إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

كلمة رئيس وزراء إسرائيل، إسحاق شامير

أمام مؤتمر مدريد للسلام

في 31 أكتوبر 1991[1]

 السادة رئيسَي المؤتمر المحترمين.

السادة الوزراء.

السادة أعضاء الوفود إلى المؤتمر.

أيها السيدات، والسادة.

السلام عليكم.

    إنه لشرف لي أن أمثّل شعب إسرائيل في هذه اللحظة التاريخية، وأن أُلقي كلمة في افتتاح محادثات السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.

   أودّ أن أعبرّ عن تقديرنا العميق لمضيفينا الأسبان، على كرم ضيافتهم، وعلى إتاحتهم الفرصة لعقد هذا الاجتماع السلمي.

   خلال ألفَيْ عام من الترحال، حطّ الشعب اليهودي هنا، لمئات السنين، حتى طرد من هذه الأرض قبل خمسمائة سنة. وفي أسبانيا، عبّر الشاعر والفيلسوف الكبير، يهودا هاليفي عاليزي، عن شوق جميع اليهود إلى صهيون، بقوله: "إنّ قلبي في الشرق، وأنا في أقصى الغرب".

   وأودّ أن أعبّر عن تقديرنا للقائمين برعاية هذا المؤتمر، للولايات المتحدة، التي تقيم علاقات صداقة قوية مع إسرائيل، وتحالفاً، استطاع التغلّب على خلافات الرأي، من وقت إلى آخر. وكذلك للاتحاد السوفيتي، الذي أنقذ أرواح يهود كثيرين، في الحرب العالمية الثانية، وفتح، الآن، أبوابه لعودة اليهود إلى وطنهم القديم. إنّ الشعب الإسرائيلي، يتطلّع إلى هذا القصر، بأمل وترقّب كبيرَين. وإنني أبتهل، أن يشكل اللقاء بداية فصل جديد، في تاريخ الشرق الأوسط، وأن يكون إشارة إلى انتهاء العداء والعنف والإرهاب والحرب، وأن يسفر عن حوار وقبول متبادل وتعايش؛ وفوق كل ذلك أن يسفر عن السلام.

أيها الرئيسان المحترمان.

سيداتي سادتي.

    لإدراك معنى السلام، بالنسبة إلى شعب إسرائيل، يجب على المرء أن يعاين، اليوم، سيادة اليهود على أرض إسرائيل، على أرضية تاريخنا.

   لقد جرت ملاحقة اليهود، عبْر التاريخ، في كل قارة تقريباً، وفي بعض البلدان، تقبّلوهم بصعوبة، وفي بلدان أخرى، اضطُّهدوا، وعُذّبوا، وذُبحوا، وأُجْلوا.

   وشهد هذا القرن خطة إبادة، نفّذت بأيدي النظام النازي، وهذه الكارثة، والإبادة الجماعية، التي لم يسبق لها مثيل، والتي قضت على ثلث شعبنا ـ أمكن تنفيذها، لأن أحداً لم يدافع عنا؛ فقد كنا بلا وطن، وكذلك من غير حماية. ولكن الكارثة، هي التي جعلت المجتمع الدولي، يعترف بمطالبتنا، القائمة على حقنا في أرض إسرائيل. وفي الواقع، جاءت ولادة دولة إسرائيل، من جديد، بعد وقت قصير جداً من الكارثة، جعلت العالم ينسى، أن مطالبتنا هي قديمة جداً. إننا الشعب الوحيد، الذي عاش في أرض إسرائيل، نحو أربعة آلاف سنة، بلا انقطاع. ونحن الشعب الوحيد، باستثناء فترة مملكة صليبية قصيرة الأمد، الذي تمتع بسيادة مستقلة في هذه الأرض. ونحن الشعب الوحيد، الذي كانت أورشليم عاصمته. ونحن الشعب الوحيد، الذي لا وجود لأماكنه المقدّسة، إلاّ في أرض إسرائيل.

   ولم يعبّر شعب عن علاقته بأرضه تعبيراً ثابتاً، ومتواصلاً، مثلنا. فعلى مدى آلاف السنين، عاد شعبنا، في كل مناسبة، يردّد المزمور: "إن أنسكِ، يا أورشليم، أنسَ يميني". على مدى آلاف السنين، تمنّينا بعضنا لبعض، أن نكون في أورشليم، في السنة المقبلة. وعلى مدى آلاف السنين، عبّرت صلواتنا وأدبنا وتراثنا، عن الشوق العميق إلى العودة إلى بلادنا؛ فأرض إسرائيل، هي وطننا الحقيقي، وكل دولة أخرى، مهْما بلغت ضيافتها، ليست سوى شتات، ومحطة مؤقتة، في طريقنا إلى بيتنا. في حين، لم تكن هذه البلاد جاذبة للآخرين، ولم يرغب فيها أحد. ووصفها مارك توين، قبل مائة سنة فقط، بالأرض غير المأهولة، التي يلفّها الحداد، ويصعب على الخيال، أن يبعث فينا الحياة. وقد عبّرت الحركة الصهيونية، سياسياً، عن مطالبتنا بأرض إسرائيل. وفي عام 1924، اعترفت عصبة الأمم بأحقية مطلبنا. وأدركت المنطق التاريخي المقنع، لإقامة بيت قومي يهودي في أرض إسرائيل. وأقرّت الأمم المتحدة هذا الاعتراف، من جديد، بعد الحرب العالمية الثانية.

   ومن المؤسف، أنّ الزعماء العرب، الذين كنا نودّ صداقتهم أكثر من أي شيء آخر، رفضوا دولة يهودية في المنطقة، وزعموا، باستثناء قِلّة منهم، أن أرض إسرائيل، هي جزء من الأراضي العربية، الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي. وانطلاقاً من التحدي، والشرعية الدولية، حاولت الأنظمة العربية احتلال الدولة اليهودية وتدميرها، قبْل أن تولَد. وأعلن المتحدثون العرب، في الأمم المتحدة، أن إقامة دولة يهودية، ستؤدّي إلى حمام دم، تتضاءل أمامه مذابح جنكيزخان.

   ومنذ إعلان استقلالنا، في الخامس عشر من مايو 1948، مدّت إسرائيل يدها إلى جاراتها العربية، ودعت إلى إنهاء الحرب وإراقة الدماء. ورداً على ذلك، غزت سبع دول عربية إسرائيل. وخُرق قرار الأمم المتحدة لتقسيم البلاد، وبذلك، أُلغي عملياً.

   إنّ الأمم المتحدة، لم تخلق إسرائيل. لقد قامت إسرائيل وتكوّنت، لأن الطائفة اليهودية الصغيرة، التي كانت تقيم في أرض فلسطين تحت الانتداب، ثارت على الحكم الأجنبي الإمبريالي. إننا لم نحتلّ أرضاً أجنبية. ولكننا صددنا هجوماً عربياً، وحلنا دون إبادة إسرائيل. وأعلنّا الاستقلال. وأقمنا دولة ومؤسسات حكومية ثابتة، في فترة قصيرة جداً.

   وبعدما فشل الهجوم على إسرائيل، واصلت الأنظمة العربية حربها ضدّ إسرائيل، عن طريق المقاطعة والحصار والإرهاب، وحروب المواجهة. وبعد وقت قصير من إقامة إسرائيل، تعرّضت هذه الأنظمة للطوائف اليهودية في الدول العربية. وجرت حملة من الاضطهاد، ومصادرة الأملاك، والطرد، أسفرت عن خروج جماعي. وغادر نحو ثمانمائة ألف يهودي، الدول، التي عاشوا فيها، منذ ظهور الإسلام. وجاء معظم هؤلاء اليهود اللاجئين، الذين سُلبت أملاكهم، إلى إسرائيل. فاستقبلتهم بالترحاب، ووفّرت لهم الملجأ والمساعدات. وانخرطوا في المجتمع الإسرائيلي، مع نحو نصف مليون من الناجين من الكارثة، في أوروبا.

   إنّ رفض الأنظمة العربية، وجود إسرائيل في الشرق الأوسط، وحربها المتواصلة ضدها، هي ملكُُ للتاريخ. وقد جرت محاولات لإعادة كتابة هذا التاريخ، بما يصوّر العرب كضحايا، وإسرائيل المعتدي. وسيفشل ذلك، مثلما فشلت محاولات نفي الإبادة الجماعية. ومع انتهاء الأنظمة الاستبدادية، في معظم أنحاء العالم، سيختفي هذا التحريف للتاريخ.

   لقد استفادت الأنظمة العربية، في حربها ضدّ وجود إسرائيل، من الحرب الباردة. وحشدت دعم العالم الشيوعي لها، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ضدّ إسرائيل. وحوّلت صراعاً، محلّياً وإقليمياً، إلى برميل بارود دولي. وتسبب ذلك في إغراق الشرق الأوسط بالأسلحة، التي أجّجت نار الحروب، وحوّلت المنطقة إلى ساحة قتال خطيرة، ومنطقة تجارب للأسلحة المتطورة. وحشدت الدول العربية، في الأمم المتحدة، تأييد الدول الإسلامية الأخرى، والكتلة السوفيتية. وتمتّعت معاً بغالبية آلية، لاتخاذ قرارات، لا حصر لها، حرفت التاريخ، وصوّرت الخيال على أنه حقيقة، وسخرت من الأمم المتحدة وميثاقها.

   إنّ العداء العربي لإسرائيل، جلب، أيضاً، آلاماً إنسانية مفجعة، للشعب العربي. فقد قُتل وجُرح عشرات الآلاف. وشجع الزعماء العرب مئات الآلاف من العرب، الذين عاشوا في فلسطين، تحت الانتداب، على ترك ديارهم، ومعاناة هؤلاء وصمة في جبين البشرية. ولا يمكن أي شخص متحضّر، ولا سيما يهود هذا العصر، أن يكون غير مبالٍ بإزاء هذه المعاناة.

   إنّ مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين، يعيشون في أحياء فقيرة، تُعرف باسم مخيمات اللاجئين، في غزّة ويهودا والسامرة. وقد أحبطت اعتراضات العرب محاولات إسرائيل، لإعادة تأهيلهم وإسكانهم. وليس وضعهم أحسن حالاً، في الدول العربية. على عكس ما تمّ للاجئين اليهود، الذين جاؤوا إلى إسرائيل من الدول العربية، لم يستقبل معظم اللاجئين العرب بالترحاب، في الدول العربية، التي يقيمون فيها، ولم يندمجوا فيها. ولم تمنحهم سوى المملكة الأردنية، الجنسية. وقد استغلّت معاناتهم سلاحاً سياسياً ضدّ إسرائيل.

   وأصبح العرب، الذين اختاروا البقاء في إسرائيل، من المسيحيين والمسلمين، مواطنين كاملين، يتمتعون بحقوق كاملة، وتمثيل متساوٍ في الهيئة التشريعية، والهيئة القضائية، وفي كل مجالات الحياة.

   ونحن، الذين حرمنا، على مرّ القرون، حرية الوصول إلى أماكننا المقدسة، نحترم أديان كل العقائد، في بلدنا. ويضمن قانوننا حرية العبادة، ويحمي الأماكن المقدّسة لكل دين.

رئيسي المؤتمر المحترمين.

أيها السيدات والسادة.

    إنني أقف أمامكم، اليوم، في مسعى جديد للسلام، ليس فقط باسم دولة إسرائيل، ولكن، أيضاً، باسم الشعب اليهودي بكامله، الذي يحتفظ بصِلة، لا يمكن تمزيقها، بأرض إسرائيل، منذ نحو أربعة آلاف سنة.

   إنّ سعْينا إلى التأقلم المتبادل والسلام، لا يفتر. وبالنسبة إلينا، فإن تجميع اليهود في وطنهم القديم، ودمجهم في مجتمعنا، وإنشاء البِنية الأساسية الضرورية، تتصدّر اهتماماتنا القومية. وإن دولة تواجه مثل هذا التحدّي الضخم، لا بدّ أن ترغب، بشكل طبيعي، في السلام مع كل جيرانها. ومنذ بدء الصهيونية، وضعنا اقتراحات وبرامج للسلام، لا حصر لها، ولكنها رفضت جميعها. وحدث التشقق الأول في سور العداء، سنة 1977، عندما قرّر الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، كسر المقاطعة، والمجيء إلى أورشليم. وحظيت لفتته بحفاوة من الشعب والحكومة الإسرائيلية، في رئاسة مناحم بيجين، وأدّى هذا التطوّر إلى توقيع اتفاقَي كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وبعد أربع سنوات، في مايو 1983، وقع اتفاق مع الحكومة الشرعية في لبنان، ولكن، لسوء الحظ، لم يطبق هذا الاتفاق، بسبب تدخل خارجي. ومع ذلك، فقد نشأت سابقة، وتطلّعنا إلى خطوات جريئة، على غرار ما فعل أنور السادات. ولسوء الحظ، لم يستجب أي زعيم عربي لدعوتنا للسلام.

   إن اجتماعنا، اليوم، هو ثمرة جهد أمريكي متواصل، يقوم على مشروع السلام، الذي قدّمناه، في مايو 1989، والقائم على أساس اتفاق كامب ديفيد. وبموجب مبادرة الولايات المتحدة، فإن هدف هذا اللقاء، هو إجراء مفاوضات مباشرة، بين إسرائيل وكل واحدة من جاراتها، وإجراء مفاوضات متعددة الطرف، في شأن مواضيع إقليمية، بين جميع دول المنطقة.

   لقد آمنّا، دائماً، بأن المحادثات المباشرة، الثنائية، يمكن أن تحقق السلام. ووافقنا على أن نمهّد لهذه المحادثات، بهذا المؤتمر الاحتفالي. غير أننا نرجو، أن تكون الموافقة العربية على إجراء محادثات مباشرة، وثنائية، دليلاً على إدراكها، أن لا وجود لغير هذه الطريق للسلام في الشرق الأوسط. ففي ذلك مغزى خاص، لأن مثل هذه المحادثات، يعني الاعتراف المتبادل؛ وجذور النزاع، هو الرفض العربي للاعتراف بشرعية دولة إسرائيل.

   إنّ المفاوضات المتعددة الأطراف، التي ستواكب المفاوضات الثنائية، هي عنصر حيوي في العملية. ففي هذه المحادثات، ستناقش العناصر الأساسية للتعايش والتعاون الإقليمي. ولا يمكن قيام سلام حقيقي، في منطقتنا، من غير أن نعالج هذه المواضيع الإقليمية وتحلّ.

   إننا نؤمن بأن هدف التفاوض المباشر، هو توقيع معاهدات سلام، بين إسرائيل وجاراتها؛ والتوصّل إلى اتفاق على ترتيبات مرحلية، للحكم الذاتي مع العرب الفلسطينيين.

   ولكن، لا يمكن تحقيق هذا الأمر، من دون النيّة الطيّبة. إنني أدعو الزعماء العرب، الموجودين هنا، وهؤلاء الذين لم ينضموا، بعد، إلى العملية، وأقول لهم: أثبتوا، من فضلكم، لنا، وللعالم، أنكم تقبلون بوجود إسرائيل. أظهروا استعدادكم بقبول إسرائيل، ككيان ثابت في المنطقة. هيّا، ليسمعكم الناس، في منطقتنا، بلغة التصالح والتعايش مع إسرائيل.

   في إسرائيل إجماع شامل، تقريباً، على الحاجة إلى السلام. نحن نختلف فقط على أفضل الطرق إلى تحقيقه. إلاّ أنه يبدو، أنّ الوضع في معظم الدول العربية، هو على عكس ذلك. فهناك خلافات فقط على أساليب دفع إسرائيل إلى موقف، لا تستطيع فيه الدفاع عن نفسها، ومن ثَم، القضاء عليها.

   إننا نودّ أن نرى في بلادكم، وضع حدّ للدعاية المسمومة ضدّ إسرائيل. إننا نرغب في أن نرى دلالة على التعطّش إلى السلام، الذي يميّز المجتمع الإسرائيلي.

   إننا ندعوكم إلى نبذ الجهاد ضدّ إسرائيل. ندعوكم إلى إدانة ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، الذي يدعو إلى القضاء على إسرائيل. إننا ندعوكم إلى إدانة التصريحات، التي تدعو إلى القضاء على إسرائيل، مثل ذلك التصريح، الذي صدر عن مؤتمر الرفض، في طهران، في الأسبوع الماضي. إننا ندعوكم إلى تمكين اليهود، الراغبين في الخروج من بلادكم، من تحقيق رغباتهم.

   ونحن نوجّه هذه الدعوة إلى العرب الفلسطينيين. ونقول لهم: اتركوا العنف والإرهاب. واستغلوا الجامعات، في المناطق المدارة، والتي أمكن إقامتها فقط في العهد الإسرائيلي، للتحصيل العلمي وللتطوّر، وليس للتحريض والعنف. توقفوا عن تعريض أبنائكم لخطر. وتوقفوا عن إرسال أولادكم لقذف القنابل والحجارة على الجنود والمواطنين، وتعريضهم للخطر. وقبل يومين فقط، جاءتنا رسالة، بأن الإرهاب الفلسطيني مستمر، عندما قُتلت أم لسبعة أطفال، وأب لأربعة أطفال، بدم بارد. ونحن لا نستطيع أن نكون غير مبالين. وليس من المتوقع، أن نتحدث مع أناس، لهم ضلع في مثل هذه الأعمال المنبوذة. إننا ندعوكم إلى التخلص من دكتاتوريين، مثل صدّام حسين، يستهدفون تدمير إسرائيل؛ وإلى وقف التعذيب الوحشي، وقتل كل من لا يتمشّى معكم. وأفسحوا لنا المجال، وللأُسرة الدولية، لإقامة مساكن مناسبة، لهؤلاء القاطنين في مخيمات اللاجئين. وقبل كل شيء نأمل أن تدركوا، في نهاية الأمر، أنه كان في إمكانكم الحضور إلى هذه المائدة، قبْل زمن طويل وبعيد، وتوقيع اتفاقَي كامب ديفيد، لو أنكم اخترتم الحِوار بدل العنف، والتعايش بدل الإرهاب.

سيداتي وسادتي.

    نحن جئنا إلى هذه العملية، بقلب مفتوح، وبنيّات خالصة، وتطلّعات كبيرة.

   إننا نلتزم التفاوض من دون توقف، حتى يتحقق السلام. ستكون ثمة مشاكل وعقبات وأزمات، ومطالب متعارضة، لكن التخاطب أفضل بكثير من سفك الدماء. فالحروب لم تحلّ قضية في منطقتنا، ولكنها تسببت في المآسي والمعاناة والثكل والكراهية. إننا نعمل، وشركاءنا، في المفاوضات. سيطرحون مطالب إقليمية من إسرائيل، ولكن، كما يتضح من مراجعة تاريخ النزاع المتواصل، فإن هذا النزاع، ليس إقليمياً، في حقيقته. فهذا النزاع، نشب قبل أن تقع غزّة ويهودا والسامرة والجولان، في أيدي إسرائيل، في حرب دفاعية. ولم يكن هناك دليل على الاعتراف بإسرائيل، قبْل تلك الحرب، في عام 1967، حين لم تكن المناطق المقصودة، تحت السيطرة الإسرائيلية.

   إننا نعُدّ أربعة ملايين. والدول العربية، من المحيط الأطلسي حتى الخليج، تعُدّ 170 مليوناً. ونحن نسيطر على ثمانية وعشرين ألف كيلومتر مربع فقط، بينما يسيطر العرب على مناطق، تبلغ 14 مليون كيلومتر مربع.

   إنّ الهوّة الفاصلة بين الجانبَين، الآن، لا تزال أوسع، والعداء العربي لإسرائيل أعمق، وانعدام الثقة أكبر من أن يتيح حلاً درامياً سريعاً. ولكن، يجب علينا أن نبدأ السير على طريق المصالحة، بهذه الخطوة الأولى، في عملية السلام.

   إننا مقتنعون، أن الطبيعة الإنسانية، تفضّل السلام على الحرب والعداء. إننا، نحن الذين اضطررنا إلى خوض سبع حروب، والتضحية بحياة ألوف كثيرة ـ لا نفاخر بالموت، ولا بالحرب. إنّ العقيدة اليهودية تمجّد السلام، إلى حدّ أنها تعتبره من أسماء الخالق نفسه. ونحن توّاقون إلى السلام، ونصلّي من أجْل السلام.

   إنّ القضية، ليست الأرض؛ إنما وجودنا. وسيكون من المؤسف، أن تتركّز المحادثات، أولاً، وقبْل كل شيء، على الأرض؛ فهذه أسرع الطرق إلى الجمود. في حين أن ما نحتاج إليه، أولاً، وقبْل كل شيء، هو بناء الثقة، وإزالة الخطر، خطر المواجهة، وتطوير علاقات، في مجالات عدّة، بقدر الإمكان.

   إنّ المواضيع معقّدة، والتفاوض سيكون طويلاً، وصعباً. ونحن نؤمن، أن أفضل مكان لإجراء المحادثات، هو في منطقتنا، على مقربة ممن يتخذون القرارات، وليس في دولة أجنبية. إننا ندعو شركاءنا في هذه العملية، إلى المجيء إلى إسرائيل، لإجراء الجولة الأولى من المحادثات. ومن جانبنا، فنحن مستعدون للذهاب إلى الأردن، إلى لبنان وإلى سورية، للغاية نفسها؛ وليس ثمة طريق أفضل، لصنع السلام، من أن يتحدث الإنسان، في بيت صديقه. في حين أن الامتناع عن إجراء مثل هذه المحادثات، هو في الواقع إنكار لهدف التفاوض. وأنا، شخصياً، أرحّب بردّ إيجابي من ممثلي هذه الدول، هنا، والآن. فعلينا أن نتعلّم، أن نعيش معاً. علينا أن نتعلّم، كيف نعيش معاً، من دون الحرب، ومن دون سفك الدماء. فاليهودية أعطت العالم، ليس فقط الإيمان بالله الواحد الأوحد، وإنما، أيضاً، فكرة أن الجميع، رجالاً ونساءً، خُلقوا على شاكلة الله، وليس ثمة إثم أفظع من تشويه خليقة الله، عن طريق سفك الدماء. إنني على ثقة بأن ما من أمّ عربية، تريد أن يموت ابنها في معركة، كما ما من أمّ يهودية، تريد أن يموت ابنها في حرب.

   إنني أؤمن بأنّ كل والدة، تريد أن يتعلم أولادها فن الحياة، وليس علم الحرب. وعلى مدى مئات كثيرة من السنين، جرت حروب، ونزاعات حادة، ومعاناة مريرة، في هذه القارّة، التي نلتقي على أرضها. فالشعوب الأوروبية، رأت ديكتاتوريين، وهم يصعدون، ورأتهم ينهزمون، بعد صراعات متواصلة. والآن، تجمّع أعداء الماضي، في أسْرة موحّدة، يتباحثون في مصالح الأسْرة، يتعاونون في جميع الشؤون، ويتحرّكون كوحدة واحدة، تقريباً. إنني أحسدهم على ذلك. إنني أتوق إلى أن تقوم مثل هذه المجموعة في الشرق الأوسط. وأنا أؤمن أنه على رغم جميع الفوارق بيننا، يجب أن نكون مستعدين، وتدريجياً، لإنشاء أسْرة إقليمية موحّدة.

    يبدو هذا، اليوم، حلماً. لكننا رأينا، في أيامنا، تحقيق بعض الأحلام، التي كانت خيالية تماماً.

   إننا نؤمن أن نعمة السلام قادرة على تحويل الشرق الأوسط إلى جنّة، وإلى مهد للإبداع، الثقافي والعملي والتكنولوجي. إننا نستطيع تصوّر عهد التطوّر الاقتصادي الكبير، الذي سيضع حدّاً للبؤس والجوع والجهل، ويمكن أن يضع الشرق الأوسط، أرض الحضارات، على طريق عهد جديد. إنّ مثل هذه الغاية، تستحق التفرّغ والمواظبة، ما دام ذلك ضرورياً، حتى تتحقق نبوءة النبي أشعيا، "فتتحوّل السيوف إلى مناجل، وتحلّ بركة السلام على شعوب منطقتنا".

    واسمحوا لي أن أختتم كلمتي، بأقوال للنبي أشعيا: "سلام سلام، للقريب والبعيد، يقول الرب".

رئيسَي المؤتمر المحترمين.

سيداتي وسادتي.

    هيا بنا نقرّر أن نغادر هذه القاعة، بإصرار موحّد على أنه، من الآن فصاعداً، ستحل كل الخلافات، التي قد تنشأ بيننا، فقط عن طريق المفاوضات، والإرادة الصادقة، والصبر المتبادل. هيا بنا نعلن هذا، الآن، انتهاء الحرب والعداء. وهيا نتقدّم معاً إلى المصالحة والسلام".



[1] ألقى إسحاق شامير، رئيس وزراء إسرائيل، كلمة بلاده، في بداية أعمال هذا اليوم. وأعقبه كامل أبو جابر، رئيس الوفد الأردني، ثم فارس بويز، وزير خارجية لبنان، وحيدر عبدالشافي، رئيس الوفد الفلسطيني، وأخيراً، فاروق الشرع، وزير خارجية سورية.