إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / الشرق الأوسط









ثانياً: الرؤية الإيرانية

ثانياً: الرؤية الإيرانية

    تقوم الرؤية الإيرانية للشرق الأوسط على عدة أسس، نابعة من فكر خاص، قائم على جذور حضارية وثقافية، نبتت عليها الشخصية الإيرانية، وصارت موجهاً لها في وضع تصوراتها واختيار إستراتيجية ثابتة، لها سياسات متطورة. ومن هنا كانت العوامل الحضارية والثقافية، والصلات التاريخية، والمشتركات التراثية والعرقية والثقافية واللغوية، فضلاً عن مقومات التعامل الاقتصادي، والمصلحة المشتركة، والمصير المشترك؛ من أهم الأسس، التي يقوم عليها أي تصور أو طرح لمفهوم جغرافي أو جيوسياسي، لذلك يعتقد الإيرانيون أن مصطلح الشرق الأوسط، من أكثر مصطلحات الأدبيات السياسية إبهاماً، وأن هذا الاصطلاح لم يطلق، منذ ظهوره حتى الآن، على منطقة جغرافية محددة بدقة، بل لعله خضع لتفسيرات مختلفة، ترفضها إيران؛ لاعتمادها على عنصر المصلحة، سواء الاقتصادية، أو السياسية، أو الإستراتيجية، باعتبار أن هذا العنصر وحده، فضلاً عن أنه متغير، فهو غير قابل للتحكم فيه، كما يرفض الإيرانيون، أيضًا، مصطلح الشرق الأوسط الجديد، ويرون أنه محاولة أمريكية إسرائيلية لمعالجة التغير الجديد في هذا الجزء من العالم، من خلال نظرية الألترا إمبرياليزم، حيث يرون أن طرح فكرة الشرق الأوسط الجديد، جاء مصحوباً بمخططات، تعمل على إحداث تغييرات في الواقع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والعسكري في المنطقة، تبدو شواهدها في عقد اتفاقية كامب ديفيد، ومباحثات السلام، وتطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل، وتهجير اليهود من جميع أنحاء العالم إلى إسرائيل، فضلاً عن محاولات إحداث تغييرات سياسية في قطر والمملكة العربية السعودية، على مستوى القيادة، وكذلك تصعيد الخلاف، بين الإمارات العربية المتحدة وإيران، حول جزر الخليج، وبث الخلاف من ناحية أخرى بين إيران وباكستان، حول قضايا الشيعة، وحول أفغانستان، ودعم حزب طالبان، إلى جانب إيجاد شقاق في العلاقات بين دول المنطقة، خاصة بين إيران وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز، المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي، وكذلك سياسة الاحتواء المزدوج تجاه كل من العراق وإيران، مع شن حرب نفسية وإعلامية ضدهما، ومحاولة فصل تركيا عن العالم الإسلامي، ومحاولات تعميق الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، من ناحية، وبين الدول العربية والإسلامية، من ناحية أخرى. يرفض الإيرانيون، أيضًا، فكرة الشرق الأوسط القريب، باعتبارها فكرة تروجها الصهيونية العالمية، لتكون بديلاً، يهدف إلى إيجاد مكان مقبول، في الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي، دائم ومطمئن لإسرائيل، وذلك من خلال تقسيم الدول المشكلة لمنطقة الشرق الأوسط، إلى دول متطرفة، ودول معتدلة، والدعوة إلى مواجهة الدول المصنفة على قائمة الإرهاب؛ من أجل إحباط نشاط الحركات المضادة للصهيونية والإمبريالية في المنطقة، وهي، إلى جانب ذلك، تنفي الإرهاب عن الكيان الصهيوني، وتدعم وجوده في المنطقة، سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وتسعى الصهيونية، بما لها من قدرة إعلامية كبيرة، إلى تهيئة الرأي العام العالمي لقبول هذه الفكرة، وإقناعه بحق الاندماج الشرعي لإسرائيل في المنطقة، مما يؤدي إلى تثبيت وضعها وتحقيق أهدافها، وتنفيذ برامجها التوسعية. ومن هنا يربط الإيرانيون بين فكرة الشرق الأوسط الجديد، والشرق الأوسط القريب، والنظام العالمي الجديد، من خلال تلاقي الأهداف وتوحدها، في فكرة تفتيت القوة في العالم الإسلامي، بمعنى حرمان العالم الإسلامي من أسباب القوة المطلقة سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، وعسكرياً، وفكرياً، واجتماعياً، والتي يمكن أن تمكن العالم الإسلامي من جعل الأطراف الأخرى تسلم له، بصفته قوة شريكة في الإدارة الكونية، ويعارض الإيرانيون النظرة المتفائلة لدى بعض الأطراف، إزاء مسيرة النظام العالمي الجديد، مؤكدين أن هذا النظام متسرع، وبعيد عن الواقع والظروف الزمانية، يقول المحلل الإيراني مجيد رضائيان: إن سلسلة الأحداث المتعلقة بانهيار الاتحاد السوفييتي، قد أبانت الماهية الحقيقية للنظام العالمي الجديد، كما أوضحت أحداث حرب الخليج الثانية والاستثمار السياسي الأمريكي الواسع لها بجلاء، هذه الماهية، كما أوضحت، بصورة أكبر، أهداف النظام العالمي الجديد، فلقد رأينا أن إسقاط الأيديولوجية من الساحة السياسية للاتحاد السوفييتي السابق، لم يكف الغرب، بل كان تفتيت السيادة، على أراضي الاتحاد الواسعة، جزءاً أساسياً من سياسة الغرب، وأن هذه اللعبة مستمرة حتى إسقاط الخصم، ويتابع مجيد رضائيان تحليله للظروف الجديدة، فيتطرق إلى العلاقات الدولية، في ظل هذه الظروف، مؤكداً أن تغيير مستوى العلاقات الدبلوماسية بين بلدين، أو إقرار العلاقات بينهما، أو استئنافها بعد قطعها، يستلزم تغير الظروف، أو تغير وجهات نظر أحد الطرفين، وأن تغيير هذه العلاقات يكون من خلال أربعة مستويات، هي التعاون، والمنافسة، والنزاع، والتسلط. وحتى يمكن تغيير العلاقات من مستوى النزاع مثلاً إلى مستوى المنافسة، يجب أن يتم هذا التغيير من خلال الظروف المحيطة، أو وجهات النظر، ولكن مجيد يستثني العلاقات الإيرانية الأمريكية من هذه القاعدة، مستدلاً بقول الزعيم الإيراني خامنئي: إذا أرادت دولة أن تتماشى مع النظام العالمي الجديد، فإنها لن تستطيع أن تقلم أظافر الاستكبار، بل إنها سوف تعطيه الفرصة؛ لكي يطلب المزيد من الامتيازات: ويرى الإيرانيون أن الغرب، بطرحه فكرة الشرق الأوسط الجديد، ليس متعجلاً فحسب، بل إنه، ربما، لا يمتلك مقومات تحقيقها في الوقت الراهن، حيث إن اصطلاح الشرق الأوسط، عندما أطلق، كان يحمل في طياته التشديد على عناصر مشتركة بين الدول، التي تدخل في تشكيله، مثل الحضارة، والتاريخ، والدين، والأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية.

    لقد ساعد سقوط الاتحاد السوفييتي، على تبلور رؤية إيرانية تجاه المنطقة، وعلى موقف واضح ومحدد، تجاه المشروعات المطروحة في هذا الصدد، حيث يرى الإيرانيون أن سقوط الاتحاد السوفييتي، قد أحدث تحولاً كبيراً، لا في البنية السياسية فقط، بل في البعد الجغرافي لاصطلاح الشرق الأوسط، فقد ظهرت ثلاث عشرة جمهورية جديدة، بكل مشكلاتها وأزماتها، وأحدثت تغييرات أساسية، في المعادلات السياسية والجيوبوليتيكية العالمية، تجعل هذه الرقعة المستقلة إضافة جديدة إلى بنية الشرق الأوسط، والذي يبدو تغيراً طبيعياً يمكن قبوله. ولما كانت إيران تعتبر نفسها حلقة الوصل، بين منطقتي الخليج والشرق الأوسط القديم، وبين آسيا الصغرى، ولما كانت لديها مقومات التعامل مع أطراف المنطقتين، كما تتمتع بإمكانية الاشتراك في جميع الترتيبات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية فيهما، مع وجودها الفعال في المنظمات الإقليمية للتعاون السياسي والاقتصادي؛ فإنها مؤهلة لعرض مشروع تجمع، يمثل قوة سياسية واقتصادية مؤثرة، لا على المستوى الإقليمي فحسب، بل على المستوى العالمي أيضاً.

    أتاحت متغيرات القوة العربية في المنطقة، بعد حرب الخليج الثانية، لإيران، الخروج من عزلتها، وطرح بعض المشروعات الإقليمية، مثل مشروع أمن الخليج 6+1+1، ومشروع السوق الإسلامية المشتركة، ومشروع اتحاد البرلمانات المشتركة، ومشروع وحدة العالم الإسلامي، ومشروع الحكومة العالمية للإسلام، فضلاً عن توسيع قاعدة منظمة التعاون الإقليمي (إكو)، حيث دعت طهران في المؤتمر، الذي عقد في فبراير عام 1992، إلى انضمام جمهوريات آسيا الوسطى إلى المنظمة. وفي كلمة ألقاها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، في مؤتمر منظمة التعاون الإقليمي، قال: في عالم يتعرض، بسرعة، لتحولات سياسية واقتصادية، وفي زمان يتسم بسرعة متزايدة في تحولاته العلمية، يكون التعاون الإقليمي من أهم الضرورات، وأكثرها اطمئناناً للتنمية والتقدم، وإن منظمة الإكو، باتساعها، الذي يزيد على 7 ملايين كيلومتر مربع، وقواها العاملة المتخصصة الكبيرة، وروابطها التاريخية المشتركة، وثقافتها العريقة، ووجود مصادر طبيعية غنية فيها، وكونها جسراً يربط بين أوربا وآسيا، وبين الشرق والغرب؛ يمكن أن يكون لها دور مهم وبارز في التنمية الاقتصادية للمنطقة.

    لاشك في أن مشروعات الوحدة والتعاون الإيرانية، تسعى لرسم خريطة جديدة للمنطقة تضم العالم العربي، وإيران، وتركيا، ودول آسيا الوسطى الإسلامية، والمنطقة الإسلامية في أفريقيا، ومن الملاحظ، أن المشروعات الإيرانية للتجمعات الإقليمية تقوم أساساً على السياسة الأمنية، يقول الكاتب مجيد رضائيان: إن السياسة الأمنية تقتضي إقامة اتحاد للدول الإسلامية في المنطقة، حتى تحصل على مكانتها الواقعية في النظام العالمي الجديد. ويؤكد علي أكبر ولايتي هذا المنطلق، بقوله: إن جمهورية إيران الإسلامية تعتقد اعتقاداً راسخاً، في مبدأ التعاون الإقليمي، باعتباره دليلاً على الجدية والريادة في تنمية العلاقات الثنائية، والثلاثية، والمتعددة الأطراف، وسبيلاً وحيداً لضمان السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، وأن جهود إيران في إقرار الأمن، سواء في منطقة الخليج أو في مجموعة دول الجوار، أو في منطقة آسيا الوسطي والقوقاز، من أجل إقرار السلام والاستقرار، إنما يتم في إطار هذه الإستراتيجية، حيث إن الأمن القومي لإيران يتحقق من خلال إقرار السلام والأمن في المنطقة.