إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

تعقيب كامل أبو جابر، رئيس وفد الأردن

في مؤتمر مدريد للسلام

في 1 نوفمبر 1991

    إن موقف الأردن، يرتكز على أرضية معنوية متينة، يلتزم بالمبادئ، ويلتزم بأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وضمانات الدول الخمس، ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ولا سيما الدولتَين الراعيتَين للمؤتمر.

   وكان يحدونا الأمل، أن هذا سوف يضفي شعوراً بالتوازن، خصوصاً وأننا شددنا على ضرورة بناء التسوية التفاوضية ... وعلى أساس إطار مؤسسي قانوني. ولكن، بدلاً من ذلك، يبدو أن الزمن قد توقف، بالنسبة لإسرائيل. وكان يحدونا الأمل، وما زال، يحدونا الأمل في أن روح مدريد، سوف تحدث تغييراً في الشعور والاتجاهات، يفضي إلى بلورة موقف مضمون. وما استمعنا إليه مع هذا، كان، في الواقع، تقهقراً آخر نحو القوالب.

    الأيديولوجية القديمة، التي صممت، بكل وضوح، لتنهي العملية، بل الأسوأ من ذلك لتقويضها.

   ومن دواعي الحزن، أن ما استمعنا إليه، هو تكرار لمواقف سابقة، تشير، مرة أخرى، إلى تصلّب آخر، وإلى نكسة أخرى لروح التوفيق. إن المواقف، صممت، بوضوح، لتشيع الغموض ... ليس فقط للصفحات التاريخية ... التي تناسب ضغائن معينة ... بل الأسوأ من ذلك، تدفع الطرف الآخر ليربض في الخنادق الأيديولوجية الجامدة، التي كان يحاول تجاوزها.

   بالضرورة، كان الإسرائيليون يعرفون، أنهم قدموا إلى فلسطين، ولم تكن إقليماً خاوياً، بل كان أجداد الفلسطينيين، يقطنون هذا الوطن، حينذاك، وكانت تسمى بأرض اللبن والعسل.

   ليس هدفنا، الآن ... ولم يكن هدفنا قط، عندما أوضحنا موقفنا، أولاً، أن ننخرط في جدل تاريخي ... ونحن، أيضاً، لدينا تصورنا للتاريخ، ولدينا قصة نقصها ... وبينما يوجد في ثقافتنا جمال رقيق ... هناك أيضاً، ديمومة ضاربة، حتى الآن، لها رأي بشأن الموقف الجسور، الذي اتخذناه.

   وكان يحدونا الأمل، أننا سوف نفلت من ماضينا ... ليس من منطلق إنكار الماضي ... لا، قَط ... بل أملاً في استشراف المستقبل ... مستقبل أكثر إشراقاً، بالنسبة لأطفال الإقليم.

   وكان يحدونا الأمل، أن المشتركين، سوف يغتنمون هذه اللحظة التاريخية، ويرتفعون إلى مستواها، بدلاً من عملية إعادة كتابة التاريخ بطريقة انتقائية. إن لبّ النزاع العربي ـ الإسرائيلي، يدور حول الأراضي المحتلة … إن القول بأن القضية، ليست الأرض، يعد تقليصاً صارخاً للحقيقة … وقد جئنا هنا، مستعدين لصنع السلم، في إطار تسوية شاملة، وعادلة. وقد حان الوقت لإسرائيل، أن تعترف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، على أرضه ووطن أجداده. ومهما بلغ الإنكار، فهو لن يطمس هذه الحقيقة.

   إن السلبيات، التي تجلت في بيان إسرائيل، تختلف اختلافاً جوهرياً عن استعداد الجانب العربي للتفاوض، بشأن تسوية مشرّفة. مرة أخرى، قالت إسرائيل، لا لتقرير المصير الفلسطيني، لا للانسحاب من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس العربية ... لا للانسحاب من قطاع غزة ... مرتفعات الجولان والأراضي الأردنية، بالإضافة إلى جنوب لبنان.

   بجرأة، وعلى الملأ، أعلنت إسرائيل، فعلاً، عن نيتها الاحتفاظ بموقفها غير القانوني، ومواصلة برنامجها الاستيطاني.

   وكان يحدونا الأمل، أن الوقت قد يكون قد حان، لكي تتجاوز إسرائيل العبء الثقيل، الناجم عن جراحها السابقة ... وأن تسلك طريقاً، يؤدي إلى مستقبل أفضل. بدلاً من ذلك، فهي تتشبث بالماضي، وتستسلم لجراحها، الذهنية والمادية.

   نحن تحاشينا السلبية والشعارات، التي تثير الحزازات، آملين في اتخاذ خطوة أولى، لرأب الصدع الجسيم. كان أملنا أن نسكت المهاترات الجامحة المتطرفة ... وقد أبرزنا رؤيتنا لسلام مشرّف دائم، وشامل ... سلام نستطيع، نحن وأطفالنا، أن نعيش فيه.

   ينبغي، أيضاً، أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة، باعتزاز ... وسوف نفعل ذلك. وهذا يشرح لماذا يقوم موقفنا على القرارَين 242 و338، على الرغم من تسليمنا، أن القرارَين هذَين، يقلاّن عن العدالة المطلقة.

   إن الأردن ملتزمة، بشكل لا رجعة فيه، بقضية السلام النبيلة. ونحن على أهبة الاستعداد، الآن، كما كنا، دائماً، نقدم نصيبنا المنصف، لتحقيق ذلك. ولكن، وأقول، مرة أخرى، نحن لا نسعى للسلام بأي ثمن، بل على العكس، نحن نسعى إلى العدالة والإنصاف والشرعية.

   تستطيع إسرائيل أن تحصل، إما على الأرض، أو على السلم ... ولكن، ليس على الاثَنين معاً ... تستطيع أن تحصل على الأمن الحقيقي، الذي ينبثق من تسوية تفاوضية سياسية ... أما القوى، وحدها، فلن توفر الأمن، إلا عندما يقبلها جيرانها فقط، كجزء من الإقليم، وليس كوجود غريب فيه.

   وأودّ أن أكرر موقف الأردن، الذي يرتكز على مبدأ بسيط، وصحيح: "الأرض مقابل السلام". وبالتالي، ندعو إسرائيل أن تنصاع لقرارَي مجلس الأمن 242 و338، وكذلك القرار 425، الذي يطالب إسرائيل، أن تجلو من الأراضي المحتلة، ومرتفعات الجولان، ولبنان.

   إن رفض إسرائيل، أن تمتثل لهذه القرارات، يقوّض مصداقية الهيئة العالمية، ويثير، بكل جدية، قضية انعدام التماثل، وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي.

   يتعين أن يحصل الفلسطينيون على حق تقرير المصير، على أرضهم، وممارسة هذا الحق ... وبالتالي، فإن الإيقاف الفوري لإقامة المستوطنات، يعد شرطاً مسبقاً، أساسياً، لتسوية شاملة إقليمية. ليس فقط إسرائيل، هي التي تحتاج إلى الأمن، بل كل دولة في الإقليم، تحتاج إلى الأمن.

   وبالنظر إلى الاختلال في المعادلة العسكرية، يتجلى أن الجانب العربي، هو الطرف الذي في حاجة أشد للأمن، وضمانات الأمن.

أيها السيدات والسادة.

    لم نأت إلى مدريد، مكان هذا المؤتمر التاريخي الدولي، لمجرد الخوض في جدل أو مناقشة أو كسب النقاط، ضد بعضنا البعض. جئنا هنا بغرض البحث الجدي في عناصر تسوية سلمية شاملة. منهجنا ما زال بناءً، وثقتنا وإيماننا في الجدية والتزام الدولتًين الراعيتَين، لا يتزعزعان.

   ربما ترغب إسرائيل في السلم، حقاً ... ولكنها ترغب أن يدفع العرب، وحدهم، الثمن، مرّة أخرى ... ونجد أنه من الضرورة، أن نبرز، أن المسألة هي مبادلة الأرض. الأرض في مقابل السلام ... هذا هو الذي يعد بمستقبل مشرق، ويتعدّى بكثير مجرد التواجد والتعايش.

   وإذا كنا نطالب، بحزم وبوضوح، بتحقيق التسوية المشرّفة الدائمة، وإن كنا نأمل، أن نحرّك المنطقة من الماضي نحو المستقبل الواعد، بدلاً من ذلك، نجد أن إسرائيل ما زالت تتشبث بالماضي.

   أعطوا المنطقة فرصة. أعطوا السلام فرصة، لكي نوقف ونعكس مسار الاتجاهات الأيديولوجية الهمجية المذعورة، التي سوف تؤدي أنوار السلام إلى إنهائها؛ وهذا أملنا. وشكراً للسيد الرئيس.