إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

تعقيب حيدر عبدالشافي، رئيس الوفد الفلسطيني

في مؤتمر مدريد للسلام

في 1 نوفمبر 1991

    من الأسف، ومما لا يثلج الصدر، ألا يكتشف إسحاق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أي شيء، ليجيب عنه، في بياننا، الذي أدلينا به، أمس الأول، ونحن نتحدث عن معاناة وعذابات الفلسطينيين، في ظل الاحتلال الإسرائيلي. يبدو لي، أن السيد شامير، يريد أن يعود بنا إلى حالة من الجدل، قررنا ألا ننضم إليها. السيد شامير، غادر الحفل الكريم، صباح اليوم، بحجة يوم السبت؛ وهذه مسألة، ليست مقنعة لنا. ومسألة الحقوق الدينية، لا أعتقد أنها بأهمية ما نناقش. اليوم يوم الجمعة، مثلاً، يوم الصلاة للمسلمين … واخترنا نحن، أن نبقى في هذه القاعة، وألاّ نغادر لمزاولة طقوس العبادة الخاصة بنا.

السيد بوريس بانكين، وزير الخارجية السوفيتي.

السيد جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي.

سيداتي سادتي.

    اسمحوا لنا، في البداية، أن نهنئ راعيَي المؤتمر؛ إذ أفلحا حيث أخفق الكثيرون، من قبْل. وانعقاد المؤتمر، في حد ذاته، ليس بالإنجاز الهين، بل هو إشادة بالمثابرة والجلد والعمل الجاد، مما يستحق تقديرنا. ولو اقتبسنا عبارة أدبية، لقلنا يتطلب نجاح هذا المؤتمر التاريخي، تعليقاً إرادياً لعدم التصديق، أي الاستعداد والمقدرة على ولوج دروب جديدة، لم نعتد قراءة معالمها وصورها، ولم تتحدد تضاريسها. ويتطلب هذا المسعى الجادّ، الذي نبدأه في مدريد، حدّاً أدنى من الفهْم المتعاطف، لكي نشرع في عملية السير؛ فعصرنا يتطلب تطوراً سريعاً لخطاب نتشاطره. ويمكن أن تفضي إلى توليد تصورات جديدة مناسبة، تعد أساساً، أو نسمح بتشكيل المواقف المتعلقة إلى المستقبل ويرسم خرائط جديدة للطريق.

   إن لم نصلح في ذلك، لما رحمنا الزمن، ولساءلتنا شعوبنا. وبالتالي، فإن مهمتنا، بل واجبنا، هو أن نربأ بأنفسنا عن المفاهيم الاستاتيكية المتكلسة، أن نتخلى عن الحجج الدائرية إلى الأبد عن الأيديولوجية الرجعية، أن نتخلى، أيضاً، عن المواقف المحددة، المقيدة، الجامدة؛ لأن مثل هذه المواقف تقيم سوراً بين المتحدث وجمهوره، يختفي وراء المتحدث، في مواقف دفاعية متعنتة. وقد نوافق على أن إثارة ردود الفعل الدفاعية المباشرة، من خلال الاستفزاز والاستعداء، قد تولد، لكنها طاقة قصيرة جداً، ومؤقتة جداً، ومدمرة، في نهاية المطاف. وطاقة موجهة، ذات زخم حقيقي، تقوم على التزام مسؤول ومتبادل أنداد، استناداً إلى طريحات واضحة، بغض النظر عن مدى الخلاف، بكل زمان. نحن وفد فلسطيني، جئنا إلى هنا، لكي نفرض عليكم تحدياً، لكي نعرض عليكم إنسانيتنا، ولكي نتعرف على إنسانيتكم، لكي نتجاوز الماضي، ونحدد النبرة لبدء عملية سلام، في إطار من التبادلية والإفصاح والاعتراف.

سيداتي وسادتي.

    الشجاعة تصنع السلام، والمثابرة تفخر به. والسيد رئيس الجمهورية الأمريكية، جورج بوش، في بيانه الاستهلالي، بعث برسالة واضحة، للمشاركين، وللعالم، ألا وهي الوعد بالسلام، على أساس من الإنصاف والشرعية، كعناصر أساسية فيه.

   ومما أثلج الصدور، أن مبادرة السلام الفلسطينية، تقوم على أساس هذَين المبدأَين ... ومعظم البيانات، التي استمعنا إليها، أكدت هذَين المبدأَين، وسعت إلى تبيان جدية النوايا ... أما بيان إسرائيل، فقد ظل الاستثناء، وظل حبيس لغة حفرية، لا تفيد إلا الخصومة، ولا تستطيع أن تستجيب لهذه المناسبة، ولظروفها ولمضمناتها.

   ولكن أيام السيطرة، وسياسات التلاعب، قد ولت، وظهرت حقائق عالمنا المعاصر الجديد، التي تكرسها مبادئ السياسة، القائمة على الأخلاق والانسجام العالمي، كمعايير للقيمة ومقاييس لها. كما أننا، لا نفهم كيف يمكن لإسرائيل، أن تخرق، دونما عقاب ... تكامل هذه العملية، وتوافق آراء المشاركين للقرار 242.

   ومبدأ الأرض مقابل السلام، يمثلان صلاحيات المؤتمر ومصدر السلطة القانونية ... للمؤتمر ومفاوضاته، كما جاء ذلك في الدعوة ... ورد الفعل الإيجابي لشعب فلسطين كافة، السبب فيه، هو الاعتراف بهذا الالتزام، وتقديم هذا الالتزام.

   أما جوهر القرار 242، كما جاء في لهجته، عدم جواز احتلال الأراضي، عن طريق الحرب، وبالتالي، فهناك تعريف داخلي ملزم، في هذه الديباجة، لا يمكن، بطبيعة الحال، أن نغير من تفسيره. لقد جئنا هنا، لتنفيذ هذا القرار، لا لإجراء شرح على تفسيرات، بشأن المذكرات ومفرداتها، أو أن نكون طرفاً لإنكار هذا القرار، أو لاستبعاده من جدول أعمال السلام. إن هذا ليس مطلباً عربياً وفلسطينياً فحسب، بل هو طلب الأسْرة الدولية، واختبار للعهد الجديد في السياسة الدولية. وما جاء في 242، ينسحب، أيضاً، على القدس الشرقية؛ لأنها ليست أرضاً محتلة فحسب، بل رمز عالمي للإبداع الثقافي، والإثراء الروحي، والتسامح الديني. وفي واقع الأمر، هناك تصدر به تصريحات، ويشابه نظام التميز العنصري، ويفرض على العديد من الفلسطينيين، الذين يريدون دخول المدينة المقدسة. وهذا يثير القلق والاستفزاز. إن بوابة القدس، يجب أن تظل مفتوحة، القدس الفلسطينية هي وسيلة لتعريف الذات الفلسطينية، ولتأكيد وجودنا المتواصل على أرضنا.

   القضية هي الأرض. والقضية التي نراهن عليها، هي بقاء الشعب الفلسطيني على قيد الحياة، على ما تبقى من أشجار زيتونه، ومن جباله المبرزة، والوديان الآمنة، ومن بيوته العريقة في القدم، ومن قراه ومن مدنه. والشرعية الدولية، تتطلب رد الأراضي، العربية والفلسطينية، المحتلة بشكل غير قانوني، لأصحابها الحقيقيين. وعلى إسرائيل، أن تعترف بمفهوم الحدود، السياسية والقانونية والأخلاقية والإقليمية. ويجب أن تقرر أن تنضم إلى المجتمع الدولي، من خلال قبول شروط القانون الدولي، وإرادة المجتمع الدولي. ولا يمكن للف أو الدوران أو خداع النفس، أن يغير من هذه الحقيقة. لا يمكن أن نحصل على الأمن، من خلال احتجاز أراضي الآخرين.

   والجغرافيا ليست معياراً للأمن، بل إن العكس، هو الصحيح. الإبقاء على الأراضي المحتلة، أو التوسع في احتلال الأراضي، هو أسلوب مؤكد، يؤدي إلى مزيد من العدوان والخصومة.

   ونحن نعرض على شعب إسرائيل فرصة فريدة، لتحقيق الأمن الحقيقي، من خلال حل المشكلات والشكاوى، وأسباب عدم الاستقرار، والنزاع. فإذا نجحنا في ذلك، لتمكنا من إقامة استقرار دائم، وأمن مستتب ... نحن شعب فلسطين، نقترح على الإسرائيليين طريقاً بديلاً ... لأن نتخلى عن الخوف المتبادل وانعدام الثقة، تقترب على أساس حل، يقوم على تكوين دولتَين، ونعمل معاً نحو التنمية والرفاهية في منطقتنا، على أساس المنافع المشتركة والازدهار والطاقة والموارد ... بالفعل، هذه الرغبة في هذه العناصر، لا تؤدي إلى الدمار المشترك، ولا الدفاع عن النفس. وبالتالي، نحتكم على انتهاز هذه الفرصة، لمجابهة تحديات السلام. إن المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المصادرة، ونزع الملكية، لا شك تمثل عقبات لهذه العملية، التي بدأت لهذا المؤتمر، وهي من العقبات الأساسية على طريق السلام، وهي انتهاك صريح لحقوق الفلسطينيين، واتفاقية جنيف الرابعة، وكل أنشطة الاستيطان. ومصادرة الأراضي الفلسطينية، يجب أن تتوقف؛ لأن هذه تدابير، تمثل نهباً منظماً، يجاز القول، لتراث شعبنا ومستقبله.

   إن الفلسطينيين شعب له حقوق وطنية مشروعة. نحن لسنا سكان الأراضي، ولسنا صدفة تاريخية، أو حدثاً تاريخياً، ولسنا عقبة لخطط إسرائيل التوسعية، ولسنا، أيضاً، مشكلة سكانية مجردة.

   إننا في واقع الأمر، لا يمكن أن نوافق على ذلك الرأي ... الفلسطينيون، في المنفى أو في ظل الاحتلال، شعب واحد متحد، على الرغم من الظروف القاسية. وهم عازمون على ممارسة حقهم، وتقرير مصيرهم، وإقامة دولة مستقلة، في ظل سيادة مشروعة، معترف بها ... مشكلة اللاجئين، سوف نتعرض لها، في إطار المفاوضات، ذات الوضع المركزي الدائم، في ظل قرار الأمم المتحدة 194.

   ولقد أعلنا عن موافقتنا على المرحلة الانتقالية، كجزء من هذه العملية، بشرط أن تكون منطقية، ومترابطة، وفي إطار فترة زمنية محددة، دون تشكيك أو مساس بالمركز، أو بالوضع الدائم. وخلال المرحلة الانتقالية، يجب أن يتمتع الفلسطينيون بسيطرة، لها دلالة، على القرارات، التي تؤثر في حياتهم ومصيرهم. مرحلة يمكن، بالفعل، أن تعيد لوطنهم النازحين عام 1967، وتوحيد الأُسَر، التي تفرقت. ولقد قلنا، أيضاً، إننا بحاجة إلى الحماية، وإلى تدخّل طرف ثالث. ونحن نقوم بهذه التسوية، في ظل شروط الاحتلال القائمة.

   إن السلام حالة من حالات التحضر بين المجتمع. السلام الحقيقي بين الشعوب، لا يمكن أن يسبق حل المشكلات، التي تمثل لبّ هذا النزاع. وبالتالي، هذا هو الحل، الذي يفتح الباب أمام السلام، وليس العكس. وعلى خلاف ذلك، لقد أعلنا، رسمياً، وعلى رؤوس الأشهاد، وطلبنا راعيَي المؤتمر مباشرة، أو من خلال الأمم المتحدة، أن توضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت الوصاية، لحين التوصل إلى تسوية نهائية.

   إن شعب فلسطين على استعداد لطلب الحماية منكم، ولحماية أراضيه، حتى يتوصل الشعب الفلسطيني إلى سلام مشروع، ومنصف. هذا هو الشعب، الذي احتفل بكم، من خلال تقديم السلام لجنود الاحتلال الإسرائيلي، والأطفال الفلسطينيون، كانوا يزينون الدبابات الإسرائيلية. علينا أن نسعى سوياً إلى تحقيق سلام عادل، في الشرق الأوسط.