إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الثالث: الجغرافيا الإقليمية Regional Geography
ب. العوامل البشرية

تمثل العوامل البشرية أساساً وضابطاً مهماً في الجغرافية الإقليمية. فالإنسان هو الذي يعطي لعناصر البيئة الطبيعية قيمتها، ويكسبها أهمية، ويعطي لوجودها معنى، فهو المنتج والمستهلك. لذلك، يسعى في كل أقاليم العالم إلى استغلال موارد البيئة الطبيعية، لتوفير احتياجاته، مستغلاً في ذلك قدراته وإمكانياته المتعددة، لذلك، نشأت ضرورة دراسة العوامل البشرية، كي تظهر شخصية الإقليم، وقيمته السكانية والاقتصادية.

(1) السكان Population

يعد استغلال موارد البيئة الطبيعية نتاجاً لتفاعل إمكانيات البيئة، وصلاحيتها للاستغلال، مع نشاط الإنسان، ومقدرته على العمل والإنتاج، وأن تشابه الخصائص الطبيعية في عدة أقاليم لا يؤدي، بالضرورة، إلى تشابه النمط البشري فيها، حيث يرتبط الأخير بطبيعة الإنسان، وقدرته، واستعداده للعمل، ومستواه الحضاري والمعيشي، الذي يحدد بلورة احتياجاته وحجمها. وأبرز الأمثلة على هذه الحقيقة تباين الحياة البشرية لسكان السهول الوسطى في أمريكا الشمالية عن مثيلتها لسكان سهول وسط آسيا.

وتنقسم الدراسات السكانية، في مجال الجغرافية الإقليمية، إلى ما يلي:

(أ) توزيع السكان

تعتبر خريطة توزيع السكان واحدة من ثلاث خرائط، تعد من أهم الخرائط على الإطلاق في الدراسات الجغرافية، إلى جانب خريطة التضاريس، وخريطة المطر السنوي. وتعتبر خريطة توزيع السكان سواء في العالم أو إقليم من الأقاليم انعكاساً لجميع عناصر الجغرافية الطبيعية والبشرية، مجتمعة ومتفاعلة. بمعنى، أنها الصورة النهائية للتفاعل بين عناصر البيئة الطبيعية والعناصر البشرية.

ويتوزع سكان العالم على سطح الأرض توزيعاً غير عادل، وليس أدل على ذلك من أن حوالي نصف سكان العالم يعيشون فوق 5% فقط من مساحة اليابس، في حين، ينتشر 5 % من السكان على 57 % من مساحة سطح الأرض. وتخلو المساحة المتبقية من السكان، لأنها من اليابس غير المعمور، والتي تتمثل في القارة المتجمدة الجنوبية Antarctica، والمناطق الجافة في الصحاري الحارة.

(ب) كثافة السكان

لا يعطي التوزيع العددي للسكان واقع العلاقة بين السكان والأرض، أو بين السكان والموارد الاقتصادية. وتعد كثافة السكان أبسط الوسائل لقياس هذه العلاقة، وتعني الكثافة السكانية نسبة السكان إلى مساحة الأرض Man-Land Ratio. ويبلغ معدل كثافة السكان في العالم حوالي 43 نسمة في الكيلومتر المربع. غير أن هذه الكثافة، التي تعرف بالكثافة الحسابية Arithmetical Density،  لا تعطي صورة صادقة عن العلاقة بين السكان والموارد، وذلك أن مساحة الأرض، التي تحسب على أساسها هذه الكثافة، تشمل الأرض المعمورة، وغير المعمورة، وليس أدل على ذلك من أن الكثافة الحسابية في مصر تبلغ 60 نسمة في الكيلومتر المربع. ولكن بعد استبعاد الأرض غير المعمورة، والممثلة في الأراضي الصحراوية، تكون الكثافة 6000 نسمة في الكيلومتر، وتعرف الكثافة الأخيرة بالكثافة الفزيولوجية Physiological Density، وهي نسبة السكان إلى مساحة الأرض المستثمرة اقتصادياً، وهي تعطي صورة أصدق من سابقتها.

بما أن الكثافة، بنوعيها السابقين، لم تدخل في اعتبارها المقدرة الإنتاجية للأرض، فإنها لا تعطي صورة دقيقة للعلاقة بين السكان والموارد الاقتصادية، لذلك، قد يصلح في هذا الشأن دراسة متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، فإذا كان هذا المتوسط آخذاً في الزيادة، دل ذلك على أن الدولة في حالة افتقار[1] سكاني  Underpopulated، وعندما يصل عدد السكان إلى القدر، الذي تحتاجه، وتتسع له الدولة، يستقر متوسط نصيب الفرد، وتعرف هذه الحالة بأنسب السكان Optimum Population، أمّا الجهات، التي تجاوزت حالة أنسب السكان، فتعاني من تضخم سكاني Overpopulation، وينتج عن ذلك هبوط في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي.

(2) النشاط الاقتصادي

يهتم هذا العنصر بدراسة الأنشطة الاقتصادية، التي يمارسها السكان في الإقليم، كما تعنى بدراسة موارد الإقليم الاقتصادية، ما بين إنتاج واستهلاك، وما يترتب على ذلك من تبادل تجاري.

وتنقسم الأنشطة الاقتصادية للإقليم إلى الحرف الرئيسية التالية:

(أ) الزراعة

الزراعة من أقدم الحرف، التي عرفها الإنسان، وخاصة في وادي النيل ودلتاه، وفي سهول دجلة والفرات، حيث قامت أقدم الحضارات الإنسانية في التاريخ، والتي اعتمدت على الزراعة، لتوافر مقوماتها، وخاصة التربة الخصبة، والمياه الوفيرة، والمناخ الملائم.

وتقوم دراسة هذه الحرفة على توزيع الأراضي الزراعية في الإقليم، والعوامل الطبيعية (سطح، مناخ، تربة)، والعوامل البشرية ( القوى العاملة الزراعية، السوق، النقل، رأس المال، التقدم التقني، السياسيات الحكومية) المؤثرة فيها، ونوع المحاصيل المزروعة.

- العوامل الطبيعية المؤثرة في الزراعة

* السطح

ويؤثر، بشكل مباشر وغير مباشر، في الإنتاج الزراعي، ويتمثل المباشر في تحديد انحدار السطح لسمك التربة وحالة الصرف، فالانحدار الشديد يؤدي إلى انجراف التربة بسهولة، وخاصة في حالة وجود مياه جارية، بينما يساعد استواء السطح على تكوين التربة بسمك كبير، مما يُسهم في نجاح الزراعة. إلاّ أن الاستواء التام يصعب من عملية صرف المياه الزائدة عن حاجة المحاصيل، لذا، فالاستواء التام للسطح يحول دون نجاح الزراعة إلا لبعض المحاصيل، مثل: محصول الأرز، الذي يحتاج إلى سطح مستو، يحول دون صرف المياه طوال فترة النمو، ويعد السطح ذو الانحدار الخفيف أكثر ملاءمة لقيام الزراعة ونجاحها، وخاصة لمحصول مثل القطن، إذ لابد من زراعته في حقول، تتسم بانحدار سطحها بدرجة كافية، تسمح بسرعة صرف المياه الزائدة عن حاجته. أما التأثير غير المباشر، فيتمثل في النطاقات السهلية، التي تتركز بها الزراعة أكثر منها في النطاقات الجبلية.

* المناخ

يعد من أهم العوامل الطبيعية، التي تؤثر في الإنتاج الزراعي، وخاصة الحرارة، التي تؤدي دوراً مؤثراً في النشاط الحيوي للتربة، إضافة إلى أن لكل نبات حدّاً أدنى من درجة الحرارة، لا يمكن النمو إذا ما انخفضت عنه، لتجمد المياه في ساق النبات، كما أن للنبات حدّاً أقصى، لا يمكن أن يعيش إذا ما ارتفعت عنه، لذبول الأوراق وتساقطها، فيتمثل الحد الأدنى للحرارة لمحصول القطن مثلاً في 12 ْ مئوية، والحد الأقصى في 38 ْ مئوية، ودرجة الحرارة المثلى في 24 ْ مئوية. كما أن للمطر أهمية خاصة في المناطق، التي لا يجري بأراضيها مجاري نهرية، كما هو الحال بالنسبة للزراعة العربية، التي تعتمد في أغلب مساحتها على المطر.

* التربة

ويقصد بها الطبقة السطحية، التي تكونت، نتيجة تحلل الصخور والموارد العضوية، وتؤدي التربة دوراً مهماً في اختيار نوع المحاصيل، التي يمكن زراعتها، فالتربات الطينية الثقيلة القوام، مثلاً، تجود فيها زراعة بعض المحاصيل، مثل الذرة، وقصب السكر، وتجود زراعة القطن في التربة الطينية المتوسطة القوام.

- العوامل البشرية المؤثرة في الزراعة

* القوى العاملة

وهي تؤدي دوراً مؤثراً في الإنتاج الزراعي، خاصة في الدول، التي يقل اعتمادها على الآلات الزراعية. وتتباين المحاصيل الزراعية، من حيث حاجتها إلى الأيدي العاملة، فهناك محاصيل تحتاج إلى أعداد كبيرة ورخيصة، مثل القطن، والأرز، وقصب السكر، لذا، ارتبط التوزيع الجغرافي لمناطق زراعتها بالنطاقات الكثيفة السكان، حيث تتوافر الأيدي العاملة الرخيصة، في حين لا تحتاج الفاكهة والتبغ، مثلاً، إلى تلك الأعداد الكبيرة.

* السوق

يعتمد إنتاج معظم المحاصيل الزراعية على مدى توافر الأسواق، واتساعها، ومدى ارتفاع القدرة الشرائية، ويساعد اتساع الأسواق على إمكانية التوسع في الإنتاج الزراعي، لتغطية الاحتياجات من المحاصيل.

* النقل

من أهم العوامل، التي يتوقف عليها التوسع في الإنتاج الزراعي، إذ عن طريق توفير طرق، ووسائل النقل الكافية، يتم نقل المحاصيل من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، ومن موانئ التصدير إلى الأسواق الخارجية. ويقلل توافر طرق، ووسائل النقل السهلة والرخيصة من تكاليف الإنتاج، الذي يقلل بدوره من التكلفة النهائية للمحاصيل الزراعية، مما يؤدي إلى انخفاض أسعارها في الأسواق.

* رأس المال

تتباين حاجة الأراضي الزراعية لرؤوس الأموال، تبعاً لمدى خصوبتها، وطبيعتها، وموقعها، ونوع المحاصيل المراد زراعتها، فالأراضي الضعيفة الإنتاج تحتاج إلى شق الترع، والمصارف، وتوفير الأسمدة، وبالتالي، إلى أموال كبيرة لرفع قدرتها الإنتاجية، كما أن نفقات استصلاح واستزراع الأراضي، القريبة من خطوط النقل المختلفة، ونطاقات التجمعات السكانية، تقل كثيراً عن نظيرتها في النطاقات المتطرفة الموقع. وتحتاج الأراضي، التي تخصص لزراعة حدائق الفاكهة، إلى نفقات، تفوق تلك، التي تحتاج إليها مثيلتها، المخصصة لزراعة المحاصيل الحقلية.

* التقدم التقني

يعمل على رفع قدرة الأرض الإنتاجية، بتحسين خواصها الطبيعية، والكيميائية، واستنباط فصائل من المحاصيل ذات قدرة عالية على مقاومة الأمراض، والآفات الزراعية، واتباع دورات زراعية تتفق ومدى خصوبة التربة، واستصلاح الأراضي البور واستزراعها.

* السياسيات الحكومية

وتقوم برسم سياسة عامة، تهدف إلى استصلاح الأراضي البور واستزراعها، وتنظم عمليات الري، وإنشاء المشاريع، التي تخدم هذه العمليات، وتكوين الجمعيات التعاونية الزراعية، لتقديم الخدمات للمزارعين.

وكان لتشجيع حكومة المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، للعمل الزراعي، بهدف زيادة الإنتاج كماً وكيفاً، دور كبير في تطور الزراعة السعودية، إذ قدمت العديد من الإعانات للمزارعين، منها صرف إعانة إنتاج عن كيلو جرام منتج من محاصيل الحبوب الرئيسية، بالإضافة إلى صرف إعانة مالية، تعادل 45 % من قيمة شراء الآلات الزراعية، وصرف ما يعادل 50 %  من قيمة الأسمدة  المستوردة.

* الصناعة

يقصد بالصناعة Manufacturing، الأنشطة التي يغير بها الإنسان شكل طبيعة المواد الخام، بمختلف أنواعها المعدنية، أو الزراعية، أو الحيوانية، أو الغابية، من صورتها الخام إلى منتجات، تفي بمتطلباته المتعددة.

وتعتمد دراسة الصناعة، في إقليم ما، على معرفة عوامل قيامها، وتوطنها ( المواد الخام، مصادر القوى المحركة، الأيدي العاملة، الأسواق، النقل، رأس المال)، وتصنيفها (بدائية، بسيطة، ثقيلة).

والمواد الخام قد تكون زراعية كقصب السكر والقطن، أو حيوانية كالجلود والصوف، أو مائية كالأسماك والإسفنج، أو نباتية كالأخشاب، أو معدنية مثل معظم الموارد المعدنية.

أمّا القوى المحركة فلا تقل أهمية عن المادة الخام، ويبرز أثرها في الصناعات الثقيلة، وهي تنقسم إلى مجموعتين، الأولى متجددة، مثل الطاقة الشمسية، والطاقة المائية، والطاقة الهوائية، والثانية غير متجددة، مثل الفحم، والبترول، والغاز الطبيعي.

وتؤثر الأيدي العاملة في الصناعة من ناحيتين: الكم والكيف. ويقصد بالكم Quantity  توافر الأيدي العاملة بأعداد كافية. أما الكيف  Quality، فيقصد به الخبرة والدراية والمستوى الفني للعمال.

ولابد لقيام الصناعة من توافر أسواق استهلاكية. والأسواق، إما أن تكون داخلية، تعتمد على الاستهلاك المحلي، الذي يتوقف على حجم السكان، ومستوى معيشتهم، وقدرتهم الشرائية، وإما أسواق خارجية دولية، تعتمد على جودة الصناعات المصدرة.

ويحدد النقل مواقع العديد من الصناعات، كما يوجد المنفعة المكانية للمنتجات في الوقت المناسب، بنقلها من مناطق إنتاجها إلى الأقاليم، التي تحتاج إليها، لذا يعد الإنتاج عديم القيمة أو محدود، في قيمته إذا لم تتوافر له وسائل نقل، ومن ثم، لا تتكامل عملية إنتاج السلع إلا بنقلها إلى الأسواق.

تحتاج الصناعة إلى مساحات واسعة من الأرض، وإلى إنشاءات وتجهيزات خاصة، الإضافة إلى آلات وأدوات الإنتاج المختلفة، وكلها أمور تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، وهو عامل متاح في العديد من الدول، وعلى المستويين الحكومي والفردي على حد سواء.

ويصنف النشاط الصناعي، إما إلى صناعات بسيطة، أو خفيفة، مثل الصناعات الغذائية وصناعة الغزل والنسيج، أو صناعات ثقيلة، وتتميز بالإنتاج الكبير Mass Production،  مثل الصناعات المعدنية، كصناعة الحديد، والصلب، وصناعة الألومنيوم، والصناعات الهندسية الثقيلة، كصناعة بناء السفن، وصناعة السيارات والطائرات، والصناعات الكيميائية، مثل البتروكيماويات وصناعة الأسمدة.

 



[1]  هناك فرق بين قلة السكان والافتقار السكاني، فقد يكون السكان قلة في منطقة صحراوية، لكنها لا تتسع لأكثر منهم، وفي هذه الحالة لا تكون المنطقة مفتقرة للسكان. أما الجهات المفتقرة للسكان، فهي تلك الجهات، التي لا تستغل مواردها على الوجه الأكمل، ومنها على سبيل المثال استراليا وكندا.