إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الأول: الجغرافيا الطبيعية

(4) نظرية تزحزح القارات

تقوم فكرة تزحزح القارات Continental Drift، على أن قارات العالم، كانت كتلة يابسة واحدة؛ ثم تكسرت، وتحركت القارات إلى مواقعها الحالية. لقد لفت التطابق، بين سواحل المحيط الأطلسي، الشرقية والغربية، أنظار العلماء، وخاصة سواحل أفريقيا وأمريكا الجنوبية (انظر شكل توازي خطوط السواحل المتقابلة). ومنذ أن توافرت خرائط تفصيلية للملاحة البحرية، في هذه المناطق، في منتصف القرن السابع عشر، بدأت تظهر في أبحاث بعضهم، الفكرة القائلة بأن القارتين، كانتا متصلتين. ففي عام 1858، أنجز أنطونيو سنايدر Antonio Snider، خريطة للأمريكتَين ملتصقتَين بأوروبا وأفريقيا؛ فضلاً عن إشارته إلى تشابه الحفريات، على جانبي المحيط الأطلسي. وفي عام 1668، شاعت هذه الفكرة في فرنسا. وفي بداية القرن العشرين، ظهرت أفكار العالمَين الأمريكيَين: فرانك تايلور Frank Taylor، وهوارد بيكر، Howard Baker، القائلة بفرضية ارتباط قارات العالم القديم وقارات العالم الجديد؛ وأنها كانت جزءاً من كتلة يابسة واحدة. وقد أيد تايلور بحثه، عام 1908، بشواهد قوية على تحرك القارات.

ثم جاءت أعمال العالمَين البريطانيين: إدوارد بولارد Edward Bullard، وآرثر هولمز Arthur Holmes، في بداية القرن العشرين، لتؤيد هذه الفرضية. ولكن الفضل في وضع هذه الأفكار في إطار نظرية علمية، واسعة الانتشار، أثارت كثيراً من الجدل، يعود إلى العالم الألماني، ألفريد فجنر، Alfried Wegener، الذي قدمها في سلسلة من الأبحاث، بين عامي 1912 و1924. وقد جمع فجنر في أعماله، التي كانت تهتم بدراسة المناخ القديم، من خلال الآثار الجيولوجية، الأدلة المتعددة، لإثبات أن القارات كانت وحدة واحدة، متصلاً بعضها ببعض، مكونة قارة عظمى على سطح الأرض، أطلق عليها اسم بانجايا Pangaea. وقد نشر آراءه هذه في كتابه الشهير، "أصل القارات والمحيطات" The Origin of Continents and Oceans؛ وأنه كان هناك محيط واحد، يحيط بتلك القارة؛ أطلق عليه اسم بانثالاسا Panthalassa. ويقول فجنر، إن قارة بانجايا، كانت موجودة، قبل 300 مليون سنة، في العصر الفحمي Carboniferous Period. كما يقول إنها تكسرت، بعد العصر الكربوني، وبدأت أجزاؤها تتزحزح، تاركة بينها فراغات، هي التي تشغلها المحيطات، في الوقت الحاضر.

وقد طابق فجنر، في رسمه لقارة بانجايا، بين سواحل الأمريكتَين، من جهة؛ وسواحل أفريقيا وأوروبا، من جهة أخرى. وطابق بين سواحل أستراليا وأنتاركتيكا، وشبه القارة الهندية وجزيرة مدغشفر، وألصقها بالساحل الشرقي الجنوبي لأفريقيا.

وقد استشهد فجنر على صحة نظريته بشواهد متعددة، يمكن حصرها في خمس مجموعات:

(أ) تشابه السواحل المتقابلة، وخاصة في جنوب المحيط الأطلسي.

(ب) تشابه الحفريات[4] في القارات المتباعدة، وخاصة تلك الموجودة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية.

(ج) تشابه التركيب الصخري، واستمرارية بعض الظواهر الطبوغرافية، على السواحل المتقابلة.

(د) آثار الغطاءات الجليدية، في بعض المناطق المدارية، في أفريقيا والهند وأستراليا وأمريكا الجنوبية.

(هـ) وجود مناجم الفحم، في الولايات المتحدة وأوروبا وسيبيريا، في عروض، تفتقد الظروف المناخية، حالياً، لنمو النباتات المدارية، اللازمة لتكون هذه المناجم.

على الرغم من أن فجنر، كتب نظريته، في وقت مبكر؛ إلا أنها لم تحظ باهتمام يذكر، حتى ترجم كتابه إلى الإنجليزية، عام 1924، فأصبحت نظريته موضوع نقاش حاد، استمر حتى موته، عام 1930.

حاول فجنر، في بداية طرحه لنظريته، تطبيق سواحل غرب أفريقيا على سواحل أمريكا الجنوبية، فواجهه كثير من المصاعب. وتحت ضغط الانتقادات الشديدة الموجهة لنظريته؛ ولأن السواحل قد تعرضت لكثير من عمليات التعرية والإرساب، الناجمة عن الأمواج، والأنهار، والتيارات البحرية، على الجانبَين؛ فقد فشل فجنر في محاولته. ولم ينجح في إيجاد درجة مرضية من التطابق، بين خطي الساحل المتقابلين. وكاد يسلم بعدم صحة نظريته. وما ينبغي ذكره، في هذا الخصوص، أن بولارد Bulard، ومعه آخرون من مؤيدي نظرية التزحزح، تمكنوا، عام 1960، من إيجاد تطابق جيد، بين حافتي القارتين المتقابلتين؛ ولكن ليس على خط الساحل، بل بين خطي عمق 900م، تحت سطح الماء، على الساحلين المتقابلين (انظر شكل درجة التطابق).

بعد أن فشل فجنر في محاولته تطبيق سواحل القارات، وكاد يسلم بعدم صحة نظريته، اطلع على بحث، يشير إلى وجود تشابه كبير، بين الحفريات الموجودة في أمريكا الجنوبية، وتلك الموجودة في أفريقيا. وبعد بحث وتدقيق، تبين له أن علماء الحفريات[5]، والمهتمين بالأحياء القديمة، يرون أنه لا شك في وجود نوع من الاتصال الأرضي بين القارتين؛ لتفسير تماثل الحفريات فيهما، وفي أستراليا وأنتاركتيكا. وكانت نظرية المعابر[6] Pssage Way Theory، هي السائدة في تفسير هذا التماثل. وقد نشط فجنر، بعد ذلك، في بناء نظريته وتدعيمها بالأدلة. فاستخدم دليل الحفريات، واستبعد فكرة وجود المعابر، مستشهداً بتماثل التركيب الصخري، في السواحل المتقابلة، على جانبي الأطلسي، في السواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، والسواحل الغربية لأفريقيا وأوروبا؛ وفي شبه القارة الهندية، وسواحل أستراليا وأنتاركتيكا. هذا التشابه حاصل، مثلاً، في جبال الأبلاش[7]، التي تشبه في تركيبها جبال جرينلاند Green Land، وبعض جبال أوروبا. هذه الجبال، عند وصل بعضها ببعض، تشكل سلسلة جبلية واحدة، لها التركيب والخصائص أنفسهما. والتشابه في التركيب الصخري، والتطور الجيولوجي للسلاسل الجبلية، لا يمكن نظرية المعابر تفسيره، وخاصة أنه لا يوجد لهذه المعابر المزعومة أثر، تحت مياه المحيط. وقد استشهد فجنر، كذلك، بشواهد من آثار التغيرات المناخية القديمة، التي شملت آثار غطاءات جليدية قديمة، يرجع عمرها إلى نهاية العصر الباليوزوي (انظر جدول العصور الجيولوجية) قبل 300 ـ 250 مليون سنة، في نصف الأرض الجنوبي؛ شملت كلاً من أفريقيا، وأمريكا الجنوبية؛ إضافة إلى الهند، وصحاري أستراليا (انظر شكل آثار امتداد غطاء جليدي). هذه الآثار، تدل على أن الجليد، غطى مناطق واسعة، في نصف الكرة الجنوبي، معظمها تقع، حالياً، في المناطق، المدارية وتحت المدارية؛ ولا تبعد عن خط الاستواء أكثر من 30ْ. فهل مرت بالأرض فترة متجمدة شديدة، امتدت الغطاءات الجليدية، خلالها، إلى هذه المناطق القريبة من خط الاستواء؟ استبعد فجنر هذه الاحتمالية، على أساس أن غطاءات واسعة من النباتات المدارية، كانت تغطي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، في الوقت نفسه، الذي كان الجليد فيه، يغطي النصف الجنوبي. وقد كونت بقايا تلك النباتات مناجم الفحم، الموجودة، حالياً، في أمريكا الشمالية وأوروبا وسيبيريا.

وقد اقترح فجنر تحليلاً، يجمع بين هذه الشواهد ويوضحها؛ فحواه أن قارات النصف الجنوبي، كانت يابساً واحداً، متصلاً، حول القطب الجنوبي؛ وتتصل بها، من الشمال، قارات النصف الشمالي. وهذا يوضح الامتداد الواسع للغطاءات الجليدية إلى قارات النصف الجنوبي؛ وذلك يجعل قارات النصف الشمالي، تقع في المناطق المدارية، كذلك؛ ما يوفر الظروف الملائمة لنمو النباتات المدارية، التي كونت مناجم الفحم، في تلك المناطق (انظر شكل تجمع اليابس).

لم يكن كثير من الجيولوجيين، المعاصرين لفجنر، ليترددوا كثيراً في قبول فكرة، أن قارات العالم، كانت مجتمعة في قارة كبرى، مشكلة يابساً واحداً، متصلاً، من القطب الجنوبي شمالاً. إذ وجود قارة بانجايا، كان مدعماً بالكثير من الأدلة، المقنعة لعدد كبير منهم، في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته.

على الرغم من السخرية الشديدة، التي لقيتها النظرية من كثير من معاصريه، وعلى الرغم من أن المقالات، التي تردّ على نظريته، كانت تأتي من كل حدب وصوب؛ فقد أصدر فجنر، عام 1929، الطبعة الرابعة، والأخيرة، من كتابه "أصل القارات والمحيطات"، متمسكاً بنظريته، بل مضيفاً شواهد جديدة عليها.

يكمن الإشكال الكبير، بالنسبة إلى النظرية، كان في التزحزح بحد ذاته. وهو إشكال، يقوم على التساؤل عن الأسس الفيزيائية لهذه العملية، ويتمثل في:

(أ) ما الذي كسَّر قارة بانجايا.

(ب) وما هي القوة، التي دفعت أجزاءها إلى أماكنها الحالية؟

كان هذان التساؤلان عن آلية التزحزح، الزحزحة من أقوى الاعتراضات، التي وجهت إلى النظرية. وقد بنى عليهما تساؤل آخر، هو: لماذا لا تتزحزح القارات، اليوم، بالصورة نفسها، التي يذكرها فجنر؟ أو لماذا توقف التزحزح؟

(ج) لا يوجد أثر، في قيعان المحيطات، لمرور كتل القارات فوقها، في طريق تزحزحها إلى أماكنها الحالية. ولا يوجد أدلة على ضعف القشرة المحيطية، إلى درجة، تسمح بمرور القارات فوقها، من دون أن تترك أثراً.

فافتراض فجنر، أن الكتل القارية، الأقل كثافة، قد تزحزحت فوق صخور القشرة المحيطية، الأعلى كثافة، ليس له شواهد تسانده. وهو، فيزيائياً، غير ممكن؛ إذ إن الكتل الصخرية الصلبة للقشرة الأرضية، لا يمكن أن تتحرك فوق بعضها، من دون أن تتكسر، ومن دون أن تترك أثراً، كما تتحرك السفن فوق الماء.

كان فجنر قد اقترح، أن جاذبية القمر، وحركة المد، ربما كانتا قويتين، بما يكفي لتكسير قارة بانجايا ودفع أجزائها إلى التحرك. ولكن عالم الفيزياء البريطاني، هارولد جيفري Harold Jeffreys، أثبت أنه لو ارتفعت قوة الاحتكاك الناتج من المد، إلى درجة تكفي لدفع القارات؛ فإنها ستكون كافية، كذلك، لإيقاف دوران الأرض حول نفسها، في بضع سنين.

على الرغم من أن نظرية تزحزح القارات، لم تحظ بالقبول العام من العلماء، حينئذٍ؛ إلا أن شواهدها القوية، وأسسها العلمية، رفدت الفكر العلمي بما يمكن إيجازه في نقطتين:

(أ) قدمت النظرية تفسيرات علمية مقبولة، لكثير من الظواهر المشاهدة على سطح الأرض، سواء في مجال الجيولوجيا، أو الأحياء والنبات، أو المناخ القديم، والحفريات. ومن أمثلة ذلك، قدمت النظرية تفسيرات لتطابق السواحل المتقابلة، على جانبي المحيط الأطلسي؛ وأخرى لتشابه صخور السواحل المتقابلة، على تخوم المحيطات. وفسرت تطابق اتجاهات السلاسل الجبلية، في شرق الولايات المتحدة، وجزيرة جرينلاند، وإسكتلندا، وشبه الجزيرة الإسكندنافية. وفسرت، كذلك، تشابه حفريات نبات الجلوسوترس Glossopteris، في كل من أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأنتاركتيكا وأستراليا؛ وتماثل أنواع الصخور، في كل من سواحل البرازيل وساحل غانا. كما فسرت حدوث سلاسل الجبال الالتوائية، وأماكن امتدادها، في غرب الأمريكتَين، وجنوب أوروبا، وفي آسيا وأستراليا.

(ب) أثارت جدلاً علمياً عميقاً، وواسعاً، بين مؤيديها ومعارضيها. وقد أثرى ذلك الجدل الحركة العلمية، وقتها؛ وأدى إلى رفع مستوى الفهم العلمي، لعمليات تكوّن الأحواض المحيطية، وتوزع اليابس والماء. وكان ذلك النقاش بداية منحىً جديدٍ في التفكير العلمي في هذا المجال؛ قاد، في النهاية، إلى ظهور أفكار جديدة، شكلت أساس نظرية تكتونية الصفائح؛ وهي النظرية الشائعة القبول بين العلماء، اليوم، في تفسير الظواهر التضاريسية الكبرى لسطح الأرض، وتكوّن الأحواض المحيطية.

(5) نظرية التيارات الصاعدة

لم تكن الشواهد الجيولوجية الكثيرة، كافية لإقناع جمهور العلماء، بأن حدوث التزحزح، كما  أوردته في نظرية تزحزح القارات، هو أمر ممكن. فكان لا بد من البحث عن حلول وتفسيرات للاعتراضات، التي واجهتها النظرية.

في عام 1928، اقترح هولمز، أن التيارات الحرارية الصاعدة Thermal Convections، في طبقة الوشاح، تحت القشرة الأرضية، يمكن أن تؤدي تحريك هذه القشرة. ورأى أن قوة الاحتكاك، بين تيارات الصهير في الوشاح، وقشرة الأرض، قد باعدت بين جزءي قارة بانجايا؛ إذ إن التيارات الصاعدة في طبقة الوشاح، عند خط الاستواء، عندما تصدم القشرة، من الأسفل، تنقسم إلى قسمين: أحدهما، يتجه شمالاً؛ والآخر، يتجه جنوباً. وقد أسفرت قوة احتكاك هذه التيارات، عن انكسار قارة بانجايا إلى قسمين، شمالي وجنوبي. وبداية تباعد أحدهما عن الآخر، قبل نحو 135 مليون سنة (انظر شكل تكسر قارة بنجايا)، في الزمن الثاني Mesosoic (انظر جدول العصور الجيولوجية). وتكون بينهما بحر، أطلق عليه بحر تيثس Tethys؛ كان يمتد في العروض، الاستوائية والمدارية. وقد أطلق على القارة الجنوبية اسم جندوانالاند Gondwanaland، وعلى القارة الشمالية اسم لوراسيا Laurasia. وتكونت، في تلك الفترة، العاب المرجانية، في قاع بحر تيثس، التي توجد شواهدها، اليوم، في سلاسل الألب الأوروبية. كما ازدهرت فلورا النباتات المدارية، في جنوب لوراسيا ووسطها؛ وغطت فلورا النباتات القطبية جنوب جندوانالاند ووسطها.

يقول هولمز، إذاً، إن سطح الكرة الأرضية، كانت تشغله قارتان عظيمتان ، هما: لوراسيا وجندوانا، اللتان يفصل بينهما بحر تيثس، ويحيط بهما محيط واسع، في نهاية الزمن الجيولوجي الثاني، في العصر الكريتاسي، قبل قرابة 135 مليون سنة (انظر جدول العصور الجيولوجية). ويرى هولمز، أن التيارات الصاعدة، تسببت، كذلك، بتكسر هاتين القارتين. فتكسرت جندوانا إلى عدة أجزاء، هي التي تشكل، اليوم، قارات: أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا، وأنتاركتيكا، وشبه القارة الهندية. وأدى تكون جنوب الأطلسي، قبل نحو 120 مليون سنة، إلى انفصال أفريقيا عن أمريكا الجنوبية (انظر شكل تكسر قارة بنجايا).

وقد دفعت التيارات الصاعدة (انظر شكل تيارات الحمم الصاعدة) أفريقيا، نحو الشمال، لتقترب من قارة أوروبا، دافعة الرواسب المتراكمة في قاع بحر تيثس أمامها، لتلتوي مكونة سلاسل الجبال الالتوائية، في جنوب أوروبا (جبال الألب)، وفي غرب آسيا (جبال زاجروس وطوروس).

وقبل نحو 65 مليون سنة، كان توزع اليابس والماء قريباً من توزُّعها الحالي؛ وإن لم تكن الهند قد التحمت بآسيا بعد. وقد أدى التحامها بها، وضغطها عليها، التواء جبال الهملايا. وبابتعادها عن أنتاركتيكا، تكوّن المحيط الهندي.

حسب رأي هولمز، كان تحرك قارة أستراليا، ناتجاً من شدة التيارات الصاعدة تحتها. وقد أسفر عن تكوّن السلاسل الجبلية، في شرقها.

أما البحر المتجمد الشمالي، والجزء الشمالي من المحيط الأطلسي، فقد تكوّنا نتيجة تكسر لوراسيا وتباعد أجزائها. وقد تسبب تحرك أمريكا الشمالية نحو الغرب، بتكون سلاسل جبال الروكي الالتوائية، في غرب القارة؛ إضافة إلى حوضي المحيط الأطلسي الشمالي، والبحر المتجمد الشمالي.

يتضح، إذاً، أن هذه النظرية، تدعم الفكرة الأساسية في نظرية تزحزح القارات. وتؤيد فكرة وجود يابس قديم واحد، انقسم إلى القارات الحالية. وأن القارات تزحزحت، عبر الزمن، إلى أمكانها الحالية. ولكن النظرية، تضيف بعداً جديداً، في شرح القوة الدافعة إلى التزحزح، المحرك للقارات.

لقد وضع هولمز أسس الفكر الحديث، لنظرية الصفائح التكتونية، بإشارته إلى فكرة التباعد Divergence، وفكرة الهبوط أو الاندساس Subduction. وفي الوقت الذي كتب فيه آراءه، لم تكن تلك الآراء سوى أفكار وتوقعات، لسد الخلل في نظرية التزحزح. وكانت تفتقر إلى شواهد مؤيدة، تمنحها قيمة علمية، وتحظى باهتمام العلماء.

(6) تكوّن الأحواض المحيطية، في ضوء نظرية تكتونية الصفائح

بدأت الأفكار تتضح، والأدلة تتجمع، لتؤيد فكرة وجود صفائح تكتونية Tectonic Plates ، منذ الأربعينيات من القرن العشرين، حين بدأت عمليات رسم خرائط لقاع المحيط الأطلسي. هذه العمليات أدت اكتشاف أخدود طولي، في منتصف المحيط. وقد قال العالم هاري هيس Harry Hess، من جامعة برنستون Princeton University، عام 1962، إن قاع المحيط، يفترق، ويتحرك في اتجاهين متعاكسين، على طول الأخدود الموجود في منتصف المحيط. وإن صخوراً جديدة، تنبثق من باطن الأرض، على طول خط الافتراق Divergence Line. وإن القشرة المحيطية، في الأخاديد المحيطية، تغوص تحت القشرة القارية، عند التقائهما، لتنصهر داخل الوشاح (انظر شكل حركة الصفائح التكتونية). ومثلما ظن هولمز، يقول هيس بأن هناك نظاماً حرارياً في الوشاح، تدور فيه تيارات الحمل الحراري، لتفترق تحت القشرة المحيطية، دافعة إياها في اتجاهين.

وجدت فكرة تباعد سطح قاع المحيط Sea-Floor Spreading، تأييداً، بظهور شواهد جديدة، توضحها. فسرعان ما أشار بعض الأبحاث الجيولوجية، خلال الستينيات من القرن الماضي، إلى تغير الحقل المغناطيسي للأرض، عدة مرات، خلال عمرها الجيولوجي. وأوضحت أبحاث أخرى، أن هناك نمطية منتظمة، في التوجيه المغناطيسي، في المعادن الصخرية، في قاع شرق المحيط الهادي؛ وأنها تأخذ شكل أحزمة متوازية، على الجانبَين (انظر شكل تغير التوجيه المغناطيسي لصخور القشرة الأرضية). تلك الشواهد، وشواهد أخرى كثيرة، تجمعت، بنهاية عام 1968، لتكوّن نظرية تكتونية الصفائح، التي توضح كثيراً من حقائق تكوّن الأحواض المحيطية.

تقول نظرية تكتونية الصفائح، إن طبقة الليثوسفير Lithosphere، الخارجية، الصلبة، تتكون من قرابة 20 صفيحة؛ منها ست صفائح كبيرة. وأكبر هذه الصفائح صفيحة الهادي Pacific Plate، التي يقع معظمها في المحيط الهادي. وبعض الصفائح، تمتد تحت قشرتَين، محيطية وقارية، في الوقت نفسه.

وتمتد طبقة الليثوسفير فوق طبقة، هي أسمك منها؛ ولكنها ألين، وأشد حرارة، يطلق عليها أسثنوسفير Asthenosphere. ويبدو أن الأولى، يقل سمكها في المحيطات، ليراوح بين 80 كيلومتراً و100 كيلومتر فقط؛ بينما يزداد في القارات، إذ يتجاوز 100 كيلومتر، وقد يصل إلى 400 كيلومتر. وتقول النظرية، إن كل صفيحة تتحرك، كوحدة واحدة، فوق طبقة الأسثنوسفير. لذا، فأحواض المحيطات، تكوّنت نتيجة لعدة عوامل، هي:

(أ) اختلاف الكثافة، بين الكتل القارية، التي لا تتجاوز كثافتها 2.7 جرام، في السنتيمتر المكعب، والقشرة المحيطية، التي تبلغ كثافتها 3.25 جرامات، في السنتيمتر المكعب ـ يؤدي اختلاف المنسوب بينهما. إذ تغوص القشرة المحيطية، نتيجة لفارق الوزن، غوصاً أعمق في الطبقة التي تحتها؛ بينما تطفو الكتل القارية أعلى من القشرة المحيطية، لقلة كثافتها النسبية.

(ب) تشكل حدود الصفائح المتباعدة، مناطق انبثاق لصخور جديدة، ومناطق اتساع للأحواض المحيطية.

(ج) تشكل مناطق التقاء الصفائح، مراكز نشاط تكتوني؛ وتكثر فيها البراكين والزلازل والالتواءات والأخاديد.

(د) وعندما تحتك جوانب الصفائح، عند مرور إحداهما بجانب الأخرى، يقتصر الأمر على حدوث صدوع وانكسارات جانبية.

وتتحرك هذه الصفائح، تحت تأثير قوة دفع التيارات الحرارية الصاعدة، تحتها.

ويمكن، باستخدام هذه النظرية، شرح كثير من ظواهر سطح الأرض؛ ومنها الأحواض المحيطية.

الأحواض المحيطية، تكونت، إذاً، نتيجة لحركة الصفائح وتباعد بعضها عن بعض؛ فتكون، في مناطق التباعد، قشرة محيطية جديدة. وقد أدت حركة الصفائح تزحزح الكتل القارية وتباعد بعضها عن بعض. كما أدى اختلاف الكثافة، بين صخور القشرة القارية والقشرة المحيطية، اختلاف المنسوب بينهما؛ فكانت قيعان المحيطات منخفضة، تحيط بها جوانب الكتل القارية، فتجمع الماء في هذه الأحواض المتصلة، مكوناً المحيطات.




[1]     تتراهيدرال: Tetrahedral من كلمة تتراهيدرون Tetrahedron اللاتينية، وتعني الهرم الثلاثي.

[2]     المنحدر القاري Continetal Slape: الجزء المغمور بالماء، شديد الانحدار، على أطراف الكتل القارية ويؤدي إلى القاع العميق للمحيط.

[3] كان رائد الفضاء الأمريكي، نيل أرمسترونج Neil Armstrong، يرافقه رائد الفضاء، أدوين آلدرين Edwin Aldrin، هو أول إنسان يسير على سطح القمر، وكان ذلك ضمن برنامج أبولو، في شهر يوليه من عام 1969.

[4]   الحفريات Fossils: هي بقايا أو آثار الأحياء المحفوظة في الطبقات الجيولوجية.

[5]  أصبح استخدام الحفريات أداة مهمة لدراسة تاريخ الأرض في وقت مبكر من القرن التاسع عشر.

[6]  تقول نظرية المعابر بوجود عدد من الممرات اليابسة التي تصل بين القارات، مثلاً، كان هناك عدد من المعابر بعرض المحيط الأطلسي تصل بين القارات المتاخمة له.

[7]  جبال الأبلاش Appalachian Mountains: سلاسل جبلية إلتوائية قديمة، في شرق أمريكا الشمالية.