إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / قناة السويس




القناة عند الإسماعيلية
بنيامين دزرائيلي
رحيل القوات البريطانية
قناة السويس
قناة السويس بالقمر الصناعي
قاعدة تمثال دي لسبس


قناة السويس



الفصل الأول

الفصل الأول

القناة في العصر القديم

أولاً: في العصر الفرعوني

          ذهب بعض المؤرخين إلى أن فرعون مصر رمسيس الثاني[1]، هو أول من حفر قناة لريّ الوادي الخصيب، ثم واصل الفراعنة شقها، لتكون وسيلة للنقل إلى ما بعد مدينة نيخاو الفرعونية التي كانت تقع بالقرب من البحيرات المرة بين السويس والإسماعيلية.

          وقد سجلت إحدى اللوحات المنحوتة علي الواجهة الخارجية للجدار الشمالي لمعبد الكرنك، أن الملك سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشر، الذي حكم مصر من حوالي أربعة آلاف سنة في الفترة من 1887 إلى 1850ق.م، هو أول من حفر قناة صناعية على الأرض لتربط بين البحر المتوسط (بحر الشمال) والبحر الأحمر (بحر أروتري)، من طريق الفرع البيلوزي، أحد فروع نهر النيل السبعة بالقرب من مدينة بور سعيد[2]، حتى تصل إلى مدينة بوبست، الزقازيق حالياً[3]، ثم تتجه شرقاً إلى بلدة نيخاو، أبو صوير حالياً، حيث كانت تقع البحيرات المرة والتي كانت تعتبر نهاية خليج السويس. وبدأ استخدام تلك القناة عام 1874 قبل الميلاد، وكانت لهذه القناة دوراً مهماً في تاريخ مصر، إذ كانت البضائع تنقل من طريقها إلى مختلف أنحاء العالم.

          ومازالت أثار هذه القناة موجودة في غرب مدينة أبو صوير، ومن الممكن اقتفاء أثرها حتى الكيلو 138 طريق بور سعيد ـ السويس[4]، حيث حفرت قناة المياه العذبة بين السويس والإسماعيلية في مجرى القناة القديمة، وقد تعرضت القناة إلى الإهمال والتخريب في نهاية حكم الأسرة الثامنة عشر، ولم تعد تصلح للملاحة.

          ثم جاء سيتي الأول ملكاً علي مصر خلفا لأبيه رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشر، واختلف المؤرخون في دوره في حفر القناة، لكن الأرجح أنه أعاد حفر القناة في عهده من عام 1319 إلى عام 1300 قبل الميلاد.

          وفي عهد نخاو الثاني (نيخوس)، الذي حكم مصر من عام 610 إلى عام 595 ق.م، وهو ثاني ملوك الأسرة السادسة والعشرين، اتجه إلى إعادة حفر القناة، بادئاً بالمنطقة بين خليج السويس والبحيرات المرة، إضافة إلى إقامة سد ترابي يفصل بين خليج السويس والبحيرات المرة بطول 30 كيلومتر. إلا أن العمل توقف نتيجة لنبؤة العرافة "ميليت" ـ وهي إحدى كاهنات معبد هليوبوليس، ووجدت نبوءاتها في برديات بإحدى مقابر طيبة وبعضها في متحف برلين حالياً ـ إذ قالت: "لقد أمرت رجالك أيها الملك العظيم ـ تقصد "نخاو" ـ بأن يعيدوا حفر القناة التي سبق لسلفك العظيم سيتي الأول حفرها، لتوصيل البحر الشمالي ببحر أروتري الجنوبي، مارة بالبحيرات المرة ... إني أرى وراء الغيب أن عملك هذا سيجلب الغزو على مصر، فحفر القناة سيعود بالفائدة على الغريب دون القريب، على الأجنبي دون الوطني. إنك اليوم تتقاضى الرسوم على مرور الناس بأرضك وعلى مرور التجارة، وتتحكم في مصير البضائع والناس. أما غداً، عندما تفتح القناة، فسيمر بها الجميع، وتجذب الجميع ... ستجذب مطامع أعدائك، فتفقد السيطرة على القناة، وتجعل للخطر منفذاً إلى قلب بلادك ... فبحق الآلهة، وبحق الوطن عليك، مرّ بوقف العمل، وكف عن مواصلة الحفر، لا كانت القناة ولا كان الاتصال".

ثانياً: في عهد الاحتلال الفارسي

          وفي عهد الاحتلال الفارسي لمصر، ظهرت أهمية برزخ السويس، إذ ازدهرت خطوط المواصلات البحرية بين مصر وبلاد فارس عبر البحر الأحمر، وإبان حكم دارا الأول، ملك الفرس من عام 522 إلي عام 485 ق.م، أعاد الملاحة في القناة، ووصَل النيل بالبحيرات المرة، وربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر، ليربط "منف"[5] عاصمة مصر ببلاد الفرس، وذلك عام 510 ق.م، كانت السفن تسير خلال مواسم فيضان النيل فقط.

ثالثاً: في عهد الاسكندر الأكبر:

          أشرف الاسكندر الأكبر[6]، عندما فتح مصر عام 332 ق.م، على تخطيط مشروع القناة، لنقل سفنه الحربية من ميناء الإسكندرية وميناء أبي قير بالبحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، عبر الدلتا والبحيرات المرة. كما بدأ في تنفيذ مشروع قناة الشمال، لتصل (سسربوتيس) ببحيرة التمساح، ومنها إلى البحيرات المرة، إلاّ أن المشروعيْن توقفا لوفاته.

رابعاً: في عهد البطالمة:

          وفي عهد البطالمة أمر بطليموس الثاني، الذي تولى عرش مصر، من عام 285 إلي عام 246 ق.م، بحفر القناة طبقاً للمشروع الذي أعده الإسكندر الأكبر، وتوصيل النيل بالبحيرات المرة، ثم البحر الأحمر، وقد تم ذلك خلال سنتين، وسُمِّيت قناة الإغريق. واستمرت هذه القناة 200 سنة، حتى أهملت وأصبحت غير صالحة للملاحة، إلي أن احتل الرومان مصر.

خامساً: في عهد الاحتلال الروماني:

          وفي أثناء الحكم الروماني لمصر، وفي عهد الإمبراطور الروماني تراجان[7] (Trajan) ، أعاد الملاحة للقناة، وأنشأ فرعاً جديداً للنيل يبدأ من فم الخليج[8] بالقاهرة، وينتهي في العباسة، بمحافظة الشرقية، وقتذاك، متصلاً مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة. وافتتحت تلك القناة عام 117 ق.م، واستمرت في أداء دورها لمدة 300 سنة، ثم أهملت حيث أصبحت غير صالحة لمرور السفن، إلى أن فتح عمرو بن العاص مصر.

سادساً: في العصر الإسلامي:

          في بداية العصر الإسلامي، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وضع عمرو بن العاص مشروعاً لإنشاء قناة جديدة، تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر مباشراً، ولكن المشروع لم ينفذ، خوفاً من الاعتقاد الذي كان سائداً في ذلك الوقت بطغيان البحر الأحمر على أرض مصر. وكان رأي أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، أن حفر القناة بين البحرين يعرض الدولة الإسلامية لغزو يشنه الروم مستخدمين تلك القناة. واكتفىبتجديد قناة الرومان، التي تربط الفسطاط، عاصمة مصر، وبحر القلزم (خليج السويس) عام 642م، وسميت بقناة أمير المؤمنين. ويُعَدّ هذا المشروع ترميم وإصلاح للقناة القديمة، وكانت مياه القناة عذبة تتغذى من النيل، وصالحة للملاحة، ويبلغ طولها 150 كم وعرضها 25 متر وعمقها ما بين 3 إلى 4 أمتار. وكانت تستخدم في التجارة بين العرب ودول العالم. واستمرت صالحة للملاحة 150 عاما، إلى أن أمر الخليفة العباسي، أبو جعفر المنصور بردم القناة تماماً وسدها من جهة السويس، منعاً لأي إمدادات بالمؤن والعتاد من مصر إلى أهالي مكة المكرمة والمدينة المنورة الثائرين ضد الحكم العباسي.

سابعاً: نهاية العصر القديم وبداية العصر الحديث

          استطاع البرتغالي، فاسكوديجاما[9] (Vasco de Gama) ، أن يصل إلى الهند من طريق رأس الرجاء الصالح، سنة 1497م. وقد دبر فاسكوديجاما، عام 1502م، عملية سطو على سفن مصرية بمساعدة القراصنة، أغرقوها في البحر الأحمر، لكي يضعف طريق التجارة من أوروبا إلى الهند من طريق مصر، ويقوى طريق رأس الرجاء الصالح، فأرسل (قنصوه الغوري)[10] احتجاجاً إلى البابا وملك أسبانيا والبرتغال ولكن من دون فائدة، وترتب على ذلك خسارة كبيرة لمصر وبعض دول أوروبا.

          في عام 1664م، أسس لويس الرابع عشر[11] (شركة الهند)، وتفاوض مع السلطان العثماني لنقل البضائع من الهند إلى السويس بحراً، ثم براً على ظهور الجمال إلى القاهرة، ثم إلى الإسكندرية من طريق النيل، ولكن المفاوضات فشلت.

          استأثر الإنجليز والهولنديين بتجارة واسعة مع الهند الشرقية وحققوا منها مكاسب كبيرة، وذلك من طريق مرور تجارتهم برأس الرجاء الصالح، وقد تسبب هذا الطريق في خسارة تجارة فرنسا، حيث كانت هذه التجارة تنتقل عبر بلاد السلطان ويتسلمها الفرنسيون ويبيعونها في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلاد أوروبا. وبناء على ذلك أعلن ملك فرنسا، الملك لويس الرابع عشر والملقب "بملك الشمس" الحرب على هولندا سنة 1672م، لكي يتخلص من منافستها. ولكن الفيلسوف الألماني، ليبيتز، رفع إلى الملك لويس الرابع عشر وصية مؤرخة في 15 مارس 1672م، جاء فيها (... أريد أن أتحدث إلى جلالتكم في مشروع غزو مصر، فلا يوجد بين أجزاء الأرض جميعها بلد يمكن السيطرة منها على العالم كله وعلى بحار الدنيا بأسرها غير مصر، وهى تستطيع أن تلعب هذا الدور لسهولة، استيعابها لعدد كبير من السكان، ونظرا إلى خصب أرضها العديم المثال. ولقد كانت في ماضي الأيام مهداً للعلوم ومحرابا لنعمة الله، ولكنها اليوم معقل للديانة المحمدية التي تضر بنا. ولماذا تخسر المسيحية تلك الأرض المقدسة، التي تصل آسيا بأفريقيا، والتي جعلت منها الطبيعة حاجز بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ومدخلا لبلاد الشرق جميعا، ومستودعا لكنوز أوروبا والهند، ولديكم من وسائل الملاحة ما يجعل مصر سهلة المنال ... إن موقع مصر الفذ سيفتح أمامكم خزائن الشرق ذي الثراء الهائل، وسيربطكم مع الهند برباط وثيق، وينعش تجارة فرنسا، ويعبر الطريق أمام غزاة عظام خليقين بالانتساب لمجد الاسكندر ... وإذا كان ولا بد من تبسيط المسائل فإني أرى أن غزو هولندا من طريق مصر اسهل من غزوها في عقر دارها، لأنكم بغزو مصر تنتزعون من هولندا خزائن الشرق ونفائسه، وهي لن تشعر على الفور بهدفكم، وإذا فطنت له فلن تقدر على مواجهته، وإذا ما تجاسرت على تحدى غزوكم لمصر فإنها ستكبل نفسها بسخط العالم المسيحي، في حين أن غزوها في عقر دارها يجعلها تظهر بمظهر المعتدى عليها، ويدفعها إلى الانتقام مؤيدة برأي عام أوروبي لا ينظر إلى مطامع فرنسا بعين الارتياح. فأولئك يمقتون المسلمين، ومعهم الذين يحقدون على فرنسا سينظرون بعين الرضا والارتياح إلى هجومكم على بلاد المسلمين، والأولون مشربون بروح المسيحية والآخرون يرجون أن تتعرض فرنسا لخصم جديد، يستنفد قوتها العسكرية فيريح أوروبا منها).

          سعى تجار فرنسا المقيمون بمصر لخلق رأي عام فرنسي يلح في طلب شق قناة في برزخ السويس لتصل بين البحر الأبيض والبحر الأحمر، ويطالبوا بالتدخل المسلح في مصر لتحقيق هذا المشروع وتردد صدى هؤلاء في فرنسا حتى قام في نهاية القرن السابع عشر أحد رجال الاقتصاد فيها واسمه (جاك سافاري) بدراسة مسألة البحر الأحمر، كوسيلة للتجارة الخارجية، وقارن بين طريق السويس وطريق رأس الرجاء الصالح مبيناً الفرق الهائل في المسافة واقترح إنشاء قناة في برزخ السويس تمتد من دمياط إلى السويس أو من السويس إلى أقرب نقطة في نهر النيل وأشار في مؤلفه إلى قناة فرعون القديمة وإلى محاولة البطالسة وكليوباترة وملوك مصر الأقدمين التي بذلت في هذا المضمار، وزعم أنهم لم يشقوا قناة السويس للخوف من الفرق ظناً أن مستوى البحر الأبيض مرتفع عن مستوى البحر الأحمر.

          وانتهى عصر لويس الرابع عشر من دون أن يجرؤ على غزو مصر أو يوفق في مشروع طريق الشرق. وفى عصر لويس الخامس عشر اتجه تفكير فرنسا إلى الوصول إلى الهند من طريق الخليج الفارسي.

          وفى عصر لويس السادس عشر فكر الفرنسيين جديا في طريق التجارة من طريق مصر. وقد تنبه سلاطين آل عثمان إلى رغبة الأوربيين في السيطرة على هذا الطريق، فأصدروا الفرمانات والأوامر بمنع وصول أي مراكب أوروبية ورسوها في السويس، وفى حالة رسوها تُصادر ويُلقى القبض على ركابها جميعاً، ويظلوا سجناء إلى أن تصدر أوامر من السلطان بإطلاقهم، وذلك بحجة أن بحر السويس هو الطريق إلى حج بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وأن السويس هي باب مكة المكرمة والمدينة المنورة. ولكن في عهد على بك الكبير[12] حدثت بعض المخالفات، واستطاعت سفينة فرنسية صغيرة قادمة من الحبشة أن تصل إلى السويس محملة بهدايا (لعلي بك)، واتخذ الإنجليز من هذه الحالة الفردية ذريعة للوصول بمراكبهم إلى السويس، إلاّ أن فرماناً أخر صدر بمنع السفن الإنجليزية من الوصول إلى السويس، أو القرب من مياهها.

 



[1] فرعون مصر ( 1304 ـ 1237 ق.م) يُعتبر أعظم فراعنة مصر قاطبة.

[2] مرفأ مصري عند مدخل قناة السويس، أسسه والي مصر سعيد باشا العام 1859.

[3] مدينة في مصر شرقيّ الدلتا على ترعة بحر مويس، قاعدة ( عاصمة ) محافظة الشرقية، سوق مشهورة للقطن وحبوب وتمور، صناعة نسيج وزيوت وصابون.

[4] مرفأ مصريّ على خليج السُّوَيس عند مدخل القناة في البحر الأحمر، قاعدة ( عاصمة ) محافظة يتبعها بور توفيق وبور إبراهيم.

[5] منف أو ممفيس أو بابليون: مدينة أثرية في مصر بمحافظة الجيزة على الضفة الشمالية للنيل، 30 كم جنوبي القاهرة. عاصمة الفراعنة في عهد الدولة القديمة. أسسها مينيس نحو 3 آلاف سنة ق. م.

[6] الإسكندر الأكبر ( 356 ـ 323 ق. م): من أشهر الغزاة الفاتحين، لُقِّب بذي القرنين. ابن فيليبس ملك مقدونيا.

[7] تراجان Trajan ( 53 ـ 117م) إمبراطور روماني ( 98 ـ 117م) نشط التجارة ونظّم ماليّة الدولة.

[8] فم الخليج هو الاسم الحالي بالقاهرة التي كانت تسمى قديماً ( بابليون).

[9] فاسكو دي جاما (1469-1524) Vasco de Gama: بحار برغالي، اكتشف طريق الهند عن رأس الرجاء الصالح 1498.

[10] سلطان مصر ( 1500 ـ 1516م).

[11] لويس الرابع عشر: ملك فرنسا والملقب بملك الشمس والذي تولى السلطة في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر الميلاديين.

[12] عندما عين دويدار محمد أورفللي باشا والياً على مصر بأمر الباب العالي في عام 1768م، تمكن علي بك الكبير من استصدار أمر من الديوان بعزل الوالي الجديد وتولى علي بك الكبير قائمقامية مصر بدلاً منه، ولمدة أربع سنوات ظل علي بك الكبير قائمقام على مصر ولم يرسل الباب العالي من جانبه ولاة على مصر إلى أن هُزم علي بك الكبير في الصالحية عام 1773م.