إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الأول: الجغرافيا الطبيعية

(3) فرضية جايا

أعلن هذه الفرضية، في منتصف الستينيات من القرن العشرين، العالم البريطاني المستقل[1]، "جيمس لوفلوك" James Lovelock، من كورن ويل Cornwall. وسماها باسم إله الأرض عند الإغريق[2]. وتقول الفرضية، إن الأرض تنفعل، وكأنها كائن حي؛ وإن الأحياء، من نبات وحيوان وإنسان، تضبط درجة الحرارة، ومكونات سطح الأرض، بما في ذلك الغلاف الغازي.الأحياء على هذا الكوكب Earth’s biota، هم، إذاً، جزء من نظام ضبط للظروف الملائمة للمعيشة، على سطح الأرض.

أثارت هذه الفرضية جدلاً شديداً. فانتقد عليها معارضوها فكرتها الأساسية، القائلة بأن الأرض مخلوق حي؛ معارضة بذلك معارضة واضحة، نظرية دارون التطورية، التي كانت مقبولة لدى قطاع عريض من العلماء، حينها. كما أُخذ عليها صعوبة اختبارها. وعاب علماء الغرب انطلاقها من فلسفة غائية، قوامها أن التغيرات، تمهد لأهداف معينة؛ وأن هناك نهاية محددة للكون.

إن نظرة لوفلوك إلى كوكب الأرض، على أنه كائن حي، يصعب إقرارها؛ إذ إن جزءاً كبيراً من مكوناتها غير عضوي. ولكن مؤيدي الفرضية، عدَّلوا في هذا الجانب قليلاً، فرأوا أن للأرض نظاماً واحداً، يسفر نشاط الأحياء فيه عن ضبط العلاقات، المتبادلة بين مكوناته غير العضوية. ولهذه النظرة شواهد مؤيدة كثيرة؛ فالأشجار مثلاً، تأخذ في عملية التمثيل الضوئي، ثاني أكسيد الكربون، من الغلاف الغازي، وتطلق الأكسجين؛ مؤثرة بذلك في تركيب ذلك الغلاف. زد على ذلك أن أنواعاً معينة من البكتريا، في التربة؛ وشعيرات الجذور لبعض النبات ـ تحوِّل النيتروجين من حالته الغازية، في الغلاف الغازي، وفي غازات التربة، إلى نترات، يمكن النبات أن يستخدمها مصدراً للنيتروجين.

وفيما يتعلق بنظرية التطور، يجادل لوفلوك (1990) في النظرية التقليدية، يعيبها إعطاء دور سلبي للأحياء، في خلال تاريخ الأرض. كلٌّ من نظرية دارون التطورية، التي تقول بالتحول التدريجي المطَّرد Steady gradual evolution؛ ونظرية التحول المتقطع Punctuated evolutionary theory، التي تفصل فيها فترات من التغير السريع، بين فترات طويلة من الاستقرار ـ تقوم على أن التغير، يحدث استجابة للبيئة الطبيعية. وفرضية جايا تعالج هذا القصور، بالنظر إلى التطور، على أنه نتاج للعمليتَين مجتمعتَين. وعلاوة على ذلك، يجادل لوفلوك في أن الحياة والبيئة الطبيعية، تتغيران معاً، وليس إحداهما تتحكم في الأخرى. لذا، فالمسار التطوري، للأحياء وللبيئة الطبيعية، هو تبادلي، يعتمد فيه كلُّ منهما على الآخر؛ فالانتخاب الطبيعي[3]Natural Selection، حسب رأيه، سيحدث إذاً، كما اقترح دارون؛ ولا تعارض بين النظريتَين.

إن أكثر الاعتراضات على فرضية جايا، إثارة للجدل، هو عدم إمكانية اختبارها. ففي حين يمكن تأكيد بعض جوانب الفرضية، بالملاحظة، فإنه لا يمكن تأكيد أن العلاقة التبادلية، بين الأحياء وبيئاتها الطبيعية، هي أهم عامل، حدد طبيعة الحياة، وخصائص البيئة الطبيعية على الأرض. فمن جوانب النقاش، مثلاً، حقيقة أن نمو النباتات الخضراء، منذ 2500 مليون سنة، ساعد على بناء غلاف غازي غني بالأكسجين؛ ربما أسهم ذلك في جعل التطور يأخذ منحى آخر، حرم النباتات الخضراء نموّها، وحال دون ارتفاع تركّز الأكسجين في الغلاف الغازي. وبمقياس زمني أقصر، يظهر تحليل عينات الهواء، المحبوسة في طبقات الغطاءات الثلجية القطبية، أن الفترات، الجليدية والدفيئة، تميزت بتغيرات في تركّز ثاني أكسيد الكربون، في الغلاف الغازي. وربما نتج انخفاض نسبة ثاني أكسيد الكربون، في الغلاف الغازي، في خلال الفترات الجليدية، من زيادة في انتشار النباتات الخضراء؛ إلى جانب التغيرات في الدورات المحيطية؛ ودفن المواد العضوية تحت الغطاءات الجليدية. ولكن تعقيد التفاعلات، المرتبطة بهذه الجوانب؛ وكثرة المدخلات والمخرجات، في خلال التاريخ الجيولوجي، تعنيان عدم إمكانية التحليل الشامل لهذه العملية. والسؤال الأكثر حرجاً، هو: هل تتغير المجتمعات البشرية، بكونها من الأحياء على سطح الأرض، بتغير البيئة، وبخاصة الغلاف الغازي؟ وإن حدث هذا التغير، فهل سيكون إلى درجة، تجعل الغلاف الغازي غير صالح للبشر؛ بل سوف يصبح، وفق الفكر الداروني، غير ملائم للبقاء؟

تتمثل علاقة فرضية جايا بموضوع النظام الأيكولوجي، في نظرتها الكلية أو الشمولية إلى البيئة الطبيعية والأحياء. تلك النظرة التي تشاركها فيها نظرية النظُم، ومفهوم النظام الأيكولوجي. فهذه الفرضية لا تقترح الربط بين الحياة والبيئة، بل تركز في أن الروابط بينهما، حددت المسار التطوري لعلاقتهما المتبادلة؛ فلا يوجد تأثير أو تحكّم من طرف واحد. والربط التفاعلي المتبادل، غير السلبي، بين الأحياء والبيئة الطبيعية، ظاهر في الدورات البيوجيوكيماوية. وهي عمليات حيوية أساسية، للحفاظ على النظام الأيكولوجي، مثلها مثل تدفق الطاقة؛ إذ تعنى بدورات تدفق مواد، تحدث في البيئة الطبيعية. ومعظم العناصر الطبيعية، مثل: الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين، لها قنوات تدفق بين مخازنها الطبيعية. هذه المخازن، وهي: الغلاف الغازي، والغلاف الحيوي، والغلاف الصخري، والغلاف المائي، تتبادل المواد، بوساطة نواقل أو محركات للتبادل، هي من الأحياء، في الغالب.

 



([1])  لم يكن يعمل لأي مؤسسة تعليمية أو مركز أبحاث.

([2])  سيطرت الأساطير على الفكر الإغريقي فتعددت الآلهة عندهم، وفي ذلك عبرة وبيان لنعمة الله بأن أرسل الرسل لهداية الناس إلى الحنيفية السمحة، وحبتهم بمحمد، صلى الله عليه وسلم، داعياً إلى الإسلام وتوحيد الله بالعبادة.

[3]  الانتخاب الطبيعي: تستلزم التغيرات البيئية أن تتأقلم الأحياء معها، والأفراد الأكثر قدرة على التحول للتأقلم مع الظروف الجديدة هم الأكثر حظاً في البقاء والمنافسة.