إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / الشرق الأوسط









قضية عولمة الشرق الأوسط

قضية عولمة الشرق الأوسط

     تحتل قضيتا الشأن الوطني والشأن الدولي، أولوية هامة على جدول الاجتهادات الراهنة للفكر السياسي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لبلورة حدود ما هو مشترك وما هو متعارض بينهما، ولتحديد كيفية التعامل، مع ما هو إيجابي، وما هو سلبي، وبينما يرجع البعض ظاهرة بروز الشأن الدولي، على حساب الشأن الوطني، إلى نتائج حرب الخليج عام 1991م، والتي شنها التحالف الدولي ضد العراق، بعد غزوه للكويت عام 1990م، ويرده البعض الآخر إلى منتصف الثمانينيات، متجلياً، في اتجاه فقهاء القانون الدولي إلى بلورة مفهوم المواطن العالمي، وتفجر قضية العولمة صراعاً حاداً، بين اتجاهين في منطقة الشرق الأوسط: أحدهما يؤكد أنّ العولمة لا تتقيد بالحدود الوطنية، ويمكنها التغلغل في أي مجتمع من العالم، وأنها تحقق توحيد الجماعات والمؤسسات وتعبئتها في اتجاه عالمي واحد، وتتعارض هذه المقولة مع الاتجاه الآخر، وهو المحلية أو الوطنية، مع محاولة الدولة الانكماش داخل حدودها في مختلف النواحي الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والتكنولوجية، وبعبارة أخرى التمسك بالذات الموجودة في المجتمع. ويشدد أصحاب الاتجاه الأول على أنه سيكتب له في النهاية الانتصار والغلبة على الاتجاه الانكماشي للمحلية، فالعولمة تحبذ فكرة مسامية الحدود، والسماح بحرية انتقال الأفراد، ورأس المال، والسلع، والتكنولوجيا، والاستثمار، وسيادة نظريات الاعتماد المتبادل، والتفوق النسبي الاقتصادي، والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات. وهي تطرح، في مجال السياسة قيماً معينة في الحكم، وفي مجال الثقافة، مفاهيم الثقافة العالمية العابرة للقوميات؛ لفرضها على الدول المختلفة.

     ويطرح عدد من مفكري الشرق الأوسط السيادة الوطنية، في مواجهة العولمة، وتختلط الأوراق في هذا الطرح، فليس، هناك، من يستطيع أن يدعي اليوم أن مبدأ السيادة الوطنية المطلق، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مازال على عذريته ونقائه، الذي استقر على مدى القرون، ضمن أساسيات العلاقات الدولية والقواعد، التي تحكمها، ولأن ما طرأ من متغيرات تفرض التعاون المتبادل بين الدول؛ من أجل المصلحة المشتركة، ثم ما طرأ من متغيرات، حول حق الدولة وحق الفرد، وأنه بقدر حماية حق الدولة تكون حماية حق الفرد، وأن التشابك الحضاري بين الشعوب، فرض لها حقها في أن يكون لها مواثيقها، التي تحكم هذه الحقوق وتحميها، ثم إن التنظيم الدولي، بأوضاعه الحاضرة من خلال الأمم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، وما تضمنته المواثيق وارتضته الدول الأعضاء من قواعد منظمة، وما صدر من قرارات، كل ذلك وضع القيود على هذه الحقوقئ السيادية، التي لم تبق مطلقة. من جهة أخرى، فإنه، في الوقت الذي حدث فيه هذا التطور الجوهري، في هذه القواعد القانونية الدولية، تحرك المجتمع الدولي في اتجاه ما أصبح يعرف بالعولمة، وهي بالقطع مسيرة متحركة ومتطورة، وتزداد في أبعادها السياسية، والاقتصادية، والثقافية، يوماً بعد يوم، وهي بهذه الصورة تتخطى، بالفعل، الحدود الجغرافية للدول، ومن ثم، لابد أن تفرض عليها قواعد جديدة في التعامل الدولي، ورفض هذه القواعد يؤدي، بالضرورة، إلى عزلة سياسية، واقتصادية، وثقافية، محصلتها تخلف الدول عن ركب التطور والتنمية، وانكماشها داخل حدودها، من دون أن يكون لها حق وقدرة على جذب الاستثمارات، أو الدخول في الأسواق، أو المشاركة في النظام المالي الدولي، أو الحصول على التكنولوجيا المتطورة. ويقول الباحث حسن الشريف، في ندوة العرب والعولمة: إن التحدي الحقيقي ليس مواجهة عولمة الأدوات التقنية للمعلومات، وإنما مواجهة عولمة المضمون المتداول في هذه الأدوات، ويضع الباحث يده على جوهر المسألة، عندما يؤكد أن المواجهة، هنا، هي مواجهة حضارية شاملة، ويمكن أن نلمس أن هذه العولمة أحدثت تغييراً رئيسياً في واقع ممارسة السيادة الوطنية، وفي تعريف حدود هذه السيادة، كما أدت إلى تغيير في أنماط العلاقات الدولية، وفي تعريف العناصر، التي تحكم هذه العلاقات، بل أدت إلى تغيير الأولويات والشروط، التي يجب أن تبني على أساسها كل الدول بكل مؤسساتها، مواقفها الوطنية؛ لكي تتمكن من الانخراط في العولمة وعدم السقوط في هاوية التهميش.

     لاشك أن العولمة إطار يحكم كل الظواهر السياسية، والاقتصادية، للجماعات البشرية، ويؤثر فيها، ويحيط بها، أمماً ودولاً، على ظهر الكرة الأرضية، وتلعب دوراً مؤثراً، وأحياناً حاسماً، في حركة هذه الظواهر الجزئية، بل هي تفرزها في بعض الأحوال لحسابها، وباتفاق المصالح فيما بينها، أي أن المصلحة الكونية أو العالمية تفرز في محصلاتها، أحياناً، دولاً، لا يسوِّغ قيامها، إلا أنها دول عازلة بين القوى الكبرى،  لضمان أشكال من الشرائط الحدودية، المتنازع عليها عند التقسيم، أو لخلق جسور اقتصادية أو ثقافية أو مالية، لم يكن من الممكن القفز عليها، أو إذابتها، مثل الدول العازلة في وسط أوربا، وفي آسيا، أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الغرب، بقواه الاستعمارية المختلفة، اتفق على زرعها في قلب منطقة الشرق الأوسط، وجعلها قلعة غربية متقدمة، تسمح إقامتها بانسحاب القوات العسكرية من بلدان المنطقة، وفي الوقت نفسه تبقي على نفوذها. وهناك إجماع، الآن، على أن إسرائيل، على رغم قيامها منذ أكثر من خمسين عاماً، لم تشكل بعد دولة أمة، كما بينت تجارب السنين الماضية، أن القيادات الصهيونية الإسرائيلية، حرصت، دوماً، على أن تحتمي بقوة عالمية كبيرة، بحيث كانت إسرائيل، منذ بدايتها، تابعة للقوى العظمى، شكلاً ومضموناً، مما يجعلها غير مستقلة سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، ولا يمنع ذلك محاولات القيادة الإسرائيلية للإفلات من التبعية المنفردة، أو محاولة الانتقال من تبعية غربية إلى تبعية غربية أخرى، وللعولمة تأثيرها الخاص على إسرائيل؛ لأنها بسبب هذا التطور العالمي، ستجد نفسها أمام أحد خيارين: إما أن تبقي على شكلها الغربي، الذي يتطور، الآن، نحو مجتمع دولي موحد، يتعارض مع الاستقلال الذاتي السيادي الحر، لتقترب من شكل الدولة الأمة، التي بدأت بدورها، تفقد حدودها السياسية والسيادية، وتخضع للعولمة في التجارة، وحركة البشر، والنقد، كما سبق أن خضعت لعالمية الإعلام والمعلومات والمال، وإما أن تنكفئ ويجري عليها مايجري على المجموعات البشرية الأخرى في العالم، والتي يهددها هذا التطور، فتعود لتمسك بعواطفها السياسية، والثقافية، والعقدية، فترتد بذلك إلى أفكارها الصهيونية العنصرية، بما في ذلك فكرة إسرائيل الكبرى، لكنها، في هذه الحالة، سوف تجد نفسها في مواجهة منافسة ضارية، من الدول العربية المحيطة، وستجد نفسها في هذا السباق التنافسي خاضعة لضغوط، خارج إرادتها.

     أظهر مؤتمر الدوحة الاقتصادي العالمي، الذي هو بكل المقاييس نموذج للأطر العالمية، التي يفرزها عالم المال والمعلومات والتقنية أي عالم العولمة؛ أنه إطار يجمع بين الحكومات، ومجموعات رجال الأعمال، وأنه نتاج لعملية مدريد للتسوية التفاوضية للصراع العربي الإسرائيلي. وقد أدى موقف إسرائيل وسياساتها، بعد سقوط بيريز، صاحب فكرة السوق الشرق أوسطية، وبعد توقف عملية التسوية، وبسبب مواجهة المملكة العربية السعودية ومصر لمحاولة إسرائيل فرض وجودها وقيادتها لهذا الإطار؛ إلى فشل المؤتمر بمقاطعة العرب له.