إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

كلمة الرئيس الأمريكي، جورج بوش

في مؤتمر مدريد للسلام

في 30 أكتوبر 1991

رئيس الوزراء جونزاليس.

الرئيس جورباتشوف.

أصحاب السعادة.

    أودّ أن أبدأ بتوجيه الشكر إلى الحكومة الأسبانية، لاستضافتها هذا التجمع التاريخي. فخلال فترة قصيرة، سارع الشعب الأسباني، وزعماؤه، إلى توفير هذا المكان الرائع. فنأمل في أن يمثل مؤتمر مدريد هذا، بداية فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط.

   وأودّ، أيضاً، أن أعرب، في البداية، عن سعادتي لوجود الرئيس جورباتشوف، الذي يشارك في رعاية المؤتمر. ففي الوقت الذي تقوم تحديات خطيرة، داخل بلاده، أعرب الرئيس جورباتشوف، ومساعدوه الكبار، عن عزمهم على إشراك الاتحاد السوفيتي، كقوة تسعى إلى إحداث تغيير إيجابي في الشرق الأوسط. وأرسل ذلك إشارة قوية إلى جميع من يتوقون إلى السلام.

   لقد جئنا إلى مدريد في مهمة أمل، هي بدء العمل على التوصل إلى تسوية عادلة، ودائمة، وشاملة، للصراع في الشرق الأوسط. لقد جئنا هنا، سعياً إلى إحلال السلام في منطقة من العالم، ظلّت طويلاً، في ذاكرة البشرية، عنواناً لكثير من الكراهية والمعاناة والحرب. وأعتقد أنه لا مسعى أكثر استحقاقاً، أو أكثر ضرورة. يجب أن يكون هدفنا واضحاً ومحدداً. فهو ليس إنهاء حال الحرب في الشرق الأوسط فحسب، وإبدالها بحال عدم اعتداء. إن هذا، ليس كافياً، ولن يدوم. ولكننا نسعى إلى السلام، السلام الحقيقي. وأعني بالسلام الحقيقي المعاهدات، الأمن، العلاقات الدبلوماسية، العلاقات الاقتصادية، التجارة، الاستثمار، التبادل الثقافي، وحتى السياحة.

   ما نسعى إليه، هو شرق أوسط، لا تكرس موارده الضخمة للتسلح. شرق أوسط، لا يكرس شبابه حياتهم، معظم الوقت، للقتال. شرق أوسط، لا يكون ضحية للخوف والإرهاب. شرق أوسط، يحيا فيه رجال ونساء عاديون حياة عادية.

   ولا يخطِئنّّ أحد في إدراك عظم هذا التحدي. فالصراع الذي نسعى إلى إنهائه، له تاريخ طويل، ومرير. وكل نفس قتلت، وكل إحساس بالغضب، وكل عمل من أعمال العنف ـ محفور بعمق في قلوب شعوب هذه المنطقة وتاريخها. وتاريخها يلقي بظلال كثيفة على الأمل. لكن، على رغم ذلك، يجب ألاّ يكون التاريخ سيد الإنسان.

   وأتوقع أن يقول البعض، إن ما أشير إليه مستحيل. لكن، لنعدْ بأذهاننا إلى الوراء. إذا عدنا إلى عام 1945، من كان يفكر، أن فرنسا وألمانيا، اللتَين ظلتا عدوَّين لدودَين، قرابة قرن، ستصبحان حليفتَين، بعد الحرب العالمية الثانية؟ ومن كان يتكهن، قبل سنتَين، بأن جدار برلين، سيسقط؟ ومن كان يعتقد، في أوائل الستينات، أن الحرب الباردة، ستصل إلى نهاية سليمة، ويحل محلها التعاون؟ ومثال ذلك حقيقة وجود الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هنا، اليوم، لا متنافسَين، ولكن شريكَين، كما أشار رئيس الوزراء، جونزاليس.

   إن السلام في الشرق الأوسط، يجب ألاّ يكون حلماً. إن السلام ممكن. ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية دليل قاطع على أن في إمكان الأعداء السابقين، تحقيق السلام والمحافظة عليه. وفوق ذلك، ثمة بين أطراف الشرق الأوسط اتفاقيات، تحظى بالاحترام، لا في سيناء فحسب، ولكن في مرتفعات الجولان، أيضاً.

   وحقيقة أن تجمّعنا هنا، اليوم، للمرة الأولى، تشهد على إمكان جديد للسلام. فقد اتخذ كلٌّ منا خطوة مهمة نحو إحلال سلام حقيقي، عن طريق الاجتماع هنا، في مدريد. ولن تؤدي كل الصياغات المكتوبة على الورق، ولا الإعلانات الحسنة النية، في العالم، إلى تحقيق السلام، إذا لم توجد آلية عملية للتحرك قدُماً.

   ولن يتحقق السلام، إلاّ نتيجة للمفاوضات المباشرة، والحلول الوسط، والتنازلات المتبادلة. ولن يفرض السلام من الخارج، عن طريق الولايات المتحدة أو غيرها. ففي حين أننا سنواصل بذل كل ما في استطاعتنا، لمساعدة الأطراف على التغلب على العقبات ـ يجب أن يأتي السلام من داخل المنطقة.

   لقد جئنا إلى مدريد كواقعيين. إننا لا نتوقع التفاوض على السلام، خلال يوم، أو أسبوع، أو شهر أو حتى سنة. إن الأمر سيستغرق وقتاً. وفي الواقع، يجب أن يستغرق وقتاً .. وقتاً كي يتعلم فيه الأطراف، الذين ظلوا، طويلاً، في حال حرب، الحديث، كلٌّ إلى الآخر، والاستماع، كلٌّ إلى الآخر. وقتاً لاندمال الجروح القديمة، وبناء الثقة. وفي هذا المسعى، يجب ألاّ يكون الوقت عدواً للتقدم.

   ما نتصوره، هو عملية مفاوضات مباشرة، تتقدم في اتجاهين. أحدهما، بين إسرائيل والدول العربية. والثاني، بين إسرائيل والفلسطينيين. ويجب أن تُجرى المفاوضات على أساس قرارَي مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، 242 و338. ولن يجري العمل الحقيقي، هنا، في الجلسة الموسعة، ولكن في المفاوضات الثنائية المباشرة. ولا يمكن أن يفرض هذا المؤتمر تسوية على الأطراف، أو يعتـرض على اتفاقيات. وبهـذه الأهمية نفسها، لا يمكن دعوة المؤتمر إلى الانعقاد، مرة أخرى، إلاّ بموافقة جميع الأطراف. إن التقدم رهن بإرادة الأطراف، الذين يجب أن يتحملوا العواقب.

   وبعد فترة قصيرة من بدء المحادثات الثنائية، يجتمع الأطراف، لتنظيم مفاوضات متعددة الطرف. وستتركز هذه المفاوضات على قضايا مشتركة للمنطقة، وتتجاوز الحدود الوطنية؛ وهي: الحدّ من التسلّح، والمياه، والمسائل المتعلقة باللاجئين، والتنمية الاقتصادية. ولا يستهدف التقدم، في هذه المحافل، بديلاً مما يجب أن يتقرّر في المحادثات الثنائية، بل على النقيض، فإن التقدم في القضايا المتعددة الطرف، يمكن أن يساعد في خلق جو، يمكن أن تحلّ فيه النزاعات الثنائية القديمة، بسهولة أكبر.

   وبالنسبة إلى إسرائيل والفلسطينيين، هناك، بالفعل، إطار للدبلوماسية. وستجري المفاوضات على مراحل، تبدأ بمحادثات في شأن ترتيبات حكم ذاتي مؤقت. وتهدف إلى التوصل إلى اتفاق، خلال سنة. وحالما يتم الاتفاق، تستمر ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت خمس سنوات. وفي بداية السنة الثالثة، تبدأ مفاوضات على الوضع الدائم. ولا يستطيع أحد، أن يحدد النتيجة، بدِقة. وفي رأينا، يجب أن يتطور شيء. يجب أن يكون هناك شيء مقبول، لإسرائيل والفلسطينيين والأردن، ويمنح الشعب الفلسطيني سيطرة ذات معنى، على حياته ومصيره، ويوفر الأمن لإسرائيل والاعتراف بها.

   ويمكن أن نقدر جميعاً، أن كلاًّ من الإسرائيليين والفلسطينيين، يهتمون بالحلّ الوسط، ويهتمون بالتوصل إلى حلّ، حتى بالنسبة إلى أصغر النقاط، مخافة أن تصبح سابقة لأمور مهمة، فعلاً. ولكن، يجب ألاّ يتجنب أحد الحل الوسط، أو الترتيبات المؤقتة، لسبب بسيط، هو أن أي شيء يتم الاتفاق عليه، الآن، لن يضر بالوضع الدائم للمفاوضات، بل على النقيض، فإن هذه المفاوضات التالية، ستتحدد على أساس الأوضاع الخاصة بها.

   ولا يمكن أن يعتمد السلام على الوعود فحسب. فالسلام الحقيقي، لا السلام الدائم، يجب أن يقوم على أساس الأمن لجميع الأطراف والشعوب بما فيهم إسرائيل. فالشعب الإسرائيلي، يعيش، منذ زمن بعيد، في خوف. وهو محاصر بعالم عربي، لا يقبله. والآن، حانت اللحظة المثالية، كي يظهر العالم العربي، أن مواقفه، قد تغيرت. وأن العالم العربي مستعد للعيش، في سلام، مع إسرائيل والتسليم بحاجة إسرائيل الضرورية إلى الأمن.

   إننا نعلم، أن السلام، يجب أن يقوم، أيضاً، على العدل. ففي غياب العدل، لن تكون هناك شرعية، ولا استقرار. وهذا ينطبق، أولاً، على الشعب الفلسطيني، الذي عرف الكثير من أفراده الاضطراب والإحباط، قبل أي شيء آخر. وأمام إسرائيل، الآن، فرصة، لكي تظهر أنها مستعدة للدخول في علاقة جديدة مع جيرانها الفلسطينيين، علاقة، تبنى على أساس الاحترام المتبادل والتعاون.

   إننا نسعى إلى تسوية مستقرة، ودائمة، في كل أنحاء الشرق الأوسط. ولم نحدد، بعد، ماذا يعني هذا. وفي الواقع، أنني أشير إلى هذه النقاط، بلا خريطة، توضح أين هي الحدود النهائية. ومع ذلك، فإننا نعتقد، أن تسوية، بالنسبة إلى الأراضي، أمر أساسي للسلام. ويجب أن تعكس الحدود المساواة، بين الأمن والتدابير السياسية. والولايات المتحدة على استعداد لقبول أي شيء، يراه الأطراف مقبولاً. وما نسعى إليه، كما قلت في السادس من مارس، هو حل، يلبي المعيار المزدوج للعدل والأمن.

   إنني أعلم وأعتقد، أننا جميعاً نعلم، أن هذه المفاوضات، لن تكون سهلة. وأنا أعلم، أيضاً، أن هذه المفاوضات، لن تسير بسلاسة. ستكون هناك خلافات وانتقادات ونكسات. ومن يعلم؟ قد يكون هناك توقف! إن المفاوضات والحلول الوسط، شاقة دائماً. سيفلت النجاح من بين أيدينا، إذا ركزّنا فقط على ما يجري التنازل عنه.

   ويجب أن نثبت أنظارنا على ما سيجلبه السلام الحقيقي. إن السلام، قبل أي شيء لا يعني تجنّب الحرب، وتكاليف الإعداد لها فحسب. لقد أنعم الله على الشرق الأوسط بموارد ضخمة، مادية ومالية، وفوق كل ذلك، بشرية. وثمة فرص جديدة، في متناول أيدينا ... فقط إذا كانت لدينا الرؤية اللازمة لانتهازها.

   ولننجح، يجب أن ندرك، أن السلام لمصلحة جميع الأطراف، والحرب ليست لمصلحة أحد. إن البديل من السلام، في الشرق الأوسط، هو مستقبل من العنف والضياع والمآسي. وفي أي حرب مستقبلية، يكمن خطر أسلحة الدمار الشامل. وكما تعلمنا من حرب الخليج، فقد جعلت الترسانات الحديثة في الإمكان، مهاجمة المناطق المدنية، وتعريض أرواح الأبرياء، من الرجال والنساء والأطفال، للخطر، وتحويل شوارع المدن، والمدارس، وملاعب الأطفال، ساحات قتال.

   واليوم، يمكننا أن نقرر اتخاذ طريق مختلف، نحو المستقبل، بتجنب الصراع. إنني أدعو جميع الأطراف إلى تجنّب الأعمال المنفردة، سواء في شكل كلمات أو أفعال، مما يستدعي الانتقام، أو ما هو أسوأ، الإضرار بهذه العملية، أو حتى تهديدها. وأدعو جميع الأطراف إلى البحث في اتخاذ التدابير، التي تدعم الثقة المتبادلة، والخطوات التي تشير إلى التزام مخلص، للمصالحة.

   وأودّ أن أقول شيئاً عن دور الولايات المتحدة الأمريكية. لقد اضطلعت بدور نشط في جعل هذا المؤتمر ممكناً. وسأقوم، أنا ووزير الخارجية، جيمس بيكر، بدور نشط، للمساعدة في إنجاح العملية. ومن أجْل هذا الهدف، قدّمنا تأكيدات كتابية، إلى إسرائيل وسورية والأردن ولبنان والفلسطينيين. وبروح المصارحة والصدق، سنطلع كل طرق التأكيدات التي قدمناها إلى الطرف الآخر. ونحن على استعداد لتقديم ضماناتنا، وتوفير التكنولوجيا والدعم، إذا كان هذا ما يتطلبه السلام. وسندعو أصدقاءنا وحلفاءنا، في أوروبا وآسيا، لينضموا إلينا، في توفير الموارد، حتى يمكن أن يسير السلام والرخاء، جنباً إلى جنب.

   ويمكن الأطراف الخارجيين، أن يقدموا المساعدة. ولكن، على شعوب الشرق الأوسط وحكوماته، في النهاية، أن تشكل مستقبل الشرق الأوسط. إن هذه فرصتهم ومسؤوليتهم، كي يبذلوا كل ما في وسعهم، ليستفيدوا من هذا التجمع، هذا التجمع التاريخي، وما يرمز إليه، وما يبشر به.

   ويجب ألا يظن أحد، أن الفرصة المتاحة لنا لتحقيق السلام، ستبقى، إذا فشلنا في أن ننتهزها في هذه اللحظة. ومن المفارقات، أنها فرصة، ولدت من الحرب، من دمار الحروب السابقة، والخوف من حروب مقبلة. وقد حان الوقت لوضع نهاية للحرب، وقد حان الوقت لاختيار السلام.

   وفي حديثي، باسم الشعب الأمريكي، أودّ أن أعيد التأكيد، أن الولايات المتحدة مستعدة لتسهيل البحث عن السلام، وأن تكون عاملاً مساعداً، كما كنا في الماضي، وكما كنا أخيراً جداً. إننا لا نسعى إلا إلى شيء واحد؛ ونحن لا نسعى إليه من أجْل أنفسنا، ولكن، من أجل شعوب المنطقة، وخصوصاً أطفالها ـ وهو أن هذا الجيل، والأجيال المقبلة، في الشرق الأوسط، قد تعرف معنى السلام ونعمته.

   لقد شاهدنا أجيالاً كثيرة من الأطفال، الذين لا يظهر في أعينهم المذعورة، سوى الخوف والجنازات الكثيرة جداً لأشقائهم وشقيقاتهم وآبائهم، الذين قضوا قبْل فترة قصيرة، والعداء الكثير جداً، والحب القليل جداً. وإذا لم نكن قادرين على التحلي بالشجاعة، للتخلي عن الماضي، من أجْل أنفسنا، فلنعقد العزم على القيام بذلك، من أجْل أطفالنا.