إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

مقتطفات من

كلمة فارس بويز، رئيس الوفد اللبناني

في مؤتمر مدريد للسلام

في 31 أكتوبر 1991

    أعلن فارس بويز، وزير الخارجية اللبناني، في كلمته، أن المؤتمر، الذي ينعقد تحت عنوان السلام، قد يكون أهم مؤتمر، منذ الحرب العالمية الثانية. وقال إن لبنان، يرحّب بهذه الفرصة التاريخية لإحلال السلام في منطقة، انبعثت منها الأديان والشرائع والحضارات، وانطلق منها الفكر والفلسفات، وشهدت إبراهيم والمسيح ومحمداً، والرسل والأنبياء. فكانت الأهرام والمعابد والهياكل والكنائس والمساجد. وكانت القدس وبيت لحم ومكة والنجف ... أرض تفاعل الحضارات، حيث امتزجت خطوط الهياكل وأعمدة المساجد ونقوش الكنائس: إنها أرض الدنيا وتاريخها وضميرها.

   وأضاف: "أثبتت الأحداث، أن لبنان كل لا يتجزأ، بجنوبه وشماله وبقاعه، وبيوته وجبِله، فأي غياب لمنطقة، هو غياب لعصب أساسي من جسمه، يجعله ينزف دماً، ويتخبط، وينشر غضبه نحو جميع أنحاء العالم والدنيا. فتحول الغضب هذا، في كثير من الأحيان، لمقاومة الاحتلال، فتكاثرت أعمال العنف وكان من ضحاياها لبنانيون وغير لبنانيين، ولكن هذا العنف، ما كان إلاّ تعبيراً، ولو مرجعاً، في بعض الأحيان، من إصرار حماسي لإحقاق الحق ... أثبتت الأحداث، أن جنوب لبنان بالذات فتيل، يهدد بتفجير الوضع برمّته، ناشراً غضب أبنائه، طالما هو يرزح تحت نيران الاحتلال، وطالما أن قرارات الأمم المتحدة، والشرعية الدولية، الكفيلة بحل مشكلته، متجاهلة، لا تحترم. واليوم بالذات، وأنا أخاطبكم، سقطت 160 قذيفة إسرائيلية على مدينة النبطية الصامدة، فخلفت عدداً من القتلى والجرحى بين المدنيين، من أبناء الشعب، وربما لا يزال القصف، في هذه اللحظات، مستمراً. هذا الاحتلال، وما رافقه من أحداث وتطورات، كلف لبنان غالياً. إلا أنه، أيضاً، كلف العالم أجمع؛ فما من دولة، إلا ودفعت، بشكل من الأشكال، ضريبة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب".

   وذكر أن لبنان، كان، ولا يزال، بلداً محباً للسلام. وقال إن لبنان بلد متمسك بالشرعية الدولية، وبالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وعن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما إليها من أحكام القانون الدولي، لبنان بلد، يدعو لقيام نظام دولي جديد، تسوده مبادئ القانون، ورفض العدوان، وحل النزاعات بالوسائل السلمية. إن لبنان يعلق أهمية أساسية على تنفيذ القرار 425، إذ إن اتفاقية الهدنة، لسنة 1949، ما زالت تحكم الوضع بينه وبين إسرائيل، وقد نصت المادة الثامنة منها، على أن يبقى هذا الاتفاق ساري المفعول، حتى يتوصل الطرفان إلى حل سلمي. لهذه الأسباب جميعها، سعى لبنان، وما زال، لتطبيق القرار 425، الصادر عن مجلس الأمن الدولي 16/3/76، والذي يدعو إلى الاحترام الدقيق لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي، ضمن حدوده الدولية المعترف بها، ويدعو إسرائيل إلى أن توقف عملياتها العسكرية ضد سلام أراضي لبنان، وأن تسحب، فوراً، قواتها من كل الأراضي اللبنانية.

   وعلى الرغم من أن تطبيق القرار 425، قد لاقى عقبات، حالت دون تنفيذه الفوري، والكامل، وغير المشروط، التزاماً بحرفية نص القرار؛ وهي عقبات ناتجة عن تمنّع إسرائيل المستمر عن تنفيذه … إن تلك العقبات، لا تزيد لبنان إلا إصراراً على تطبيقه الحرفي. ويرى لبنان في تنفيذ هذا القرار تحدياً وامتحاناً لمصداقية المجتمع الدولي، كي يثبت جديته في التمسك بقراراته، وفي إيجاد العناصر الضرورية لتنفيذها في روحيتها … وفي تنفيذ ذلك القرار برهان ساطع على أن المجتمع الدولي، لا يكيل بمكيالَين، وأن ما صح عن تمسكه بالقانون الدولي، وسيادة الدول المستقلة على أراضيها، غير محصور، لا بمنطقة دون سواها، ولا بحالة دون غيرها، في العالم.

   ويهمني، في هذا المجال، تذكيركم بأن لبنان، كان أول الدول العربية، على الإطلاق، في التنديد بالعدوان، الذي وقع على الكويت. ولم يراوغ لبنان، لحظة، في موقفه، خلال أزمة الخليج كلها. وبلغ موقفه هذا، استناداً لمبدأ سيادة الدول واستقلالها. ومن ثَم، كان صعباً عليه، أن يطبق القانون الدولي على دولة عربية شقيقة، ولو معتدية. وتود الحكومة اللبنانية التأكيد، أمامكم، على أنها تتمنى لهذا المؤتمر النجاح الكامل؛ فهي لم تألُ جهداً في السعي لتطبيق القرار 425، أياً كان مسار هذا المؤتمر، وأياً كانت نتائجه النهائية، ولقد قمنا بتبليغ الدولتَين الداعيتَين لهذا المؤتمر، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لأن قبولنا الدعوة إليه، مبني على هذا الموقف. وأودّ الإشادة، هنا، بالدعم، الذي لقيناه، في موقفنا هذا، لدى العديد من الدول الصديقة، ولا سيما الولايات المتحدة، التي أعلنت موقفها الثابت، أن التطبيق الكامل للقرار 425، لا يتوقف على حل شامل في المنطقة، ولا يرتبط بها؛ ولو أن حلاً كهذا، من شأنه تعزيز السلام والاستقرار في لبنان.

   وقال إن القرار 425، هو قرار مستقل، متكامل، يتضمن ذاتية منفصلة لتنفيذه، لا يرتبط، بأي شكل من الأشكال، بالمساعي القائمة لتطبيق القرارات الدولية، المتعلقة بموضوع الأراضي العربية المحتلة في عام 1967، لا سيما القرارَين 242 و338.

   وذكر أنه عند تنفيذ القرار 425، سيلتزم لبنان التزاماً أكيداً، بضبط الأمن على حدوده الدولية المعترف بها؛ فلا يفسح المجال لأية انتهاكات أمنية. وعندئذ، ينتفي المبرر لأعمال مقاومة الاحتلال. أما الحدود نفسها، فهي مرعية بالقرار 425، المستند إلى اتفاقية الهدنة، سنة 1949. وهي حدود معترف بها دولياً، وليست، في أي شكل من الأشكال، موضوع تفاوض.

   وحذّر من محاولة حل مشكلة الشعب الفلسطيني، عبْر توطين أبناء هذا الشعب الشقيق، على أرض ضيعة (لبنان)، ذات نسبة سكان عالية، وضمن تركيبة دقيقة، وحساسة، قد تجعل التصارع على البقاء أمراً خطيراً، كما أنها لا تعيد فلسطين لأهلها، بل قد تؤول إلى فقدان لبنان. إن مشاريع التوطين، تتجاهل انتماء الشعوب وتغلغلها بأرضها، في هذه المنطقة، حيث حب الأوطان من الإيمان، وحيث يرتبط الأصل بالأرض. إن للأرض، في معتقد وفلسفة كلا الشعبَين، اللبناني والفلسطيني، أسوة بإخوتهم العرب ـ ارتباطاً وثيقاً بالهوية والتراث والأصالة والأعراف. وإن التنازل عن هذا الأصل، سيبقى إلى الأبد، في أذهان هذه الشعوب، مجرد حقد وإحباط وثورة … ويزيد الأمر تفاقماً اقتلاع المواطنين من أوطانهم الأصلية، ومسقط رأسهم، تحت شعارات مختلفة، غير واقعية، وفصلهم عن مناخ أرضهم وثقافتهم، والتراب الذي زرعوه، والمنجزات التي شيدوها، حيث ولدوا وترعرعوا، وحمْلهم على الهجرة من أراضٍ شاسعة، من قارات بعيدة كل البعد، من أجْل توطنيهم على أرض ضيقة، موضع نزاع وقتال، لم يتعرفوا عليها من قبْل، ولا تربطهم بها أي صلة واقعية، مثل دفع المواطنين السوفيت نحو الهجرة، واقتلاعهم من مجتمعهم الطبيعي.