إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / قناة السويس




القناة عند الإسماعيلية
بنيامين دزرائيلي
رحيل القوات البريطانية
قناة السويس
قناة السويس بالقمر الصناعي
قاعدة تمثال دي لسبس


قناة السويس



الفصل الثاني

الفصل الثاني

أتباع سان سيمون

وعلاقتهم بـ "دي لسبس" وقناة السويس

نشأة سان سيمون ومبادؤه:

         هو الكونت هنري دي سان سيمون Claud Henri De Rouvroy De Saint Simon ولد (1760–1825) ولد في باريس في 17 أكتوبر 1760م، ودخل خدمة الجيش الفرنسي منذ عام 1777م، وسافر في شبابه إلى أمريكا في عام 1778م، وساهم في حرب الاستقلال الأمريكية، وهناك تشبع بالمبادئ الجمهورية وبعد انتهاء حرب الاستقلال غادر الولايات المتحدة الأمريكية، وطاف ببعض أقطار أمريكا الجنوبية، ثم عاد إلى فرنسا أواخر عام 1784م.

         ويُعَدّ سان سيمون مؤسس الاشتراكية الفرنسية، فقد آمن بالمبادئ الاشتراكية، وعمل على نشرها. فقد دعا إلى قيام دولة صناعية يديرها العلماء، وتستهدف إنتاج الأشياء المفيدة للحياة، باستغلال قوى الطبيعة ومواردها استغلالاً علمياً منظماً يقوم على التعاون بين الأفراد. كما كان يهدف إلى تحقيق السلام العالمي. ودعا إلى استخدام الموسيقى كوسيلة من وسائل التثقيف الخلقي والصناعي. وظل سان سيمون مبتعداً عن الانغماس في السياسة العامة، وكانت ثقته كبيرة في مقدرة وكفاءة نابليون بونابرت، وكان يتوقع منه إنهاء الفوضى التي خلقتها الثورة ولكنه انقلب على نابليون بعد أن كشف عن وجهه الدكتاتوري وانحرف عن مبادئ الحرية، وصار من ألد خصومه، وتعرض سان سيمون إلى مطاردة أجهزة الأمن حتى فقد مصادر الرزق، وهبط إلى حافة الجوع وغلب عليه اليأس، فأطلق على رأسه رصاصة قاصداً الانتحار، ولكن الرصاصة انحرفت وذهبت بعينه اليسرى. وعاد سان سيمون إلى أبحاثه ودراساته الفلسفية طوال السنوات الخمس الأخيرة من حياته وتوفي عام 1825م.

نشأة أتباع سان سيمون ونشاطهم:

         بعد وفاة سان سيمون، وفي عام 1825م، تكونت جمعية أطلق عليها "اتباع سان سيمون" رأسها القس (أنفانتان). وهو بروسبير أنفانتان (Prosper Enfantin) ، ولد في 8 فبراير عام 1796م، والتحق منذ عام 1813م بمدرسة الهندسة العليا، ثم تركها في عام 1814م ليشترك مع زملائه من طلبة المدرسة في الدفاع عن باريس أثناء غزو الحلفاء لها، وبعد انتهاء الحرب، وسقوط الإمبراطورية، ترك أنفانتان الجندية ليشترك مع أهله في تجارة النبيذ حتى عام 1821م حين أخذ يهتم بالمسائل الاقتصادية والسياسية، ثم تعرف على سان سيمون من طريق أوليند رودريج (Olinde Rodrigyes) تلميذ سان سيمون وصديق أنفانتان.

         وكان هدف الجمعية خدمة السلام العالمي، من طريق تنفيذ مشروعات دولية تحقق الفائدة للعالم، ومن بين تلك المشروعات، قناة السويس، إذ ستساعد على قيام تبادل تجاري واسع بين الشرق والغرب، وتيسير الحصول على الموارد الأولية اللازمة للنشاط الصناعي، وفي الوقت نفسه تساعد علي تصريف ما تنتجه المصانع إلى أسواق العالم.

         أما الـ "سان سيمونيون" فقد عاشوا حياة اشتراكية خالصة في حي منلمونتان (Menilmontant) ، أحد أحياء باريس، وكانوا يخدمون أنفسهم تنفيذاً لمبدأ عدم الاستعانة بالخدم، وارتدوا زيّاً خاصاً موحداً تميزوا به، يدخل في تكوينه ثلاث ألوان (الأبيض ـ الأحمر ـ الأزرق) رمز الثورة الفرنسية.

         ولقد اُضطهدت جماعة اتباع سان سيمون في فرنسا، بسبب مبادئهم الاشتراكية التي كان ينشرونها ويحرّضون العمال علي المطالبة بها. ففكر اتباع سان سيمون في الخروج من فرنسا، للهروب من ملاحقة السلطات الحكومية لهم واضطهادهم، وليحققوا حلمهم في حفر قناة تربط، بطريقة ما، بين البحرين المتوسط والأحمر، ليعود المشروع بالنفع العظيم على تجارة العالم، وتستفيد كل الدول من المشروع، إضافة إلي اكتساب فرنسا فخراً عظيماً لانتماء اتباع سان سيمون لها باعتبارهم أصحاب هذا المشروع ومنفذيه، مما ينتج منه تخلي الحكومة الفرنسية عن سياسة اضطهادهم وملاحقتهم.

         ولما علمت الحكومة الفرنسية بعزم الـ "سان سيمونين" الرحيل من فرنسا شعرت بالاطمئنان، لان ذلك سيخلصهم من مصدر القلق، وشجعت السلطات الفرنسية أصحاب السفن التجارية على نقلهم إلى بلاد الشرق، وتعهد المسؤولين الحكوميون بسداد نفقات الرحلة إذا عجز الأتباع عن سدادها. توجه اتباع سان سيمون إلى مصر لتنفيذ مشروعهم، وغزو مصر اجتماعياً واقتصادياً، وذلك من طريق المساهمة في المشروعات، التي بفضلها، سيكون لفرنسا مركز ممتاز في مصر.

         وقد بدأ أصحاب سان سيمون في دراسة المشروعات التي سبق التفكير فيها، حيث أن فكرة توصيل البحريين الأبيض المتوسط والأحمر لم تكن فكرة جديدة، بل جرت محاولات عدة في العصور السابقة لإنجاز هذا الاتصال، ولقد اهتم السان سيمونين اهتماماً كبيراً بالمشروع الذي وضعه المهندس الفرنسي لوبير (Lepere) أيام الحملة الفرنسية علي مصر.

مشروع لوبير

         أرسلت فرنسا حملتها لغزو مصر بقيادة نابليون بونابرت، في 12 أبريل 1798م. وكان أول أهدافها ضمان السيطرة على البحر الأحمر وشق برزخ السويس. وقد رأى بونابرت أنه من الضروري لتنفيذ المشروع التعرف على مكان القناة القديمة. فكلف بعض معاونيه للاستيلاء على السويس، وقرر استكشاف برزخ السويس بنفسه، فخرج، برفقة بعض العسكريين والمختصين والمصريين، لهذه المهمة في 24 ديسمبر 1798م، واستطاع أن يعثر على بعض معالم القناة القديمة، ثم عاد بونابرت للقاهرة وشكّل لجنة برئاسة المهندس (لوبير) الذي كان مرافقاً له في رحلته، لمسح ودراسة منطقة البرزخ، وإعداد مشروع شق القناة.

         وقامت اللجنة بثلاث رحلات وقابلت كثيراً من الصعاب، بسبب غزو فرنسا لسوريا، وقلة المياه العذبة، ومقاومة الأعراب في الصحراء، والنقص في الأجهزة ووسائل النقل.

         وقع المهندس (لوبير) في خطأ أساسي فادح، وهو اعتقاده أن مستوى سطح البحر الأحمر يعلو بمقدار ثلاثين قدماً وست بوصات عن سطح البحر المتوسط. وأعلن ذلك في 15 ديسمبر 1800م، في تقرير عن أبحاث اللجنة، رفعه إلى القنصل الأول في 24 أغسطس 1803م، ولم ينشر هذا التقرير إلا في عام 1808م.

         ترتب على خطأ المهندس (لوبير) في حساب مستوى البحريين، أن بدأ التفكير في إعادة حفر القناة القديمة، التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر، ثم توصيل النيل بالبحر الأبيض، حتى يمكن حل مشكلة اختلاف المستوى. وقد وضع لوبير تصوره لمشروع القناة لتمتد من (بوبسطة) عند بحر مويس حتى (جسر سنكة) عند مدخل (طوميلات) لمسافة قدرها نحو 19.5 كيلومتر، ثم تسير القناة في وادي (طوميلات) نفسه من (جسر سنكة) حتى ( سيرابيوم ) ويبلغ طول المسافة 72.5 كيلومتر، ثم تتجه القناة نحو الجنوب الشرقي في حوض (البحيرات المرة) نفسها ويبلغ طول هذا الجزء نحو 45 كيلومتر، وأخيراً تغادر القناة البحيرات المرة، وتتجه جنوباً لتنتهي عند السويس بامتداد طوله نحو 21.5 كيلومتر. واقترح (لوبير) إقامة هويس عند الحافة الجنوبية للبحيرات المرة لتلافى انخفاض مستوى هذه البحيرات عن مستوى البحر الأحمر. وهذا هو الذراع الشرقي للقناة. أما في الغرب فإن القناة تمتد من الإسكندرية إلى الرحمانية، على فرع رشيد، لمسافة تقدر بنحو 100 كيلومتر تقريبا،ً ثم تتمثل في فرع رشيد نفسه من الرحمانية حتى رأس الدلتا، وتبلغ طول هذه الرحلة نحو 125 كيلومتر، ثم تسير القناة في الفرع الشرقي للنيل من رأس الدلتا حتى مدخل وادي (طوميلات) لمسافة تبلغ نحو 80 كيلومتر، وبذلك يصبح طول المسافة بين الإسكندرية والسويس طبقاً لمشروع (لوبير) حوالي 435 كيلومتر.

         وإلى جانب اختلاف مستوى البحريين، استند (لوبير) في وضع مشروعه "غير المباشر" على اعتبارات أخرى، في مقدمتها كثرة الرواسب من طمي النيل في (الخليج البيلوزي) عند (الفرما) بورسعيد الحالية، مما يؤدي إلى احتمال طمر مدخل القناة على البحر المتوسط، كما فكر في أن التجارة الداخلية لمصر لن تستفيد من شق قناة مستقيمة بين البحريين مثلما تستفيد من القناة "غير المباشرة".

         ولحل مشكلة اختلاف مستوى سطح البحريْن، اقترح لوبير، كذلك شق قناة أخرى مباشرة إلى جانب القناة غير المباشرة السابق ذكرها. وتشترك القناة المباشرة مع القناة غير المباشرة في المجرى الواقع بين السويس والحافة الشمالية للبحيرات المرة، ثم تتخذ القناة المستقيمة لنفسها طريقاً خاصاً يمتد من الحافة الشمالية للبحيرات المرة حتى رأس الميه، ثم تسير بحذاء الساحل الشرقي لبحيرة المنزلة حتى الفرما على البحر المتوسط لمسافة تبلغ من شمال البحيرات المرة نحو 90 كيلومتر، وبذلك تصبح طول القناة المباشر بين السويس والفرما حوالي 150 كيلومتر.

         وكانت تلك القناة تعتمد على مياه النيل التي تتجمع ـ طبقاً لمشروع لوبير ـ في البحيرات المرة التي ستصبح بمثابة خزان تحيط به الجسور لمنع غرق الأراضي بمياه البحر الأحمر، وتغذي البحيرات المرة ذلك الجزء من القناة المباشرة المتجهة شمالاً نحو الفرما. وأوضح لوبير أن سرعة المياه في القناة المباشرة ـ نتيجة الانحدار نحو الشمال ـ سوف تؤدي إلى تطهير المجرى من الرمال التي قد تنقلها الرياح من الصحراء، كما توقع لوبير عدم طمر مدخل القناة على البحر المتوسط لأن قوة تيار الماء الجاري في القناة سوف تضمن تطهير المدخل وتعميقه على الدوام.

وتضمن تقرير لوبير وضع خطة لتنفيذ المشروع الذي قدر نفقاته بنحو 30 مليون فرنك، واستخدام عشرة آلاف عامل لمدة 4 سنوات.

         نظراً إلى ما تضمنه تقرير لوبيير من معلومات أخرى مفيدة، مثل جدول بالمقاييس، ودراسة ظروف المنطقة، فقد اهتم أتباع سان سيمون بدراسة التقرير والاستفادة به في أبحاثهم. وفكر أتباع سان سيمون في فكرة "حياد مشروع القناة"، وذلك من طريق تنفيذ المشروع "دولياً"، تساهم فيه دول مختلفة عديدة ولا يقتصر تنفيذه على دولة بعينها. وهي الفكرة نفسها التي اهتدى إليها دي لسبس فيما بعد. وقد ذهب القس أنفانتان، زعيم جماعة سان سيمون، في تفكيره إلى ضرورة "تدويل" مشروع القناة، وانتزاع برزخ السويس من السيادة المصرية ووضعها تحت إشراف أجنبي من الدول الأوروبية.

وصول أتباع سان سيمون إلي مصر للمرة الأولى ونشاطهم بها

         غادر القس أنفانتان باريس متوجهاً إلى مصر في 29 أغسطس 1833م، عبر ميناء مرسيليا، ووصل إلى الإسكندرية في 23 أكتوبر 1833م، ثم إلى القاهرة في 12 نوفمبر 1833م، وبرفقته بعض من أتباعه المتخصصين في الهندسة والزراعة والطب والتعليم والفن. وطّد أتباع سان سيمون علاقاتهم بأفراد الجالية الفرنسية في مصر، وفي مقدمتهم ميمو (Mimaut) القنصل الفرنسي، وفرديناند دي لسبس نائب القنصل، ودي سيريزي، منشئ الأسطول المصري والترسانة المصرية بالإسكندرية.

         ظل أتباع سان سيمون يلقون الترحيب من دي لسبس، أثناء إقامتهم بالبلاد. واستطاع إقناع محمد علي[1]، والي مصر، في ذلك الوقت، بتركهم يقيمون في مصر. ونظراً إلى أن محمد علي كان يتخوف من مبادئهم التي حاولوا نشرها في أوروبا أبعدتهم الدولة العثمانية، فقد وعد دي لسبس محمد علي باستخدام سلطاته القنصلية في ترحيلهم عن مصر، إذا ما تسببوا في إحداث أي قلاقل أمنية داخل مصر.

          بدأ أتباع سان سيمون دراسة مشروع القناة اعتباراً من أول أكتوبر 1833م، بزيارة برزخ السويس وجمع المعلومات عنه، وعن المناطق المحيطة به، وعن بقايا القناة القديمة. وحاول هنري فورنل (Henri Fournel) وهو مهندس مناجم، وشارل لامبير (Charles Lambert) وهو مهندس مناجم كذلك، إقناع محمد علي بأولوية مشروع القناة، في مذكرة قدمت إلى محمد علي في 24 يناير 1834م، ولكن محمد على كان، في ذلك الوقت، يفكر في مشاريع أخرى مثل: مشروع القناطر، ومشروع القناة بين البحريين، ومشروع خط السكة الحديد بين القاهرة والسويس. وكان محمد علي يعتقد أن القناطر لو أُنشئت فإن فائدتها ستعود على مصر بذاتها، فقرر عرض تلك المشروعات على المجلس الأعلى لبحثها، ووافق المجلس الأعلى، بتاريخ 31 يناير عام 1834م، على تفضيل مشروع القناطر على غيره من المشروعات.

          حاول فورنل ولامبير، مرة أخرى، إقناع محمد علي بأولوية مشروع القناة، بالتشكيك في نجاح مشروع القناطر إلا انهما فشلا، وغضب فورنل وغادر مصر، ولحق به بعض زملائه من اتباع سان سيمون. وعلى الرغم من قيام اتباع سان سيمون بدراسات وأبحاث تمهيدية في منطقة برزخ السويس، إلاّ إنها لم تسفر عن وضع مشروع محدد لتوصيل البحرين حتى ذلك التاريخ.

          وشارك من بقى من الـ "سان سيمونيين" في مصر في كثير من المؤسسات التعليمية، وساهموا في نهضتها وتقدمها، مثل شارل لامبير (Charles Lambert)[2] الذي استقل بإدارة مدرسة المهندس خانة (الهندسة) في بولاق عام 1834م، وكان يسعى إلى تدبير الوظائف لخريجيها تشجيعاً لهم، كما قام بتعريب كثير من كتب الرياضة، والطبيب بيرون (Perron) الذي تولى مدرسة الطب البشري عام 1841م، كما تولى برنو (Bruneau)[3] إدارة مدرسة الطوبجية في طرة عام 1840م، وأقامها على النموذج الذي تسير عليه مدرسة الهندسة العسكرية بباريس، بينما تولى ديشاروم (Descharmes)[4] إدارة مصلحه الطرق والكباري عام 1838م، وعهد إلي ألكسي بيتيه (Alex Petit)[5] لإنشاء المزرعة النموذجية، ولامي (Lamy)[6] لإنشاء حظيرة الماشية.

          ركز اتباع سان سيمون على شغل بعض المناصب الحكومية، والتغلغل في الكثير من نواحي النشاط في مصر، تحقيقاً لأحد الأهداف التي رسموها لأنفسهم قبيل رحيلهم من فرنسا، وهو المساهمة في المشروعات المختلفة حتى تثبت إقدامهم في البلاد، وتتاح لهم فيما بعد فرصة تحقيق مشروعهـم الأكبر وهو مشروع القناة التي تربط بين البحرين، ولكن ظل بعض اتباع سان سيمون بلا عمل في مصر، وصار من الصعب على رئيسهم القس أنفانتان، تدبير مصدر رزق لهم جميعاً، فاضطر كثير منهم إلى العودة إلى فرنسا. وعند تفشى الطاعون، في يناير 1835م، وراح ضحيته عدد كبير من جماعه السان سيمون في مصر، رحل على أثر ذلك زعيمهم أنفانتان عن القاهرة، في 25 فبراير 1835م، هارباً إلى جنوبي مصر، في الصعيد، خوفاً من انتشار الطاعون، ولم يكن الموت هو الخطر الوحيد الذي واجه اتباع (سان سيمون) في مصر، بل تخلى اثنين منهم عن الكاثوليكية واعتنقوا الإسلام. وكان ذلك موضع سخرية من محمد علي، وقد عبر عن شماتته في جماعه سان سيمون، الذين دخلوا إلى مصر لتحويل المسلمين عن دينهم، فإذا باثنين منهم يتحولان إلى الإسلام.

          عاد أنفانتان إلى القاهرة، ثم غادرها في 23 أكتوبر 1836م، مع بعض أعوانه، إلى الإسكندرية، ثم غادرها في 30 أكتوبر 1836م، إلى مرسيليا. ووصل إلى فرنسا من دون أن يحقق هو وزملاؤه من جمعية أتباع سان سيمون في رحلتهم الأولى إلى مصر مشروعَ القناة للربط بين البحرين الأبيض والأحمر، وعلى إثر ذلك تفرقوا.

مشروع (لينان) الأول لتوصيل البحريين بقناة غير مباشرة

          لم تمت فكرة شق قناة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، بعودة "أنفانتان" وأتباعه إلى فرنسا. فقد اهتم لينان دى بلفون (Linant De Beellefonds) ، وهو مهندس فرنسي كان يعمل في الحكومة المصرية، بالفكرة وبذل في سبيلها جهداً ووقتاً كبيرين.

          زار لينان دى بلفون برزخ السويس في عامي 1820، 1821، وركز، في بادئ الأمر، على الناحية التاريخية لتعقب أثر القناة القديمة، ثم اهتم بعد ذلك في عامي 1827م، 1829م بدراسة الأمور الفنية، والهندسية، وانتهى إلى وجود فارق بين مستوى البحرين. ووضع مشروعه على هذا الأساس عام 1830م، والذي كان يقوم على توصيل البحرين بطريق غير مباشر كما كان يعتمد على ماء النيل أمام القناطر، وإقامة الأهوسة[7] عند الطرف الجنوبي للبحيرات المرة التي يملؤها ماء النيل، وكان عمل الأهوسة بغرض تلافي الفرق في مستوى البحرين الذي بنيت على أساسه دراسته. وكانت القناة في مشروعه تتكون من قسمين، إحداهما شرقي النيل والأخر غرب النيل. ومشروع لينان لا يختلف عن مشروع لوبير إلا في شيء واحد وهو إنشاء القناطر على النيل عند رأس الدلتا في مشروع الأول. وقد أُخذ على مشروعي لينان ولوبير أنهما يخدمان الملاحة الداخلية في مصر ولا يخدمان الملاحة البحرية بين البحريين كما كان ينتظر العالم. إضافة إلى أن مشروع لينان أطول من مشروع لوبير، حيث اعتمد لينان على اعتبار القاهرة مركزاً تجارياً هاماً على الطريق المائي بين البحريين.

          وقد اهتم ميمو، القنصل الفرنسي بالقاهرة، ونائبه، فردينان ماري دي لسبس، بمشروع لينان، وأثار هذا الاهتمام الرغبة لدى دي لسبس في أن يكون هو باعث مشروع القناة.

مشروع (لينان) الثاني لتوصيل البحريين بقناة مباشرة

          وضع لينان[8] عام 1840م، مشروعه الثاني الذي يعتمد على حفر قناة مستقيمة بين البحرين اعتماداً على دراسته السابقة، والتي توصل فيها إلى أن مستوى مياه البحر الأحمر تزيد عن مستوى المياه في البحر الأبيض، وأن ذلك سيساعد على حفر القناة نظراً لتدفق المياه حسب نظريته من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض، كما حدث في النيل الذي يجري ماؤه من الجنوب إلى الشمال. وأنه لا خشية من طغيان المياه المالحة على الأراضي المحيطة بالقناة. وبإنشاء هذه القناة يتحقق الغرض من سهولة الملاحة بين البحريين، وقصر المسافة، ويخدم بذلك احتياجات أوروبا.

          واتفق (لينان)عام 1841م، مع أرثر أندرسون (Arthur Anderson) ، مدير شركة (pennsula foriental) الإنجليزية، على تكوين شركة للإعداد لتنفيذ مشروع القناة المباشرة بين السويس والفرما (بورسعيد الحالية) لتوصيل البحرين. واتفقا على أن يكون لينان هو مدير أعمال المشروع مقابل راتب سنوي مجزي، على أن يقدم المشروع النهائي للقناة وخرائطه خلال 4 شهور لأندرسون لعرضه على لجنه متخصصة من المهندسين لمناقشته وإقراره. وتعهد أندرسون بالحفاظ على سرية المشروع في اتصالاته مع الممولين له، وفي حالة مخالفة أندرسون. لذلك، تعهد بدفع مبلغ 500 جنيه إسترليني تعويضاً لصاحبه لينان، وفي حالة عدم تمكن أندرسون من تكوين الشركة لتنفيذ المشروع، تعهد بإعادة جميع وثائقه إلى لينان.

          اتصل أندرسون ببعض قناصل الدول الأوربية، الموجودين بمصر، لعرض المشروع عليهم، ليبلغوه إلى حكوماتهم، مبيناً الفوائد التي ستعود على الدول الأوربية في حالة تنفيذه.

وصول مشروع لينان إلى أصحاب سان سيمون

          وصلت الخرائط والرسوم الخاصة بمشروع لينان لتوصيل البحرين بقناة مباشرة إلى السان سيمونين في 15 أبريل 1846م، إذ نقله جومار (Jomard) إلى القس أنفانتان. وقد اتخذ أصحاب سان سيمون مشروع لينان، أساساً، لإعادة أبحاثهم ومحاولاتهم لتنفيذ المشروع، إضافة إلى الاستعانة بمشروع لوبير.

          وفي عام 1845م، تكونت جمعية ليبزج بمدينة ليبزج (Leipzig) الألمانية، لبحث مشروع القناة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض وأثره وفوائده على أوروبا كلها. وحاول مندوب الجمعية إقناع محمد على باشا، والي مصر، بجدوى المشروع، وأبدى محمد علي تشجيعه للمشروع وموافقته عليه إذا اتفقت الدول الكبرى على تنفيذه. واقترحت الجمعية تكوين شركة من أصحاب رؤوس الأموال الألمانية والفرنسية والإنجليزية لتمويل المشروع حتى لا تستأثر به دولة بعينها.




[1] والي مصر ( من عام 1805م إلى عام 1848م)، ولد محمد علي باشا ابن إبراهيم أغا عام 1769م، من سلالة ألبانية، ببلدة قوله، وله أبناء هم ( إبراهيم وطوسون وسعيد)، وخدم بالجيش، ونظراً لتميزه ترقى، وبمساعدة المصريين، أصبح محمد على نائب السلطان العثماني، ثم عين والي على مصر، وخلال ولايته كان له إصلاحات كثيرة، في التعليم والزراعة والصناعة والترع والقناطر والمواني والجيش والبحرية، وأباد المماليك في الحادثة الشهيرة في مذبحة القلعة، وتوفى بالإسكندرية في 2 أغسطس 1849م، وهو مؤسسة أسرة محمد علي التي ظلت تحكم مصر حتى يوليو 1952م.

[2] وكان متخصصاً في أعمال التعدين والمناجم.

[3] برنو ضابط أركان حرب.

[4] وهو مهندس طرق وكباري وكان موظف بفرنسا.

[5] ألكسي بيتيه من المتخصصين في الزراعة.

[6] وهو مهندس معماري ومات بالطاعون وهو يشرف علي إقامة مزرعة شبرا.

[7] وهي جمع كلمة ( هاويس ) عندما يصل الممر أو القناة أو المجري المائي والذي تستخدمه السفن للتنقل بين بحرين يختلف مستوي المياه بهما ينشأ في هذا الممر أو القناة أو المجري مكان اسمه الهويس ليتعادل فيه مستوي المياه لتتمكن السفن من التنقل داخل هذا المجري مثلما يحدث في قناة بنما.

[8] لينان دي بلفون ( Linant de Belleponds ) وهو ضابط بحري وكبير مهندسي الطرق والكباري في مصر.

[9] جمعية دراسات قناة السويس ( Soc D`sEtudes Du Canal De Suez).

[10] روبرت استفنوس ( Robert Stephenson ) وهو مهندس إنجليزي، اشترك في جمعية دراسات قناة السويس، ووجه إليه اللوم لاشتراكه مع المهندسين النمساويين والفرنسيين في دراسة مشروع القناة، لأن بريطانيا كانت لا تريد أن ينفذ المشروع لأسباب سياسية، ثم صار بعد ذلك بسنوات قليلة هو المهندس المشرف علي عملية إنشاء الخط الحديدي بين الإسكندرية والقاهرة، في عهد عباس باشا

[11] لويجي نجريللى ( Luigi Negrelli) ، وهو مهندس نمساوي، وينحدر من أب من التيرول النمسوي وأم ألمانية، وبعد أن أتم دراسته الهندسية، عمل منذ فبراير 1818م في إدارة المنشآت العامة بالتيرول وأصبح موضع تقدير رؤسائه نظراً لكفاءته، وعهدوا إليه بكثير من الأعمال المائية وإنشاء الطرق، ثم عمل مفتشاً لمنشآت الطرق والأعمال المائية، ثم أصبح الرئيس العام لجميع المنشآت العامة في زيورخ، وزار فرنسا وإنجلترا وبلجيكا، وعمل عام 1840م مستشاراً عاماً لشركة سكك حديد الإمبراطور فرديناند في فينا. وفي عام 1843م تعرف عليه ( القس أنفانتان) عن طريق مهندس ألماني من المهتمين بمشروع توصيل البحريين بقناة مائية ويدعى هذا المهندس ( دوفور فيرونس Dufour Feronce). وهو أول من أشار إلى الحل الصحيح لمشكلة توصيل البحر الأحمر بالبجر الأبيض وتساوي مستواهما.

[12] فافيه وهو المفتش العام للطرق والكباري في فرنسا، وكان أحد الذين شاركو مع المهندس ( لوبير ) في أعمال القياس في برزخ السويس أيام الحملة الفرنسية.

[13] عباس باشا وهو ابن طوسون بن محمد علي باشا والي مصر، ولد في عام 1813م، في جدة ونشأ في القاهرة، وتولى حكم مصر في 10 نوفمبر 1848م، بعد وفاة إبراهيم باشا، واستمر في حكم مصر الفترة من 1848مإلى 1854م،وخلال فترة حكمه عاش بمعزل عن الناس حياة بذخ، وسادت الفوضى وفسد النظام وأغلقت المدارس، وقتل في قصره ببنها في 13 يوليو 1854م.

[14] عباس باشا وهو ابن طوسون بن محمد علي باشا والي مصر، ولد في عام 1813م، في جدة ونشأ في القاهرة، وتولى حكم مصر في 10 نوفمبر 1848م، بعد وفاة إبراهيم باشا، واستمر في حكم مصر الفترة من ( 1848م إلي 1854م)، وخلال فترة حكمه عاش بمعزل عن الناس حياة رغد وبذخ، وسادت الفوضى وفسد النظام وأغلقت المدارس، وقتل في قصره ببنها في 13 يوليو 1854م.

[15] نابليون الثالث إمبراطور فرنسا ( 1852 ـ 1870م)، الإمبراطورية الثانية، وهو ابن لويس بونابرت ملك هولندا، وأخو نابليون الأول، وقد ولد في باريس عام 1808م، وتوفى في 1873م، بعد ثلاث سنوات من سقوط إمبراطوريته.