إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / الشرق الأوسط









قضية أمن الخليج

قضية أمن الخليج

     تعتبر منطقة الخليج، بما تمتلك من ثروات هائلة وسوق ضخمة، من أكثر مناطق الشرق الأوسط أهمية وحساسية، بل من أكثرها سخونة، ومن هنا، فإن أمن الخليج من الركائز الهامة، التي تحقق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط كلها، كما أن اختلال الأمن في الخليج من شأنه أن يؤدي إلى أحداث لا تحمد عقباها، ومن الطبيعي أن تكون كل الدول، التي لها مصالح في منطقة الخليج، معنية باستقرار الأمن في هذه المنطقة، وأن يصل اهتمامها بهذا الأمر إلى الحد الذي ترسل فيه جيوشاً وقوات عسكرية إلى المنطقة، وأن تبادر بتقديم مشروعات متواصلة لأمن الخليج، ويعترض تنفيذ أحد هذه المشروعات، اختلاف الرؤى بين دول الخليج من ناحية، وبينها وبين الدول صاحبة المصلحة في الخليج من ناحية أخرى، حيث يرى الإيرانيون أنهم أصحاب الحق الشرعي، منذ أقدم العصور، في وضع نظرية الأمن في منطقة الخليج؛ لسببين: أحدهما عقدي، يتمثل في نظرية التفويض الإلهي للحاكم الإيراني، والثاني جيوبوليتيكي، يتمثل في الموقع الجغرافي والوجود السكاني الإيراني المؤثر في منطقة الخليج، وقد أضاف قيام الثورة الإسلامية في إيران، واستقرار نظام ولاية الفقيه، عمقاً لهذين السببين، فضلاً عن خلق سبب ثالث يتمثل في تصدير الثورة الإسلامية إلى دول المنطقة، والشعوب الإسلامية، وهي عملية أمنية في المقام الأول؛ لأن التصدير زحف إلى الخارج، يوقف أي زحف إلى الداخل، وثورة مبادأة، تمنع الثورة المضادة من النفوذ. ويستطيع الدارس لنظرية الأمن الإيرانية أن يدرك قيامها على أسلوب المبادأة، عن طريق دغدغة المشاعر الإسلامية المعادية للغرب، وإثارة النعرات والقلاقل الطائفية. وهي تقدم عدداً من المعطيات: أهمها:

1.    أن الجانب العسكري في مفهوم الأمن ـ على رغم كونه الجانب الغالب على مفهوم الأمن لدى حكام المنطقة ـ لم يعد يلعب دوراً أساسياً، بعد أزمة الخليج وحرب الخليج الثانية؛ لأن دول المنطقة لا تنتج السلاح، بل تستورده، والسلاح المستورد لا يحقق أمناً قومياً، بل يحقق أمناً مستورداً.

2.    أن الاتحاد، والتضامن، والتعاون هو الأساس المتين، الذي يمكن أن يقوم عليه أمن المنطقة، ويمكن إقامة هذا الاتحاد، من خلال القضاء على الخلاف بين دول المنطقة، أوعلى الأقل خفضه إلى أدنى مستوى، خاصة في أربع مسائل هي: الخلاف الحدودي، والخلاف المذهبي، والخلاف العرقي، والخلاف الأيدويولوجي. وكلها أمور جذرية لا يمكن المساومة عليها، خاصة في الجانب المذهبي، لارتباطه بالعقيدة.

3.    ضرورة توافر عدة عناصر للمشروع الأمني، أهمها الإدراك المشترك لمعنى الأمن البعيد المدى، وعدم التعارض مع الأمن العالمي، والتطرق إلى كل المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وقابلية التطور الطبيعي مع تقدم المنظومة العالمية.

     من الواضح أن معطيات نظرية الأمن الإيرانية، إضافة إلى ما تواجهه من إشكالات، لا يقف بها الأمر عند حد المعطيات، بل تتدرج هذه المعطيات بالأسلوب، الذي يمكنها من الوصول إلى النتيجة المتناسقة مع الفكر الإيراني، لا مع النتيجة الطبيعية لمعطيات النظرية. وتركز النظرية على بعدين أساسيين، البعد الأول: هو البعد العقدي، والبعد الثاني هو: البعد النضالي. أما البعد العقدي فيهدف إلى تصدير الثورة الإسلامية عن طريق تغيير سلوكيات سكان المنطقة، في اتجاه قيم الثورة الإسلامية، من خلال منطلقين: الأول هو الالتفاف حول قيم آل البيت، وتوجيهات أئمة الرافضة، وتنفيذ وصاياهم، والثاني هو دمج السياسة بالعبادات، في صياغة جديدة لشكل العبادات وجوهرها وأبعادها. وأما البعد النضالي، فيهدف إلى إيجاد قوة ذاتية من دول المنطقة بكل إمكاناتها العسكرية، والأمنية، والاقتصادية، بدعم بشري وخبرات وهيمنة إيرانية، وتبدأ نشاطها من خلال رفض المهادنة، مع قوى الاستكبار العالمي، ومواجهة هذه القوى وعملائها في الداخل، فضلاً عن دعم، ومساندة، وتمويل الحركات المعادية للاستكبار وعملائه في المنطقة.

     وقد بدأت إيران ممارسة مفردات نظريتها، مع أزمة الخليج، حيث إنه بمجرد أن صدر إعلان دمشق، في 6/3/1991م، عكفت الأجهزة الإيرانية على دراسته وتحليله من خلال منطلق أنه لا يحق لدولتين غير خليجيتين، أن تتدخلا في قضية أمن الخليج، ومن ثم فقد حكمت على إعلان دمشق بالفشل؛ لأنه يتجاهل دولة خليجية، لها أكثر من نصف السواحل المطلة على الخليج، ومياهها الإقليمية في الخليج أطول من سائر الدول الخليجية، وتشرف على مضيق هرمز، الذي يعتبر المنفذ الوحيد للخليج إلى المحيط. وتوقف رد الفعل الإيراني، تجاه إعلان دمشق، عند النقاط الإيجابية، محاولاً تفنيدها، وإظهارها في شكل نقاط ضعف، معللاً ذلك باعتمادها على ظواهر عرضية، وتجاهلها حقائق أساسية، ويمكن إجمال الرد الإيراني، في خمس نقاط أساسية، هي:

أولاً: رفض الرؤية المصرية، على أساس أنها فكرة أمريكية الأصل، أو خطة أمريكية، خرجت من واشنطن، خلال أحداث أزمة الخليج.

ثانياً: أن فكرة المشروع الأمني تنطلق من فكرة وحدة الأمن العربي، وهي أسطورة لم يكن لها وجود حقيقي في يوم من الأيام، وأن القومية العربية، قد تفككت بعد انتهاء زعامة مصر، بقيادة عبد الناصر، وأن الصدفة بين تحولات سياسية خاصة، وفلسفة خاصة، لا تستطع أن تؤدي إلى ظاهرة أو عنصر دائم،  يفترض أن تستطيع مصر، من خلاله، أن تدعي لنفسها الزعامة الدائمة للعالم العربي، ثم تدعي بعد ذلك حقها السياسي والجغرافي، في الحضور العسكري الدائم في منطقة الخليج، وهو الحضور، الذي لا تستطيع مصر أن تؤمن نفقاته، كما أن الصراع، على الزعامة العربية، بين مصر وسوريا والسعودية، بعد خروج العراق من المنافسة، يجعل من الصعب الاتفاق على تفاصيل تنفيذ مثل هذه الفكرة الأمنية، حيث ترى السعودية أن تبقى دول الخليج العربية تحت مظلة مجلس التعاون، حفاظاً على مصالحها المشتركة، وعلى طبيعة النظام الحاكم في المنطقة، إلا أن المطامح المصرية تحاول الحد من هذا الدور، وإشعار القيادة السعودية بحاجتها إلى السند المصري، في الوقت الذي يحاول فيه الجانب السوري القيام بالدور نفسه، في منافسة قوية مع الدور المصري.

ثالثاً: أن الرؤية المصرية للأمن في الخليج، لا تعكس ضرورة جغرافية سياسية، تكون وليدة احتياج إستراتيجي معاصر للمنطقة، مثل احتياجها لخطة أمنية عربية ضد المطامع الصهيونية، خاصة أنه يوجد فرق بين منطقة الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط، كما لا يوجد تجانس جغرافي في العالم العربي والمنطقة، مما يؤكد صعوبة إيجاد وحدة أمن جغرافية، وبالتالي فإن طبيعة المنطقة الجغرافية، تستوجب التقسيم الأمني حسب المناطق المتماثلة، بما يعني استقلال خطة أمن الخليج، عن خطة الأمن العربي، وأن تكون دول كل منطقة مسؤولة عن أمنها، وهذا استطرادًا، يؤدي إلى كشف أن الزعم بأن أمن الخليج قضية عربية، متصلة بالأمن العربي العام يفتقر إلى الصدق؛ نتيجة لعدم وجود شواهد على أن التوتر في الخليج، يمكن أن يؤثر على أمن دول شمال أفريقيا العربية.

رابعاً: أن إعلان دمشق يربط بين تحقيق أمن الخليج، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، بما يؤكد خروج فكرة أمن الخليج ومشروع السلام، من مصدر واحد، هو واشنطن، وبالتالي تبعية المشروعين للاستكبار العالمي، وأنهما يكونان، معاً، خطة للتسلط الأمريكي على المنطقة، ومما يدل على ذلك، إخراج العراق وإيران من الترتيبات الأمنية، نظرًا  إلى أن العراق لم يتخلص من نظامه، الذي مازالت لديه أطماع في الكويت وثروات دول الخليج، ولأن إيران لديها أطماع في الخليج، فضلاً عن احتفاظها بجزر الإمارات الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، ومن غير المتصور، أن يقوم نظام أمني على تجاهل أطراف أساسية لها ثقل واضح في المنطقة، فإذا كان من الجائز استبعاد العراق؛ نظراً إلى أوضاعه الداخلية وسياسته الحالية، فكيف يمكن تجاهل إيران، وهي من الدول المطلة على الخليج؟ حيث إنها لم تطور أي منافذ على سواحلها الجنوبية لتصدير بترولها، الذي مازال يمثل العمود الفقري للنمو في البلاد، في حين أن السعودية كانت خططها أبعد نظراً، إذ عملت، حتى قبل حرب الخليج، على إيجاد منافذ أخرى لتصدير النفط خارج الخليج.

خامساً: عدم قدرة المشروع على توفير الحماية الكاملة والأمن الدائم لدول الخليج العربية، بدليل أن الكويت وقعت اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، في مبادرة من جانبها لتأمين حماية الكويت مستقبلاً، إذا ما استردت العراق قوتها، وعادت إليها الرغبة في السيطرة على الكويت.

     وإذا كان الإيرانيون يرفضون إعلان دمشق، فإنهم يقدمون تعديلاً يمثل بديلاً لهذا المشروع، وهو أن يتكون المشروع من ست دول، هي دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى إيران، والعراق أي (6+1+1)، ويؤكد المحلل السياسي مجيد رضائيان أفضلية هذا الطرح، ويقول: إن السياسة الأمنية، لا الأمن السياسي، تقتضي أن يقوم اتحاد للدول الإسلامية، في المنطقة، يتخذ مكانه الطبيعي في النظام العالمي الجديد، ويحجم الخلافات في المنطقة. ويُعدّ الطرح، الذي قدمه جواد ظريف، وكيل وزارة الخارجية الإيرانية، في اجتماع لجنة نزع السلاح، بمقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، حول أمن الخليج؛ دعماً لهذا المشروع، حيث طالب بتشكيل بنية أمنية، تشترك في وضعها جميع دول الخليج، على أن تقوم كل دولة بطرح قضاياها، وملاحظاتها حول الأمن، والتسلح، وخفض نفقاته، والاتفاق حول مسألة شراء الأسلحة الأجنبية ونقلها لأي من دول المنطقة.