إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / الشرق الأوسط









العصر التاريخي للمنطقة

العصر التاريخي للمنطقة

   ظلت الأسطورة موجودة في الكتابات التاريخية القديمة، حتى دخول الشرق القديم في العصر التاريخي، في الألف الثالثة قبل الميلاد تقريباً، لفترة من الزمن، تمارس تأثيرها القوي في التركيبة العقلية لشعوب الشرق، وتعد الشاهنامة الإيرانية دليلاً حياً على هذا التأثير. إن التغيير الأساسي، الذي ميز بين حضارة ماقبل التاريخ، وحضارة ما بعد التاريخ، ينحصر في عملية اكتشاف الكتابة، واستخدامها في تسجيل الأحداث الإنسانية، وانحسار الأسطورة، أو ضعف دورها في عملية الحفظ الشفهي للتراث الإنساني، كما تم تدوين الأساطير وكتابتها؛ لتظل تراثاً مكتوباً.

   أدت الحفريات، التي قام بها علماء الآثار في منطقة الشرق الأوسط، إلى اكتشاف بدايات التاريخ الحقيقي للمنطقة، حيث تم اكتشاف مدينة أوغاريت، شمال سوريا، وهي مدينة ازدهرت على مدى أربعة آلاف سنة، وكانت مركزاً قديماً للتبادل الحضاري، بين منطقة الشرق الأدنى ومنطقة البحر المتوسط. كما تم اكتشاف مدينة ماري الواقعة على نهر الفرات، وكانت مركزاً حضارياً، امتدت آثاره إلى شمال منطقة مابين النهرين، كما تم اكتشاف وثائق البحر الميت. ساعدت النتائج، التي توصل إليها علماء الآثار، على تزويد المؤرخين بمادة جديدة، حول التاريخ السياسي لإمبراطوريات الشرق القديم. ومن المشكلات، التي ترتبت على نتائج الاكتشافات الأثرية، مشكل الحدود الإقليمية، والحدود التاريخية لحضارات هذه المنطقة، كما ظهرت بعض المصطلحات، التي من أهمها مصطلح الشرق الأدنى القديم، بعد أن كان مصطلح الشرق هو الشائع، إلا أن هذه الحفريات أكدت ظهور إمبراطوريات عديدة في المنطقة، مثل الأكديين، والبابليين، والأشوريين في بلاد النهرين، والعيلاميين، والفرس، والميديين في إيران، والحيثيين، والحوريين في بلاد الأناضول، والدولة المصرية القديمة، التي نافست كل القوي السابقة الذكر، في السيطرة على الشرق القديم. وقد احتفظت الجزيرة العربية باستقلالها السياسي والحضاري؛ لصعوبة وصول الجيوش الغازية إليها، بسبب طبيعتها الجغرافية، وتمكنت شبه الجزيرة العربية، بوسائل سلمية خالصة، من مد نفوذها الحضاري والسكاني إلى كل أنحاء المنطقة، وإحداث تغيير جذري في البنية السكانية للمنطقة، حيث أدت الهجرات العربية إلى بلاد النهرين، خلال الألف الرابع قبل الميلاد، إلى التغلب التدريجي على السومريين، حضارياً وثقافياً، حتى قيام الدولة الأكدية (2371-2316ق.م)، وهي أول دولة من أصل عربي. وتوالت بعد ذلك الدول العربية، ومن أهمها الدولة البابلية، والدولة الأشورية، والدولة الكلدانية، التي جعلت من تاريخ بلاد النهرين تاريخاً عربياً، ومن حضارته حضارة عربية، كما كونت الهجرة العربية المعروفة بالهجرة الكنعانية، التي سكنت الساحل الغربي للبحر المتوسط، أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، عدداً من الشعوب، أهمها الفينيقيون، والمؤابيون، والعبريون، وأقاموا حضارة بحرية، وأنشأوا مدناً ساحلية حصينة مثل صور، وصيدا، وجبيل، وأرواد، ورأس شمرة، كما قاموا بتنشيط التجارة بين هذا الإقليم وإقليم الحجاز، ويعتقد المؤرخون أن العرب انطلقوا، أيضا، من مدينة حران، الواقعة بين العراق وسوريا إلى بلاد أمورو غرباً، وأن هذه الرحلة تمت، في بداية الألف الثاني قبل الميلاد، أما الآراميون فقد عاشوا في الصحراء السورية، وهي امتداد طبيعي للجزيرة العربية، وسيطروا على المحطات التجارية، كما نزلوا شمال العراق، في الألف الثالث قبل الميلاد، وكونوا إمارات عديدة هناك.

     اعتاد المؤرخون تقسيم تاريخ العرب، قبل الإسلام، إلى قسمين: العرب البائدة، التي انتهى وجودها قبل ظهور الإسلام، والعرب الباقية، وهم، عندهم، قسمان: العرب القحطانية من حمير، ونحوها من أهل اليمن، والعرب العدنانية، في الحجاز وما يليها، ومن دراسة أحوال العرب وتاريخهم، يبدو أن هذا التاريخ قد مر بثلاثة أدوار رئيسية.

    كانت السيادة، في الدور الأول، لعرب القسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية، وأكثرهم من العرب البائدة.

    ثم انتقلت السيادة، في الدور الثاني، من هذا التاريخ، إلى عرب القسم الجنوبي من الجزيرة العربية، وأكثرهم من القحطانية.

    وفي الدور الثالث والأخير، عادت السيادة إلى عرب الشمال، وأكثرهم من العدنانية، واستمرت هذه السيادة حتى ظهور الإسلام.

    وقد شهد جنوب شبه الجزيرة العربية، في الألف الثاني، والألف الأول قبل الميلاد، ظهور عدد من الدول، أهمها أوسان، ومعين، وسبأ، وقتبان، وحمير، وحضرموت، وقد ورد ذكر المعينيين في المصادر اليونانية، كما تردد ذكرهم في العهد القديم، في سفر الأخبار الثاني (26:7) وفي آثار بين النهرين (نقش مسماري يعود إلى عصر نارام سن، حوالي 3750 ق.م.). أما مملكة سبأ فقد قسموا تاريخها إلى مرحلتين، الأولى من 850 إلى 115 ق.م.، ورصدت أسماء 27 حاكماً لها، وبعد تصدع سد مأرب، ضعفت دولتهم، فاتحدوا مع الريدانيين، وبدأ عصر دولة حمير، الذي امتد من 115 ق.م، إلى 525م، وانتهى حكم دولة حمير بالغزو الحبشي. وإلى جانب هذه الدول ظهرت دول وإمارات صغيرة مثل الجبئيون والقتبانيون.

    أما في منطقة الرافدين، فالبابليون والأشوريون هم ورثة السومرييين، وهم نتاج الاندماج، الذي تم بين العنصر السامي، القادم من قلب الصحراء العربية، والعنصر السومري غير السامي، في المنطقة. وتعود أقدم الهجرات العربية إلى بلاد الرافدين، إلى ماقبل الألف الثالث قبل الميلاد، إلا أن السومرية في التخاطب، ظلت لغة الكتابة والعلم والدين، حتى بعد اندماج السومريين في العرب، ولم ينته استخدام هذه اللغة، إلا بعد ظهور الأكدية، التي سادت منذ العصر البابلي القديم.

    وتحتوي المصادر، الخاصة بمعرفة حضارة مابين النهرين، على نتائج الحفائر، التي تمت بطريقة منتظمة، منذ عام 1850م، والتي كشفت عدداً كبيراً من المعابد، والقصور، والتماثيل، والأختام، والنقوش، والمدن القديمة، والوثائق المدونة، والألواح والمباني، التي ساعدت على بناء أحداث التاريخ الخاص بالمنطقة، ووضع أسس التفكير الديني والاجتماعي للبابليين والأشوريين، وكذلك معرفة لغات المنطقة.

    لعب البابليون والأشوريون دوراً مهماً في تاريخ الشرق الأدنى القديم، وكانت منطقة مابين النهرين من أهم مراكز القوى، التي استطاعت تغيير الوجه السياسي للمنطقة، بما كان لها من نفوذ سياسي، وقوة عسكرية، وتأثير حضاري وثقافي. فإذا كان السومريون قد عرفوا نظام دولة المدينة، وحقق سرجون الأكدي نظام مركزية الدولة، فقد استطاعت الدولة البابلية الأولى، وضع قانون عام للحكم، وهو قانون حمورابي، الذي تمكن من مد سلطة بابل إلى آشور وسوريا. وفي العصر الأشوري، تدفقت هجرات الأقوام العربية، المعروفة بالأموريين، إلى بلاد مابين النهرين، فغيرت التركيبة السكانية، في وسط هذه البلاد وشمالها، وكونت دولة قوية، واستطاعت أن تمد نفوذها إلى البحر الأسود والبحر المتوسط غرباً، وبابل جنوباً، وسوريا، وفلسطين، والطريق المؤدي إلى مصر، واستطاعت غزو مصر وكان آشور بانيبال آخر الملوك العظام لهذه الدولة.

    كانت المنطقة المطلة على البحر المتوسط، المحصورة بين مصر في الجنوب والأناضول في الشمال، مركز تجمع لعدد من شعوب الصحراء، التي كونت الهجرات السامية الأولى، من شبه الجزيرة العربية. وضمت المنطقة الساحلية سوريا وفلسطين ولبنان، وعاشت فيها شعوب مختلفة، مثل الكنعانيين، والآراميين، والعبريين، وغيرهم، وتركز الأموريون في شمال هذه المنطقة، والكنعانيون في الساحل، والأراميون في المنطقة الداخلية، والعبريون في الجنوب. ويعد الكنعانيون من أهم هذه الشعوب؛ لما حققوه من رواج تجاري واقتصادي لهذه المنطقة. وإذا كان الكنعانيون قد فشلوا في تكوين قوة سياسية، إزاء وجود القوة السياسية للمصريين، من ناحية، وانشغالهم بالعمل التجاري والاقتصادي، من ناحية أخرى، فقد تركوا أثرهم الحضاري الواضح على شعوب المنطقة، خاصة فيما يتعلق باللغة، والعقائد، والزراعة، والتجارة، وصناعة المعادن، مع اكتشافهم النحاس وخلطه بالقصدير لصناعة البرونز، فضلاً عن صناعة العاج، والزجاج، والنسيج، والأصباغ، إضافة إلى براعتهم في الأعمال الهندسية، مثل بناء القلاع والحصون، ورفع المياه إلى المناطق العالية، وكذلك بناء السفن التجارية.

    يعد إقليم خوزستان الامتداد الطبيعي لسهل بلاد الرافدين. وفيه ازدهرت حضارة عيلام، إبان الألف الثالث قبل الميلاد؛ فقد كشفت أعمال التنقيب، في العديد من التلال، مساكن وجبانات لمجتمعات زراعية، بلغت درجة كبيرة من الرقي الحضاري، كما تبين أن حضارة هذا الإقليم كانت مكملة لحضارة بلاد النهرين. أما شبه الهضبة الإيرانية، فقد كانت مسرحاً لهجرات الأقوام الهندوأوربية، التي استقر بعضها فيها، بينما اتجه البعض الآخر إلى إقليم آسيا الصغرى، وقد استطاع الآريون بناء حضارة قوية، في شبه الهضبة الإيرانية. وكان الميديون أول من أسس إمبراطورية كبيرة، في هذه المنطقة، في القرن التاسع قبل الميلاد، واستطاعوا أن يقتسموا مع البابليين مملكة آشور، فبسطوا نفوذهم على الأقاليم الواقعة شرق دجلة وشماله، وتوسعوا نحو الغرب، داخل آسيا الوسطى، كما تحالفوا مع مملكة ليديا. وفي 585ق.م، استولوا على أورارتو، عند بحيرة وان، ووصل نفوذهم حتى نهر أراخيش (أراس).

    تذكر الحوليات الأشورية 843ق.م، أن قبيلة بارسوا، التي استقرت في المنطقة الواقعة جنوب بحيرة أورميا (رضائية)، قد هاجرت في القرن الثامن قبل الميلاد إلى الجنوب، واستقرت عند سفوح جبال بختياري، فيما عرف بعد ذلك بمنطقة فارس، وكونت دولة عرفت بالدولة الأخمينية، استطاع مؤسسها قورش الأول، بعد تزوجه من ابنة ملك الميديين، أن يصبح وريثاً لإمبراطور ليديا، وأن يوحد شبه الهضبة الإيرانية، تحت قيادته، كما وسع حدوده شمالاً، واستولى على ليديا ومعظم آسيا الصغرى، ثم استولى على بابل، فوصلت حدود مملكته إلى البحر المتوسط غرباً، وبلاد الهند شرقاً، فخضعت له كل بلاد الرافدين، وسوريا، وفينيقيا، وفلسطين، واستطاع ابنه قمبيز الاستيلاء على مصر، وبهذا، توحدت منطقة الشرق الأوسط،  تحت حكم دولة واحدة. ولعلها أصبحت منطقة حضارية واحدة، حافظت على وحدتها الحضارية، وما يزال علماء الآثار يرون هذه الوحدة وهذا الانسجام، في آثار تلك المنطقة.