إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الأول: الجغرافيا الطبيعية

ب. الأنهار

وردت هذه المادة في اشتقاقاتها المختلفة في 54 موضعاً في القرآن الكريم. والأنهار هي المجاري المائية المحددة، التي تتدفق فيها المياه العذبة بيابس العالم طوال السنة، أو لعدة شهور منها. إذاً فبعض الأنهار دائم الجريان طول السنة، وبعضها جريانه متقطع. وقد تجف المياه بالكامل من مجاريها، وهذا ما أُطلق عليه العرب لفظ بحار بلا ماء، أو الأودية الجافة، وهي ظاهرة طبيعية شائعة الحدوث في الصحاري العربية، وغيرها من الصحاري الحارة الجافة. وقد تتجمد المياه في النهر لانخفاض درجة الحرارة، مثل نهر السانت لورنس في أمريكا الشمالية، الذي تتجمد مياهه خلال الفترة من نوفمبر حتى شهر أبريل.

وتكمن الأهمية الأولى للأنهار فيما تحمله من مياه عذبة، تعتمد عليها كل الكائنات الحية (الإنسان، والنبات، والحيوان)، وكل الكائنات الحية مخلوقة من المياه، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى:سورة الأنبياء، الآية 30وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ. كما تكوِّن المياه الأكسجين، الذي تتنفسه الكائنات الحية مدى الحياة، والماء يلي الأكسجين في الأهمية مباشرة، فانعدام كل من الأكسجين والمياه يعني انتهاء الحياة بكل صورها المختلفة، ونظراً لجفاف مساحات كبيرة في العالم، فقد اعتمد الإنسان على مياه الأنهار للري والزراعة. وقد أقيمت الخزانات، والقناطر، والسدود، على الأنهار لحجز مياهها العذبة، بدلاً من ضياعها في البحار والمحيطات، كما تم شق الترع لسحب هذه المياه للري.

وقامت الأنهار بدور بارز في نشأة الحضارة. فالحضارات الأربع الرئيسية القديمة نشأت على ضفافها وهي: الحضارة الفرعونية، وقامت في وادي النيل بمصر، والحضارة السومرية على نهري دجلة والفرات بالعراق، وحضارة حرابة على طول نهر السند في شبه القارة الهندية، والحضارة الصينية على أنهار الهوانجهو، واليانجتسي. كما أدّت الأنهار دوراً كبيراً في تعمير المناطق الداخلية في القارات، حيث اقتفى المعمرون مجاريها لتعمير داخل أمريكا الشمالية، وأقاموا محلاتهم العمرانية على مقربة من ضفافها.

وتشكل الأمطار الساقطة عند المنابع، أو الثلوج الذائبة، أو كلاهما، أهم مصادر الأنهار، لذا تمثل الأنهار مصدراً من مصادر المياه العذبة على سطح الأرض، وتتميز باتساع دائرة توزيعها الجغرافي عليه، وتتسم بجريانها في مسارات محددة الملامح، أو مجاري مائية محددة الجوانب، مما يُسهل من إمكانيات استغلالها في الأغراض المختلفة. وتُفقد كميات من مياه الأنهار بفعل بعض أو كل العوامل التالية:

1- التسرب Infiltration

ويعني تسرب كميات من المياه خلال الطبقات الأرضية، وخاصة المنفذة منها للمياه أو تلك، التي تزيد بها الشقوق والفوالق الأرضية، ومن ثم تصبح هذه المياه المفقودة مياها جوفية، وقد تظهر على سطح الأرض مرة ثانية على شكل ينابيع.

2- التبخر Evaporation

ويُقصد به تحويل المياه من صورتها السائلة إلى الصورة الغازية، ويتفاوت معدل هذا العامل، تبعاً لعدد من العوامل المناخية (درجة الحرارة، والضغط الجوي، والرياح، والرطوبة، وكمية الأمطار). ويزداد تأثيره في المناطق المرتفعة الحرارة، الشديدة الجفاف.

3- الامتصاص Absorption

تمتص النباتات الطبيعية كميات من المياه عن طريق جذورها، وتُخرج بعضاً منها إلى الهواء مرة أخرى عن طريق عملية النتح.

تركيب الأنهار

تعد الأنهار أحد العوامل، التي قامت بدور رئيسي في تشكيل الأرض، بما تقوم به من عمليات نحت وإرساب. وتعرف المنطقة، التي تنصرف إليها كل مياه النهر وروافده باسم "حوض التصريف"، وتنصرف إليها المياه لأن انحدار الأرض يكون صوبها. ويفصله عن أحواض التصريف المجاورة له سلاسل من المرتفعات، يُطلق عليها خط تقسيم المياه . وينقسم أي نهر إلى ثلاثة أجزاء، هي: المجرى، أو الوادي الأعلى، ويقع عند منابع النهر، والمجرى الأدنى عند المصب، وفيما بينهما المجرى، أو الوادي الأوسط.

1- مجرى النهر (الوادي)

يعتقد البعض أن حركات القشرة الأرضية هي المسؤولة عن تكوين مجاري الأنهار، بينما يري فريق آخر أن الأنهار، ممثلة في طاقتها، هي التي كونت مجاريها عن طريق النحت المائي. وحقيقة الأمر أن حركات القشرة الأرضية تعاونت مع الأنهار في شق مجاريها.

والوادي النهري هي المنطقة المنخفضة، التي نتجت عن نحت النهر لمجراه، وتنحدر أرضها صوب مجرى النهر. ويقوم النهر بثلاث عمليات من النحت هي: النحت الرأسي، والجانبي، والتراجعي. والنحت الرأسي Vertical Corrosion هو الذي يؤدي إلى تعميق النهر لمجراه، وينتج هذا النحت من قوة ضغط المياه واندفاعها في المجرى، إضافة إلى الحفر الوعائية Pot Holes، التي تتكون في قاع المجرى، فضلاً عن عمليات الإذابة Solution، التي تقوم بها المياه للمواد القابلة للذوبان بالقاع.

أما النحت الجانبي Lateral Corrosion فهو المسؤول عن توسيع مجرى النهري، إذ يؤدي اندفاع المياه وارتطامها بضفافه إلى نحت قواعدها السفلى، مما يؤدي إلى انهيارها بالتدريج في مياه النهر، وهكذا يوسع النهر مجراه. وهناك قوة أخرى تساعد مع النحت الجانبي في توسيع مجرى النهر، فقد تنهار ضفافه لزحف التربة، خاصة إذا كانت الجوانب شديدة الانحدار، والأمطار غزيرة. وقد تنهار ضفاف النهر، نتيجة للانهيارات الثلجية عليها، ويظهر هذا في المناطق، التي تتعرض لسقوط الثلوج في موسم الحرارة المنخفضة. وقد تتآكل الضفاف بفعل المياه الجوفية، التي تتسرب إلى النهر من المناطق المجاورة له، وما تحدثه من عمليات إذابة وتآكل لضفافه. وتتسع المجاري النهرية في المناطق، التي تلتقي فيها مع روافدها.

أما النحت التراجعي، أو الصاعد، فيعمل على زيادة طول المجرى النهري، وذلك نتيجة لاحتكاك الماء الجاري والمواد، التي يحملها النهر بقاعه. لذا تتناسب عملية النحت التراجعي طردياً مع كمية المياه، التي يحملها المجرى، ومع سرعة جريان الماء فيه. لكن من الخطأ تصور أن نهراً عظيماً شق كل مجراه بالنحت التراجعي من المصب إلى المنبع، لأن النحت التراجعي لا ينشط إلاّ في منطقة المنابع فقط.

ولكل نهر مستوى قاعدة Base - Level، وهو أدنى مستوى يمكن أن يصل إليه النحت النهري، وهو مستوى البحر Sea - Level الذي ينتهي إليه النهر. فعلى سبيل المثال، مستوى القاعدة لنهر النيل في مصر هو مستوى سطح الماء في البحر المتوسط. إذ لا يعقل أن يعمق النهر مجراه دون مستوى سطح البحر الذي يصب فيه وإلاّ لن تتدفق مياه النهر إلى البحر. ويظل مستوى القاعدة للنهر ثابتاً ما لم يطرأ أي تغير على العلاقة بين اليابس والماء. وللنهر مستوى قاعدة هو مستوى القاعدة العام، كما أن لكل رافد يلتقي بالنهر مستوى قاعدة خاصاً به هو مستوى قاعدة محلي Local - Base Level. وإذا طرأ تغير على العلاقة بين اليابس والماء في مجرى النهر، لإنشاء سد على مجراه مثلاً لحجز المياه، أو عند مصبه، كأن يكون مستوى النهر هابطاً، فإن النهر ينشط في النحت الرأسي، ليصل إلى مستوى القاعدة الجديد، كما يوضح (شكل قطاع عرضي في وادي نهري).

أ- تصنيف الأودية النهرية

تصنف الأودية النهرية إلى مجموعات، تبعاً لمتغيرات مختلفة منها، المرحلة التطورية، التي تمر بها، وعامل النشأة، ومستوى القاعدة. فعلى أساس مرحلة التطور، تُقسم الأودية النهرية إلى ثلاثة أنواع هي: أودية في طور الشباب، وأودية في مرحلة النضج، وأودية في طور الكهولة أو الشيخوخة. ولكل نمط منها خصائص تميزه عما سواه. فالأودية، التي في مرحلة الشباب، تتميز بشدة انحدار جوانبها، وعمقها، وضيق مجاريها، بحيث تبدو على شكل الرقم سبعة (7). أما الأودية في طور النضج فتتوقف فيها عملية تعميق المجرى النهري، ويزداد اتساعه. أما الأودية في طور الشيخوخة، فتتميز بعظم اتساع سهولها الفيضية، وكثرة انثناء مجرى النهر وتعرجه والتوائه.

ب- انثناء وتفرع مجرى النهر

المجرى النهري هو القناة، التي تجري فيها مياه النهر، وتقع بين ضفتيه، وعلى جانبي الضفتين يوجد الوادي النهري. وقد يُغير النهر مجراه لسبب أو لآخر فينتقل من مجرى إلى آخر داخل واديه. ونادراً ما تسير الأنهار في خطوط مستقيمة بل تتعرض مجاريها للانثناء والالتواء لسبب أو لآخر. ويتكرر وجود هذه الثنايات على طول المجرى النهري خاصة في الوادي الأدنى. وتندفع مياه النهر صوب الجانب المقعر للثنية لتنحت فيه، ومن ثم تحدث تيارات عكسية على قاع النهر، تحمل المفتتات، التي تم نحتها، وترسبها على الجانب المُحدب للثنية، كما يوضح (شكل قطاع عرضي في مجرى النهر). وتتآكل الجوانب المقعرة للثنيات بسرعة، لذا يزداد انحدار الجانب المقعر بحيث يبدو على شكل جرف، كما يوضح (شكل النحت الجانبي).

ويستمر ازدياد انحناء مجرى النهر في أجزائه الملتوية، وتقترب عندئذ أطراف الانثناءات من بعضها، تاركة معابر ضيقة من الأرض، تعرف باسم رقاب الثنيات، وهي التي تفصل مجرى النهر عند كلا جانبي كل ثنية، وسرعان ما تخترق مياه النهر هذه الرقاب في فصل الفيضان، وبذلك يشق النهر طريقاً جديداً قصيراً له، يُعرف بقطع الثنية، بدلاً من المجرى الملتوي، الذي كان يسير فيه من قبل. ثم تكون مياه النهر بعد ذلك سداً من الرواسب يفصل المجرى الجديد عن المجرى المهجور القديم، الذي يُطلق عليه اسم علامة الثنية، وقد تشغل المياه لفترة من الزمن الثنيات، التي اُقتطعت، مكونة بذلك بحيرات هلالية الشكل، هي التي تُعرف باسم البحيرات المقتطعة، كما يوضح (شكل نشأة البحيرة المتقطعة).

وقد يتشعب المجرى النهري، وينقسم إلى عدة مجاري لسبب أو لآخر، منها وجود الجزر النهرية. وفي الأنهار ذات المصبات الدلتاوية يتفرع النهر إلى عدة فروع، وكثيراً ما تطمر بعض هذه الفروع بالرواسب، وتختفي، ولا يبقى منها إلاّ فروع قليلة، مثال ذلك: لنهر النيل في الوقت الحاضر بدلتاه في مصر فرعان هما فرع رشيد، وفرع دمياط، وكان له قبل ذلك في الدلتا تسعة أفرع.

ج- الشلالات والجنادل في مجرى النهر

تنشأ الشلالات في مجاري الأنهار لأسباب مختلفة، منها أنه قد يسير فوق أرض مرتفعة، ثم تنخفض الأرض، بعد ذلك فتسقط مياه النهر من على المرتفعات إلى الأرض المنخفضة، مكونة شلالاً (فارق منسوب)، مثل: الشلالات الموجودة في نهري الكونغو والزمبيزي، كما يوضح (تباين صلابة الصخور).

أما الجندل فهو عبارة عن عقبة صخرية، شديدة الصلابة في مجرى النهر، عجز النهر عن نحتها وإزالتها، مثال ذلك: الجنادل التي كانت موجودة في نهر النيل، قبل إغراق بحيرة السد العالي لها، ومازال باقيا منها الجندل الأول شمال خزان أسوان، (تباين صلابة الصخور). وتعرقل الشلالات والجنادل الملاحة النهرية، ولكن يمكن توليد الكهرباء المائية الرخيصة من هذه المساقط المائية.

2- الإرسابات النهرية

يحمل النهر حمولة كبيرة، خاصة أثناء موسم فيضانه. وتصنف حمولة النهر إلى أربعة أنواع: الذائبة، والعالقة المجرورة، والمدفوعة على قاعه، والطافية. وتتخذ عملية النقل أشكالاً مختلفة، يمكن حصرها فيما يلي:

أ- الإذابة والتآكل الكيميائي Solution and Corrosion

ويُقصد بذلك نقل المواد، التي تحللت أو أُذيبت تماماً من الصخور مع المياه إلى الأجزاء الدنيا من النهر. وتختلف عملية التحلل الكيميائي للصخر، ومدى أثرها، تبعاً لعدة عوامل مختلفة، من أهمها التركيب الصخري، واختلاف صلابته، ودرجة حرارة مياه النهر، وشكل الدوامات، والتيارات المائية النهرية.

ب- التفتيت الميكانيكي بواسطة فعل المياه Hydraulic Action

تساعد قوة اندفاع المياه وجريانها على تفتيت الصخور وتقسيمه، فنتيجة لسرعة جريان المياه الساقطة من أعالي الشلالات أو الجنادل واندفاعها، تعمل على نقل المواد الصخرية المفتتة، مسافات بعيدة نحو الأجزاء الدنيا من النهر.

ج- نحت جانب النهر وقاعه بواسطة فتات الرواسب المنقولة Corrosion

تعمل الرواسب، التي يحملها من حصى، وفتات صخرية، ورمال، على نحت جانبي النهر وقاعه، وتتم هذه العملية تبعاً لاحتكاك هذه المواد بصخور جانبي النهر وقاعه، مما يؤدي إلى إضعافها وتفتيتها. وتعد نشأة الحفر الوعائية Pot Holes وتكوينها، من أهم الظواهر، التي تنجم عن أثر فعل احتكاك الرواسب المحمولة بصخور أرضية قاع النهر.

د- عامل التآكل بالاحتكاك Attrition

تتعرض رواسب النهر المختلفة، أثناء عملية نقلها صوب الأجزاء الدنيا من النهر، إلى التفتت، نتيجة لتدحرجها وجرها على امتداد القاع.

هـ- عامل التعلق Suspension

تنقل مع مياه النهر كميات هائلة من الرواسب الصغيرة الحجم، لذا تتعلق بالمياه بسبب خفّة وزنها في قاع النهر، ومثل هذه المواد الخفيفة الوزن، الدقيقة الحجم، تنقل مع تيار النهر لمسافات طويلة صوب الجزء الأدنى من النهر.

وعندما يتسع مجرى النهر، ويقل عمقه وانحداره، وتتباطأ سرعته مع ظهور بعض العقبات الصخرية في مجراه، وتتناقص كمية المياه به فيفقد النهر جزءاً كبيراً من طاقته، فيبدأ في إرساب حمولته العالقة والقافزة، مكوناً أشكالاً أرضية مختلفة منها الجزر، والسهل الفيضي، والدلتاوات، والمراوح الفيضية.

أ- الجسور الطبيعية

يرسب النهر حمولته الخشنة على ضفتيه بجواره مباشرة ، فتتكون الجسور الطبيعية على جانبي مجراه، بحيث تنحدر أرض السهل الفيضي منها انحداراً تدريجياً بالابتعاد عن مجرى النهر، وتظهر أكثر أجزاء السهل انخفاضاً عند النهاية الهامشية له بعيداً عن قناته، ويرجع السبب في تكوين الجسور الطبيعية للنهر حول مجراه إلى الرواسب النهرية، على الرغم من أنها تكون أعظم سمكاً لخشونتها على جانبي المجرى، فتبدو في شكل ضفاف أو جسور مرتفعة عريضة.

ولهذه الجسور الطبيعية أهمية كبيرة، لأنها تمثل حواجز طبيعية تقي السهل الفيضي، وما فيه من مظاهر عمرانية وحضارية، من غوائل الفيضانات العاتية.

ويلاحظ أن قيعان الأنهار ترتفع بالتدريج لتراكم الرواسب فوقها، لذا تتعرض السهول الفيضية لظاهرة الغرق أثناء الفيضانات النهرية، فيلجأ الإنسان إلى بناء الجسور حول مجرى النهر لحماية السهل الفيضي وما فيه من مظاهر النشاط البشري، وينطبق هذا على كل المجاري الدنيا للأنهار.

ب- الجزر النهرية

تتكون الجزر النهرية الرسوبية في أول الأمر على هيئة أكوام من الحصى والرمال الخشنة فوق قاع مجرى النهر، تكبر ويزداد نموها مع مرور الوقت، نتيجة تراكم الرواسب من طمي ورمال فوقها عاماً بعد آخر، حتى ترتفع فوق سطح الماء، مكونة جزراً إرسابية في مجرى النهر. وقد تبقى الجزيرة مطمورة تحت المياه ولا تظهر على السطح إلاّ إذا انخفض منسوب الماء في مجرى النهر، وإذا كانت الجزيرة في وسط مجرى النهر فإنها تؤدي إلى تشعبه إلى عدة مجاري، ومما يساعد على تكوين الجزر اتساع مجرى النهر وضحولته، الأمر الذي يؤدي إلى توفر الظروف لتراكم الرواسب وسط المجرى في شكل حواجز، لا تلبث أن تظهر سريعاً فوق سطح الماء مكونةً جزراً جديدة. وتتعرض الجزر النهرية عادة للنحت من الجانب المواجه لتدفق تيار النهر، بينما يحدث الإرساب في طرف الجزيرة الواقع في منصرف تيار النهر، وقد يزداد اتساع الجزيرة تدريجياً صوب إحدى ضفاف النهر، نتيجة تزايد الإرساب في هذا الجانب منها، ومع مرور الوقت، قد تلتصق بضفة النهر، وتأخذ الجزر النهرية أشكالاً مختلفة، منها الشريطي، أو المستدير، أو المقوس. كما أنها تتفاوت في مساحتها فمنها الصغير، والمتوسط، والكبير.

ج- السهل الفيضي

من الظاهرات الأساسية، التي تنشأ عن الإرساب النهري. فالنهر يحمل في بعض السنوات كميات كبيرة من الماء لا يتحملها مجراه، فيفيض على الجانبين، وتنتشر مياه الفيضان، حاملة ما بها من رواسب على قاع الوادي، مكونة طبقة رقيقة من المياه، وبالتالي، تقل سرعتها إلى حد بعيد، فتفقد قدرتها على الحمل، وتبدأ في إرساب حمولتها. وعاماً بعد آخر، يتكون السهل الفيضي بهذه الطريقة. إضافة إلى أن النهر عندما يفيض على الجانبين، يتخطى ضفافه وجسورة، وينحت منها، فيزداد الإرساب على السهل الفيضي. وتتنوع الرواسب على حسب أحجامها في السهل الفيضي، فالرواسب الخشنة هي التي ترسب أولاً بجوار ضفاف النهر لعجزه عن حملها، أما التكوينات الدقيقة الحبيبات الناعمة، فتظل عالقة بالمياه لمسافة أبعد عن مجرى النهر حتى ترسب في المناطق القاصية عن قناته.

د- الدلتاوات

عندما يصل النهر إلى المسطحات المائية، التي يصب فيها، تنساح مياهه على مساحة كبيرة، وتضعف مقدرته على الحمل، فيأخذ في إرساب حمولته في هذه المسطحات المائية الشاطئية الضحلة، ويتراكم الإرساب مع مرور السنين، فتظهر دلتا للأنهار من تحت سطح الماء، وهي ذات تربة خصبة، وقد تكون الدلتا كبيرة المساحة، إذا كان نهران كبيران يصبان في البحر خلالها. ويشترط لتكوين الدلتا أن تكون مياه المصب ضحلة، والتيارات البحرية فيها والأمواج ضعيفة، ولا يتعرض خط الساحل لحركات مد وجزر عنيفة، حتى لا تتشتت الرواسب، وبالتالي لا تتكون الدلتا. وتتميز الدلتاوات بوجود بحيرات ساحلية عند أطرافها من جهة البحر، لأنها لم تمتلئ بعد بالرواسب. ويتفرع النهر في الدلتا إلى عدة فروع، قد ينطمر بعضها بالرواسب، ويبقى بعضها الآخر. ولا تتكون لبعض الأنهار دلتاوات عند مصباتها لأسباب من أهمها: قلة الرواسب في مياهها، وكون مياه المصب البحري عميقة، وتعرضها لأمواج عنيفة، وتعرضها لحركات مد وجزر كبيرة، ووجود تيارات بحرية قوية. كل هذه الظروف تعمل على تشتيت الرواسب، وبالتالي لا تتكون الدلتا في نهر الكونغو، أو لغرق مصباتها لسبب أو لآخر، مثل نهر التايمز في إنجلترا، ونهر هدسن في شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية.

هـ- المراوح الفيضية

المروحة الفيضية تشبه الدلتا في شكلها المثلثي، وتتكون المراوح الفيضية عند أقدام الجبال، نتيجة سقوط المياه من المرتفعات إلى المناطق الأقل منسوباً، ويقل الانحدار في الأرض المنخفضة، وتنساح المياه على مساحات واسعة، فتقل سرعتها، وبالتالي تبدأ في إرساب حمولتها على شكل مروحة غرينية مثلثة الشكل، رأسها عند قدم الجبل، وقاعدتها بعيدة عنه، وتتنوع الرواسب فيها حسب البعد من تغير نقطة الانحدار، فعند قدم الجبل ترسب المواد الخشنة أولاً، أما المواد الدقيقة الناعمة، فترسب بعيداً. وعندما تكون هناك سلسلة جبلية ممتدة، وتسقط الأمطار عليها، تتكون عند أقدامها عدة مراوح فيضية، وعندما تنمو هذه المراوح الفيضية، وتتصل ببعضها، تكوّن سهلاً فيضياً يُعرف باسم البهادة أو البيجادا مثل سهل الباطنة في عمّان.

الفيضان Flood

تمثل الأمطار الساقطة أو الثلوج الذائبة أو كلاهما أهم مصادر المياه على سطح الأرض. وتفقد كميات من هذه المياه بفعل التسرب Infiltration خلال طبقات الأرض المنفذة للمياه، أو التبخر Evaporation، أو الامتصاص Absorption عن طريق الحياة النباتية، أو بفعلها جميعاً. أما الكمية المتبقية من المياه فإنها تغذي المجاري النهرية، وعندما لا يحدث هذه الفقد، بوساطة العوامل الطبيعية المختلفة، وتراكم الكتل المائية في المجاري النهرية، بصورة لا تتحملها القنوات أو المجاري المائية، فإنها تفيض على الجانبين، مهددة كل المظاهر العمرانية والحضارية بالدمار. وتحدث الفيضانات دون تحذير أو إنذار، وبصورة متكررة، في العديد من الأنهار، عندما تزداد كمية التساقط على منابعها العليا. ولا تتوقف الفيضانات على الأنهار فقط، فقد أطلق بعض الباحثين على الأمواج العاتية، بسبب الرياح الشديدة أو بسبب الزلازل، الفيضانات الساحلية Coastal Floods.

1- تأثيرات الفيضانات

لا تتوقف تأثيرات الفيضانات على تدمير المظاهر العمرانية والحضارية، بل تمتد إلى أكثر من ذلك، فتهدد الحياة البشرية والنباتية، كما أنها تؤدي إلى تعرية التربة الزراعية من إرسابات الأنهار الخصبة، وإضعاف الطاقة الكهرومائية المولدة. وتجدر الإشارة إلى أن هناك علاقة طردية بين سرعة التيارات المائية وكميتها من جهة، وأضرار الفيضانات من جهة أخرى، بمعنى أنه كلما زادت سرعة التيارات المائية وكميتها، زادت معها الأضرار، التي تسببها الفيضانات.

2- السيطرة على الفيضانات

حاول الإنسان منذ القدم السيطرة على الفيضانات بعدة طرق أساسية، مثل استزراع الغابات Reforstation، وعمل القناطر والسدود لضبط مياه الأنهار، والمفيضات Floodways، وهي قنوات صناعية، تحفر بجوار الأنهار لاستقبال المياه الزائدة عنها.

فقد أقام الصينيون القدماء العديد من السدود لمنع فيضانات نهر الهوانجهو، ويعد فيضان سنة 1887 من أسوأ الفيضانات، التي حدثت في الصين، إذ اخترق الهوانجهو كل السدود، التي تعترض مجراه، ودمر المناطق السكنية، وقتل أكثر من مليون نسمة. ونظراً لكثرة فيضاناته أُطلق عليه نهر الكوارث.

وهناك العديد من المشاريع الهندسية المُقامة على العديد من الأنهار، لضبط مياهها والتحكم فيها، وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم في هذه المشاريع، حيث يتوافر فيها أعداد كبيرة من السدود المُشيدة على عدد من أنهارها، ويأتي في مقدمتها سدود وادي تنسي Tennessee، التي تبلغ واحد وثلاثين سداً.




[1] تجدر الإشارة إلى أنه بعد إنشاء السد العالي وامتلاء بحيرة ناصر بالمياه، لم يعد للوادي الضيق وجود في هذا الجزء من مجرى النهر.

[2]  يُرجح أن الإغريق هم أول من أطلق على النهر هذا الاسم، وتعني كلمة جوليبا بلغة الماندينجو "النهر العظيم".