إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

كلمة رئيس الوفد الفلسطيني

الدكتور حيدر عبدالشافي

في مؤتمر مدريد للسلام

في 31 أكتوبر 1991

بسم الله الرحمن الرحيم

    اسمحوا لي، أولاً أن أوجه تحية شكر وتقدير إلى الدولة الأسبانية، ملكاً وحكومة وشعباً، لتكرّمها بـاستضافة هذا المؤتمر التاريخي. وأن أوجه تحية إكبار واعتزاز، لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين ما زالوا يناضلون من أجْل الحرية والاستقلال … وسأتحدث، الآن، باسمهم، إليكم وإلى كل القوى الديموقراطية في العالم، باللغة الإنجليزية.

السيد بيكر.

السيد بانكين.

سيداتي وسادتي.

    بالنيابة عن الوفد الفلسطيني، نجتمع، هنا، في مدريد، وهي عاصمة دولة، ومدينة عريقة في تاريخها، لكي ننسج نسيجاً ويربط ماضينا بمستقبلنا، ولنؤكد تكامل الرؤية، التي بعثت الحضارة في العالم، على أساس نظام، يرتكز على الانسجام في التنوع. مرة أخرى، يقوم المسيحي والمسلم واليهودي، بمواجهة التحدي، في حقبة جديدة، تتكرس فيها القِيم العالمية للديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية والعدالة والأمن.

   من مدريد، ننطلق في مسعانا وراء السلام معاً، لكي نضع حرمة الحياة الإنسانية في مركز عالمنا، ونعيد توجيه طاقاتنا ومواردنا، من السعي وراء التدمير المتبادل إلى السعي وراء الرفاهية والتقدم، والسعادة المشتركة.

   نحن، شعب فلسطين، نقف أمامكم، بكامل آلامنا وعزتنا وتوقعاتنا فطالما حملنا حنيناً للسلام وحلم العدالة والحرية. لفترة طويلة من الزمن، لم يصغ أحد للشعب الفلسطيني، بل فرض عليه الصمت والإنكار، وتمّ نفي هويته، لمصالح سياسية. وكفاحنا العادل ضدّ الظلم، قد شوِّه، واختُزلت هويتنا ووجودنا، نتيجة مأساة سابقة لشعب آخر والجزء الأكبر من هذا القرن ... فقد وقعنا ضحية الأسطورة، التي تقول الأرض بدون شعب، ونوصف، بدون ذنب، أننا الفلسطينيون المنفيون. وأمام هذا التعالي المتعمد، رفضنا الاختفاء، أو قبول الهوية المشوهة. وانتفاضتنا شهادة على جلَدنا ومثابرتنا. وقمنا بشنها في كفاح عادل، لاستعادة حقوقنا. وقد حان الوقت، لنطرح قضيتنا، ولنقدم الشهادة، كدعاة للحقيقة، التي ظلت مدفونة في وعي وضمير العالم. ولا نقف أمامكم كمتوسلين، بل كحملة مشعل، نعرف أنه، في عالم اليوم، لا يوجد أي عذر للجهل. نحن لا نطلب الاعتراف بالذنب لبعض أفعال الماضي، أو الانتقام لظلم سابق، بل نطالب عملاً إرادياً، يجعل السلام العادل حقيقة. ونتحدث عن إيمان كامل بعدالة قضيتنا، وصحة تاريخنا، وعمق التزامنا؛ وهنا، تكمن قوة الشعب الفلسطيني، اليوم، فقد تجاوزنا جدران الخوف والتردد. ونودّ أن نرفع صوتنا، بجسارة وأمانة، يستحقها تاريخنا ومسيرتنا.

   إن الدولتين الراعيتين لهذا المؤتمر، دعتنا هنا، لنعرض قضيتنا، وأن نمد يدنا إلى الآخر ... الآخر الذي واجهنا معه حقيقة، ينفي نصفها، والنصف الآخر في أرض فلسطين. ولكن حتى في دعوة لهذا المؤتمر للسلام، فإن مسيرتنا، قد شوِّهت، والحقيقة، اعتُرف بها جزئياً.

   الشعب الفلسطيني شعبٌ واحدٌ، قهرته قرون من التاريخ. في فلسطين، يرتبط شعبنا ببعضه البعض بذاكرة جماعية، من الأحزان والأفراح المشتركة، ووحدة الهدف والرؤية.

   إنّ أغانينا وأناشيدنا، وقصصنا الشعبية، وحكايات الأطفال، وبكائنا، وتصويرات شعرنا ـ تتخللها نبرة الشجن، التي تلون أسعد لحظاتنا، فهي لا تقلّ أهمية عن أواصر الدم، التي تربطنا بشعائرنا وعائلاتنا. إلا أن الدعوة لمناقشة السلام، الذي ننشده ونحتاجه، تقوم إلى جزء فقط من شعبنا يتجاهل وحدتنا القومية والتاريخية والعضوية. فقد انتزعنا من أشقائنا وشقيقاتنا في المنفى لكي نأتي هنا أمامكم كفلسطينيين تحت الاحتلال بينما نحن نمثل مصالح الشعب ككل، وقد حرمنا من حق الاعتراف العلني بوفائنا لقيادتنا. إلا أن وفاءنا، لا يمكن فرض الرقابة عليه، أو الانتقاص منه. إن قيادتنا المعترف بها عادلة، والمجسدة بشكل ديموقراطي لشعبنا ـ هي رمز هويتنا الوطنية ووحدتنا، وهي حارس ماضينا، وحامي حاضرنا، وأمل مستقبلنا. شعبنا أودع في تلك القيادة الوصاية على تاريخنا، لحماية هذا التراث الغالي … هذه القيادة، قد اعترف بها مجتمع الأمم، بكل وضوح، ودون تحفّظ، باستثناءات قليلة. وبصرف النظر عن طبيعة اضطهادنا وظروفه، سواء مصادرة الأراضي أو النفي أو الوحشية أو القمع … فالاحتلال لا يمكن أن يمزق شعبنا إرباً … الشعب موحد، كأمة، أينما فرض عليه أن يكون. القدس هي المدينة، التي ليست فقط روح فلسطين، بل مهد الديانات العالمية الثلاث، موجودة حتى وإن ادُّعي أنها غائبة من هذا المسرح. هي واضحة، رغم أن الاستبعاد المصطنع من هذا المؤتمر، يعد إنكاراً لحقها في السعي وراء السلام وإخلاص، فهي أيضاً قد عانت من الحرب والاحتلال. القدس مدينة السلام، قد منعت من حضور مؤتمر للسلام، وحرمت من أداء دعوتها.

   إن القدس الفلسطينية، عاصمة وطننا، ودولتنا المرتقبة ـ تعرف الوجود الفلسطيني، في الماضي وفي الحاضر والمستقبل. هي حرمت وأسكتت صوتها وهويتها. هي تتحدى الملكية الخالصة والاسترقاق. إن ضم إسرائيل للقدس، يعتبر، بكل وضوح، غير مشروع، في أنظار المجتمع الدولي، وتعد إهانة للسلام، الذي تستحقه مدينة القدس … نأتي إليكم من أرض معذبة، ومن شعب، يعتز بنفسه وإن كان أسيراً، وطلب منا، أن نتفاوض مع من يحتلنا، ولكننا تركنا وراءنا أطفال الانتفاضة والشعب ... تحت نيران الاحتلال وحظر التجول.

   الذين ناشدونا بألا نستسلم أو ننسى. وبينما يتحدث الآلاف، من أشقائنا وشقيقاتنا، يرزحون في سجـون إسرائيليـة ومعسكرات الاعتقال، محتجزين، أغلبهم دون أدلة أو اتهام أو محاكمة، كثيـراً ما تساء معاملتهم، بقسوة، ويعذبون أثناء الاستجواب، وذنبهم الوحيد سعيهم وراء الحرية وتحدي الاحتلال. نتكلم باسمهم ونقول ... أطلقوا سراحهم.

   وقبل كل شيء، كيف نشرح لأولئك الذين صودرت أراضيهم، وسلبت مياههم العذبة، كيف نشرح لهم رسالة السلام؟ أزيلوا الأسلاك الشائكة … ردوا الأرض والمياه العذبة ... ينبغي للمستوطنات أن تتوقف، لأن السلام لا يمكن أن ينطلق، بينما تغتصب الأراضي الفلسطينية، بشتى الطرق، ووضع الأراضي المحتلة، يتقرر، يومياً، تحت البلدوزارات الإسرائيلية والأسلاك الشائكة. هذا ليس مجرد موقف، بل هي حقيقة، لا تنكر.

   الأرض للسلام، هي مهزلة. ولكن عندما تكون أرضاً للاستيطان غير المشروع، فهي السياسة الرسمية لإسرائيل.

   ينبغي أن تتوقف المستوطنات. وباسم الشعب الفلسطيني، نود أن نخاطب الشعب الإسرائيلي، الذي تبادلنا معه الآلام، لفترة طويلة: لنقاسم الأمل، بدلاً من ذلك. نحن على استعداد أن نعيش جنباً إلى جنب، على الأرض، ونشاطر وعد المستقبل.

   وقد سرنا في مظاهرات، واختنقنا سوياً، نتيجة قنابل الغاز المسيل للدموع. ولا يمكن لأحد أن يختار المعاناة، فالألم لا يعرف الحدود الوطنية. وقد كونا سلسلة بشرية، أحاطت بالقدس، ونادينا بالسلام لنقِيم هذه السلسلة الأخلاقية المعنوية حول مدريد. ونواصل جهدنا النبيل، من أجل السلام. ووعدت الحرية لأنجالنا، لنكسر حواجز الشكوك والمخاوف المصطنعة. لننظر إلى المستقبل بأمل وإلى أشقائنا العرب الذين يمثلون في هذه المناسبة التاريخية. نعبر عن عرفاننا ووفائنا لدعمهم وتضامنهم المستمر. ونعمل سوياً لإيجاد سلام عادل، ودائم، وهو حجر زاوية الحرية في فلسطين ... العرض للفلسطينيين وإنهاء الاحتلال لكل الفلسطينيين والأراضي العربية، حينذاك فقط، سوف نتمتع بثمار السلام ـ الاستقرار ـ الرخاء ـ والأمن والكرامة الإنسانية والحرية. وبالذات نوجهه إلى زملائنا الأردنيين في وفدنا المشترك، فشعبانا لهما علاقة جغرافية وتاريخية خاصة.

   إن شعب فلسطين، يتطلع إليكم بنظرة ثاقبة، صريحة، محاولاً الوصول إلى قلوبكم. فقد استطعتم أن تثيروا آمالنا. ولا يمكن أن تثبطوا، همتنا، فقد ظللنا أوفياء لقضيتنا. ونحن، الشعب الفلسطيني، بقفزة كبيرة، داخل المجلس الوطني الفلسطيني، في نوفمبر عام 1988، وخلاله، أطلقت منظمة التحرير الفلسطينية مبادراتها للسلام، على أساس قرارَي مجلس الأمن 242، 338، وأعلنت الاستقلال الفلسطيني، بناء على القرار 181 للأمم المتحدة، التي أقامت دولتَين، عام 48، إسرائيل وفلسطين. وفي ديسمبر 1988، وفي خطبة تاريخية، أمام الأمم المتحدة، في جنيف، أدت مباشرة إلى انطلاق الحوار الفلسطيني ـ الأمريكي ومنذ ذلك الوقت، استجاب شعبنا بالإيجاب إلى كل مبادرة سلمية جادة، وفعل ما في وسعه لكافة نجاح هذه العملية. من جانب آخر، وعلى العكس، وضعت إسرائيل العقبات والعقبات، أمام طريق السلام، لكي تنفي صحة هذه العملية ـ نشطتها غير القانونية، المحمومة، في ميدان المستوطنات ـ دليل صارخ لربطها. فالمستوطنات الأخيرة، أقيمت منذ يومين فقط. إن هذه القرارات التاريخية للمجلس الوطني الفلسطيني، انتزعت مسيرة التاريخ، من المواجهة الحتمية والنزاع، ووجهتها نحو السلام. والاعتراف المتبادل في أيدينا وبإرادتنا.

   قمنا بتشكيل مستقبل شعبنا. وبرلماننا أطلق رسالة شعب، له الشجاعة بأن يقول نعم لتحدي التاريخ، في قراراته، في الشهر الماضي، في الجزائر. وفي اجتماع آخر، في تونس، قلنا ينبغي أن نعامل بالمثل، وأن نحصل على السلام ويمكن أن نتحمل رفض شعب آخر.

سيداتي، سادتي.

    في الشرق الأوسط، هناك دولة مفقودة، وهي دولة فلسطين. ينبغي أن تولد الدولة على أرض فلسطين.