إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الثاني: الجغرافيا البشرية

أ. الفرع الأول: جغرافية النقل

تُعد طرق النقل المختلفة (البرية والبحرية والجوية) شرايين النشاط الاقتصادي في العالم، وما كانت دول العالم دونها أن تتمكّن من تبادل منفعة السلع المختلفة. لذا تُعد جغرافية النقل فرعاً من الجغرافيا الاقتصادية.

والنقل عملية متممة للإنتاج، حيث لا تتكامل عملية إنتاج السلع والمنتجات المختلفة إلاّ بنقلها إلى أسواق التصريف بواسطة وسائل النقل، فالبترول ومشتقاته، المخصصة للتصدير إلى الأسواق العالمية، من الموانئ العربية، يعد سلعة في مرحلة الإنتاج لحين نقلها بالفعل إلى أسواق التصريف الدولية. ومن ثم يُعد النقل عملية أساسية لا غنى عنها، لتوفير السلع والمنتجات عن طريق التبادل والتجارة.

وإذا كانت البيئة قد أسهمت في توزيع الموارد الطبيعية في الأقاليم المختلفة، فإن مدى إمكانية شق طرق النقل، وتكلفتها، وكفاءتها، يحدد مستوى استغلال هذه الموارد في اقتصاديات عملية الإنتاج. فهناك أقاليم في العالم تستغل مواردها الطبيعية منذ زمن بعيد وبمستوى اقتصادي مجزٍ لجودة موقعها الجغرافي، وبالتالي سهولة مد شبكات الطرق بها مما أنعشها سكانياً واقتصادياً، كما هو الحال في حقول البترول في آسيا العربية، وفي أقاليم التعدين الرئيسية في أوروبا، والأقاليم الرعوية في أمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا، وأقاليم خام النحاس في شيلي، وخام الحديد في أسوان (مصر). وعلى العكس من ذلك هناك أقاليم تأخر استغلال مواردها لفترة طويلة حتى شُقَّت شبكة من الطرق بها، وأبرز الأمثلة على ذلك سهول سيبريا في شمال آسيا، والتي استغلت مواردها بعد شق سكة حديد سيبريا[1].

ولا يتوقف دور النقل على عملية التبادل السلعي ونقل المنتجات فحسب، وإنما يمتد دوره إلى توزيع السكان على سطح الأرض على المستويين الإقليمي والعالمي طوال مراحل التاريخ، فقد كان لتوافر عامل النقل، وخاصة النقل البري والنقل البحري، دور لا يمكن إغفاله في ظهور الحضارات القديمة، وخاصة في مصر، والصين، وشبه القارة الهندية، وأراضي الرافدين، والساحل الفينيقي (ساحل الشام)، وسواحل الأناضول، وساعدت وسائل النقل على اتصال تلك الحضارات ببعضها، وخاصة تلك، التي عرفت كيفية اختراق الصحاري مثل الحضارات الآسيوية، وتلك التي عرفت الملاحة البحرية مثل الحضارات الفرعونية، والفينيقية، والإغريقية، مما أسهم بدوره في تطور الفكر البشري، وازدهار العلوم، وتبادل الثقافات.

وكان لتطور وسائل النقل، وخاصة النقل البحري، خلال القرن الخامس عشر، دور مباشر في نشاط حركة الكشوف الجغرافية، التي أدت إلى اكتشاف أراضي جديدة سواء في الأمريكتين أو استراليا. وما تبع ذلك من إعادة توزيع سكان العالم، حيث اندفعت موجات متتالية من سكان العالم القديم وخاصة من أوروبا إلى الأراضي الجديدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بدأت حركة الاستعمار الأوروبي كالبرتغال، وأسبانيا، في المراحل الأولى من الكشوف الجغرافية، ثم هولندا، وفرنسا، وبريطانيا، وباقي الدول الأوروبية الاستعمارية بعد ذلك.

ويُعد الاهتمام بشبكات الطرق من الأهداف الإستراتيجية للعديد من دول العالم وخاصة الدول كبيرة المساحة، وذلك للمحافظة على وحدة أراضيها وسلامتها[2]، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والبرازيل، والمملكة العربية السعودية.

 



[1]    بُدي العمل في إنشاء سكة حديد سيبيريا على عدة مراحل، بدأت عام 1892 وانتهت عام 1916.

[2]    يرجع انفصال بنجلاديش (باكستان الشرقية) عن باكستان الغربية في نهاية عام 1971، إلى عدة عوامل، أهمها عدم توافر وسائل النقل السهلة السريعة بين إقليمي الدولة قبل العام المذكور، ولنفس العامل وافقت أستراليا على انفصال الجزء الشرقي من جزر غينيا الجديدة، وتكونت دولة عام 1975 تُعرف بدولة بابوان.