل:

إن جودة الأداء التمثيلي تشكل متعة عظيمة للمشاهد، وتساعد على تأكيد الشخصية وبقائها في ذاكرته، كما أنها تشكل متعة كبيرة للممثل.

ومن الملاحظ أن الجملة المكتملة، التي توضح نفسها بنفسها، لا تحتاج إلى إضافة من الممثل، أو قد تحتاج إلى إضافة قليلة لا تبرز قدراته، وكأنه عندئذ مشارك سلبي، مهما كانت حلاوة الكلمات وجمال المعنى، وذلك خلافاً للجملة التي ينقصها شئ حتى يصل المعنى المراد إلى المشاهد. فهي عندئذ تحتاج إلى المساهمة الإيجابية من الممثل، سواء بالنغمة الصوتية أو ملامح الوجه أو الإشارة. وتوجد خمسة عوامل أساسية لأداء الجملة هي:

أ. القوة: أي مدى قوة أو ضعف أداء الكلمات عموماً.

ب. السرعة: أي مدى السرعة أو البطيء في الأداء، حسب الحدث، أو حسب طبيعة الشخصية.

ج. الضغط أو التركيز: أي إعطاء نوع من الضغط أو التركيز أو التأكيد، على كلمة معينة للفت النظر إليها.

د. درجة الصوت: أي الخبرة، والأداء من الناحية النغمية.

هـ. النظر إلى ما يتلوها من كلمة أو كلمات، كما قد تستخدم في نهاية الجملة بدلاً من الكلمة الأخيرة للاستثارة، أو يُترك للمشاهدين إكمالها بخيالهم.

وقد تُلغى الجملة على صورة استفهام، أو استفهام تقريري، أو استفهام استنكاري، أو تقرير، وبتدرج صاعد، أو تدرج هابط من ناحية درجة الصوت، أو دون تدرج. كما يجب إعطاء الممثل جملاً مستقيمة لا التواء فيها، تسّهل عليه مهمة الحفظ والأداء، وإلا تتوالى الوقفات الاستفهامية قبل التقرير النهائي. كما يجب مراعاة مخارج الألفاظ، والابتعاد، ما أمكن، عن حروف الصفير (السين والصاد والذال) وعدم تواجد حرفين متتالين متقاربين في مخارج الألفاظ، مثل الحاء والهاء، كما يجب عدم استعمال حرفين متماثلين يفصلهما حرف واحد.

ومن أهم ما يجب مراعاته في تركيب الجملة إلا تأتي الكلمة المهمة أو الخبر المهم في أولها، حينما يحتاج الأمر إلى رد فعل سريع من المشاهد، بل يجب أن تأتي قبل نهايتها بكلمة أو كلمتين، أو في نهايتها على أسوأ الأمور.

8. ترابط الحوار:

يعني الانتقال السلس في الحوار، بين الشخصيتين المتحاورتين. وهناك من يحبذ تكرار كلمة أو فقرة معينة، ولكن باستخدام آخر، كأن تتكرر للاستيعاب أو السخرية وهكذا، ولا بأس من استخدام هذه الطريقة، كليها يُعد استثناء، إذ يقرّب ذلك من الحوار المسرحي، أو أنه يتناسى ثراء اللغة السينمائية.

كما لابد من الترابط في الحوار إذا كان هو وسيلة التعبير التي يُركّز عليها، ولكن يمكن حدوث عدم ترابط ظاهري، إذا كانت معطيات الصورة تكمّل الترابط المنشود.

9. البلاغة في الحوار:

أ. المساواة:

بمعنى أن تكون المعاني بقدر الألفاظ، والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها عن بعض، مثلما نقول: "أنا رايح أقابل عبد الله" وتبدو المساواة للوهلة الأولى وكأنها المبدأ المفضّل في كتابة الحوار، حيث تتسم بالوضوح والكفاية، ولكنها غالباً ما تؤدى إلى تحييد المشاهد وتحرمه من المشاركة، ومن ثم يجب إلا ننسى العوامل الأخرى وتكاملها في توصيل المعنى.

ب. الإيجاز:

هو جمع المعاني الكثيرة تحت اللفظ القليل، مع الإفصاح. وبمعنى آخر هو أداء المقصود منه، الكلام بأقل حجم من العبارات المتعارف عليها. والإيجاز نوعان: إيجاز قصر، ويحدث يتضمن العبارات القصيرة، معانٍ كثيرة من غير حذف؛ أو إيجاز حذف، ويكون بحذف كلمة أو جملة.

ج. الإطناب:

وهو زيادة اللفظ على المعنى لتحقيق الفائدة، وهو يُعني بأمور عدة، مثل: ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص، وذكر العام بعد الخاص لإفادة العموم من العناية بشأن الخاص، أو الإيضاح بعد الإبهام لتقرير المعنى في ذهن السامع، أو التكرار من أجل تمكين المعنى من النفس. وعموما يجب في الإطناب أن تشكّل الألفاظ الزائدة إضافة إلى المعنى، وإِلاّ أصبحت تطويلاً لا مبرر له، يفقدها زمناً ثميناً من زمن الشاشة، إضافة إلى ما تؤدي إليه من إصابة المشاهد بالملل.

10. محاذير واتجاهات مستحبة في الحوار:

أ. الإقلال ما أمكن من تكرار الكلمات، التي ترد كثيراً في أحاديث العامة مثل "علشان – كده – ده – أنا – أنت"، كذلك عدم الإكثار من ذكر اسم المخاطب.

ب. يُفضّل عدم ذكر الأرقام في الحوار إلاّ عند الضرورة، ويكفي إعطاء صورة تقريبية، فهي تثبت في ذاكرة المشاهد أكثر من الأرقام.

ج. يفضل التخصيص عن التعميم، واستخدام الأفعال عن استخدام الأسماء، خاصة في المواقف المهمة، وكقاعدة عامة، فإن استخدام الأسماء، والحديث بصيغة الغائب، أو المبنى للمجهول، يقرّب إلى التعميم وأسلوب المواعظ والحكم والتعليم المباشر، وهو أمر غير مستحب غالباً، في حين أن استخدام الأفعال، وصيغة المتكلم أو المخاطب، تقرب من التخصيص والمواجهة، وما يتبع ذلك من رفع الإيقاع، وارتفاع انتباه المشاهد، واشتراكه إيجابياً في استخلاص المعنى المطلوب. ولكل قاعدة استثناءاتها، بطبيعة الحال.

د. يُراعى أن تتبع الألفاظ ترتيب المعاني، وأن تتبع المعاني، في ترتيبها، منطق العقل، كما يُراعى أن تتناسب الألفاظ مع الموقف، في قوتها أولينها.

هـ. يراعي صياغة الحوار بما لا يسئ إلى ذوى العاهات، أو السخرية منهم، أو أن يسئ إلى فئة من الفئات، أو مهنة من المهن، ولكن هذا لا يمنع من تجريح فرد منها، بحيث يكون الأمر على التخصيص، وليس على التعميم.

و. ومن طرائف الحوار أن تستخدم الكلمات التي يوحي لفظها بمعناها، وهو ما يسمى بالكلمات أو الأصوات المحاكية.

ز. ضرورة أن يتصاعد إيقاع الحوار في المشهد الواحد، حتى يصل إلى الذروة، ثم يُنتقل إلى المشهد التالي وهكذا.

ح. يجب ألا يتعدى الحوار حجمه ووظيفته في العمل ككل، مهما كانت جاذبيته وإغراؤه وعطاؤه.

ثانياً: بناء التشويق

عندما يُذكر بناء التشويق، فلابد أن يُذكر "الفريد هتشكوك" 1899-1980 حيث كان السينمائيون المحترفون والمتفرجون، على حد سواء، يرحبون دائماً بأفلامه. وبينما كان بعض النقاد يمتدحونه، بوصفه مؤلف ومكتشف القلق الإنساني فيما وراء الطبيعة (الميتا فيزيقا)، كان آخرون يلومونه لعدم اهتمامه بالمشكلات الاجتماعية. إلا أنه لا يوجد من ينكر إنجازات هتشكوك التقنية، وبلاغته المرئية، وقدرته على التشويق، حيث قدم العديد من الأفلام العظيمة مثـل( غريبـان في قطار عام 1951)، و(النافذة الخلفية عام 1954)، و(الشمال عن طريق شمال الغرب عام 1959 )، و(نفوس معقدة عام 1960).

أما عن التشويق، فمن السّهل على المشاهدين أن يرتبطوا بالتشويق الدرامي في أي فيلم، لأنهم يعرفون من تجاربهم الأحاسيس وردود الأفعال العاطفية، التي تنشأ خلال المواقف الغامضة، التي تتخللها بعض المخاطر، والرغبة في أن يتطلعوا مقدماً ليروا ما سوف يحدث، مع توقع أسوأ الاحتمالات، والرغبة المحمومة في حدوث أحسنها.

وكانت السينما دائماً ـ بما فيها من قدرة هائلة على إيجاد الإيحاء بالواقع ـ قادرة على التلاعب بحب الاستطلاع لدى الجماهير، وعلى جعلهم يندمجون تماماً في المواقف الغامضة، أو الخطرة، أو المرعبة. ولأن الزمان السينمائي مرن إلى حد بعيد، فيمكن للفيلم أن يكثف أياً من هذه المواقف، أو يطيل مدتها، حتى يتمكن بهذا التصرف من تعميق التشويق.

وفي الواقع أن مصطلح "التشويق" قد يستخدم بشكل غير دقيق، فقد تعنى أحياناً مجرد إثارة الفتنة، كما يطلق ـ عادة ـ على القصص البوليسية ومغامرات الجاسوسية، بما تتضمنه من مواقف إطلاق النيران والسرقات والمطاردة بالسيارات. وهناك درجات وأشكال مختلفة من التشويقْ تُبنى في أغلب الأفلام، بصرف النظر عن نوعها.

وقد أسهم الفريد هتشكوك في فهم التشويق السينمائي، وكيف يؤدى مهمته، أكثر من أي سينمائي آخر. فلديه المعرفة المصقولة والحنكة، عن كيف يجعل متفرجيه يقلقون، وكيف يحير جمهوره، ويجعلهم ينغمسون تماماً في كل منحنى، من منحنيات التشويق.

ويستطيع التشويق، هذا المؤثر الدرامي، أن يجعل السيناريو، في حالة توظيفه بشكل جيد، في أفضل صوره، حيث يتدخل بشدة في أسلوب السرد، وفي إيقاع السيناريو، بل وفي إيقاع المشهد نفسه، وفي انتقال الجملة الحوارية إلى جملة أخرى. كما نجد أن أعمالا كاملة بنيت على عنصر التشويق من خلال السرد، بل وتبرز منذ بداية هذا العمل الدرامي. فنجد أفلاماً تبدأ ـ مثلاً ـ بجريمة قتل لا يظهر فيها وجه القاتل، ونظل طوال هذا العمل نتابع عملية التعرف على القاتل المجهول، الذي ربما يرتكب جرائم أخرى لحماية نفسه.

وقد توسّعت بعض شركات الإنتاج السينمائية العملاقة، في استخدام هذا المؤثر الدرامي، حتى أنها بنيت عليه أفلاماً عديدة، وهي تلك التي عرفت بأفلام الحركة Action. وقد حققت هذه الأفلام إيرادات ضخمة، نتيجة للأثر السّحري الذي يتركه هذا النوع من الأفلام على المتلقي، بحيث يجعله يلهث وراء الحدث.

والواقع أن مؤثر التشويق، هو فعلاً فن إثارة القلق، وتحريك المتلقي بشكل إيجابي. وكلما حدث ذلك، ونجح الكاتب في تحقيق التشويق Suspince وزاد نجاح الفيلم. لذلك يُعد التشويق من أبرز المؤثرات الدرامية على الإطلاق، من حيث الأثر الذي يتركه على المتلقي.