إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









مقدمة

المبحث الثالث

طرفا الأزمة، بعد الحرب

(العراق ـ الكويت)

    قلبت أزمة الخليج كثيراً من الأوضاع والنظريات، السياسية والعسكرية. ولا شك أن القيادة العراقية، بغزوها الكويت، ضربت عرض الحائط بكل الحسابات المنطقية، واستمرت بقوة دفع غريبة إلى هاوية الحرب، دون أن تتمكن من تنفيذ أهدافها، أو وقف عجلات الحرب.

    لقد انتهت الحرب بصدمة مزدوجة للشعب العراقي. إذ تحمّل دماراً مذهلاً لكل ما أنجزه عبْر قرن كامل. كما اكتشف أنه لا بدّ أن يستمر في معاناة بقاء نظام حكمه، بعد إخفاق انتفاضته في مارس 1991.

   أما الطرف الآخر من الأزمة، وهو الكويت، فقد حققت له الحرب تحرير أرضه، وإعادة الشرعية إليه. ولكنه بدأ يواجه في إعادة بناء الدولة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مشاكل عديدة ناجمة عن احتلال العراق لدولة الكويت، نحو سبعة أشهر، دُمرت، خلالها، البِنية التحتية الكويتية، ومرافقها ومؤسساتها، ولا سيما النفطية منها، التي تُعَدّ عماد الاقتصاد الكويتي.

أولاً: العراق، بعد العاصفة، حتى نهاية عام 1991

    انتهت الحرب بتدمير معظم بنية العراق التحتية، وقدراته العسكرية. وقدر سعدون حمادي، الذي تولى رئاسة الوزارة العراقية، بعد الحرب، قِيمة الخسائر المدنية، من جراء القصف الجوي والأعمال العسكرية، بنحو 200 مليار دولار. كذلك رأى تقرير بعثة الأمم المتحدة، الذي رفع إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 17 يوليه 1991، أن الدمار الهائل، الذي تعرضت له البنية الأساسية للمجتمع والاقتصاد العراقيَّين، تصل، نسبته في حالات كثيرة، إلى نسبة 100%، ولا يقلّ، في الغالبية العظمى من الحالات، عن 20%. ويشمل ذلك محطات الكهرباء، والصرف الصحي، ومياه الشرب والجسور الرئيسية، ومنشآت إنتاج النفط وتكريره، والمنشآت الصناعية الكبرى، إلى جانب كل المنشآت والتسهيلات، التي قد يكون لها قِيمة عسكرية.

    وأمعنت الولايات المتحدة الأمريكية، في استخدام قرارات مجلس الأمن، لمواصلة تدمير قدرات العراق العسكرية والمدنية. فإضافة إلى القرارات الثلاث عشر، المتصلة بأزمة الخليج (من القرار الرقم 660 إلى القرار الرقم 686)، قبْل الوقف الفعلي للأعمال الحربية، أصدر مجلس الأمن أحد عشر قراراً إضافياً، بدأت بالقرار الرقم 687، الذي يوقف، رسمياً، الأعمال العسكرية لقوات التحالف، وانتهت بالقرار الرقم 715، وتهدف جميعها إلى إضعاف العراق، عسكرياً واقتصادياً. وتشمل تخصيص نسبة مئوية من مبيعات النفط العراقي، لدفع التعويضات عن أضرار الحرب؛ وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، بين العراق والكويت؛ وإلزام العراق بتدمير كافة أسلحة الدمار الشامل، والمواد المستخدمة في تصنيع الأسلحة، النووية والكيماوية، والصواريخ متوسطة المدى، تحت إشراف لجان من الأمم المتحدة.

   وواجه العراق، في الوقت نفسه، انقساماً حادّاً، داخل المجتمع العراقي، بتفجر الأزمات في المنطقة الشيعية في الجنوب، والمنطقة الكردية في الشمال[1]، مما أتاح الفرصة للولايات المتحدة الأمريكية، للتدخل في الشمال، متذرعة بإنشاء منطقة حماية للأكراد، بالتعاون مع الأمم المتحدة، بل حظرت منطقتَين على الطيران العراقي، في شمال خط العرض 36 ْ، وجنوب خط العرض 32 ْ، ما أثار إمكانية تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات. وتصاعدت الأزمات بين العراق والأمم المتحدة، من جديد، في كافة الخطوات التي تمارسها المنظمة الدولية، بضغط من واشنطن؛ ليس لهزيمة العراق، هذه المرة، ولكن لتدميره كل التدمير.

1. وضع العراق، الاقتصادي والعسكري، بعد الحرب

        لقد وجد الرئيس جورج بوش نفسه، بعد انتهاء المعارك، أمام موقفَين من العراق:

أ.  العراق الدولة، لم ينفرط عقده؛ وإنما بقي جهاز الدولة وبقيت له قوة تمكنه من ممارسة سلطته. ولم يكن الرئيس بوش يمانع في ذلك كثيراً.

ب. الرئيس صدام حسين، خرج من "عاصفة الصحراء"، وهو لا يزال على رأس السلطة في العراق، بل إنه نتيجة لتماسك الدولة، وتنامي قدرتها على السيطرة، استطاع تدعيم سلطته، بسرعة.

    ولم يكن في مقدور الرئيس بوش، أن يقنع العالم بأنه سيعود إلى ميدان القتال للخلاص فقط من شخص الرئيس صدام حسين، على الرغم من أن ذلك، كان من بين أولى أهدافه. واقتنع بأن الأيام كفيلة بأن تحقق له ما يريد، شريطة أن يواصل تشديد الضغط على العراق. وهذا ما راح يفعله بوسيلتَين:

·    تشديد الحصار الاقتصادي على العراق.

·    تدمير إمكاناته العسكرية الباقية، وبأسلوب، قصد أن يكون استفزازياً.

أ. البعد الأول، تشديد الحصار الاقتصادي

    خرج العراق من الحرب، في حالة اقتصادية صعبة؛ إذ لم تقتصر أضرارها على بِنيته الأساسية فحسب، وإنما تعدّتها إلى الغذاء والدواء وقطع الغيار، وغيرها من الحاجات الحيوية للشعب. وربما كان العراق يتوقع رفع العقوبات الاقتصادية عنه، ما دامت أهداف التحالف قد تحققت، وفي مقدمتها انسحابه من الكويت، وتقليص قوّته العسكرية.

    ورحّبت بغداد بكل بعثات التقصي الدولية. وكان الظن، أن تقارير هذه البعثات، سوف تكون مؤثرة في ضمير العالم، إلى حدٍّ، يجعل رفع العقوبات عنه ممكناً، حتى يستطيع تصدير نفطه، واستيراد حاجاته. لكن الولايات المتحدة الأمريكية، وقفت له بالمرصاد.

    وعلى الرغم من الصورة الإنسانية المؤثرة، لما يواجهه الشعب العراقي، التي تضمنها تقرير بعثة الأمم المتحدة، التي رأسها الأمير صدر الدين أغاخان، والمرفوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 17 يوليه 1991 ـ فإن كل ما أمكن مجلس الأمن أن يفعله، هو أن يصرح للعراق ببيع نفط، تصل قيمته إلى قرابة ملياري دولار. ثم ألحقت بذلك شروط، وجدها العراق مستحيلة، بالنسبة إليه؛ إذ نص قرار مجلس الأمن على "الاحتفاظ بجزء من مبيعات النفط العراقي، في مصلحة التعويض عن أضرار الحرب". كما اشترط مجلس الأمن، أن يكون شراء حاجات العراق وتوزيعها، بمعرفة الأمم المتحدة وإشرافها.

(1) الاقتصاد العراقي، بعد الحرب

    أدى الدمار الاقتصادي، الناجم عن حرب الخليج، إلى تراكم أعباء جديدة على اقتصاد، يُعاني، أساساً، من أعباء حرب، انتهت قبل سنتَين فقط[2]. واتخذ دمار الاقتصاد العراقي وجوهاً شتى، منها:

(أ)    دمار الموجودات، العسكرية وغير العسكرية.

(ب) الدمار والتخريب للبِنية التحتية، والقطاعات الاقتصادية الأخرى.

    وقدرت دراسة للأمم المتحدة نفقة القيمة الاستبدالية، لأنظمة توليد الطاقة الكهربائية، بما يُعادل 20 مليار دولار. وأشار التقرير الاقتصادي العربي المشترك إلى أن إجمالي قِيمة الموجودات المدمرة، يتجاوز 232 مليار دولار. أضف إلى ذلك قيمة الإنتاج المفقود، ونفقة استبدال المعدات العسكرية، والخسائر الناتجة من التضخم، وتآكّل قيمة الدينار. والخسائر الأكثر وضوحاً، تتجلى في الإيرادات النفطية، التي تعادل، بحسب تقديرات الحكومة العراقية، 22 مليار دولار، سنوياً، تمثل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، المقدَّر بنحو 55.5 مليار دولار. ويؤكد هذا الحجم الضخم، من الإيرادات النفطية، الأثر التدميري في الاستهلاك، الخاص والعام، والإنفاق التنموي، واستثمارات القطاع الخاص، إضافة إلى آثار المقاطعة في حجم الاستيراد.

    كما أن اقتصاداً مفتوحاً، كالاقتصاد العراقي، لا تقتصر المقاطعة الاقتصادية له، على التأثير في المتاح من السلع الاستهلاكية فقط، وإنما تتخطاه إلى تقليص المدخرات والسلع الرأسمالية، الضرورية لتشغيل كافة قطاعات الاقتصاد الوطني. وهو ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج، وزيادة حجم التضخم.

(2) أثر المقاطعة في الدخل الفردي، والاستهلاك، ونفقة المعيشة

    بعد مرور عام على المقاطعة الاقتصادية، وصلت معدلات التضخم إلى نسبة 2000%. في حين استمرت أجور الغالبية العظمى من السكان على حالها. بينما انتفع بعض العراقيين، في شكل أو آخر، بالأرباح الكبيرة للقطاع الخاص.

    كذلك، فإن حصة الفرد، بالنسبة إلى إجمالي الدخل المحلي، قد تدهورت تدهوراً ملحوظاً، من 4083 دولاراً، عام 1980، إلى 1756 دولاراً، عام 1988، ثم إلى 627 دولاراً، عام 1991. فارتفعت أسعار المواد الغذائية، بزيادة راوحت بين 1500 و2000% في السنة. وراوح تراجع القوة الشرائية للدخل الفردي، المخصص للمواد الغذائية، بين 15 و20%.

(3) مشاكل ما بعد الحرب (العقوبات ـ التعويضات ـ الديون ـ إعادة البناء)

(أ) العقوبات الدولية

    مع استمرار المقاطعة المفروضة على العراق، بعد انتهاء الحرب، استمر الركود أو التراجع الاقتصادي. كما أن قائمة المطالب، العسكرية والسياسية والاقتصادية والجغرافية، التي يجب على العراق الإذعان لها، من أجْل رفع العقوبات، قد ثبتت بقرارات مجلس الأمن، الأرقام 687 و 688 و 705 و 706 و 707 و 712 و 715 ، خلال عام 1991.

    وتجلت ملامح العقوبات الدولية الخطيرة، في السماح للعراق بتقديم طلب، يَسْمح له بممارسة التجارة، خصوصاً الكميات النفطية، التي يمكنه بيعها، ومنافذ تصديرها؛ وكميات السلع وأنواعها، التي يستطيع استيرادها.

    وإضافة إلى ذلك، اشترط قرار وقف إطلاق النار، الرقم 687، الصادر في 3 أبريل 1991، تأسيس صندوق تعويضات خاص، تديره الأمم المتحدة، يخصص له نسبة مئوية من إيرادات العراق النفطية، لدفع التعويضات عن أي خسائر أو أضرار مباشرة، تسبب بها، ومن ضمنها الإضرار بالبيئة، ونضوب الموارد الطبيعية. كذلك خسائر الحكومات الأجنبية، أشخاصاً ومؤسسات، الناجمة عن غزو الكويت. وموافقة العراق على هذا القرار، إنما تعني قبوله رهن إيراداته النفطية، لفترة زمنية طويلة.

    وتوضح القيود، التي فرضها قرارَا مجلس الأمن، الرقمان 705 و706، في 15 أغسطس 1991، أبعاد الرقابة، التي يستطيع المجلس ممارستها على الاقتصاد العراقي. فقرار مجلس الأمن الرقم 705، حدد قيمة التعويضات بألا تتجاوز نسبة 30% من القيمة السنوية لصادرات النفط العراقية ومنتجاته. ففي ظل القرار الرقم 706، سُمح للعراق ببيع كمية محدودة من النفط، بقيمة مليار واحد و600 مليون دولار، لفترة ستة أشهر، تتيح له شراء الحاجات الإنسانية للشعب العراقي، وتمويل التعويضات، كذلك.

    وعلى الرغم من حق العراق في اختيار المشترين، إلاّ أن ذلك خضع لموافقة لجنة العقوبات، التابعة للأمم المتحدة. كما فرض القرار قيوداً أخرى، شملت ضرورة إيداع مشتري النفط العراقي، كامل قيمته حساباً خاصاً، باسم الأمم المتحدة، ويُدار من قبلها. كما اشترط أن يُصدَّر النفط عبْر الأنبوب التركي، مع وجود مراقبين من الأمم المتحدة، على امتداد الأنبوب، وفي ميناء التحميل، لضمان الإذعان للقرار. إضافة إلى ذلك، لا يستطيع العراق أن يحصل على كامل قيمة صادراته، في ضوء اشتراط القرار اقتطاع 30%، أو 480 مليون دولار، لإيداعها صندوق التعويضات، و186 مليون دولار، لاستخدامها في تغطية نفقات العمليات، التي تنهض بها الوكالات المختلفة للأمم المتحدة. ويمكن العراق أن يستخدم المبلغ المتبقي، شريطة مصادقة لجنة المقاطعة التابعة للأمم المتحدة، في شراء الأغذية والتجهيزات الطبية، وغيرها من الحاجات الإنسانية الضرورية، لتوزيعها في العراق. كما أن دفع قيمة المشتريات من الحساب الخاص، المشار إليه، يخضع لمصادقة الأمين العام للأمم المتحدة.

    وهكذا، قُيِّدَت حرية العراق في التصرف في ماله، مما حمل سفيره إلى الأمم المتحدة، على القول، إن تلك القيود، تمثل وصاية على العراق.

    وعلى الرغم من استمرار العقوبات، فقد تمكن العراق من توفير مبالغ صغيرة، من العملات الأجنبية، من مصادر مختلفة، مثل بيع كميات صغيرة من النفط للأردن وتركيا، وبيع الذهب من قِبل الحكومة والقطاع الخاص، مع تهريب بعض معدات القطاع العام إلى إيران، وتسييل أرصدة العملات الأجنبية، المملوكة من قِبل الأفراد، لتمويل التجارة، إضافة إلى إطلاق بعض الحكومات الأجنبية للموجودات العراقية المجمدة لديها. واستخدمت هذه الإيرادات، من العملات الأجنبية، من قِبل الحكومة والقطاع الخاص، في استيراد كميات قليلة من الأغذية والأدوية، وغيرها من السلع الاستهلاكية. إضافة إلى إصلاح بعض الأضرار، التي لحقت بالبِنية التحتية، خلال الحرب.

    وواقع الأمر، إن استمرار المقاطعة؛ مع رفض الحكومة قبول المبيعات المحدودة من النفط، التي يسمح بها قرار مجلس الأمن الدولي؛ ونجاح النظام الحاكم في توفير عملات أجنبية، خارج القنوات التقليدية ـ أدت جميعها ليس إلى البطء في عملية الإصلاح فقط، بل قادت إلى انقطاعات في الإنتاج، كذلك، بل أدت إلى توقف الصناعة المحلية، وإغلاق آلاف المصانع، وتسريح عمالها. وهو ما أدى إلى تفاقم معدلات البطالة، داخل العراق، التي بلغت حدّاً، لم تبلغه، بحسب تصريحات الحكومة، في تاريخ العراق الحديث.

    ومع استمرار المقاطعة، وتراجع قِيمة العملة العراقية تجاه الدولار، واستمرار تصاعد الأسعار، تعمقت حالة الفقر، لشرائح الطبقة الوسطى من المجتمع العراقي؛ مع تزايد مشكلة التضخم.

(ب) أعباء تعويضات الحرب

    تُعَدّ مسألة تعويضات الحرب من المسائل، التي أثرت تأثيراً كبيراً في إمكانية انتعاش الاقتصاد العراقي، بعد الحرب، إذ قدر صندوق التعويضات أضرار، البِنية التحتية الكويتية، التي سببها احتلال العراق للكويت، بما يُعادل 100 مليار دولار. كما قدر حجم التعويضات إلى إيران، عن الخسائر الاقتصادية، التي تكبدتها من جراء الحرب (1980 ـ 1988)، بما يعادل 97 مليار دولار.

(ج) أعباء الديون الخارجية

    قدرت ديون العراق الخارجية، حتى نهاية عام 1990، بما يعادل 86 مليار دولار. منها 35 ملياراً لدول ومصارف غربية، و11 ملياراً للاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، و40 ملياراً لدول عربية.

    ورأى العراق، أن الأرصدة، التي نالها من دول الخليج، خلال حربه ضد إيران، إنما هي منح. وأوضح موقفه هذا، جلياً، للأمم المتحدة. وأكد أن حجم ديونه والتزاماته الخارجية، هي 42.1 مليار دولار فقط. حتى لو قُبِل هذا الرقم، فإن الالتزامات الفعلية، ستبلغ، عند رغبة العراق في دفع ديونه، خلال خمس سنوات، نحو 75.1 مليار دولار.

(د) أعباء إعادة البناء

    قدر التقرير الاقتصادي العربي المشترك، قِيمة البِنية التحتية، والموجودات الاقتصادية الأخرى، التي دمرتها حرب الخليج، عام 1991، بما يُعادل 232 مليار دولار. ويمكن الافتراض، أن نفقة استبدال هذه الموجودات، هي، بالتأكيد، أعلى من الرقم المشار إليه. أضف إلى ذلك، أن الأصول المدمرة، خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، يقدَّر إصلاحها أو استبدالها بنحو 67 مليار دولار.

    واستطراداً، فإن الحصيلة الإجمالية، سواء للعقوبات أو التعويضات أو الديون، قد تصل إلى 586 مليار دولار، أي ما يماثل، تقريباً، 60 مرة من إجمالي الدخل العراقي الفعلي، بعد الحرب. وهو، في الواقع، جوهر المشكلة الاقتصادية في العراق.

    لا شك أن هذه الأرقام، أهملت نوعيات أخرى من الخسائر المهمة، مثل استنزاف الاحتياطيات الأجنبية، خسائر إيرادات النفط، نضوب المخزون السلعي، التجهيزات العسكرية، فقدان الناتج، خسارة النمو، القوة البشرية، وهجرة المتعلمين والمهنيين.

(3) مشكلة التضخم، بعد الحرب

    تفاقمت مشكلة التضخم، نتيجة إهمال حزب "البعث"، الحاكم في العراق، تطوير قطاعَي الزراعة والصناعة، وتركيزه في الاستثمار في قطاع النفط. فتعمقت تبعية الاقتصاد للنفط، وأصبحت ظاهرة ثابتة. وكشفت الحرب العراقية ـ الإيرانية، الضعف السياسي للاقتصاد العراقي، نتيجة اعتماده الكلي على السلع المستوردة، والمساعدات الخارجية، والقروض الأجنبية، بينما تراجعت إيراداته النفطية. ومن ثم، قفزت معدلات التضخم، لتتجاوز إمكانات التحكم فيها، أو السيطرة عليها.

    واستفحل التضخم، خلال سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية، لإيثار الجانب العسكري بنسبة كبيرة من الدخل القومي. فقفزت معدلات التضخم من 95%، عام 1980، إلى 400% عام 1989. ومع فرض نظام العقوبات على الاقتصاد العراقي، استشرى التضخم، ليزداد على 1000%، سنوياً. وقد تحملت غالبية السكان هذا العبء، سواء في القوة الشرائية أو مستوى المعيشة.

    ولهذا النوع من التضخم، آثار أخرى في الاقتصاد. فمع تناقص قِيمة العملة، يعمد المواطنون إلى تصفية أصولهم السائلة، كالعملات والودائع، وتحويلها إلى أصول أخرى، مثل الأراضي والأبنية والسلع المعمرة والذهب، التي تتجه نحو الزيادة، نتيجة لهذا التضخم. أضف إلى ذلك لجوء بعض المواطنين إلى تحويل ثرواتهم إلى عملات أجنبية، أودعوها الخارج، مما عزز ظاهرة ما يطلق عليه "هروب رأس المال".

    والواقع، أن تجميد الأصول العراقية، والعقوبات الدولية، والنقص الحاد في كافة السلع الاستهلاكية، ومعدلات البطالة العالية، وانهيار الاقتصاد، والخوف العام، وانعدام الثقة بالمستقبل ـ كلها عوامل، أسهمت في انهيار قِيمة الدينار إلى 5 سنتات أمريكية، بل سنتَين، وفي بعض الأحيان، إلى سنت واحد.

    ودعماً للدينار، اتخذت الحكومة العراقية قراراً، يسحب من التداول ورقة العملة، من فئة 25 ديناراً، التي طبعت في بريطانيا، قبل حرب الخليج. وأدى هذا الإجراء إلى إلغاء ما قيمته 15 مليار دولار، يمتلكها الأردنيون فقط، تراكمت لديهم، من جراء قبولهم التعامل بالدينار العراقي، في دفع قِيمة السلع المصدرة إلى العراق، أو المستوردة منه، بموافقة السلطات العراقية. وعلى الرغم من منافع ذلك الظاهرة، والقصيرة الأمد، إلاّ أنه تركت آثاراً سلبية، في الأمد البعيد، إذ سيمتنع المصدرون الأجانب عن قبول الدينار العراقي، وهو ما يعني ضرورة توفير العملات الأجنبية، لكافة المشتريات من الخارج.

ب. البعد الثاني، تدمير إمكانات العراق العسكرية الباقية

    يتمثل في تدمير ما بقي من إمكانات عسكرية، غير تقليدية، وبطريقة استفزازية. وانبرت له الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، متذرعتَين بقرارات مجلس الأمن.

    كانت البداية، هي صدور قرار مجلس الأمن، الرقم 687، في 3 أبريل 1991، الذي ينص، في "البند 8 ج"، على أن يقبل العراق، من دون أي شرط، وتحت إشراف دولي، تدمير ما يلي، أو إزالته، أو جعله عديم الضرر:

·   كافة الأسلحة، الكيماوية والبيولوجية؛ وشتّى مخزونات العوامل الكيماوية، وجميع ما يتصل بها، من منظومات فرعية، ومكونات؛ وكل مرافق البحث والتطوير والدعم والتصنيع.

·   كافة القذائف الصاروخية، التي يزيد مداها على مائة وخمسين كيلومتراً، والقطع الرئيسية المتصلة بها، ومرافق إصلاحها وإنتاجها.

·   تشكيل لجنة خاصة، تبادر، من الفور، إلى أعمال تفتيش على قدرات العراق، البيولوجية والكيماوية، وما يتعلق منها بالقذائف، استناداً إلى تصريحات العراق، وما تعينه اللجنة الخاصة نفسها من المواقع الإضافية.

        استجاب العراق، وقدم القائمة الأولى المطلوبة منه. وكانت كما يلي:

(1)  مختبرات بحث وتطوير: خمسة مواقع، يضم كل منها خمسة معامل (دمرت أثناء الحرب).

(2)  مصنع لإنتاج مادة الزارين: دُمر أثناء الحرب.

(3)  مصنع لإنتاج غاز الخردل: دُمر أثناء الحرب.

(4)  موقع لإنتاج غاز التابون: دُمر أثناء الحرب.

(5)  موقع لإنتاج المواد الوسيطة، يضم أربعة مصانع: دمر أثناء الحرب.

(6)  خمسة مصانع لإنتاج قذائف المدفعية والهاون وقذائف الطائرات والصواريخ: دمرت جميعها أثناء الحرب.

(7)  رؤوس صواريخ حربية، عيار 122 مم، معبأة بغاز الزارين، وعددها 6620 رأساً صاروخياً. وكذلك صواريخ من نوع (صقر ـ 30)، وعددها 2500 صاروخ، وهي معبأة بغاز الزارين (جميعها دمرت تحت الأنقاض).

(8)  قنابل طائرات من نوع (D.B-2)، معبأة بغاز الزارين، وعددها 600 قنبلة (دمر مخزنها تدميراً تاماً).

(9)  مخزونات من غاز الزارين، حجمها 25 طناً. ومواد وسيطة، لإعداد غاز التابون، تركيبة (B.W.S.B-3)، يصل حجمها إلى 500 طن. وكمية من غاز الخردل، مصنعة تصنيعاً نهائياً، وحجمها 280 طناً.

        ثم تقدم العراق بالقائمة الثانية، التي تشمل توزيع الأسلحة الكيماوية، في قواعد العمليات، كالآتي:

(1)  336 قنبلة غاز كيماوي مزدوج، من منتج الزارين، معبأة في قنابل للطائرات، في قاعدة "الوليد" الجوية.

(2)  140 قنبلة طائرات، عيار 155 مم، معبأة بغاز الخردل، في ميدان التدريب على الأسلحة الكيماوية، في منطقة الفالوجا.

    ثم لحقت بها قائمة ثالثة، ضمت 200 صاروخ، من طراز "سكود" و"الحسين". ومع أن القوائم الثلاث، كانت تشتمل على ترسانة، كيماوية وصاروخية، ضخمة، إلاّ أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لم تقتنعا بأن هذا هو كل شئ لدى العراق. وقرر مجلس الأمن إرسال بعثات، تفتش المواقع العراقية، التي تختارها. كما عمدت طائرات الاستطلاع الأمريكية، إلى التصوير المستمر للعراق، حتى تكون هناك صورة مجددة، وحديثة، لجميع المواقع العراقية. كما أعلن الرئيس بوش، أنه إذا لم تتمكن بعثات التفتيش على الأسلحة، من الذهاب إلى أي موقع تختاره، فإنه سيأمر الطيران الأمريكي بمعاودة قصف العراق.




[1] كانت أولى النتائج التي برزت بعد العصيان الذي اتخذ لنفسه وجهاً شيعياً في جنوب العراق، هو ظهور حكومة مؤقتة شيعية الهوية مقرها في طهران، ويتصدر حقوقها (محمد باقر الحكيم). كما كانت هناك صيحة خليجية من أنه إذا نجح الشيعة في الجنوب واستولوا على بغداد، أو إذا أقاموا دولة لهم في جنوب العراق وحده، فإن المد الشيعي من هناك سوف يصل إلى الكويت، وإلى البحرين، ويندفع ثم يندفع إلى مناطق أخرى بالخليج، وهناك تكون الكارثة.

[2] انتهت الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1988، أي قبل حرب الخليج الثانية بنحو عامين.

[3] من المعروف أن ديفيد كاي` قام بالاتصال بواشنطن وأبلغها بالمعلومات التي أمسك بها في يديه، وقد اعتذرت الأمم المتحدة في اليوم التالي قائلة أن رئيس بعثتها (ديفيد كاي) تعدى اختصاصاته بالاتصال مباشرة بالخارجية الأمريكية في حين كان يتحتم عليه أن يقصر اتصاله على الأمم المتحدة في نيويورك. ولم يغير اعتذار الأمم المتحدة من الحقيقة في شئ.

[4] يضم الحزب الماركسي الكردستاني نحو 2000 ـ 4000 رجل نظامي، ونحو 5000 ـ 10000 رجل غير نظامي.

[5] قوة عراقية شيعية في المنفى قوامها 5000 ـ 7000 رجل بقيادة محمد باقر الحكيم.

[6] تصل مساحة هذه المنطقة نحو 6000 ميل مربع.

[7] قامت إيران بإرسال 12 مقاتلة F-4) ، (F-5 لمهاجمة معسكر اسراف الذي يضم مجاهدي خلق وهي حركة معارضة ماركسية إيرانية على بعد 60 كيلومتر شمال شرقي بغداد، وقامت الطائرات بالهجوم على ست موجات وألقت قنابل عنقودية وصواريخ حارقة، وردت العراق بهجوم بقوة عشرة مقاتلات، لأول مرة منذ حرب الخليج، كما استخدمت المدفعية والطائرات العمودية المسلحة، وسقطت طائرة (F-4) إيرانية بنيران وسائل الدفاع الجوي العراقية.

[8] كان يتوفر لدى الولايات المتحدة الأمريكية، 18 سفينة في الخليج، وحاملة الطائرات (اندبندنس) وعلى متنها 60 طائرة قتال، منها 24 طائرة (F-14 A) (F-18A). كما شملت القوة البحرية على: ثلاثة طرادات، وثلاث فرقاطات، وسفينة إبرار، وثلاث سفن معاونة، وسفينة قيادة، ومدمرتان، إضافة إلى مدمرتين، وفرقاطة، وسفينة معاونة، في البحر الأحمر.

[9] جاء ذلك في تصريح لرئيس اللجنة المالية في مجلس الأمة الكويتي "النائب إسماعيل الشطي".

[10] بالإضافة إلى هذه التجميعات السبع، توجد الجمعية الثقافية والاجتماعية وتعبر عن الشيعة، ولكنها لا تمارس أي نشاط حيث أقدمت السلطة السياسية في الكويت على حل مجلس إدارتها.

[11] التكتل النيابي: يعد أسبق التجمعات السياسية في مجال العمل السياسي حيث أنه بدأ نشاطه منذ عام 1989 بعد العريضة الشعبية التي تقدم بها أمير دولة الكويت مطالباً بإعادة الحياة الدستورية.