إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




المبحث الخامس والعشرون

المبحث الخامس والعشرون

كتابة السيناريو للتليفزيون

تشبه التمثيلية التلفزيونية الفيلم السينمائي، من حيث إنها قصة تروى بالصور، أو هي فن سرد القصة بالصور. وتُطلق كلمة "فيلم"، عادة، على كل مادة مسجلة، تحكى بالصورة المتحركة قصة، أو موضوعاً، يعرض بوسيلة إليكترونية. وعلى هذا الأساس، استعارت التمثيلية التلفزيونية الكثير من الخصائص والقواعد والأسس، التي يقوم عليها البناء الفني والدرامي للفيلم السينمائي. وأصبح النص المكتوب للتمثيلية التليفزيونية، يكاد يتشابه كلية مع النص المكتوب للفيلم الروائي، سواء من حيث الشكل، أو في قواعد كتابته وأساليب بنائه الفني. ولذلك يطلق علي كليهما الاصطلاح الفني المعروف، وهو "السيناريو"scenario . وهي الكلمة، التي كانت، ومازالت، تستخدم بالمعنى نفسه الذي تُشير إليه في أصلها الأجنبي، ويعني "مخطط المسرحية، أو الفيلم السينمائي" أو "نص القصة المعدة للإخراج السينمائي، ويشتمل على وصف الشخصيات، والحوار، والتفاصيل الخاصة بالمشاهد، وإرشادات مختلفة" .. أي أنه النص المكتوب للقصة، التي تقدم مرئية، حيث يسردها من خلال الصور وبواسطتها، وفق خطة منظّمة ومتقنة، تتوخى الإقناع والإبداع والجمال والتشويق.

ولمّا كان السيناريو ـ على هذا النحو ـ هو خطة، أو مشروع، الفيلم أو التمثيلية، مكتوباً على الورق، أو هو رواية مكتوبة بأسلوب السينما، كان على الكاتب ـ لكي ينجح في تقديم عمل جيد متكامل ـ أن يوظف كل مهاراته، ويضع كل جهده في البناء الفني للنص، بحيث تؤدي الصورة الدور الرئيسي في نقل الأفكار، وشرح المواقف، والتعبير عن الأشخاص والأحداث، في قالب شيق مثير، يجذب الانتباه، ويستأثر بفكر المشاهد. وبطبيعة الحال، فلن يتمكن الكاتب من ذلك، ما لم يكن متمرساً قادراً على إبداع الصور وابتكارها، وبناء المشاهد، بالطريقة نفسها، التي ينتقى بها مؤلف القصة أو كاتب المقال كلماته، ليبنى بها جملاً وفقرات تُعبر عن الآراء والأفكار، وتجسد الانفعالات والمشاعر والمواقف.

ويعني ذلك ببساطة: أن السيناريو، وإن كان يعتمد على الصورة في المقام الأول، فهو صورة بطبيعة الحال، بل هو صور تصنع بدقة وعناية وحنكة، ثم يتم ترتيبها وتركيبها مع بعضها وفق خطة منظمة، تتفادى العشوائية والارتجال، وتوضع في قالب فني، يتجنب التكلف والاستطراد الممل.

أولاً: بناء القصة:

يقوم السيناريو، أساساً، على قصة لها بداية ووسط ونهاية. وتُصبح مهمة الكاتب أن يضع لهذه القصة هيكلاً، أو شكلاً، يتيح له أن يسرد من خلاله الأفكار والحوادث والمواقف، وأن يضع ذلك على الورق بالصورة والكيفية نفسها، التي سيُعرض بها العمل على الشاشة، محدداً ما يجب أن تقدمه كل صورة. ولذلك لابد أن يخضع بناء القصة، لاعتبارات ثلاثة أساسية، هي:

1.   التوازن بين أجزائها.

2.   التوقيت: ويُقصد به استخدام العناصر المختلفة للقصة، في موضعها المناسب، وفي اللحظات المناسبة تماماً.

3.   الإيجاز والتكثيف: بحيث يأتي سرد القصة واضحاً، بحيث يقود المتفرج إلى الهدف تدريجياً، حتى لا يشرد بعيداً عن الهدف والفكرة الرئيسية، والموضوع المطروح. وبذلك يصبح السيناريو في جوهره بياناً للأحداث والمواقف، التي تظهر من خلال الأحداث. وهو مرشد يجري على هديه الربط بين الشخصيات، في إطار الحدث الرئيسي أو الموضوع، وعلى أساس منطقي معقول.

ثانياً: مادة السيناريو:

تُعد الحركة هي المادة الأساسية للسّيناريو، مثل الكلمات للمؤلف. فالحركة هي التي تضفي على الصورة مغزاها، وتكسبها خاصية التعبير عن مضمونها. وإذا كان على الكاتب أن يركز على الحركة، باعتبارها مادة السيناريو الرئيسية، فإن ذلك ينبغي أن يخضع للاختيار والانتقاء. فكما أن الكتابة أو المقال، لا يُمكن أن يتألف من أي كلمات، فكذلك الفيلم والتمثيلية لا ينبغي أن تتألف من أية حركات، بل من الحركات، التي تُعبّر عن المعنى والمغزى المطلوب. (والمعروف أن بعض الحركات قد تعبر عن الحالة النفسية، مثل نظرات الإعجاب مثلا، وهناك الحركات التي تعبر عن القصد أو النية، مثل اقتراب اللص من غرفة المكتب ونظراته التي يختلسها، وهناك الحركات التي تعبر عن الخوف أو الشك أو القلق، مثل حركات الطفل عندما يشعل الضوء ويتلفت حوله وينظر أسفل السرير) وتأتي الحركة في التمثيلية أو الفيلم، من ثلاثة مصادر هي:

1.   حركة الممثلين والمرئيات، داخل القصة.

2.   حركة الكاميرا وهي ثابتة في مكانها (حركة إلى اليمن أو اليسار، أو إلى أعلى أو أسفل، والكاميرا ثابتة في مكانها دون أن يتحرك حاملها).

3.   حركة الكاميرا إلى الأمام أو الخلف، أو مرافقتها لغرض متحرك تتابعه في حركة.

ثالثاً: اللقطة السينمائية:

عندما تدور الكاميرا لتصور غرضاً أمامها، تكون قد بدأت في تصوير لقطة

"SHOT"، وعندما تفرغ من ذلك وتنتقل إلى كاميرا أخرى، أو يبدأ التصوير من جديد بالكاميرا نفسها، بعد توقفها، يكون قد بدأ تصوير لقطة جديدة. ويتكون سيناريو الفيلم، أو التمثيلية، من مجموعة لقطات، كما تتكون القصة من الجمل. أي أن الكلمات والجمل والفقرات عند المؤلف، تقابلها عند السينمائي أو كاتب السيناريو، الحركة واللقطة والمشهد. فالحركة هي الكلمة، واللقطة هي الجملة، والمشهد هو الفقرة. ومن هنا تصبح اللقطة هي أسلوب الكاميرا في معالجة الحركة، وهي الجملة، التي يستخدمها كاتب السيناريو في سرد القصة، فيقول من خلالها: اُنظروا إلى هذا، ثم اُنظروا إلى هذا، ثم اُنظروا ماذا يجرى .. الخ؟. وهنا يكمن الفرق الجوهري بين الجملة، التي تتألف من كلمات، وبين اللقطة باعتبارها جملة تتكون من صور للحركة. وهذا الفرق هو الذي يجعل كاتب السيناريو، يستبعد كل "جملة" لا يستطيع ترجمتها إلى حركة، لأنها في هذه الحالة لا تصلح لأن تكون مادة لسيناريو، أو جملة في النص. أما الجمل التي تصلح لأن تترجم إلى حركة، فإنها تحتاج إلى إعادة صياغة، على النحو الذي يحقق لها أن تحتفظ على الشاشة بالأثر نفسه، الذي تحدثه الكلمات المكتوبة.

فمن الجمل ما يأتي في عدد قليل من الكلمات، إلاّ أنه يستغرق وقتاً طويلاً في الواقع. فإذا قلت مثلاً "كانت الولادة متعسرة"، فإن هذه الكلمات الثلاث تشير إلى حدث استغرق ساعات، ولا يمكن في التمثيلية أو الفيلم أن تُقدم واقعة أو حدثاً يستغرق الزمن أو الوقت نفسه، الذي يستغرقه في الواقع، وإنما يُلجأ إلى الإيهام بحدوث الفعل، أي بأنه قد بدأ وانتهى.

إن هذه الجملة، التي تتألف من ثلاث كلمات، "كانت الولادة متعسرة"، تعبر عن حدث يستغرق تصويره في الواقع عدة ساعات. ولكن واقع الفيلم أو التمثيلية، يُخضع هذه الجملة المكتوبة لأن تتحول إلى صور مرئية، ومن ثم تخضع لاعتبار الإيجاز أو التكثيف. فتترجم الحدث أو الجملة المكتوبة إلى مجموعة لقطات، تحكى الحدث في عدة ثوان بدلاً من عدة ساعات .. ولنضرب مثلاً لذلك، من خلال ترجمة حدث الولادة المتعسرة إلى لقطات مرئية على النحو الآتي:

1.   لقطة لسيدة محمولة على عربة مستشفي تدفعها إحدى الممرضات، وتسير بين ممرات المستشفي، ويسير إلى جوارها وخلفها بعض أفراد الأسرة، الذين يبدو عليهم الفزع والاضطراب والقلق.

2.   لقطة للافتة أو باب مكتوب عليه "غرفة العمليات - طوارئ".

3.   لقطة طفل صغير مع المربية والإشارة إلى أن ذلك هو منزل السيدة وهذا طفلها.

4.   لقطة للطفل وهو يحاول الوقوف، ويجذب إحدى لعبه فتتهشم.

5.   لقطة داخل غرفة العمليات تصور إجراء العملية.

6.   لقطة للأسرة المنتظرة واستعراض الوجوه القلقة.

7.   لقطة على ساعة الحائط، وحركة عقرب الثواني.

8.   لقطة لباب غرفة العمليات يفتح ويخرج الطبيب مبتسماً، ومن خلفه تظهر إحدى الممرضات حاملة مولوداً يصرخ.

9.   لقطة لوجوه المنتظرين، أو أفراد الأسرة، وقد ارتسمت على وجوههم علامات الارتياح والاطمئنان.

 هكذا يُختزل الوقت في العمل السينمائي أو التلفزيوني، حيث يتم الإيهام بوقوع الحدث في حدود الوقت، الذي يتناسب مع اللغة التلفزيونية أو السينمائية. إلاّ أن تحويل العمل إلى لقطات لا يعنى أن المصور سوف ينتقل من مكان إلى مكان، بل يتم ذلك داخل أستوديو التليفزيون بواسطة عدد من الكاميرات، تخصص كل واحدة منها لتصوير لقطات محددة، بحيث يمكن الانتقال من لقطة إلى أخرى، ومن مشهد إلى آخر، بشكل متتابع. أما إذا كان التصوير خارج الأستوديو، فيصبح في الإمكان أن تُصور كل اللقطات المطلوب تصويرها في مكان واحد معاً، ثم يجرى ترتيبها فيما بعد، وفق ما هو محدد لها في السيناريو.

رابعاً: تحقيق التوازن في التمثيلية:

ويتحقق هذا التوازن في التمثيلية أو الفيلم، عندما ينجح كاتب السيناريو في المحافظة، على اهتمام المتفرج بجميع الشخصيات الرئيسية في التمثيلية بدرجة واحدة. وكذلك يتحقق التوازن في بعض الحالات، بإدخال بعض اللقطات والأحداث الجانبية العارضة، ومن ذلك اللقطات والمواقف المرحة، التي تُحقق التوازن مع التوتر الزائد أو، الذي استمر فترة من الوقت، أو التي تمهد للدخول إلى موقف متوتر. وفي هذه الحالات تكون المواقف الجانبية العارضة، بمثابة وقفات لالتقاط الأنفاس.

وهناك أساليب أخرى تستخدم، لإحداث ألوان من التوازن في الشكل. وفي هذا الصدد تلعب حركة الكاميرا وتكوين المناظر والمشاهد، دوراً مؤثراً وفعّالاً.

1. حركة الكاميرا:

إنّ الحركة هي المادة الرئيسية للسيناريو، وأما مصدرها في الفيلم أو التمثيلية، فينتج عن الأشياء المرئية نفسها، إذا كانت من النوع المتحرك (الناس والكائنات والأشياء المتحركة)، أو يأتي نتيجة لتحرك أو حركة الكاميرا نفسها. فالكاميرا، التي هي عين المشاهد في حقيقة الأمر، يمكنها أن "تلتفت يميناً أو شمالاً، وإلى أعلى أو أسفل، بينما هي ثابتة على حاملها، أي دون أن تسير أو تتقدم أو تتأخر. ويطلق على هذه الحركة اسم "Pan" أو الحركة الاستعراضية، فتكون الالتفاتة إلى اليمين هي Pan right، والالتفاتة إلى الشمال Pan left"، أما الالتفاته إلى أعلى فيطلق عليها Tilt up"، بينما الالتفاتة إلى أسفل يطلق عليها Tilt down".

وعندما تسير الكاميرا، أي تتحرك مع حاملها إلى الأمام أو الخلف، ويميناً أو شمالاً، ينتج عن ذلك نوع آخر من اللقطات. فحركة الكاميرا عندما تتقدم إلى الأمام مقتربة من المنظر، يطلق عليها اسم "Dolly in" والدوللي هو حامل الكاميرا ـ أما حركتها للخلف فيطلق عليها "dolly back"، أو dolly out، وتعني أن الكاميرا تتحرك إلى الوراء مبتعدة عن المنظر. وهذه الحركة نفسها هي التي يمكن تحقيقها باستخدام عدسة "الزووم" ـ وهي عدسة ذات أبعاد بؤرية متعددة، أو متعددة البعد البؤرى ـ وإن كان استخدام هذه العدسة يحقق ما يشبه  الانقضاض، أو الاقتراب السريع المفاجئ من المنظر "zoom in"، "أو العكس تماماً، أي الابتعاد السريع المفاجئ عن المنظور "zoom out".

أما في حالة حركة الكاميرا عندما تسير مع المنظور متابعة له، دون الاقتراب منه أو الابتعاد عنه، فذلك ما يطلق عليه "المتابعة" أو "الشاريو" أو"التراك" "truck"، وهو "حامل الكاميرا".

وعلى الرغم من أن حركة الكاميرا، وتكوين المنظر وحجم اللقطة، وما إلى ذلك، يدخل في صميم عمل المخرج، إلاّ أن إلمام الكاتب بذلك يساعده، إلى حد كبير، على تصور ما يظهر على الشاشة من خلال عين الكاميرا وموقعها وحركتها. فحركة الكاميرا الاستعراضية،panorama  يميناً أو شمالاً، وإلى أعلى أو أسفل، تستخدم لعرض ما يجرى، أو استعراضه بشيء من التفصيل. فتنتقل الكاميرا فوق وجوه المتهمين أو الشهود أو الكلمات أو الرسوم، فيما يشبه مرور العين فوق سطور الكتابة بشكل متصل حتى نهاية القراءة. وعلى هذا النحو فإن هذا النوع من اللقطات، يستغرق وقتاً طويلاً على الشاشة، ويستخدم، عادة، في التأكيد على أهمية ما يجرى، أو الرغبة في إبراز هذه الأهمية، وتركيز الانتباه على أشياء، أو أشخاص، في الوقت الذي تتغير فيه الخلفية أو تتنوع المرئيات. ولذلك فإن هذه اللقطات الاستعراضية، يمكن أن تحقق نوعاً من التوازن إذا استخدمت بعد سلسلة من اللقطات القصيرة، ولكنها لابد أن تنتهي إلى لحظة ذات مغزى. فيكون الانتقال بالقطع إلى لقطة أخرى، بمثابة رد فعل، أو إجابة على سؤال، أو مفاجأة غير متوقعة، (كأن يقف الشخص بعد الاستغراق في البحث في الأدراج والخزائن ـ يقف برهة ـ ثم يلتفت فجأة ناحية الباب، وترتسم على وجهه علامات الدهشة! هنا يكون القطع المباشر إلى ما جرى، أو ما ظهر عند الباب).

وكذلك فإن الحركة الاستعراضية من أعلى إلى أسفل، أو عكس ذلك، يمكن أن تُستخدم للربط بين لقطتين منفصلتين، في لقطة واحدة. (لصان يتحدثان تحت شجرة في حديقة المسكن، بينما هناك حارس في النافذة العليا، أو فوق الشجرة، يستمع إلى همسهما).

أما حركة الكاميرا إلى الأمام والخلف، فتشير إلى الاقتراب من شئ، أو الدخول إليه.، أو عكس ذلك. وهنا تكون اللقطة بمعنى: أصبحنا الآن هنا، أو: انظروا إلي هذا الشيء، أو : اُتركوا هذا الشيء، على عكس حركة المتابعة التي تقول: تعالوا معنا، إننا نمضي مع هذا الشيء المتحرك، لنذهب معه إلى المكان الذي يقصده.

2. زاوية الكاميرا:

إن كاتب السيناريو ليس مجبراً على أن تكون لديه معرفة واسعة بزوايا الكاميرا، ولكن يلزمه أن يُنمي عنده حاسة التفكير في المرئيات، كما تراها الكاميرا، وكما تنقلها من خلال "عيونها" أو "عدساتها". فعند الحديث عن الموقع أو الموضع أو المكان، الذي توجد فيه الكاميرا، والزاوية التي تنظر منها إلى الشيء الذي أمامها، وكيف يبدو هذا المنظور في عيون الكاميرا، وكيف يختلف شكله حسب اختلاف الزاوية، التي تنظر الكاميرا إليه منها. ويجب التأكيد على أن وضع الكاميرا ليس فقط توجيه العدسة إلى نقطة محددة، بل هي رؤية للشيء من زاوية خاصة، أو من جانب خاص، يشرح اللقطة ويفسرها من وجهة نظر السرد الفيلمي أو السرد المرئي (سرد القصة بالصورة).

فعلى كاتب السيناريو أن يتخيل دلالة ما تنقله الكاميرا من المنظور، عندما تراقبه من مكان معين، أو من زاوية معينة (عندما تكون الكاميرا في مكان مرتفع أعلى من المنظور، أو في مكان منخفض، أو عندما تكون في مستوى الرؤية نفسها) حيث ينتج عن زاوية الرؤية هذه أشكال ولقطات خاصة منها: اللقطة الرأسية وهي التي تكون فيها الكاميرا أعلى من المنظور، فيبدو المنظر أسفلها "صغيراً" أو "مغموراً" أو "متسعاً"، أو اللقطة المنخفضة، التي تكون فيها الكاميرا في مكان منخفض عن المنظور، فيبدو المنظور في وضع صاعد أو شامخ أو مرتفع، يوحي بالأهمية أو بالقوة أو بالقسوة أو البطش أو الهيبة. وهناك العديد من اللقطات، التي تنتج عن طبيعة الزاوية، التي تنظر منها الكاميرا نحو المنظور، ومن ذلك اللقطة المعكوسة، واللقطة المائلة، ولقطات المرايا .. الخ.

خامساً: حجم المنظور:

من الطبيعي أن يتغير حجم المنظر وشكله على الشاشة، وفقاً لحركة الكاميرا عندما تقترب منه، أو تبتعد عنه، ووفقاً للمكان، الذي تكون فيه الكاميرا أو الزاوية، التي تنظر منها إلى هذا المنظور، ونوع العدسة المستخدمة في التصوير.

وهناك ثلاثة أحجام رئيسية للمنظر، هي:

1.   اللقطة العامة ـ المنظر العام ـ (م . ع)، وهي اللقطة التي تستوعب منظراً شاملاً بكل ما فيه من عموميات ( حديقة عامة ـ جماعة من الناس ـ شارع ـ مبنى … الخ ). ولا تُستخدم مثل هذه اللقطة عند الحاجة إلى إبراز التفاصيل، أو التقاط فرد واحد، أو عدد محدود من الأفراد.

2.   اللقطة المتوسطة ـ المنظر المتوسط ـ (م . م)، وهي اللقطة التي تُظهر من الشخص رآسة ورقبته والكتفين وأسفل الصدر تقريباً. وتعد هذه اللقطة هي الأسلوب العادي، في سرد القصة.

3.   اللقطة الكبيرة ـ المنظر الكبير ـ (م . ك)، وهي اللقطة التي تُظهر من الشخص الرأس فقط، أو تظهر الشيء المراد تصويره كبيراً واضحاً. وتستخدم هذه اللقطة في إبراز التفاصيل الصغيرة، والانفعالات البشرية، التي تظهر على الوجه، أو في حركة يد، أو اهتزاز قدم … الخ.

 وإضافة إلى اللقطة العامة، أو المنظر العام، أو اللقطة الكبيرة، أو الكبيرة جداً big close up، يوجد العديد من اللقطات مثل: اللقطة العامة المتوسطة، (م.ع. م.)، والمنظر الكبير المتوسط (م. ك. م.)، وهكذا .

سادساً: علامات التّرقيم  (الانتقال من لقطة إلى أخرى):

إن تتابع الصورة في التمثيلية أو الفيلم، والانتقال من لقطة إلى أخرى، ومن مشهد إلى آخر، يُعد مصدراً من أهم مصادر الحركة، وعاملاً من أهم العوامل، التي تتحكم في جعل إيقاع العمل سريعاً أو بطيئاً. والمعروف أن الإيقاع البطيء ينتج عن تتابع لقطات طويلة، بينما يحدث الإيقاع السريع من تتابع اللقطات القصيرة .. وقد يكون هناك إيقاع متوسط، أو قد لا يكون هناك إيقاع على الإطلاق، إذا تتابعت لقطات غير متساوية الطول دون نظام أو تخطيط.

إن الانتقال من لقطة إلي لقطة، في إطار السرد التليفزيوني أو السينمائي، يشبه إلى حد كبير علامات الترقيم، واستخدامها في الكتابة، كما يشبه استخدام الإظلام والإضاءة وإسدال الستار ورفعه في العروض المسرحية، عند الانتقال من مشهد إلى مشهد، أو من فصل إلى آخر.

ويجري الانتقال من لقطة إلى أخرى، ومن مشهد إلى مشهد، في التمثيلية التليفزيونية باستخدام عدد من الأساليب الفنية، هي:

1.      القطع Cut:

وهو الوسيلة العادية للانتقال، ويتم مباشرة وبسرعة، من الصورة، التي تلتقطها إحدى الكاميرات، إلى صورة تلتقطها كاميرا أخرى (ولا يحدث هذا في التصوير السينمائي حيث يجرى تقطيع اللقطات ـ أي الفيلم نفسه ـ وإعادة لصق أجزائه وفق الترتيب المطلوب، ومن هنا جاءت كلمة Cut، بمعنى قطع أو قص). وعموماً  فإن الانتقال من لقطة إلى أخرى بطريقة القطع هذه، يُستخدم لإظهار المشهد من زاوية، أو من مسافة جديدة، دون تعديل في المشهد ذاته، أو للانتقال السريع من لقطة إلى أخري، أو من مشهد إلى آخر.

2.   المزج dissolve:

ويعنى اندماج نهاية المنظر، الذي ينتهي في اللقطة الأولى، مع بداية المنظر، الذي يظهر في اللقطة التالية، ثم ذوبان المنظر القديم كلية، مع إيضاح معالم المنظر الجديد. وعلى ذلك يكون المزج عملية اختفاء وظهور في وقت واحد، حيث تتلاشى صورة إحدى الكاميرات، بينما تبدأ صورة الكاميرا الأخرى في الظهور. ويمثل "المزج" تغييراً طفيفاً في الوقت، أو المكان، أو فيهما معاً. كما يُستخدم، في كثير من الأحيان، لإظهار التباين أو التضاد contrast بين شيئين، كذلك يستخدم في الربط بين لقطتين متتابعتين، لإظهار العلاقة بينهما على الرغم من اختلاف مضمون كل منهما، اختلافاً كاملاً (كما يجرى عند تصوير أحلام اليقظة). أما في برامج المنوعات، فكثيراً ما تُستخدم طريقة المزج كنوع من "الإبهار"، ولفت الأنظار.

3.   الظهور التدريجي fade in، والاختفاء التدريجي fade out, fade to back:

وتعني إظهار المنظر بالتدريج، كما يتلاشى المنظر الذي قبله بالتدريج، أي هي عملية تدرج في الظهور والاختفاء. وعلى هذا النحو، فإن الاختفاء التدريجي fade out، يشبه إلى حد كبير "النقطة" في نهاية الجملة، إذ يختفي المشهد تدريجياً، فيشعر المشاهد بأن الحدث قد انتهي، أو أنه قد تأجل مؤقتاً، وقد يتم ذلك في بطء شديد، أو في سرعة، حسب المعنى المقصود.

وتستخدم هذه الطريقة في الانتقال من لقطة إلى أخرى، أو من مشهد إلى آخر، للربط  بين جزئين من الفيلم السينمائي أو التمثيلية. كما تُستخدم لتكثيف الإحساس بمرور الزمن. فالاختفاء البطيء جداً، الذي يتبعه ظهور بطئ جداً، إنما يُهيئ المتفرج للشعور بمرور زمن طويل في سرد القصة . أما الاختفاء السريع والظهور السريع، فيوحي بأن زمناً قصيراً قد مضى. وفي كل الحالات، لا يجوز أن يأتي الاختفاء fade out في منتصف حركة مهمة، بل يجب أن يُحتفظ به إلى اللحظة، التي نحتاج فيها إلى التعبير عن "وقفة" أو "لحظة صمت".

4.   المسح wipe:

وهي طريقة تتمثل في إحلال صورة تلتقطها إحدى الكاميرات - إحلالاً تدريجياً - محل صورة تلتقطها كاميرا أخرى. ويتم ذلك باستخدام جهاز إليكتروني خاص، يمسح الصورة، لتحل محلها صورة أخرى، تظهر من أعلى الشاشة إلى أسفلها، أو من أسفلها إلى أعلاها، أو من إحدى جوانبها أو زواياها، أو من منتصفها. الخ. (يوجد ما يزيد على مائة وخمسين شكلاً، من أشكال المسح الإلكتروني).

5.   البان السريع fast pan:

وهي طريقة للانتقال من لقطة إلى أخرى، باستخدام كاميرا واحدة، وهي حركة استعراضية سريعة، أو "عنيفة" للكاميرا، تجعلها تنتقل سريعاً من شئ إلى آخر وكأنها وضعت غشاوة على المنظر. وبذلك فهي تُعني بنقل المتفرج إلى شيء جديد، وكأنها تطالبه أن ينسى ما مضى، وأن يفكر فيما هو أمامه في تلك اللحظة. وعلى النسق نفسه فإنه بواسطة تحريك الكاميرا إلى الأمام والخلف، يمكن الانتقال من خلفية أحد المشاهد إلى مقدمته، أو الانتقال من اللافتات الافتتاحية، إلى المشهد الأول.

سابعاً: خطوات إعداد السيناريو التليفزيوني:

يُمكن تلخيص هذه المراحل في الخطوات الرئيسية الآتية[1]:

·    الاقتباس adaptation

·    الحوار dialogue

·    المعالجة treatment

·    الديكوباج (السيناريو النهائى)

1.      الاقتباس:

تُصاغ هذه المرحلة القصة وتُكيّف، حسب مقتضيات الشاشة، ولهذا ينبغي أن تكون الفكرة صالحة للعرض مرئية. وبعد التأكد من ذلك، يبدأ كاتب السيناريو في تلخيصها تلخيصاً دقيقاً، ويكون ذلك هو بداية العمل في السيناريو. ويعني الاقتباس تحويل كل شئ في القصة إلى حركة، تعبر عن صور ومشاعر، ترتبط وتتوإلى متتابعة مكوّنة قصة كاملة. وينبغي على كاتب السيناريو أن يكون قادراً على التخيل، بحيث يتخيل المرئيات في حركتها، وأوضاعها المختلفة. وتعد هذه المرحلة من أهم مراحل كتابة السيناريو، بل أهمها على الإطلاق.

2. المعالجة:

ويطلق عليها اسم "السيناريو الابتدائي". وفيها يبدأ الكاتب بمعالجة القصة، وتقطيعها بصورة أولية. وهذه المرحلة ليست هي المرحلة النهائية في السيناريو، كما قد يخطر لبعضهم، بل هي إعداد أولى مرئي للقصة. ويتم تقطيع حوادث القصة حسب المشاهد والمناظر، وفق ترتيبها وتسلسلها، وعلى كاتب السيناريو أن يكتب كل مشهد على حدة، فيصفه وصفاً دقيقاً، محدداً الأشخاص الذين يظهرون فيه، والملابس التي يرتدونها، ويشرح الحركة داخل المشهد، وما يظهر في المنظر من أثاث ومنقولات، ويذكر إذا كان المنظر داخلياً أو خارجياً، "أي سيصور داخل البلاتوه في الأستديو أو خارجه". كما عليه أيضا أن يحدد طريقة الانتقال من مشهد إلى آخر، وأن يضع الخطوط الرئيسية للحوار، أو يكتبه كله، أو بعض أجزائه.

ويتبع كتّاب السيناريو في إنجاز هذه المرحلة، وتسجيلها على الورق، طريقة خاصة، فتقسّم الصفحة إلى قسمين طويلين، كما هو معروف، ويخصص القسم الأيمن للمرئيات، والقسم الأيسر للصوتيات.

3. الحوار:

وهو المرحلة الثالثة من مراحل كتابة السيناريو، وهي مرحلة مستقلة بذاتها يمكن أن يقوم بها كاتب السيناريو نفسه، أو أي كاتب آخر متخصص. وأياً كان الأمر لمن سيكتب الحوار فعليه التقيد بالخطوط والخطوات الرئيسية المسجلة في السيناريو الابتدائي، وليس له أن يضيف مشاهد جديدة إلى السيناريو.

4. الديكوباج "السيناريو النهائي":

وهي المرحلة الأخيرة، التي يكون النص بعدها جاهزاً للتصوير. وفي هذه المرحلة تُقسّم المشاهد إلى لقطات، على ضوء ما تم في المرحلة الثانية، وعلى ضوء الحوار. ويصف كاتب السيناريو كل لقطة وصفاً دقيقاً موجزاً، ويوضح حركة الممثلين بداخلها، وحركة الكاميرا، وكيفية الانتقال من لقطة إلى أخرى، مستخدماً في ذلك أساليب الانتقال المعروفة "القطع والمزج والمسح .. الخ ". كما عليه أن يبين حجم كل لقطة، وفقاً للأحجام الخمسة المعروفة هي (المنظر العام - والمتوسط - والمتوسط العام - والكبير- والمتوسط).

 



[1]  يمكن أن يضم الحوار في خطوة واحدة من السيناريو النهائى لتصبح ثلاث مراحل.