إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









وثيقة

وثيقة

بيان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي

في التعقيب على مؤتمر مدريد للسلام

في 1 نوفمبر 1991

 السادة الزملاء الموقرون.

    كنا قد عبّرنا عن تقديرنا وامتناننا لمضيفينا، الأسبان، على حُسن الإعداد لهذا المؤتمر. وأبدأ بياني، ثانية، لكي أكرر هذا الشكر، وذلك التقدير ... على مدى الشهور الثمانية الماضية، بذل عدد من دول المنطقة جهوداً جبارة، وأسهم، بشتى الطرق، في جعل هذا المؤتمر ومفاوضاته ممكنة. والبعض منهم، لم يحضر معنا هنا، وهم أفراد أسهموا إسهاماً في هذه العملية، ودون جهودهم، لما تمكنا من عقد هذا المؤتمر. وفي هذا المقام، أريد أن أشيد بالشخصيات التالية:

   الرئيس حسني مبارك، رئيس مصر، الذي كان من الثقات، ومن المستشارين، والأصدقاء، والمنادين بهذه العملية، منذ البداية. والملك فهد، ملك المملكة العربية السعودية، الذي أثبت، بالقول والفعل، أن ثمة فرصاً جديدة لحلول السلام، بين العرب والإسرائيليين، في أعقاب حرب الخليج، والذي دلل على تمسكه باعتماد نهج جديد في العالم العربي. وإلى رئيس الجمهورية العربية السورية، السيد حافظ الأسد، الذي أكد لي، أن سورية، قامت بخيار وقرار تاريخيَّين، لصالح السلام، والتزمت سورية، مبكراً، بهذه العملية، وهذا شرط حيوي.

   وأريد، أيضاً، أن أشيد بالملك حسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، الذي أثبت، من خلال شجاعته، وقدرته القيادية، واستعداده، أنه مستعد، بشكل رسمي، وسريع، لدعم هذه العملية، الأمر الذي أبدى استعداداً على ضرورة التوصل إلى اتفاق لهذا المؤتمر، بما فيه المفاوضات الثنائية، لتحرك السلام الفعلي بين إسرائيل وجيرانها. ولوزير خارجية إسرائيل، ديفيد ليفي، الذي أثبت، أيضاً، أنه يؤمن بعملية سلام، لها دلالاتها، والذي عمل، بقدر كبير، لتذليل العقبات على طريقنا. والرئيس إلياس الهراوي، رئيس السلطة المركزية، في بلده، وهذه خطوة أساسية نحو السلام في المنطقة. وإلى الفلسطينيين، الذين التقيت بهم، وهم الحسيني وحنان عشراوي، فقد أثبتا، من خلال شجاعتهما الخاصة، في مواجهة كافة الضغوط، أن إمكانية توفير حياة أفضل للفلسطينيين، متاحة، وحتى في هذه المرحلة التاريخية، التي نشهد فيها تغيرات جذرية في العالم.

   فإن الرئيس بوش، والرئيس جورباتشوف، دعيا إسرائيل والدول العربية والفلسطينيين إلى السلام. وهذا يبين، بجلاء، نهاية الحرب الباردة، وازدهار العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، لحل النزاعات الإقليمية. لقد بدأ زمن التعاون، وانتهى الاستقطاب، وحل محله التنسيق. وما كان غير متصور، من قبْل، أن يرعى كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، عملية السلام في الشرق الأوسط ـ أصبح حقيقة واقعة، هذا الأسبوع.

   ونحن، في واقع الأمر، نحاول أن نقيم سلاماً، من خلال المفاوضات. وقد بدأ هذا العمل. ونحن ننظر إلى تحديات المستقبل. وتعيّن أن نتذكر معاً ما أنجزناه، بالفعل. فلعقود طويلة، لم نتمكن من الاتفاق على التفاوض بين الأطراف. وفي نهاية هذا الأسبوع، سوف تبدأ المفاوضات الثنائية المباشرة، الرامية لسلام فعلي شامل. وبعد بضعة أسابيع، فإن الأطراف الراغبة في المشاركة، سوف تجتمع، لتنظيم المفاوضات المتعددة الجوانب، حول عدد من القضايا، التي تؤثر في ازدهار شعوب المنطقة.

   هذه ليست مجرد كلمات. فعلى مدى الشهور الثمانية الماضية، من العمل الدبلوماسي المكثف، وجدنا أن بعض الأطراف، أحياناً، عادت إلى اتخاذ شعارات قديمة، واستخدمت رموزاً أكل عليها الدهر وشرب، وأبدت، أيضاً، استعدادها للبدء العملي في حل المشكلة، بشكل ملموس.

   إننا نريد أن نكون وسيطاً أميناً، ولنا موقفنا، طبعاً، وراء عملية السلام. وسوف نعبّر عنه. ولكن، بما أننا وسيط أمين، ولنا خبرة ناجحة في مفاوضات الشرق الأوسط، فنحن نعلم، أيضاً، أن هذه المساهمة الحساسة، من جانبنا، يجب أن تتمثل في الإقناع والتأثير الهادئين، وراء الكواليس. وكما قلت، أنا والرئيس بوش، في الأسبوع الماضي، نريد أن نكرر بعض الأمور الأساسية؛ لأن الأطراف، من خلال هذا المؤتمر، أوضحت بعض الشروط الأساسية الثلاثة، بالتحديد، في سعيها للسلام. هي:

أولاً:   استمعنا إلى ما عبّر عن رغبتهم في السلام، ورغبة شعوب المنطقة في العيش، في علاقة حُسن جوار مع جيرانها، علاقة تتسم بمعاهدات السلام، والعلاقات الاقتصادية، والعلاقات الثقافية والسياسية.

ثانياً: استمعنا إلى من عبّر عن أن حديثه، هدفه الأمن، وأن تعيش شعوب المنطقة في جو خالٍ من الخوف. إن الأراضي والأمن والسلام، هي عناصر غير قابلة للانفصال، في سعينا إلى تسوية شاملة.

ثالثاً:   وقد عبّرت أطراف، أيضاً، عن أن السلام، وحده، لا يمكن أن يقوم، دون التوصل إلى حل، يتعلق بالأراضي والأمن؛ وأن الحل، في حد ذاته، يمكن أن يسوي النزاع، دون ما يتوفر السلام والأمن، وهذه هي العملية التي بدأناها.

    ولا يمكن أن ننجح إلا إذا طرحنا هذه القضايا الثلاث، على التوالي، وحلها وعملية التفاوض وإنما نريد أن نقول، إننا سوف نسعى سوياً، إلى تحقيق التسوية في العملية، وإننا على استعداد لمساعدة الأطراف، طوال هذه العملية.

   إن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، على استعداد للمشاركة في المفاوضات بأنفسهم، إذا وافقت الأطراف على ذلك. وبالتالي، فإننا سوف نقوم بواجبنا، ولكننا لا نستطيع أن نقوم بواجبكم مكانكم. الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، سيواصل كلٌّ منهما في تقديم المشورة والتوصيات والاقتراحات والآراء، للمساعدة في عملية السلام. أحياناً ستوافقون على هذه الآراء، وأحياناً سيوجد إحباط، وأحياناً أخرى سوف نقوم بعمل هادئ، من وراء الكواليس، وأحياناً سنعبّر عن وجهات نظرنا ومواقفنا، بوضوح، على رؤوس الأشهاد. كل ذلك، على أي حال، لا ينفي عنكم جميعاً الالتزام والتعهد لإقامة السلام، المجهود الذي نبذله نحن، وأنتم تحتاجون للسلام، لأنكم المتأثرون نتيجة لعدم الجلوس.

   والأطراف في هذه العملية، لا يمكن، طبعاً، أن نتوقع منها، أن تقوم بجهودها خارج الإطار السياسي القائم. ولكن من المتوقع، أن تقوم هذه الأطراف بتحديد وتشكيل وتوجيه وتسهيل السياسة، في هذه المنطقة. وقادة المنطقة، يتعين عليهم، أن يتخذوا القرارات الصعبة، الشجاعة؛ وكان من المفروض، أن تتخذ القرارات الشجاعة بالحضور في هذا المؤتمر، والاشتراك في المفاوضات.

   بالنسبة للمفاوضات النهائية، أريد أن أشير إلى مكان انعقادها، ويرى الراعيان، أن المفاوضات المباشرة الثنائية، من الأوقع أن تبدأ في مدريد، في أقرب فرصة ممكنة. وينوي الراعيان، أن يواصلا استشارة الأطراف، بهدف تلبية قضايا ومتطلبات الدعوة، حول هذا الموضوع. ومن منظور راعيَي المؤتمر، بل ومن منظور العالم، سوف يكون من العسير أن نفهم، الآن، لماذا يرفض طرف من الأطراف، أن يحضر المفاوضات الثنائية، لمجرد خلاف حول مكان انعقاد هذه المفاوضات.

   وأخيراً، أريد أن أشير إلى أن هناك اجتماعاً، سوف يعقد في غضون أسابيع، بين الأطراف المشاركة في المفاوضات المتعددة الجوانب، وذلك لتنظيم المفاوضات. وهذه المحادثات، سوف تركز على القضايا ذات الأهمية الحيوية للأطراف، في المنطقة. ولسوف تستكمل المفاوضات الثنائية، وأنا سعيد، لأن المفاوضات، من هذا الجانب، قد حظيت بدعم واسع، واهتمام بالغ، داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط.

   أما بالنسبة لبناء الثقة، فسوف يركز العديد منها، هذا الأسبوع، على ضرورة اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه: ونحن نؤمن، بأن تدابير الثقة ضرورية لعملية السلام، وللأطراف أنفسهم. وأريد أن أكون شديد الصراحة معكم، لأنكم زملاء، منذ اللقاء. في الشهر الماضي، أشار بعض الأطراف لاتخاذ خطوات لبناء الثقة. لقد نجحت، في واقع الأمر، في تحديد المواقف، ونجحت في تحديد من الذي يوقع على صلاحيات المؤتمر. وقد بدأت في عملية المفاوضات، التي يمكن أن تنجح. ولكن، أخفقتم في مواجهة مباشرة للبعد الإنساني، وإن شاهدت المنطقة مشاهدة فظيعة، لمعاناة البشرية والبؤس والحرمان والأبرياء من المدنيين، وهم ضحايا لتبادل النزاع. وكذلك رأيت اللاجئين والنازحين، يظهر عليهم البؤس، والأمهات والآباء، يشعرون بالخوف على مستقبل الأبناء، والأطفال يتعلمون العداء والخصوم والنزاع، بدلاً من الصداقة والمودة.

   إن الصيغ والصلاحيات والمفاوضات، لا تكفي. ولا يمكن أن تستمر عملية التفاوض، إلا إذا تعرضت جميع الأطراف للبعد الإنساني. يجب أن نتوصل إلى سبيل، يسمح لنا بإرسال إشارات السلام، بحيث تؤثر، إيجابياً، في شعوب المنطقة ويكمن في حين أن يقرر الطرف الآخر، أن بخطوة ما، كل منا يحتاج إلى البدء في هذه الخطوة تعرفون غيركم نحو المطلوب. من خلال المفاوضات، ومن خلال مثل هذه الخطوات وغيرها، يمكن أن تؤدي إلى احترام حق الآخرين. ويجب أن تعبّروا عن اهتمامكم بمخاوف الآخرين. ولا يمكن أن ننجح على هذه المائدة، إلا إذا وجدنا أساليب، لكي يحافظ بعضنا على بعض.

   إن التحديات الجديدة والعِقاب، في طريق السلام، متعددة. وقراراتكم، على مدى الشهور، قد أوجدت قاعدة للواقعية، والالتزام بالسلام. وهذا المؤتمر، كان حيوياً؛ إذ أزال حواجز الانفصال، وأقام فرصة، لكي يلتقي القادة العرب والإسرائيليون.

   اسمحوا لي بأن أخطابكم، شخصياً، بشكل مباشر. على مدى أربعين سنة، كان العالم ينتظر هذا الأسبوع، والشعوب المحبة للسلام، في كل مكان. حاولت أن أدعوكم، أنتم أصحاب النزاع الصعب، للاجتماع، للمناقشة. وقد بدأنا، بالفعل، هذا الأسبوع، في مدريد. كانت هذه البداية تاريخية، قامت بتعرية المحرمات. وهي بداية هامة، تتيح الفرص الجديدة. وإنها ليست إلا بداية. وهي بداية، لا تكفي. وأنتم المسؤولون عن عدم تحويل البداية إلى نهاية. وستتحملون مسؤوليات ضخمة، تجاه شعوبكم، الساعية للسلام، مسؤولية تجاه العالم، لبناء السلام العادل، والشامل، مسؤولية تجاه أنفسكم، بمعنى أن نقطع العلاقات عن الماضي، لاستشراف مستقبل جديد. فإن هذه الفرصة تاريخية، لما استطاع أحد، أن يقوم مقامكم، ولما اتّهم أحد غير أطراف هذه المنطقة بتفويت هذه الفرصة. عليكم، الآن، أن تتحملوا مصيركم، والعالم يتطلع إليكم، لكي تقوموا بخيار السلام.