إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / الشرق الأوسط









الفصل الرابع

الفصل الرابع

الرؤى المستقبلية للشرق الأوسط

     لا أحد يستطيع أن ينكر أن العالم، اليوم، يعيش ثورة شاملة في مجال المعلومات، يمكن تلخيصها في أننا تعارفنا على أن الحدث هو ما حدث فعلاً، ثم تصلنا المعلومات عنه، بعد فترة زمنية، تتوقف على مدى تطور تكنولوجيا المعلومات، ووسائل الاتصال، ثم نأخذ فترة زمنية أخرى، ندرس فيها الحدث وأبعاده ـ تتوقف على ما يتوافر لنا من وسائل تشغيل، وترتيب، وتحليل المعلومة ـ ونخرج من ذلك بمواقف، تجاه ما حدث، أو بدروس مستفادة، نرتب عليها مواقفنا المستقبلية. واليوم أدت ثورة المعلومات إلى أن الحدث، هو ما يحدث فعلياً ولحظياً، بما يمكننا من مراقبته لحظة حدوثه، ونتابع تطوراته وتراكماته، ونرتب، ونحلل لحظة بلحظة، ومن ثم، يمكننا أن نتخذ من المواقف أو القرارات، التي تجعلنا أكثر قوة وقدرة في التأثير على مجريات الأمور. كذلك فإن ثورة المعلومات تجعل من العالم أو الكون، قرية صغيرة، اقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وحضارياً، فإذا كان، من اليسير، تحديد مناخ الكرة الأرضية، من خلال تقسيمها بالخطوط الوهمية، للطول، والعرض، والاستواء، ومدار الجدي، ومدار السرطان، فقد أصبح، من الممكن، تحديد المناخ السياسي أيضاً، من خلال خطوط تماس بين الشأن العالمي والشأن الداخلي، وكما يمكن تحديد النشاط الاقتصادي لسكان الكرة الأرضية، على ضوء التضاريس الجغرافية، يمكن تحديد حركة الاقتصاد العالمي، من خلال توزيع التكتلات العالمية، وتحديد التاريخ الحضاري لشعوب العالم، من خلال القرب أو البعد، عن بؤرة الحضارة، كما يمكن حل مشكل الهوية الثقافية، من خلال وضع الثقافة العالمية، على مربع الشخصية الوطنية للشعوب، وعلى ضوء الهيكل العام، الذي تتجمع فيه هذه الخيوط، يمكن استقراء الصورة العامة للقرية الكونية، وتداعياتها. وتطبيقاً للفرضيات المطروحة، ينبغي مراجعة، وتحديد أوضاع الشرق الأوسط، وتداعياتها.

     من الواضح أن مناطق إقليمية، بالمعنى السياسي، قد تبلورت، انعكاساً للصراع بين القوتين العظميين، اللتين كانتا تمثلان قمة النظام الدولي، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي، عام 1991م، فضلاً عن أن هذه المناطق قد تبلورت، أيضًا، ترجمة فعلية لسعي هذه الدول الكبرى إلى تحقيق مصالحها، وأمنها القومي المباشر، وغير المباشر، من خلالها، ولما كانت النظم الإقليمية لها تفاعلاتها الذاتية، وأن علاقتها بالنظام الدولي علاقة تبادلية، أي تأثير وتأثر، من كلا النظامين، أي أن العلاقة لا تنحصر في تأثير ما هو عالمي على ما هو إقليمي فحسب، أو تأثير ما هو إقليمي على ما هو عالمي فحسب، بل تأثير كل منهما على الآخر، في شكل ارتباطي متبادل، ولما كانت مساحة الحركة وحريتها للنظم الإقليمية، ترتبط كثيراً بوجود درجة من الصراع بين قمة ازدواجية أو أكثر في النظام الدولي، حيث تتوافر لهذه النظم الإقليمية درجة أكبر في تحسين أدائها، وزيادة فاعليتها، ودرجة تأثيرها في النظام الدولي.

     نتيجة للمعطيات السابقة، فإن الشرق الأوسط لن يخرج عن ثلاثة نماذج: نموذج للاستقلال النشط للنظام الإقليمي عن النظام الدولي، ونموذج التبعية الواضحة من النظام الإقليمي للنظام الدولي، ونموذج التأثير المتبادل بين النظامين الإقليمي والدولي. ولما كانت منطقة الشرق الأوسط، بما لها من حضارة قديمة وثقافة راسخة، فضلاً عن الارتباط الوثيق بالأديان السماوية، إضافة إلى أنها ساحة مفتوحة أمام ممارسة النفوذ والصراع والتنافس، فإنها تظل في حاجة دائمة لإعادة هيكلتها، في ضوء المتغيرات الجديدة للنظام الإقليمي، أو النظام العالمي، وانحسار مساحة الحرية المتاحة لها، ودورها الممكن في النظام العالمي، ومن هنا فإن الشرق الأوسط، والنظام العالمي الجديد كليهما سوف يظلان يتقابلان، عند خطوط التماس، التي ستتحدد في كل حالة على حدة، تبعاً لمساحة الالتقاء أو المواجهة بين الطرفين، وبما يمنع الامتزاج المفترض، ويحول دون تمام معظم المشروعات الحالية والمستقبلية للمنطقة، أو يؤدي إلى تعديلها، وسوف يظل المشكل الأساس يرتبط بدول المنطقة في مدى تلقيها لكل ما يتخطى حدودها الوطنية، وأن تكون مواجهتها مع النظام العالمي الجديد، قائمة على الموازنة بين المحافظة على الذات، وبين عدم التخلف والانكماش، وهي عملية مواءمة صعبة ومعقدة، إلا أنها ضرورة؛ لأن التعاون مع الآخرين من أجل المصلحة المشتركة، يمكن الدولة من القيام بدورها، في تطوير اقتصادها، وتقديم ثقافتها الوطنية إلى الثقافات الأخرى، وبذلك تحقق القدر المطلوب من التوازن بين الوطنية والعولمة.