إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / شبه جزيرة سيناء




أثر النبي صالح
محمية سانت كاترين
نخيل شاطئ العريش
مسجد وكنيسة داخل الدير
نقوش معبد سرابيط الخادم
الشعب المرجانية
دير سانت كاترين
فندق طابا
قلعة صلاح الدين
قاع البحر


المدن في سيناء
التقسيم الإداري لسيناء
استراتيجية سيناء العسكرية
توزيع القوات المصرية
تضاريس سيناء



خامساً: سيناء عبر التاريخ

خامساً: سيناء عبر التاريخ

          إن كانت مصر ذات أطول تاريخ حضاري في العالم، فإن سيناء ذات أطول سجل عسكري معروف في التاريخ تقريباً. ولو أننا استطعنا أن نحسب معاملاً إحصائياً لكثافة الحركة الحربية، فلعلنا لن نجد بين صحاري العرب. وربما صحاري العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثاً.

          لذلك تعتبر سيناء أرض المتناقضات، فمع قلة سكانها وعدم انتشار الزراعة فيها، إلا أنها كانت من أكثر بقاع العالم تعرضاً للهجمات العسكرية منذ بدء التاريخ. فمرد ذلك إلى أنها تقع بين قارتي آسيا وأفريقيا وبين وادي النيل ودجلة والفرات، أي بين أهم مراكز المَدَنية الأولى في العالم.

          فعندما تعرضت مصر لغزو الهكسوس، الذين احتلوها ( من عام 1660 : 1580 ق م ) بدأت الحركات التحررية الفرعونية التي قام بها حكام مصر القديمة "طيبة"، لتنتهي بطرد الهكسوس وتطهير أرض مصر من وجودهم بشمال سيناء، على يد جيش بقيادة أحمس الأول[1].

          واكتشفت بعثة الآثار المصرية حديثاً، ثلاث قطع أثرية مهمة عُثر عليها في شمال سيناء. وهي عبارة عن لوحتين من عصر الهكسوس بأسماء الملك (بانجي رع ) والملك ( يانحس)، وكانتا من أهم اكتشافات عام 1982م في منطقة " تل حابو" غرب بالوظة بمسافة 15 كيلومتراً غرب سيناء. وذلك كان سنداً تاريخياً عن طريقة خروج الهكسوس من مصر عبر طريق " حورس". وفي عام 1479ق م قاد ملك مصر العسكري " تحتمس الثالث"[2] جيوشه قاصداً بلاد الآسيويين لصد المغيرين على حدود مصر الشرقية.

          وها هو الملك الفرعوني"سيتي الأول"، ابن "رمسيس الثاني"، من الأسرة التاسعة عشرة، يقود حملته التاريخية العسكرية عبر شمال سيناء متوجهاً إلى بلاد "الحيثيين"[3] لتأمين حدود مصر الشرقية. وفي عام 1982م أيضا تم اكتشاف النقوش الشهيرة باسم الملك "سيتي الأول"، وهو صاحب أول خريطة طبوغرافية لطريق حورس الحربي العظيم  بين مصر وفلسطين.

          وقد تم الفتح الإسلامي لمصر بعد أن عبرت جيوش المسلمين بقيادة "عمرو بن العاص"[4] أرض سيناء، لتنشر الإسلام في مصر والغرب. وكان أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" متردداً في فتح مصر. وكان يرى أن جيش المسلمين لم يحصل على القدر الكافي من الراحة، بعد الجُهد الكبير الذي بذله في فتح الشام والعراق. وعندما طُلّب من "عمرو بن العاص" فتح مصر، طَلَبَ منحه فرصة لدراسة الموضوع، وطَلَبَ السير من الشام إلى مصر. ثم أرسل أمير المؤمنين خطاباً له مع رسول يقول فيه: "إن أدركك كتابي هذا قبل دخول مصر فانصرف عنها، وإن كنت قد دخلتها أو جزءاً منها قبل أن يأتيك الكتاب فامض إلى وجهتك على بركة الله واستعن بالله واستغفره".

          ولدى وصول كتاب أمير المؤمنين، سأل "عمرو بن العاص" معاونيه عن مكانه، فقالوا إنهم قد دخلوا أرض مصر.

          وعندما تعثرت جيوش المسلمين أمام حصون القاهرة، أرسل أمير المؤمنين إمدادات إلى "عمرو بن العاص" بجيش قوامه أربعة آلاف مقاتل، عبروا سيناء إلى القاهرة بقيادة أربعة من كبار الصحابة، هم "الزبير بن العوام"[5] و"عبادة بن الصامت"[6] و"المقداد بن الأسود"[7] و"مسلمة بن مخلد"[8]. وجاء في كتاب أمير المؤمنين إلى قائد جيوشه "عمرو بن العاص": "لقد أمددتك  بأربعة آلاف مقاتل وعلى رأس كل ألف منهم رجل بألف رجل".

          وفي عام 583 هـ عبرت سيناء جيوش "صلاح الدين الأيوبي"[9] لقتال الصلبين، فهزمهم في موقعة "حطين" وفتح باب المقدس. وهناك على قمة جبل عال قرب "رأس سدر" توجد بقايا قلعة مهدمة يسميها البدو "رأس الجندي" أو"معصى الجندي"، وعلى حطام بابها لوحة من الحجر منقوش عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد خلد الله ، مِلّك مولانا الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبو يوسف بن القائد خليل أمير المؤمنين الخاضع لله تعالى. مؤرخة في الثامن من جمادى الأولى سنة ثلاثة وثمانية وخمسمائة. هذه اللوحة تنبئ عن صلاح الدين الأيوبي قاهر الغزو الصليبي الغربي والذي عبر صحراء سيناء وهزمهم وفتح باب القدس".

          كما كانت سيناء أيضاً طريق العثمانيين إلى مصر، وطريق المماليك المصريين نحو إعادة تكوين الإمبراطورية المصرية في فلسطين وسوريا في القرن الثالث عشر. وبعد احتلال "نابليون بونابرت" لمصر في عام 1798م تغير وضع سيناء تغيراً جوهرياً، فأصبحت شبهه الجزيرة فاصلا بين أملاك العثمانيين في الشرق والإدارة الفرنسية بمصر. وبرزت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة. وعندما أعلن السلطان سليم الثالث الحرب على فرنسا وأرسل جيشاً على حدود سيناء، واحتل " أحمد باشا الجزار"[10] والي عكا، مدينة العريش، اضًطر ذلك القائد الفرنسي إلى أعداد حملة عسكرية لغزو الشام عبر سيناء واحتل مدينة العريش في 19 فبراير سنة 1799م.

          إلاّ أن فشل الحملة على سوريا اضطر القائد الفرنسي إلى العودة إلى مصر .

          وكانت سيناء أيضاً هي طريق "لنبي"[11] لضرب الإمبراطورية العثمانية المتداعية في الحرب العالمية الأولى.

          وقد تعرضت سيناء في العصر الحديث لعدة حروب واعتداءات إسرائيلية أشهرها عام 1956 (العدوان الثلاثي)، وعام 1967(النكسة). إلى أن توج الجيش المصري انتصاراته التاريخية في حرب أكتوبر عام 1973م لتعود سيناء كاملة إلى أرض الكنانة في الخامس والعشرين من شهر أبريل سنة 1982م.

          من هنا فان سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق. وذلك بمضايقها الثلاثة:

  1. ممر متلا إزاء السويس.
  2. طريق الوسط أمام الإسماعيلية.
  3. طريق ساحل الكثبان الشمالي ابتداء من القنطرة.

وبلا مبالغة: فسيناء أيضاً مدخل قارة برمتها مثلما هي مدخل مصر.

          وغني عن الذكر أن سيناء تمثل وحدة جيوستراتيجية واحدة. لكل جزء منها قيمته الإستراتيجية الحيوية. فأما المثلث الجنوبي، فإن كان بموقعه الجانبي الخلفي وتضاريسه الوعرة لا يأتي إلا في المرتبة الثانية كطريق حرب وكميدان قتال، إلا أنه بتعمقه وبروزه نحو الجنوب يُعطي ميزة شديدة الخصوصية في عصر الطيران. فهو نقط ارتكاز للوثوب على ساحل البحر الأحمر، بالأسطول البحري أو بالطيران. على نحو ما أثبتت محاولات العدو الإسرائيلي بعد يونيو حين تسلل بوحداته البحرية إلى بعض مراكز ساحل البحر الحمر، وبطائراته إلى منطقة نجع حمادي  وحلوان ... الخ.  

          وتتركز القيمة الإستراتيجية للمثلث الجنوبي، بصورة بارزة وبصفة مباشرة، في سواحله عامة، ورأس شبه الجزيرة عند شرم الشيخ خاصة. والواقع أن ساحلي جنوب سيناء بسهلهما الضيقين، هما محورا الحركة البرية الأساسيان على ضلعاها. كما أن التقاءهما واجتماعهما عند شرم الشيخ أمرٌ يضاعف من أهمية هذه الأخيرة، غير أنهما ليسا من محاور الحرب الاستراتيجية بالمعنى الذي نقصده في شمال سيناء.

          وفيما عدا هذا، فمن سواحل سيناء الغربية يمكن تهديد ساحل خليج السويس الغربي مباشرة، خاصة منطقة السويس. وأقرب مثال لذلك محاولة العدو الإسرائيلي الهجوم على الجزيرة الخضراء بعد يونيه، ثم أخيراً تهديده للزعفرانة والعين السخنة عشية 6 أكتوبر. ولا ننس كذلك معركة جزيرة شدوان على الخليج التي صمدت  فيها الجزيرة لهجوم بحري جوي مكثف حتى ردته مدحوراً على أعقابه.

          وتُعد شرم الشيخ، بصفة خاصة، المفتاح الإستراتيجي لكل المثلث الجنوبي. فهي وحدها التي تتحكم تماماً في كل خليج العقبة، دخولاً وخروجاً عن طريق مضيق تيران. فهذا المضيق المختنق كعنق الزجاجة، والذي يزيده ضيقاً واختناقاً امتداد جزيرتا تيران وصنافير في حلقه، لا يترك ممراً صالحاً للملاحة إلا لبضعة كيلو مترات معدودة تقع تماماً تحت ضبط قاعدة شرم الشيخ الحاكمة وسيطرتها.

          وإذا كانت هذه هي القيمة الإستراتيجية الحيوية للمثلث الجنوبي من سيناء، فان قيمة المستطيل الشمالي بالذات تفوق خارج كل مقارنة وكل حدود. فهو مركز الثقل الاستراتيجي في كل سيناء. أولاً بموقعه، فهو "مقدم" الإقليم. وثانياً بتضاريسه المعتدلة وبموارد مياهه المعقولة. لذلك هو طريق الحرب، كما هو طريق التجارة. فأصبح بموقعة وتضاريسه معاً، ميدان المعركة ومسرح الحرب، في القديم كما في العصور الحديثة وإلى يومنا هذا. إن من يسيطر على المستطيل الشمالي يتحكم أوتوماتيكياً في المثلث الجنوبي، وبالتالي يتحكم في سيناء كلها.

 



[1]  أحمس الأول، فرعون مصر،(1555 ـ 1542 ق.م)، أسّس السلالة 18.

[2]  تحتمس الثالث، من السلالة 18، (1504-1450 ق.م) من أعظم ملوك مصر. انتصر على السوريين في مَجدّو 1475ق.م.احتل قادش وفينيقيا وبلغ الفرات.

[3]  الحيثُّيون ، هم من شعوب آسيا الصغرى قديماً. أنشأوا أمبراطورية امتدت سيطرتها حتى سورية الشمالية، القرن 13ق.م.

[4]  عمرو بن العاص،(ت 43هـ/664م)، قائد عربي شهير. فتح مصر، بني مدينة الفسطاط، توفي في القاهرة.

[5]  الزبير بن العَوّام، (ت 36هـ/656م)، صحابي قُرشي. ابن عمَّة النبي. قاتل في جميع الغزوات. اغتاله ابن جرموز وهو يصلّي.

[6]  عُبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي،(38ق.هـ-34هـ/586-654م): صحابي، من الموصوفين بالورع، شهد العقبة، وبدراً. ثم حضر فتح مصر، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين. ومات بالرملة أو بيت المقدس.

[7]  المقداد بن الأسود، (ت 33هـ ـ 653م)، صحابيّ. أحد السبعة الذين كانوا أوّل من أظهر الإسلام. هاجر إلى الحبشة، قاتل في بدر وأُحُد.

[8]  'مَسْلمَة بن مُخَلّد بن صامت الأنصاري الخزرجي،(1-62هـ/622-682)،من كبار الأمراء في صدر الإسلام، وفد على معاوية قبل أن يستتب له الأمر. وشهد معه معارك صفين، فولاه إمارة مصر(سنة 47هـ) ثم أضاف إليها المغرب، فأقام بمصر، وسير الغزاة إلى المغرب، توفي بالإسكندرية.

[9]  'صلاح الدين الأيوبي (532 ـ 589هـ / 1138 ـ 1193م): ولد في تكريت بالعراق وتوفي في دمشق. مؤسس الدولة الأيوبية. انتصر على الزنكيين قرب حمص واحتل سورية والموصل. استولى على طبرية وهزم الصليبيين ن قرب حطين 1187، وأسر ملك القدس، وفتح بيت المقدس، ثم عقد هدنة مع الصليبيين وسالمهم.

[10]  'أحمد باشا الجزار(نحو1720 ـ 1804)،والي صيدا والشام. استقر في عكا. لُقّب يالجزار لفتكه بالبدو في مجزرة بلغ ضحاياها نحو 70 ألف. حصن عكا وقاوم حصار نابليون بونابرت بمساعدة الأسطول الإنجليزي سنة 1799.

[11]  'آلنبي ، إدموند هنري Allenby, Viscount ED. H. H. Y. قائد عسكري وسياسي وبريطاني، مندوب سامي بمصر من 1919 إلى 1925. اشترك في حرب البوير من 1899 إلى 1902، اشترك في الحرب العالمية الأولى، قاد القوات البريطانية في غزو فلسطين ضد تركيا من 1917 إلى 1919، واستولى على القدس ودمشق وحلب بعد هزيمة الأتراك في موقعة ``مجدو``. منح رتبة فيلد مارشال.