إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث العشرون

"المساحة ـ الصورة ـ الديكور ـ الممثل ـ الحوار"

في لغة السـينما

أولاً: المساحة

إذا كان لابد من النظر إلى شريط "السيلولويد"، ونحن نجهل تماماً أية حقائق أخرى مرتبطة بالأفلام السينمائية، فسوف نجد أن له طولاً محدداً. وقد نفكر في حل بكرات الفيلم، ونشر لغة السيلولويد لمسافة ميل ونصف على إحدى الطرق. ومن هذا نشتق مفهوم المساحة، فمن خلال هذا الطول المحدد، علينا أن نروى قصة الفيلم السينمائي. وقد نفكر في صعود وهبوط الطريق، ووضع مشاهدنا وأحداثنا وذروتنا وحلنا .

فكلمة "المساحة" تُعد مناسبة للفيلم السينمائي، لأنه يمكن، بالفعل، قياس طوله بعصا القياس. ولا تعرف الرواية مفهوم المساحة بهذا المعنى، فهي يمكن أن تروى قصتها بأقل تحديد مادي. فالمؤلف يمكن أن ينهي عمله، عندما يشعر أنه قال ما يريد بأفضل طريقة ممكنة. ولكن المسرح يدرك التقيد، الذي تفرضه المساحة على القصة، لأن للمسرح وقتاً محدداً للعرض.

وباستثناء قليل من العروض السينمائية المطولة، التي يتخللها استراحة، فإن شكل الفيلم السينمائي يتحدد بمتوسط طولي، يتراوح بين 7000–10000 قدم من الفيلم الخام، ويستغرق عرضه من 80-120دقيقة . ويمثل ذلك أعظم الاختلاف، نسبة لما تسمح به الأزمنة الضيقة في التليفزيون (30، 60، 90،120 دقيقة، وحصص أقل للإعلانات)، فإن تحديد المساحة في الأفلام السينمائية، يؤثر على المظاهر الإِبداعية بشتى الطرق.

وسواء أكانت القصة قصيرة أم طويلة، وسواء كانت الرغبة في التوقف قبل النهاية أم يعدها، فلا تُمكن ملاءمة طول الفيلم السينمائي بطول القصة، ولكن يجب ملاءمة طول القصة مع المساحة المتاحة. ولذلك تصبح المساحة هي العامل الأول، الذي يحدد الاختيار لمادة القصة.

وأكثر من ذلك، تفرض المساحة أحد المتطلبات الأساسية للأفلام السينمائية، وهي الإيجاز في سرد القصة. فلا يهم مدى استعداد المنتج للإنفاق على الإنتاج مادام كتابه مضطرين إلى الاقتصاد في الكلمات، لأن المساحة المسموحة لهم تظل محدودة. قد يفكرون في ديكورات باهظة التكاليف، ولكن يجب أن تظل كتاباتهم موجزة، لأن الحدود الزمنية ليست ممكنة مثل التكاليف.

ولذلك يصبح على الكاتب أن يخطط مساحته، التي تبلغ ميلاً ونصفاً أو ميلين، بطريقة هي غاية في الحرص. وكلما كان مضطراً لأن يروي، كان أكثر إسرافاً في استخدام المساحة، التي يجب أن يكمل قصته من خلالها.

ولا يختص مفهوم المساحة بالسيناريو فقط، ولكنه يؤثر أيضاً في المُشاهد. فبالضرورة يجب عرض الفيلم كله في جلسة واحدة لا تتجزأ، فلا يستطيع المُشاهد أن يتوقف للراحة. لذلك ينبغي أن تكون القصة بشكل لا يتعبه، مع حتمية عرضها كلها. ويستطيع المشاهد التفكير ملياً في بعض الأجزاء الغامضة؛ فالقصة تتوالى، و لكن ليس في مقدوره أن يعيد مشاهدة أجزاء معينة، عسيرة الفهم.

ثانياً: الصورة:

كان الفيلم الصامت في البداية، يتكون من شريط "سيلولويد" يجرى تسجيل الصورة عليه. وعند اختراع الفيلم الناطق، أضيف شريط ثان يجرى متوازياً مع الشريط الأول، هو مسجل صوت، حيث يرويان معاً القصة، كما يحتويان معاً على وسائل التعبير.

وكان من المفيد اختراع الفيلم الصامت، قبل الفيلم الناطق. ذلك أن استمرار صناعة السينما دون صوت، جعلتها تستمر دون مساعدة من الحوار. وبمساعدة بعض الإيضاحات، استطاعت السينما في الماضي جعل القصة واضحة بشكل صامت. ومن ثم فإن وسائل التعبير، التي يتضمنها شريط الفيلم، تُعد كافية للتعبير عن القصة. وهذا هو أكثر ما يثير الدهشة، لأنه لا مجال للتفكير في فهم مسرحية على خشبة المسرح، دون حوار.

وفي ميدان الفيلم الصامت تسجل الكاميرا الديكورات والإكسسوارات والأشياء والممثلين، وفي الإمكان رؤية هذه العناصر بطرق إضاءة مختلفة. وباستثناء بعض العناوين، فإن الفيلم الصامت لا يملك وسائل أخرى للتعبير، لذلك كان في مقدور هذه العناصر الكشف عن المعلومات الكافية.

وتوجد العناصر نفسها في الرواية وفي المسرحية على المسرح، ولكن ليس في مقدورها الكشف عن المعلومات الكافية، ويرجع ذلك إلى أنه لا يمكن تقديم الرواية بشكل مرئي، أما في المسرح، فإن كمية هذه العناصر أقل منها في الفيلم السينمائي.

ثالثاً: الديكور:

يعني "الديكور" في السينما كل أنواع المُحيطات أو الخلفيات، فيمكن أن يكون حجرة معيشة، أو سلسة جبال، أو مساحات مفتوحة شاسعة.

وتنتج أهمية الديكور من علاقته بالموقع، أو المكان. ويمكن أن يكشف الديكور عن غابة أو مكتبة أو حجرة نوم، لذلك يجب أن يُعطي عدداً من الحقائق المهمة. وأكثر من ذلك، يمكن أن يكون حجرة معيشة فاخرة، أو بسيطة، قبيحة أو جميلة، قديمة الطراز أو حديثة، فيكشف عن الثراء أو الذوق، وحتى عن الفترة التي تتحدث عنها.

رابعاً: الأكسسوار:

قد تكون قطعة الأكسسوار جزءاً من الديكور، أو جزءاً من الممثل، وفي الحالتين فهي تكشف عن الطابع. فإذا رأينا سلالاً بها خضراوات، يكون طابع الديكور هو السوق، وإذا رأينا ثياب نساء معلقة في واجهة أحد المحلات، يأخذ الموقع طابع محل للثياب النسائية، ويمكن لنوع الثياب أن تحدد المحل: "هل هو مخصص للشباب أم لأناس يتسمون بالرزانة".

وهناك إكسسوارات مرتبطة بأحداث معينة، فلو رأيت رجلاً يحمل كرة التنس، فإنه يأخذ سمات لاعب التنس. ومن المغرى إن نقول أن الاكسسوارات تأخذ في الفيلم السينمائي مكان الصفة في الرواية، فقد يقول الروائى "امرأة أنيقة" وقد يعرضها كاتب السيناريو في معطف من فراء، وقد يقول الروائي "حجرة غير منسقة"، وقد يعرض كاتب السيناريو عُلباً فارغة على الأرض.

خامساً: الشيء:

لا يمكن تحديد الفرق بين "الشيء" و"الإكسسوارات" بشكل قاطع، فكلاهما جماد، ولكن نستطيع أن نقول إِنّ الشيء في إمكانه أن يتحرك، ونستطيع أن نعد سيارة، أو طائرة، أو مركباً، أو حتى سحابة ممطرة، شيئاً قابلاً للحركة، وهذه الحيوية مهمة، فيكفي أن ترى كيف يتناول رجل مسدساً من درج مكتبه، لكي تُدرك نيته على القتل.

سادساً: الممثل:

قد تكشف ملامح الممثل عن السّمات الشخصية للدور الذي يؤديه. إذ فقد يُشبه أحد الممثلين شخصاً شريراً أو طيباً أو مثقفاً أو أبلهاً، وأبعد من هذه السمات الشخصية الدائمة، يستطيع الممثل أن يعبر عن الحالات النفسية الوقتية والمتغيرة، مثل الغضب أو الألم أو الاستسلام أو الخضوع أو الحب أو الغيرة أو التعب. وهذه التعبيرات تجعل المشاهد أحياناً يفهم الحدث الذي وقع من قبل، أو الذي هو بصدد فعله.

وقد تكون هذه التغيرات كافية أحياناً لتعرض رد فعل الشخصية. فلقطة كبيرة لرجل يرى غريمة يقبل البطلة، تُعد كافية لعرض صراع درامي مهم، فإذا ما تحول تعبيره عن الألم إلى استسلام، نعلم عندئذ أنه ينوى ترك المرأة، وإذا تحول إلى غيرة، نعلم عندئذ أنه ينوى القتال من أجلها.

وعلى الرغم من أن ثياب الممثل قد تُعد اكسسواراً، إلاّ أنها تضيف كثيراً إلى رسم الشخصية، حين ترد المعلومات من خلال هذه الثياب. فقد يكون الثوب باهظ الثمن، أو ثوب رياضة أو ثوب عُمال، أو ثياباً تختص بزمن خاص، حيث تخبر بالحدث بشكل متكامل.

سابعاً: الحوار:

أصبح الفيلم مساوياً للمسرحية، التي تعرض على خشبه المسرح، عندما توفرت القدرة للممثل على الكلام. ولكن الحوار في الفيلم له دور مختلف، وقيم مختلفة تماماً، مثل الديكور والإكسسوارات والشيء وتعبير الممثل، إذ لهم خواص مختلفة في سرد مجمل أحداث الفيلم. ذلك أن المشاهد يمكنه قراءة حوار أية مسرحية تعرض على المسرح، واستيعاب الحدث كله دون مزيد من الشرح، ولكنه لا يستطيع أن يقصر نفسه على قراءة حوار أحد السيناريوهات، إذا كان يريد أن يستوعب الأحداث. فالاختلاف أن الحوار في المسرح يُعد الوسيلة الأساسية للتعبير، بينما هو في الفيلم يشارك كمصدر للمعلومات، مع العناصر الأخرى.

وفي الحياة الحقيقية الناس يتحدثون، ولذلك يجب أن يتحدثوا في الأفلام السينمائية، ويصبح من غير المقبول أن نحتقر فائدة الحوار، ولكن يجب أن نضعه في مكانه المناسب داخل الإطار الكلي. ويجب أن ندرك أن الحوار، إلى حد بعيد، أسهل وسيلة لعرض الحقائق، وكذلك أبسط مصدر للمعلومات بالنسبة للكاتب. وعلى الرغم من أن الحوار هو أسهل طريقة لدى الكاتب لتوصيل الحقائق، فهو ليس أسهل طريقة للمشاهد لتلقيها. فالكلمة المنطوقة صعبة الاستيعاب، إذ سرعان ما تتبدد قوة التركيز. والحوار أكثر تشويقاً من الخطبة الطويلة، ومع ذلك فإن قدرتنا على استيعابه محدودة، وعلى الرغم من كونه متنفساً مغرياً للمعلومات بالنسبة للكاتب، فهو أيضاً خطير، لأن المشاهد قد يعتريه التعب، وعندئذ يرفض الفهم.

ولا يحتمل الفيلم الواحد سوى نحو ألف من الكلمات، فمن غرابة العقل الإنساني أن يصبح مفتوناً بالمؤثرات البصرية، في الوقت الذي يعتريه التعب بسهولة من الإنصات. فتكاد أن يكون للتأثيرات، التي نحصل عليها عن طريق العين مثل قوة التنويم المغناطيسي علينا. فمن السهل لآي متفرج أن يغادر أثناء إحدى الخطب، وفي إمكانه أن يترك عرضاً مسرحياً، ولكن من الصعب أن تشده إلى خارج دار عرض، حتى ولو كان الفيلم بشعاً.

ولهذا السبب فإن من الحكمة بالنسبة للكاتب، أن يعتمد من المصادر البصرية للمعلومات، أكثر من إعتماده على الحوار. فالكاتب الذي يريد أن يتعلم كيف يستخدم الحوار في الفيلم السينمائي، عليه أن يحاول أن يجعل قصته مفهومة دون الكلمات المنطوقة. وسوف يتعلم بهذه الطريقة كيف يستخدم وسائل التعبير الأخرى، إلى أقصى حدودها. ويستطيع، فيما بعد، أن يضع هذه القاعدة بنفسه باستخدام الحوار عند استنفاذ كل وسائل التعبير الأخرى، ويجب أن يكون الحوار هو المصدر الأخير، وعندئذ سيكون في مكانه الصحيح، وأكثر من ذلك فهناك اعتبار عملي يفرض استخدام أقصى الإيجاز في الحوار، حتى لا يشعر المشاهد بالملل.